
فلول بلغاريا
بلغاريا، جوهرة البلقان الباهتة وأبعد جزء من الاتحاد الأوربي وآخر بلدان الكتلة السوفياتية التي اعتمدت النظام الديمقراطي، تقف حاليا على حافة الانهيار، فالاحتجاجات هناك متواصلة منذ أكثر من عام ضد الحكومات المتعاقبة لأن الشعب لا يرى فيها أكثر من دمى لبقايا الشرطة السرية الشيوعية بمظهرها الأوليغاري الجديد.
وتستمر هيمنة عناصر جهاز المخابرات للنظام البائد على الحياة العامة في البلاد، وعلى قطاعات مهمة مثل الإعلام والرياضة، كما كان هذا الجهاز قد تغلغل داخل الكنيسة الأرثوذكسية خلال الحقبة الشيوعية، وإرثه لا يزال حيا يرزق. ويعد البطريرك الحالي نيوفايت واحدا من أحد عشرة أساقفة آخرين ما زالوا في الخدمة من بين خمسة عشر كانوا مخبرين تجسسوا على رعيتهم لصالح النظام الشيوعي.
وتقول إيكاترينا بونتشيفا، عضو لجنة الإفراج عن الوثائق الاستخبارية الشيوعية لحلقة 9/11/2014 من برنامج "عالم الجزيرة"، إن بلغاريا خبرت الشيوعية لمدة خمسة وأربعين عاما، ولذلك تريد تنظيف المجتمع منها، وتشير إلى أن هؤلاء الأساقفة تجسسوا على بعضهم وأعطوا معلومات عن زملائهم من الأديان الأخرى.
كان رئيس الوزراء بويكو بوريسوف، بطل الكاراتيه، امتدادا لشريحة من رياضيي الحقبة الشيوعية الذين هيمنوا على النخبة السياسية والتجارية في بلغاريا، والذين تقول المعارضة إنه خلال الحقبة الشيوعية كانوا يتمتعون بامتيازات وإنهم ذعروا من زوالها عندما انهار حائط برلين |
في الإعلام البلغاري، وضع مشروع قانون الجريمة الجديد حرية الصحافة على قدم المساواة مع روسيا في عهد الرئيس فلاديمير بوتين. ويؤكد محامي حرية الوصول إلى المعلومات ألكساندر كاشوموف أن أحكام هذا القانون ليست في صالح من يريد تسريب معلومات سرية، فيمكن أن يستغل ضد وسائل الإعلام أو الصحفيين الذين ينشرون معلومات سرية تكشف فسادا أو تجاوزات.
في "فارنا"، ثاني أكبر المدن البلغارية على ساحل البحر الأسود، انطلقت قبل عام شرارة الاضطرابات احتجاجا على الحكومة وعلى إدارة المدينة بسبب منحها عقودا سنوية مربحة لشركة أمنية تدعى "تيم"، مؤسسوها هم ضباط شيوعيون سابقون من الأجهزة الأمنية السرية.
كبير المحللين ببرنامج الأمن في مركز الدراسات الديمقراطية فيلب غونيف يقول إن تيم التي هي واحدة من أكبر الإمبراطوريات التجارية، تحوم حول أصولها شبهات إجرامية، وقد وجد مؤسسوها طريقة لشرعنة نشاطهم واحتكروا شمال شرق بلغاريا بأسره.
امتيازات
وفي الثاني والعشرين من فبراير/شباط من العام الماضي اتجه بلامن غورانوف بهدوء صوب مجلس "فارنا" يحمل لافتة تدعو إلى استقالة العمدة، ثم بلل نفسه بالبنزين، وحالما اقترب منه رجال الأمن أشعل النار في جسده. وأشعلت تضحية غورانوف موجة من الاحتجاجات شهدت استقالات جماعية في حكومة رئيس الوزراء بويكو بوريسوف في محاولة فاشلة لاحتواء الاضطرابات.
وكان بوريسوف، بطل الكاراتيه، امتدادا لشريحة من رياضيي الحقبة الشيوعية الذين هيمنوا على النخبة السياسية والتجارية في بلغاريا، والذين تقول المعارضة إنه خلال الحقبة الشيوعية كانوا يتمتعون بامتيازات وإنهم ذعروا من زوالها عندما انهار حائط برلين. وبحسب الروائي البلغاري البارز فلاديمر زاريف الذي كتب عن تلك الحقبة، فإن أجهزة المخابرات استخدمت هؤلاء الرياضيين استخداما جيدا.
وبحسب ما يؤكد كبير المحللين ببرنامج الأمن بمركز الدراسات الديمقراطية، فهناك عدد من أكثر رجال الأعمال ثراء في بلغاريا ممن لديهم هذه الخلفية برياضات مثل المصارعة والفنون القتالية، ومنهم من أصبح رئيسا للوزراء، ومنهم من أصبحوا أعضاء في البرلمان وأعضاء في البرلمان الأوروبي على غرار بطل التايكواندو السابق سلافي بينيف الذي أنشأ مؤخرا حزبا سياسيا.
كما عين دليان بيفسكي، وهو أكبر قطب للإعلام في البلاد، رئيسا لوكالة جديدة لمكافحة الفساد، رغم أنه -وفق ما يقول كبير المحللين ببرنامج الأمن بمركز الدراسات الديمقراطية- خضع في الماضي للتحقيق في قضايا فساد وابتزاز أموال.
وقد أثار السماح لبيفسكي في أكتوبر/تشرين الأول بالعودة إلى البرلمان رغم استقالته موجة غضب في البلاد في يونيو/حزيران من العام الماضي، حيث تظاهر آلاف الطلبة وسيطروا على جامعة صوفيا التي تبعد مسافة مائتي متر عن البرلمان.
وقد كانت نقطة تحول أن يقف الطلبة رمز جيل الشباب بوجه الحرس القديم، وقد استأجرت الحكومة غوغائيين لسحق الحركة الطلابية لكن الشعب يقف خلف هذه الحركة.