عالم الجزيرة

مهاجرو أوروبا الجدد

يضطر آلاف الأوروبيين إلى الهجرة باتجاه المستعمرات السابقة لبلدانهم في أفريقيا وأميركا اللاتينية، وذلك في ظل الأزمة الاقتصادية الصعبة التي تعيشها هذه الدول.

ترك مئات آلاف الأوروبيين في السنوات الخمس الأخيرة أوطانهم وعبروا البحار في رحلة بحث عن حياة أفضل، العديد من الذين يئسوا من العثور على وظائف اتجهوا إلى المستعمرات السابقة في أميركا اللاتينية وأفريقيا، والتي باتت أكثر ازدهارا من بلدانهم، في هجرة عكسية لأنماط الهجرة المعروفة.

في شوارع قلب مدريد يوجد غضب وخيبة أمل أدت إلى موجة جديدة من الهجرة الأوروبية، فوجود ما يفوق خمسة ملايين عاطل عن العمل، وميزانية سمتها التقشف القاسي وفضائح فساد مالي مستشرية في الأوساط السياسية العليا، كل ذلك دفع بالمواطنين الغاضبين إلى الخروج بأعداد كبيرة إلى الشوارع.

لكن إسبانيا ليست الوحيدة في هذا الوضع، فالعاصمة البرتغالية لشبونة تعيش اتجاها جديدا غير معهود ما كان لأحد أن يفكر في أنها ستمر بها قبل ست سنين خلت، فمن يقف في طوابير أمام سفارات دول أفريقية هم مواطنون من الاتحاد الأوروبي يتقدمون بطلبات للحصول على تأشيرة.

وتمثل المستعمرات البرتغالية، مثل أنغولا وموزمبيق والبرازيل، أكثر الوجهات شهرة للمواطنين البرتغاليين خارج دول الاتحاد الأوروبي، وقد تضاعف عدد المهاجرين ثلاث مرات منذ السنة الماضية، فالوضع الصعب في البرتغال أدى إلى موجة هجرة من أوروبا لم يعرف لها مثيل منذ نصف قرن.

ما الذي يجعل من موزمبيق على وجه التحديد بلدا جاذبا إلى هذا الحد للعديدين؟ فهو أحد أفقر بلدان العالم، ونصف سكانه يعيشون على حوالي يورو واحد في اليوم.  

الجواب هو أن موزمبيق يوجد في خضم طفرة بفضل اكتشاف حقول غاز ضخمة ومناجم للفحم في المنطقة الشمالية للبلاد، وقد جذبت هذه المشاريع الضخمة مستثمرين من مختلف دول العالم، وباتت الحاجة ملحة إلى توظيف عمال مؤهلين، وهناك أموال طائلة تتدفق على هذا البلد من الصين والبرازيل والهند وأوروبا. وفي الوقت الذي سجلت فيه الاقتصادات الأوروبية ركودا عام 2012، ينمو اقتصاد موزمبيق بمعدل 8%.

لكن الحكومة الموزمبيقية شددت من شروط الدخول إلى أراضيها، وأولئك الذين لم يُمنحوا تأشيرة دخول في بلدانهم الأصلية يعادون إلى وجهات قدومهم فورا.

وتقول مديرة شؤون الموظفين في عيادة طبية أنطونيا خورخي إن نظرتهم إلى الأوروبيين كانت مختلفة، حيث لم ينظروا إليهم مطلقا على أنهم يحتاجون إلى القدوم إلى أفريقيا سعيا وراء حياة أفضل. و"الآن، كل هؤلاء البرتغاليين…؟! إنها سخرية التاريخ. لقد أتوا من قبل لاحتلالنا، وكوننا اليوم نستطيع مساعدتهم هو أمر أجده ممتعا بطريقة ما. أرى أن ما حدث مع هذه الحركة الجديدة للهجرة هو أن الطاولات قد قلبت، إنها نقطة تحول مفصلية".

هل يعيد التاريخ نفسه؟
في منتصف القرن العشرين، غادر ملايين الأوروبيين بلدانهم بسبب الجوع والحرب والاضطهاد، بحثا عن بدايات جديدة لحياتهم في أميركا اللاتينية، وقد كانت الأوضاع الاقتصادية والسياسية في كامل القارة الأميركية أفضل من نظيرتها في القارة العجوز.

تصطف طوابير طويلة أمام مكتب الهجرة، ولا يحتاج الوافدون الجدد أكثر من جواز سفر وشهادة من الشرطة، وتضمن لهم القوانين الجديدة الحق في العلاج والتعليم وتمنحهم الحق في الإقامة حتى إن لم يكن لهم عمل. وفي العقود القليلة الماضية كان أغلب المهاجرين يأتون من البلدان الجارة: الباراغواي والبيرو وبوليفيا، الذين عادة يشكلون فئة العمال.

غير أن الأمور تبدو أكثر صعوبة للمهاجرين في عاصمة الأورغواي التي لطالما كانت ملاذا آمنا للأوروبيين الذين يمرون بأوقات عصيبة. فوتيرة الحياة هنا أقل سرعة من مثيلتها في الجارة الأرجنتين، والوضع الاقتصادي مستقر. لكن تكاليف المعيشة أعلى والرواتب متواضعة "على المهاجرين الاقتصاديين الأوروبيين أن يقنعوا بالقليل"، هذا ما تقوله المهندسة الشابة، باتريسيا بازتان.