برامج متفرقة

الجيش التونسي استثناء.. ماذا فعلت الجيوش العربية بربيع بلادها؟

منذ نيل البلدان العربية الاستقلال من الاستعمار الأجنبي حتى انطلاق ثورات الربيع العربي كانت المؤسسات العسكرية رقما أساسيا في كل التحولات، وآخرها كان في السودان والجزائر حيث أمسك الجيشان زمام الأمور.

وفي الوقت الذي أعلن فيه الجيشان السوداني والجزائري تبنّيهما مطالب الثوار، وتعهّدا بالإشراف على مرحلة انتقالية تقود إلى الدولة التي تنشدها الشعوب، كان الأمر مختلفا في مصر وسوريا وليبيا واليمن، لتبقى تونس هي الاستثناء إذ تعامل الجيش مع ثورة الشعب بطريقة مختلفة، واستمر على عقيدته القائمة على حماية الدولة من دون التدخل في شؤونها الداخلية.

وأُسس الجيش التونسي في 30 يونيو/حزيران 1956 في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة على أساس حماية البلاد والعمل على تنميتها بعيدا عن العمل السياسي، ولم يخرج عن هدفه إلا في الكوارث الطبيعية، وفي بعض المرات لإخماد انقلابات عسكرية، والتصدي لانتفاضات شعبية عجز الأمن عن إيقافها.

واستثمر الرئيس السابق زين العابدين بن علي الفرصة التي كانت أمامه للوصول إلى السلطة والانقلاب على بورقيبة الذي كان مسنّا آنذاك، وقام على الفور بتفعيل المحاكم العسكرية لإشراك الجيش في معركته ضد المعارضين السياسيين خصوصا الحركة الإسلامية.

ووفقا للوثائقي "جيش الربيع" الذي بثّت فيه الجزيرة مساء 2021/1/3 شهادات لمتهمين بتدبير محاولة انقلاب ضد نظام بن علي، أكدوا فيها براءتهم وأن التهم لفّقها لهم نظام بن علي لتسويغ تعزيز قبضته الأمنية، وتحدث بعضهم عن ألوان التعذيب التي تعرضوا لها أثناء جلسات التحقيق، واصفين ذلك ببدء سيطرة أمن الدولة على الحكم وتحييد الجيش.

ومع الاحتجاجات التي شهدتها البلاد أواخر عام 2010 كان الجيش يتحيّن الفرصة للرد على بن علي وقبضته الأمنية، وكان للجنرال رشيد عمار دور محوري في ثورة يناير/كانون الثاني 2011، فقد نزل الجيش إلى الشارع لفك الاشتباك بين القوات الأمنية وجموع المحتجين، وعمل على تغطية الفراغ الذي تركه انهيار المنظومة الأمنية في البلاد.

واقتصر عمل الجيش بعد الثورة على التصدي لبعض العمليات الإرهابية التي استهدفت أمن البلاد، في حين أصرّ على الوقوف على الحياد بعد ظهور نتائج الانتخابات وفوز حركة النهضة بالأغلبية في البرلمان مع أن دعوات عدة طالبته بالتدخل وقلب النتيجة، أو تسلم السلطة لوقف العملية الديمقراطية، لكنه رفض ذلك.

واستمرت الدعوات تتجاذب الجيش التونسي للتدخل في شؤون البلاد الداخلية خصوصا بعد تنفيذ الانقلاب العسكري في مصر عام 2013 على الرئيس المنتخب محمد مرسي، وعمليات الاغتيال السياسية التي شهدتها تونس حينئذ، ومحاولات الإرباك الأمني، لكن الجيش حافظ على صمته أثناء مناقشة الدستور الجديد لتونس حتى في النقاط التي كانت تتعلق به.

وبذلك نجح جيش تونس في إيصال رسالة مفادها الالتزام بدوره والمهام الأصلية التي وضعت له من دون الانجرار إلى شؤون الدولة الداخلية أو العبث بأحلام الشعوب، ونظرا لمواقفه هذه استحق هذا الجيش تكريم منظمة الشفافية الدولية له بوصفه أفضل جيش حارب الفساد في العالم.