برامج متفرقة

التلفزيون العربي.. تعددت الأسماء والرقابة واحدة

ترافقت الانقلابات في العالم العربي والعالم الثالث مع مشهد الاستيلاء قبل كل شيء على محطتي الإذاعة والتلفزيون، حتى بدت فكرة الانقلاب ناقصة من دون احتلال الجهاز الإعلامي الرسمي.

ترافقت الانقلابات في العالم العربي والعالم الثالث مع مشهد الاستيلاء قبل كل شيء على محطتي الإذاعة والتلفزيون، حتى بدت فكرة الانقلاب لدى المواطنين ناقصة من دون احتلال الجهاز الإعلامي الرسمي.

في سلسلة "التلفزيون العربي" الوثائقية التي أنتجتها الجزيرة وبثت حلقتها الثانية في 24/12/2014 تبرز في المشهد الافتتاحي صور خارجية للتاسع من فبراير/شباط 1963، اليوم الذي عرف انقلابا على الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم.

كان يوما داميا مثلما يحدث في كل انقلاب دموي، غير أن القادمين الجدد حين ساقوا عبد الكريم قاسم إلى محاكمة سريعة، لم ينسوا أن مكان إعدامه لن يكون سوى مبنى التلفزيون.

ولأن الشعوب لا تهدد فقط بالدماء فإن التلفزيونات العربية الرسمية عاشت عقودا وهي تربيها على قبول الوجبة الإعلامية المراقبة والتي لا يوجد سواها وجبة، وأن تكون نشرة الأخبار دعاية للنظام الحاكم الذي يعرف ما يضر المشاهد وما يفيده.

فاستأثرت أنظمة الحكم العربية بالتلفزيون في محاولة منها لتوجيه الرأي العام المحلي وغيبت الأصوات المعارضة حتى السنوات الأخيرة التي عرفت نوعا من الانفتاح السياسي.

‪استأثرت الأنظمة بالتلفزيونات لإحكام السيطرة على وعي المشاهد‬  (الجزيرة)
‪استأثرت الأنظمة بالتلفزيونات لإحكام السيطرة على وعي المشاهد‬ (الجزيرة)

المعركة الكبرى
لكن المعركة الكبرى التي خيضت ضد فردية الدولة وتلفزيونها هي حرب ضد الرقابة.

تقول بيان التل المديرة العامة السابقة لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردني عن انتفاضة الخبز عام 1996 في جنوب الأردن إن الحكومة لم تعجبها التسمية وأرادت أن تسميها أعمال شغب، مع أن الاحتجاجات كما تضيف التل كانت تدور حول رغيف الخبز.

قبل ذلك بحوالي عشرين عاما سنكون في القاهرة مع المظاهرات التي اندلعت بسبب رفع أسعار السلع الأساسية وتحديدا الخبز. ولولا وكالات الأنباء العالمية التي وثقت الأحداث إلى الأبد لبقيت الأحداث في عين التلفزة الرسمية المراقبة مجرد أعمال شغب.

أكثر من ذلك، يورد أستاذ الإعلام الدولي في جامعة القاهرة سامي الشريف أن التلفزيون المصري أتى بالشيخ محمد متولي شعراوي الذي لم يكن يعلم بالاحتجاجات وطلب منه سريعا أن يخصص ساعته التلفزيونية للحديث عن آداب الشارع، وبعد ذلك كان المواطنون على موعد مع مسرحية "مدرسة المشاغبين".

الشريف يفيد بأن الإعلام المصري الرائد للإعلام العربي هو الذي رسخ ثقافة النفاق وعلم التلفزيونات العربية تقديم الأوبريتات المحتفية بالزعيم، وعرضت الحلقة مقتطفا لأوبريت تغني فيه وردة الجزائرية أغنية تعظيم للرئيس الأسبق حسني مبارك قبل خلعه وإلى جواره زوجته سوزان مبارك.

من جانبه يقول المذيع اللبناني زافين قيومجيان إن نشرة الأخبار العربية تشبه المجتمع وحركته السياسية، وإنها كذلك لم تخلق لخدمة الجمهور بل للطبقة السياسية الحاكمة.

واسترجع قيومجيان توقيف برنامجه بأوامر من الرئيس الأسبق إميل لحود، حيث خصصت الحلقة عن الفقر في لبنان الذي بلغ الخط الأحمر، مما اعتبره لحود موجها ضده، مضيفا أنه قص شعره على الصفر حيث لم تكن لديه وسيلة تعبير أخرى، على حد قوله.

لقطة لا تنسى يظهر فيها البوعزيزي لم يعد التاريخ العربي بعدها كما كان (الجزيرة)
لقطة لا تنسى يظهر فيها البوعزيزي لم يعد التاريخ العربي بعدها كما كان (الجزيرة)

نكران تلفزيوني
عادت حلقة "التلفزيون العربي" إلى إضراب 20 يونيو/حزيران 1981 في المغرب والذي قوبل بعنف مخلفا ضحايا بالمئات دون أن يذكر التلفزيون شيئا عن ذلك.

وتحدث الطاهر بن حسين -مدير قناة الحوار التونسية- عن تجربة القناة وقد كانت الوحيدة التي نقلت احتجاجات الحوض المنجمي عام 2008. مضيفا أن نظام زين  العابدين بن علي قرر أن يواجه الإعلاميين الذين نقلوا الأحداث، اعتدى عليهم بالضرب وكسر كاميراتهم.

أدركت الأنظمة خطورة أجهزة التلفزيون وراقبتها بأجهزة الأمن والمخابرات، ولكن تحولات بطيئة سمحت بمرور الأصوات المعارضة بشكل مقنن في المساحة التلفزية وبحيز زمني مضبوط كما تقول فاطمة الأفريقي.

تذكر الحلقة أن القناة المغربية الثانية تعتبر الرائدة في الانفتاح على المعارضة، وما بين الكر والفر الإعلامي يقول مدير مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردني رمضان رواشدة إن المعارضة الأردنية أخذت حصة من بث التلفزيون مما اعتبره عامل تقوية للدولة الأردنية.

كان المشهد الأخير من الحلقة يعيدنا إلى لحظة فارقة في التاريخ المعاصر، حيث التلفزيون الرسمي التونسي لا يرى ما يختبئ وراءها، حين كانت المذيعة تنقل "تفضّل" "فخامة الرئيس" وهو يزور محمد البوعزيزي في مستشفى الحروق البليغة.