"ثورة مصر".. تنظيم مسلح استهدف الدبلوماسيين الإسرائيليين بمصر
في الرابع من يونيو/حزيران 1984، كان زيفي كيدار مستشار الأمن في السفارة الإسرائيلية بالقاهرة يستعد لركوب سيارته في منطقة المعادي، عندما اقترب منه شخص لسؤاله عن شيء ما، وفجأة تبادل الرجلان إطلاق النار مما أدى إلى إصابة كيدار في يده وكتفه اليسرى وإصابة أحد المهاجمين المجهولين؛ ونقل كيدار إلى مستشفى السلام في المعادي لتلقي العلاج.
لم تستطع أجهزة الأمن المصرية التوصل إلى مرتكبي هذا الحادث وظنوا في البداية أنها مجرد حادثة عادية لا يقف وراءها ما يريب، لكنهم فوجئوا ببيان تم توزيعه على وكالات الأنباء يحمل توقيع منظمة تسمي نفسها "منظمة ثورة مصر"، تعلن فيه مسؤوليتها عن الحادث.
ولد محمود نور الدين -مؤسس تنظيم ثورة مصر- في 26 يناير/كانون الثاني 1941، وكان الابن الأكبر لأسرته التي كانت تضم شقيقه أحمد عصام وشقيقتين.
عمل نور الدين في وظيفة إدارية في السفارة المصرية بلندن منذ عام 1962، ثم بدأ العمل في مكتب المخابرات العامة المصرية بالسفارة، وكان متخصصا بمتابعة النشاط الصهيوني.
عام 1977 قام الرئيس الراحل أنور السادات بزيارة القدس تمهيدا لبدء مسيرة السلام مع إسرائيل، وعلى أثر ذلك تقدم عدد كبير من الدبلوماسيين المصريين باستقالاتهم ومنهم محمود نور الدين الذي شعر بالصدمة من الزيارة، وبدأ العمل ضد نظام السادات والانضواء تحت راية الناصرية التي ظللت الكثيرين في تلك المرحلة خاصة من الكتاب والمثقفين.
عاد نور الدين إلى مصر عام 1983، وقرر بعد عودته مباشرة إنشاء تنظيم لاغتيال أفراد البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية في مصر، خاصة أن عددا منهم يتخفى خلف هويته الدبلوماسية رغم انتمائه للموساد الإسرائيلي، وبالفعل بدأ في تكوين التنظيم وتجنيد أفراده.
تنظيم ناصري
عضو التنظيم نظمي شاهين قال إن "تنظيم ثورة مصر هو تنظيم رافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني، تأسس عام 1984 برئاسة الزعيم الراحل محمود نور الدين، وعضوية أحمد علي شرف وسامى ترك وشهرته (فيشه) ونظمي شاهين وأحمد عصام شقيق محمود نور الدين، بالإضافة إلى خالد جمال عبد الناصر الذي كان دوره يقتصر على دعم التنظيم وتوفير علاج لمصابيه".
اختلفت عمليات التنظيم عن غيرها من العمليات التي كانت سائدة في مصر آنذاك، ولم تكن لأهداف دينية كما كان الحال في ذلك الوقت مع كل التنظيمات الجهادية المسلحة، حيث كانت جميع أعمال التنظيم تستهدف اغتيال دبلوماسيين إسرائيليين ثم أميركيين مع الحرص على عدم إصابة أي مواطن مصري في العمليات.
وفى 20 أغسطس/أب 1985 قرر التنظيم استهداف ألبرت أتراكشى، وهو من رجال الموساد في القاهرة والمسؤول عن فقء أعين العشرات من الأسرى المصريين أثناء حرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973 كما أكد نور الدين.
وقام أربعة من عناصر التنظيم -وهم محمود نور الدين ونظمي شاهين وحمادة شرف وسامي عبد الفتاح- بإطلاق النار على أتراكشى وزوجته وسكرتيرته الشخصية، بالقرب من بيت السفير الإسرائيلي في المعادي.
وفي 19 مارس/آذار 1986، أقيم المعرض الدولي للمنتجات الصناعية في أرض المعارض بمدينة نصر بمشاركة إسرائيلية، وخرجت المظاهرات الغاضبة ضد مشاركة إسرائيل في المعرض، وهتف الطلاب "ثورة مصر.. طريق النصر"، فجاء الرد الفوري من التنظيم باغتيال أربعة من أفراد الوفد الإسرائيلي، من بينهم إيلى تايلور مديرة الجناح الإسرائيلي بالمعرض.
الخبير الأمني اللواء محمد صادق أكد أنه رغم مرور أكثر من عامين على انطلاق عمليات التنظيم، لم تكن الأجهزة الأمنية في مصر تعلم من يرتكب هذه الحوادث، ولم يكن واردا في تفكيرها أن الناصريين سيستخدمون السلاح لمواجهة اتفاقية كامب ديفد.
أما العملية الرابعة والأخيرة فقد وجهت إلى الوجود الأميركي، وجاءت ردا على خطف القوات الأميركية طائرة مدنية مصرية للقبض على أبي العباس الفلسطيني ومعه أربعة من أعضاء جبهة التحرير الفلسطينية، قاموا بخطف السفينة الإيطالية أميلي لاورو من أجل المساومة على الإفراج عن خمسين فلسطينيا في السجون الإسرائيلية. ونجح أفراد التنظيم في اغتيال مسؤول الأمن الإقليمي في السفارة الأميركية واثنين من مرافقيه.
ومع مرور الوقت، نشأت خلافات عميقة بين محمود نور الدين وشقيقه أحمد عصام وصلت إلى أن مؤسس التنظيم أطلق النار على شقيقه وأصابه في قدمه.
وبعد فترة فوجئت أجهزت الأمن المصرية بملف من السفارة الأميركية يحتوي على اعتراف كامل من أحمد عصام، بالإضافة إلى كافة المعلومات الخاصة بالتنظيم.
وفي صباح 17 سبتمبر/أيلول 1987، اعتقلت أجهزة الأمن جميع أفراد التنظيم وأحالتهم إلى المحاكمة.