
إسرائيل.. الانقسام على الذات ج1
في مارس/آذار 2014 تدفق مئات الآلاف من الرجال ممن يرتدون الملابس السوداء على شوارع القدس.. إنهم اليهود الأصوليون حيث رفعوا عقيرتهم بالدعاء على الحكومة لأنها تريد إجبارهم على أداء الخدمة العسكرية الإجبارية. وقد أعفي الأصوليون من التزامات الخدمة العسكرية منذ نشأة إسرائيل.
ويوضح الجزء الأول من وثائقي الجزيرة "إسرائيل.. الانقسام على الذات"، الذي بث يوم ( 2017/3/4) أن عدد اليهود الأصوليين يبلغ مليونا من بين 8.5 ملايين إسرائيلي، ولهم وطأة على مناحي الحياة كافة في البلاد وكلمتهم هي العليا في قوانين الأسرة والزواج والطلاق، وأصبحوا حلفاء لا غنى عنهم للحزب الحاكم فهم من يبرمون التحالفات وهم من ينقضونها.
دخلت الجزيرة حي ميا شيريام معقل اليهود الأصوليين في القدس حيث يعيش 15 ألفا من أكثرهم تشددا، ويجب الالتزام بقواعد صارمة قبل دخول الحي حيث قواعد الاحتشام أكثر تشددا مع النساء، وفي مدخل الحي لافتة كتب عليها "يمنع دخول الحي بلباس غير محتشم".
ويعتبر اليهود الأصوليون التشبه باليهود غير المتدينين نوعا من الذوبان فيهم، ولذلك يصرون على تبني لباسهم الأسود التقليدي العتيق، وهم يرفضون بشكل قاطع الحداثة وتحرم عليهم الإذاعة والتلفزيون والإنترنت، أما تداول الأخبار فيتم عن طريق معلقات على الجدران.
ويشير الوثائقي إلى أن صورة إسرائيل في أذهاننا هي بلد ديمقراطي حديث متطور تقنيا، الأبراج فيه تناطح السحاب على ساحل البحر وشبيبته تواكب عصرها، لكن إسرائيل أخرى تناطح تلك، دولة داخل الدولة، إنه كيان الأصوليين اليهود الذين يقيم أغلبهم في القدس ولا يرون العالم إلا بالأبيض والأسود وكأنهم مشدودون شدا إلى القرن الثامن عشر.
ويعد الحاخام صاحب الحل والعقد في مجتمع اليهود الأصوليين، فمثلا لا يجوز التقدم برخصة لقيادة السيارة إلا بعد استفتاء الحاخام، كما لا يجوز شراء هاتف نقال إلا بعد أخذ الإذن منه.
القاعدة الثانية في مجتمعهم هي أن الرجال غير مكلفين أصلا بالعمل والكدح، وشغلهم هو الصلاة وتدارس النصوص المقدسة طوال اليوم. ويقع عبء العمل على النساء اللاتي عليهن تغطية شعورهن، وهو فرض على المتزوجات منهن، وحتى المطلقة يجب عليها تغطية رأسها.
حلقات الدراسات الدينية عالم ذكوري خالص يقضي فيه الرجال يومهم في ترديد نصوص التوراة وتفاسيرها والتعليق عليها، في حياة يحكمها الدين ودراساته على مدار الساعة. وتعد الأسرة مدار حياة اليهودي الأصولي بعد أداء الصلوات وتدارس التوراة.
العلاقة مع الدولة
يقول يوناتان ستاينبيرغر -وهو يهودي متدين حريص على الدفاع عن أسلوب حياته التقليدي، متزوج وله أربعة أطفال- إن اليهود الأصوليين مستعدون لفعل أي شيء من أجل الحفاظ على نهج حياتهم حتى لو تطلب الأمر مخاصمة دولة إسرائيل.
ويضيف أن دولة إسرائيل نفسها أقل أهمية لديه من التوراة، "لذلك نفعل ما يلزم كي تسير الأمور بسلاسة بيننا وبين الدولة، ولكن بعض الملفات هي مثل برميل بارود، فإذا استخدمت الدولة القوة فسيلجأ المتدينون إلى استخدام القوة أيضا، ونأمل ألا نصل يوما إلى اختبار أي الطرفين أشد بأسا".
في الوقت الراهن لا تستفز الدولة الإسرائيلية المتشددين، بل على العكس فهم الذين يقضمون الأرض شيئا فشيئا ولا يخشون في ذلك حسيبا ولا رقيبا.
حركة نيتوري كارتا
وتناول الوثائقي حركة نيتوري كارتا وتعني (حراس المدينة) التي تريد تدمير إسرائيل والتي يحرق عناصرها العلم الإسرائيلي في ذكرى تأسيس الدولة كل عام ويرفعون علم فلسطين وزاروا إسماعيل هنية القيادي في حركة حماس وهي في حالة حرب مع إسرائيل، والتقوا الفكاهي الفرنسي ديو دونيه المتهم بمعاداة اليهود في فرنسا.
وزارت الجزيرة زعيم الحركة مائير هيرش الذي يقيم في حي ميا شيريام حيث رسمت حول مقر إقامته أعلام فلسطينية على الجدران.
يرفض أتباع الحركة استصدار بطاقات الهوية الإسرائيلية ولا يقبلون أي إعانات من الدولة كما لا يسجلون مواليدهم لدى إدارة الأحوال المدنية، وكي يزدادوا تميزا فهم يتحدثون لغة الإيديش وهي خليط من الألمانية والعبرية كان أجدادهم يستخدمونها في أوروبا الشرقية، وحلمهم أن يعيشوا في دولة فلسطينية عتيدة.
ويقول هيرش"نرفض أن نكون مواطني الدولة الإسرائيلية بأي شكل من الأشكال، نعلم مما خط في الكتاب المقدس أن الرب وعد بإخراج الشعب اليهودي من التيه وها نحن في الشتات منذ ألفي عام ، وما دام التيه مستمرا فإنه يحرم على الشعب اليهودي تأسيس دولة في أي مكان في العالم هنا أو في أوغندا أو غيرهما ".
ويضيف "نطالب بالعدالة الإلهية فلا مكان لدولة يهودية من دون إرادة إلهية وفي انتظار تحقق الوعد الإلهي ها نحن في فلسطين، ومن غير الممكن وجود دولتين لشعبين لأنه ليس الحل الأمثل والذي هو إعادة كل الأرض للفلسطينيين".