موضوعات من فلسطين وليبيا وزامبيا
مقدم الحلقة: | محمد البوريني |
تاريخ الحلقة: | 19/01/2002 |
– تأثير الحصار الإسرائيلي على الأوضاع المعيشية للفلسطينيين
– معرض "شرق صلاح الدين" في باريس
– الأزياء الوطنية الليبية بين الأصالة والمعاصرة
– الأوضاع السياسية والاقتصادية المتردية في زامبيا
محمد خير البوريني: أهلاً وسهلاً بكم مشاهدينا الكرام إلى حلقة هذا الأسبوع من برنامجكم (مراسلو الجزيرة).
تشاهدون معنا اليوم تقريراً خاصاً من فلسطين يتناول جانباً من الحصار الإسرائيلي لأبناء الشعب الفلسطيني لا سيما حصار المعابر التي تربط بين المناطق الفلسطينية وإسرائيل والعالم الخارجي ونرى تأثير ذلك على لقمة العيش والزراعة والصناعة ومجمل الصادرات والوردات من وإلى الأراضي الفلسطينية التي رفضت وترفض الركوع والإذلال وتتحدى ما يصدر عن الاحتلال جملة وتفصيلاً.
ومن فرنسا نستعرض تقريراً يتناول معرضاً أقيم في العاصمة الفرنسية تحت اسم "شرق صلاح الدين الأيوبي" صلاح الدين الذي قاد جيوش المسلمين التي طهرت بلاد المسلمين من براثن الحملة الصليبية وحررت بلاد الشام وفلسطين ودرتها القدس الشريف، حررتها بعد أن ظن عُتاة الحملة واطمئنوا إلى أنهم امتلكوا الأرض وأخضعوا الأمة.
وتشاهدون تقريراً آخر من ليبيا يتناول تراثاً حضارياً يعود إلى مئات وربما آلاف السنين، ونرى روعة صنع ملابس النساء والرجال، الملابس المصنوعة من مختلف أنواع الأقمشة المعروفة.
ومن زامبيا نستعرض تقريراً يتحدث عن بلد عانى طويلاً من الاضطرابات السياسية والاقتصادية وعاش فترة كان من المفترض أن تكون فترة تحول ديمقراطي، ولكنها سرعان ما انقلبت لتتحول إلى فترة استبداد جديدة في الوقت الذي لا يزال فيه الفقراء يدفعون ثمناً باهظاً للهوة القائمة بينهم وبين الأغنياء كما هو حاصل في العديد من دول العالم ومن بينها دول عربية وإسلامية.
أهلاً وسهلاً بكم معنا إلى أولى فقرات هذه الحلقة.
تأثير الحصار الإسرائيلي على الأوضاع المعيشية للفلسطينيين
لا يزال الحصار الإسرائيلي يطبق فكيه على المناطق الفلسطينية، بل وتقوم إسرائيل بتشديد هذا الحصار بين الحين والآخر، محاولات إسرائيل تركيع وليِّ رقبة الفلسطينيين لم تفشل منذ بداية الانتفاضة الحالية فحسب، بل ومنذ بداية تاريخ احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية والعربية ومحاولاتها مصادرة حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، من أبرز سياسات العقاب الجماعي التي دأبت سلطات الاحتلال على اتباعها وتطبيقها في الأراضي الفلسطينية سياسة إغلاق المعابر التي تربط بين هذه الأراضي وبين العالم الخارجي وتحديداً العالم العربي الذي ينتمي إليه الشعب المكافح الذي وضع نُصب عينيه الخلاص من الذل والمهانة والمساس بالكرامة مرة واحدة وإلى الأبد، سياسة الإغلاق لم تفني من عضد أبناء هذا الشعب الذي أشارت الإحصائيات الأخيرة إلى أن نصف أبنائه من الفقراء والمعدمين والنصف الآخر هم من العاطلين عن العمل، مرة أخرى بسبب الاحتلال.
تقرير تغريد الخضري من قطاع غزة.
تغريد الخضري: العقوبات الإسرائيلية المفروضة على المناطق الفلسطينية أثرت بشكل كبير على النشاط الاقتصادي ومن ثم على الأوضاع المعيشية للسكان، فمنذ اندلاع انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000 أغلقت السلطات الإسرائيلية جميع المعابر التجارية في قطاع غزة ما عدا معبر (كيرني المنطار) حيث تتحكم بالواردات والصادرات.
سليم أبو صفية (مدير المعابر): توريد البضائع تندرج تحت إطار المزاج الأمن الإسرائيلي.
تغريد الخضري: قطاع الإنشاء تأثر بشكل كبير من جراء التحكم الإسرائيلي بإدخال المواد الخام، فالمقاول الفلسطيني محروم من استيراد المواد اللازمة للبناء من أي دولة أخرى.
المهندس/ رفيش حسونة (شركة مقاولات): لغاية شهر 4 أو شهر 5 سنة 2001 بدأت الإغلاق الإسرائيلي يُرفع بطريقة محددة جداً عن الحدود أو على مواد الإنشاء، بدأ يدخل مواد إنشاء بس بكمية ضئيلة لا تكفي السوق المحلي على الإطلاق، من هنا بدأت بعض المشاريع الصغرى التي لا تكاد تكفي يعني 10 أو 15% من السوق المحلي، كانت كليتها يعني مشاريع لأشياء طارئة، قيمها صغيرة لا تفي لا باحتياج المقاول ولا تغطي جزء من العمالة اللي اضطرت للوقف عن العمل، غير طبعاً العمالة اللي وقفوها اليهود نتيجة الإغلاق.
تغريد الخضري: معبر واحد فقط والتحكم الإسرائيلي بالواردات والصادرات أدى إلى خلق ظاهرة جديدة أثرت بشكل سلبي على قطاع الإنشاء.
المهندس/ رفيق حسونة: أن المادتين اللي بيلزم لأعمال البناء ولأعمال الطرق صار فيهم سوق سودا جعل برضو العديد من المقاولين ماي يقدروش يكلموا، لأنه إذا ارتفعت المادة هذه في الأسواق بيخسر، فما بيقدر يشتغل الشديد أصحاب العمالة أو الممولين رفضو تعويض المقاولين عن أي زيادة في أسعار هذه المواد.
تغريد الخضري: هدم السلطات الإسرائيلية المصانع أثر بشكل كبير على الاقتصاد الفلسطيني، هذا المصنع بالإضافة إلى مصانع أخرى دمرته إسرائيل.
ياسر الصفدي (شركة الإسمنت المسلح الجاهز): كان مصنع من المصانع المعدودة في قطاع غزة، قوة إنتاجية عالية بيشتغل 55 عامل، طبعاً كل عامل شوفي كم فرد بيعيل يعني فوق الـ 300 فرد، إحنا أصحاب المصنع عبارة عن 6، 7 عائلات طبعاً وهادي بتضم أطفال إلى آخره، في يوم 31/1/2001 جانا خبر بالليل إنه الجرافات عمالة يعني بتتقدم تجاه المصنع فبصورة أو بأخرى طبعاً مفيش إمكانية إنه نحن نيجي على الموقع، فجيت أنا من بعيد هنا من شارع صلاح الدين اكتشفت إنهم عمال بلشوا يعني يجرفوا ويدمروا في المصنع، دمروه على.. على 5 مراحل، على خمسة أيام، ما خلوش طبعاً المكاتب الإدارية، المواد الخام، خطوط الإنتاج إلى آخره، طبعاً أشي لا يطاق يعني أو مش عارف كيف أوصف لك إياه، يعني شعور غريب جداً، يعني أنا باللحظة هذي اللي أنا واقف هنا للأمانة مش متحمل يعني أعصابي بالمرة فالته.
تغريد الخضري: حسب تقرير البنك الدولي فقد قدرت نسبة الفقر 50% في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبلغت نسبة البطالة 36% وترافق هذا مع انخفاض حادٍ في الدخل ومن ثم في نسبة الطلب على السلع التجارية والاكتفاء فقط بالضروريات من المواد الغذائية.
لأول مرة تم افتتاح أول معرض تجاري في قطاع غزة، ولكن ما هي نسبة الشراء والإقبال على هذا المعرض؟
زهير الخوري (تاجر ذهب): طبعاً سوق العمال وقف في إسرائيل، مشاريع كلها وقفت، مشاريع البنية التحتية، مشاريع الإعمار، كله توقف بسبب الانتفاضة أكيد طبعاً هذا انعكس على الناس بصورة سلبية، على التجار، على المحلات، إحنا مضطرين إنه نفتح محلنا، إحنا طبعاً محلنا هذا كنا فاتحينه قبل الانتفاضة وسكرنا طول فترة الانتفاضة ومن بعد كنا مسكرين مفيش عندنا شغل نهائياً يعني، مسكرين محل المجمع فافيش مفيش فيه محلات، فإحنا استئنفنا نفتح المحل أثناء المعرض على أمل إنه عندنا بضاعة شارينها إحنا ودافعين حقها على أمل إنه نقدر نبيعها نبيع بنص التكلفة إحنا اليوم كمان، بخسارة وبنص التكلفة وببيع علشان نعوض يعني فلوسنا، فللأسف الشديد برضو الوضع الاقتصادي لسه منعكس على الناس بشكل كبير جداً.
تغريد الخضري: وينسحب ذلك على البائعين في السوق القديمة في مدينة غزة، إذ يجمعون على أن نسبة المشترين انخفض بشكل كبير جداً.
مواطنة فلسطينية: ها الوقت وضعنا تبعان كتير جداً، في الأول بقينا نبيع ونزرع ما نقعدش في السوق ساعتين تلاتة، اليوم بنجيب الحاجة ما بتنباعش بنظل فيها للمغرب.
سالم كشكو (صاحب محل تجاري): فيه عالم ما معهاش تاكل، مفيش إلا الناس مستراها الحيطان الوضع كلاته سيئ، صفر صفر صفر تحت الصفر حتى.
تغريد الخضري: مكتب التنسيق العام لأمم المتحدة يقوم بدراسة ميدانية للوضع الاقتصادي بصورة مستمرة.
أيان هولنجين (مكتب المنسق العام للأم المتحدة): تعتقد اليونسكو أن التطور على المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية يجب أن تكون متوازنة وليست متفاوتة.
تغريد الخضري: إجراءات إسرائيل التي فرضت الحصار على الشعب الفلسطيني منذ بداية الانتفاضة أدت إلى تدهور سياسي خطير، بالإضافة إلى تدهور اقتصادي لا يقل خطراً على الشعب الفلسطيني وعلى إسرائيل نفسها، ويجمع متابعون ومراقبون على أن السلام الشامل والعادل هو الحل النهائي والأمثل لجميع المشكلات القائمة.
تغريد الخضري -لبرنامج (مراسلو الجزيرة)- غزة – فلسطين.
معرض "شرق صلاح الدين" في باريس
محمد خير البوريني: صلاح الدين الأيوبي البطل المسلم الذي ألحق هزيمة كبرى بجيوش الحملة الصليبية التي اجتاحت أراضي المسلمين لفترة طويلة من الزمن، الهزيمة التي مرغت أنوف قادة وجنود جيوش الفرنجة في وحل حطين خلال معارك التحرير الخالدة، حرر بلاد الشام وفلسطين ودرتها القدس الشريف بعد أن ظن الغزاة أنهم باتوا أسياد الأراضي والإنسان، ولكن هيهات، المعرض العربي في باريس أقام معرضاً تحت شعار "شرق صلاح الدين".
تقرير عيَّاش دراجي من هناك.
عياش دراجي: من إحدى نوافد الغرب على الشرق من المعهد العربي بباريس أشرق تراث الأيوبي في عرض كبير افتتح مؤخراً تحت شعار "شرق صلاح الدين" وقد علقت عند مدخل المعرض خريطة تبين حدود الدولة الأيوبية التي أسسها صلاح الدين حين أعاد لبيت المقدس حريته بعد معركة حطين الفاصلة عام 1287 ميلادية والتي دارت رحاها إلى الغرب من بحيرة طبرية.
بعض نقود العهد الأيوبي كانت حاضرة في بورصة هذا المتحف، علماً بأن الأيوبيين عمدوا عقب تحرير القدس إلى ضرب عملية خاصة بهم لتكون شاهداً على التحول السياسي والاقتصادي الجديد وعملوا على توزيعها على نطاق واسع في مصر وسورية واليمن، وقد جلبت هذه الدنانير الذهبية والدراهم الفضية من متاحف عربية وأخرى غربية.
إبراهيم العلوي (مدير المعارض بمعهد العالم العربي): سنة ونصف لإعداد المعرض وللاتصال بالمتاحف العربية والمتاحف العالمية لإعارة التحف الفنية والمعروضة في إطار هذا المعرض، وكذلك تفكير وإخراج المعرض من الناحية العلمية أي الكتالوج والفيلم وإلى آخره، فكل هذا بيتطلب وقت كثير.
عياش دراجي: مائة وخمسون تحفة فنية أو مادة تاريخية جلبت من متاحف عربية كمتحفي القاهرة ودمشق، وأيضاً من متاحف غربية أخرى، وستظل أبواب المعرض مفتوحة حتى شهر مارس/ آزار المقبل، ولكن هل تعرض منظمو المعرض -يا ترى- إلى ضغوط كي يتراجعوا عن تنظيمهم؟
كميل كابانا (رئيس معهد العالم العربي في فرنسا): ليس ضغوطاً ولكن تلقينا بعض النصائح وقيل لنا إن من المجازفة فتح المعرض في مثل هذه الظروف الدولية، ولكننا أتممنا مهمتنا وراهنا على عدم تغيير أي مشروع، وكما يمكنكم الوقوف على ذلك فقد أقمنا ثلاثة معارض لا معرضاً واحداً فقط، ثلاثة معارض فخمة وكبيرة حول العالم العربي، وأعتقد أننا سنكمل القيام بعملنا.
عياش دراجي: وهل الجمهور استمر في زيارة المعهد؟
كميل كابانا: بهذا الشأن نحن مرتاحون جداً، فالجمهور يدعم عملنا لأنه واصل مجيئة إلى المعارض بعدد أكبر، ولم يتردد ويتراجع بسبب الظروف الدولية الراهنة.
إبراهيم العلوي: والله في الحقيقة المعرض ولو نظم خارج إطار الأحداث الحالية إلا أن هدفه هو تعريف بالوجه الآخر لصلاح الدين اللي موجود عادة عند الأوروبيين والميثولوجيا وراء صلاح الدين، فإحنا أردنا أن نبرز الحضارة والتطور العلمي والفني في عهد صلاح الدين.
عياش دراجي: تحف معدنية وخزفية وخشبية وزجاجية وبعض المخطوطات النادرة كانت شاهدة على الفن الأيوبي، فهذه المجموعة التي سبق وأن عرضت في مقاطعة (كيبك) الكندية تبرز فن استخدام النحاس والفضة وطلاء منمنماتها بالذهب الصافي، وقد عُثر عليها قبل نحو 20 سنة فقط في البادية السورية جنوبي شرق حلب، وقد تطور فن صناعة المعادن والتحكم فيها بشكل بارع في العهد الأيوبي، فهذا الإناء الذي يحمل اسم السلطان العادل أبي بكر كان يستخدم للتعطر بالبخور، وهو تحفة فنية نادرة تملكها مجموعة (خير) في بريطانيا، ومن توقيع أحمد الذكي الموصلي أيضاً هذا الإبريق الكبير المزين بالخط الكوفي المتشابك، أما هذه التحفة النحاسية فقد اختلف في ماهية استخدامها ويرجع أنها جزء علوي من كرسي أحد القادة تحمل توقيع صخر بن أحمد، ويعتقد أنها صنعت في دمشق أو الموصل وتملكها اليوم مجموعة (الخليل) في بريطانيا.
جمهور المعرض كان على موعد أيضاً مع فن صناعة الزجاج في العهد الأيوبي، وقد عرضت زجاجة تحمل اسم صلاح الدين الأيوبي هي أقدم نموذج من هذا النوع من القارورات، وما يميز فن صناعة الزجاج في العهد الأيوبي زخرفته بالرسم إلى حدٍ يبدو فيه متداخلاً مع مادة الزجاج.
وقد كان أيضاً لصناعة الخزف رواج كبير في المجتمع الأيوبي حيث ساد الرسم على الأواني الخزفية وتزيينها بزخارف كثيرة وغالباً ما يطلي الرسم بمادة لامعة حافظة، وقد شاع كثيراً في العهد الأيوبي الشكل النصف دائري للأواني الخزفية.
وفي معرض "شرق صلاح الدين" شاهدنا نوعاً آخر من الأواني الخزفية التي تصنع وتزين بزخرفة معينة، ولكنها تترك دون طلاء بأي مادة لامعة، وكانت تستخدم خاصة لشرب الماء وقد ترك الخزف دون طلاء كي يتبخر جزء من الماء أو السائل الموجود في الإناء ويتبرد الجزء المتبقي فيه عن طريق التبادل الحراري، لأجل ذلك كانت أواني شرب الماء تصنع من مادة نفوذية ولها فوهة ضيفة كي لا تتسرب الحرارة إلى الداخل.
أما فن صناعة الخشب عن الأيوبيين فقد عرضت منه شواهد أوضحت أسلوب فن النقش على الخشب وتزاوج الخط العربي بالزخرفة في فضاء مجرد، كما يبدو في هذه الألواح التي عثر عليها في ضريح الأمير فخر الدين إسماعيل وجلبت من متحف الفن الإسلامي بالقاهرة، وفيها أيضاً يمتزج الأسلوب الأيوبي بالفاطمي الذي استخدم من قبل الأشكال المستطيلة مع المربعة في نقش الخشب، وفي زاوية أخرى من المعرض تبدو الزخرفة أكثر وضوحاً والهندسة أكثر اتقاناً بهذه التحفة التي عثر عليها في القرن التاسع عشر عند ضريح الإمام الشافعي.
وقد عرضت هنا أيضاً بعض النسخ من القرآن الكريم انتهى من خطها علي بن جعفر عام 1167 للميلاد، ثم عهد بها إلى وقف دمشق، وهي أجراء غير كاملة بعضها موجود في متاحف غربية وعربية، وقد اطلع جمهور المعرض أيضاً على مخطوطة نادرة للصوفي الأندلسي ابن العربي الذي استقر به الترحال في دمشق وتوفي فيها 1240 للميلاد، ودون أن ينتقل زوار المعرض إلى حيث كان الأيوبيون فقد شاهدوا عدة أفلام تبرز فنون الهندسة المعمرية العسكرية لا سيما تعزيز القلاع وبناء الحصون في كل من سورية ومصر إضافة إلى براعة الأيوبيين في بناء المدارس وتوسيع البناء الحضاري.
مع كل هذا التراث الأيوبي الذي ينضح بالفن والإبداع فإن ذكر صلاح الدين يبقى مرتبطاً بتحرير القدس من قبضة الغزاة، ومثل هذا المعرض الذي أقامه معهد العالم العربي دليل على أن الحرية وحدها هي التي تولد الإبداع.
عياش دراجي -(الجزيرة)- من أمام معهد العالم العربي – باريس.
محمد خير البوريني: ومن معرض "شرق صلاح الدين" في باريس نصل ومشاهدينا الكرام إلى فقرة الردود على بعض رسائلكم التي نتواصل من خلالها معكم، البداية برسالة وصلت من المشاهد مصطفى نوري، وهو عربي يقيم في شمالي فرنسا، الرسالة وصلت يا نوري ولكن الخط غير واضح، يطلب المشاهد من البرنامج إعداد تقرير حول أوضاع الجاليات العربية والمسلمة في شمالي فرنسا وما يقول إنها تعاني من إشكالات كبيرة وكثيرة، ويقول أيضاً: نحن هنا ليس لدينا حقوق شرعية ومن أراد أن يدافع عن حقوقه يصبح مهدداً من طرف الشرطة والعدالة، أما أبناؤنا فهم الضحايا الأكثر عُرضته للإساءة في المدارس والشوارع، يتحدث المشاهد عن المخدرات التي تهدد أبناء الجاليات العربية الإسلامية في تلك المناطق إذ ثمة من يحرض أبناء هذه الجالية ويعمل على دفعهم لتعاطيها بكل الوسائل.
نشكر المشاهد على الرسالة وسنعمل على البحث في هذه القضية من خلال مراسيلنا في فرنسا.
والمشاهد هادي علي أبو عمرية من جدة في المملكة العربية السعودية أرسل هادي رسالة فاكس إلى البرنامج نوه فيها إلى لفظة جزء القُمُر التي وردت في البرنامج في حلقة سابقة ورجح أن يكون اللفظ الصحيح هو جزر القَمر -بفتح القاف- مستنداً إلى اسم قبائل عربية يمنية حملت هذا الاسم في القرن الثالث الهجري وكانت تعيش على ساحل بحر العرب حسب ما ذكر الهمداني في صفة جزيرة العرب.
شكراً للمشاهد الكريم على ملاحظته القيمة وأهلاً بك على الدوام.
ومن الدوحة قطر بعث المشاهد صويلح صالح الرشيدي أرسل صالح بتحياته إلى البرنامج وطلب إعداد موضوع يتناول قبائل الرشايدة في السودان. شكراً على الرسالة، نقول للمشاهد الذي يبدو أنه غير مواظب على مشاهدة البرنامج، حيث كنا قد عرضنا تقريراً مفصلاً يتحدث عن قبائل الرشايدة وأجرينا مقابلات عديدة مع أفراد ووجهاء هذه القبائل العربية التي هاجرت إلى السودان من الجزيرة العربية منذ القِدَم، بإمكانك أن تشاهد الكثير من الموضوعات المختلفة وربما المشابهة من السودان في المستقبل القريب والمتوسط والبعيد أيضاً إن شاء الله.
ورسالة من المشاهدة نسرين محمد مقابلة، من محافظة جرش في الأردن تثني المشاهدة على البرنامج وعلى (الجزيرة) وتقول: هذه القناة تعتبر نور في الليل الحالك الظلام وصوت حق في زمن تعذر فيه قول الحق، تطلب المشاهدة إلقاء الضوء على بعض التجارب الإعلامية لأفراد أو هيئات عربية أو إسلامية في بعض الدول الأجنبية ومدى مساهمة هذه النماذج في إيضاح صورة العربي والمسلم في أذهان الغربيين، كما تطلب الحديث عن مدى نجاح تلك التجارب، شكراً للمشاهدة على الرسالة القيمة وسنعمل على إنجاز موضوعات بهذا الشأن قريباً بإذن الله وأهلاً بك.
ومن مصراثة في ليبيا بعث خالد أحمد رحيِّل أو رحِيِل، بعث رسالة مقتضبة جداً يطلب فيها من البرنامج موضوعاً عاماً وهو إيضاح حضارة القارة الأفريقية أمام العالم. نُجيب خالد بالقول: إننا نعمل ما في وسعنا على شتى الصُّعد وفي جميع الاتجاهات وفي القارات الخمس وبمختلف الموضوعات التي نتمكن من إنجازها، كما أننا نعطي القارة الأفريقية حيزاً جيداً من الاهتمام وسوف نواصل ذلك، نرجو أن تتمكن من مشاهدة المزيد حول أفريقيا وغيرها من القارات في حلقاتنا المقبلة وعلى الدوام.
ومن الجزائر بعثت المشاهدة سعيدة رسالة أبدت إعجابها الشديد بقناة (الجزيرة) وتحدثت فيها عن ما قالت: إنها أوضاع الجزائر السيئة جداً على حد تعبيرها، لكن المشاهدة لم تُضمِّن الرسالة ما يتعلق بعمل البرنامج من قريب أو بعيد، لذلك نعتذر عن عرض محتوى الرسالة، ونؤكد على ضرورة أن تتضمن الرسائل الواردة إلينا من جميع السادة المشاهدين ما يتعلق مباشرة بعمل البرنامج فقط أكان ذلك سلباً أو إيجاباً، أو كان مشاركة في مقترح، أو مساهمة من خلال طلب موضوع أو تقرير معين يُضيف إلينا وللسادة المشاهدين شيئاً جديداً، إننا نرحب بمشاركة السادة المشاهدين في كل وقت، ونعتذر عن عدم إذاعة الرسائل الطويلة وغير المركزة والتي لا تحتوي على ما يتعلق بعمل البرنامج.
ومن السعودية بعث عبد الجبار الطيب محمد نور بابكر بعث يطلب من البرنامج موضوعاً يعالج قضايا ومشكلات العرب الوافدين للعمل في دول عربية شقيقة ويقول: لماذا هذا الصمت القاتل من الإعلاميين؟ كما يطلب المشاهد ويبدو أنه سوداني ويقيم في السعودية، يطلب التركيز على السودان الذي طحنته الحرب منذ نحو خمسين عاماً. نجيب بالقول: معك كل الحق يا عبد الجبار وسوف نسعى لإعداد تقرير حول قضايا الوافدين من العرب إلى بلاد العرب في دول الخليج، أما بالنسبة للسودان فنرجو أن تتابع البرنامج وسترى أننا نركز على السودان كما نركز ونهتم بجميع الدول العربية التي يسمح لنا أو نتمكن أو التي يُسمح لنا أو نتمكن من العمل فيها وكذلك دول العالم الأخرى وأهلاً بك على الدوام.
مشاهدينا الكرام، نكتفي بهذا القدر من الردود على رسائلكم في هذه الحلقة حسب ما سمح به الوقت، نعود لمتابعة ما تبقى من فقرات البرنامج.
الأزياء الوطنية الليبية بين الأصالة والمعاصرة
أزياء تاريخية في ليبيا تعود إلى مئات السنين ويُقال إن بعضها يعود إلى نحو ألفي عام أو يزيد، نُشير إلى أن ليبيا تزخر بما يستحق أن يطلع عليه المشاهد العربي تراثاً وتاريخاً وحاضراً، نتمنى أن نرى الكثير من ذلك قريباً، التقرير التالي أعده خالد الذيب من ليبيا.
خالد الذيب: هذا اللحاف الأبيض البسيط الذي يلف جسد هذه المرأة يُخفي تحته ملابس براقة، وزينة متعددة الأشكال والصور، وبهرجة جذابة لا يعرف قيمتها ومعناها إلا من عايشها وتعامل معها، سواء أكان صانعاً لها، أو بائعاً لقطعها المختلفة أو مرتدياً إياها في المناسبات الاجتماعية المتعددة، كما أن هذه العباءة الطويلة التي تُصنع من الصوف عادة ومن الخيوط الكتانية أحياناً التي تشكل جزءاً من الزي الرجالي الوطني في ليبيا، هذه العباءة هي نفسها التي ارتداها الليبيون منذ أكثر من خمسة قرون على أقل تقدير، في حين تقدر بعض المصادر التاريخية أن الليبيين طوروا هذا الزي من الرومان الذين احتلوا السواحل الليبية وأقاموا مدناً كبرى عليها قبل أكثر من ألفي عام. وهذه العباءة كذلك هي التي ارتداها شيخ الشهداء عمر المختار وكل رفاقه المجاهدين إبان الغزو الإيطالي لليبيا.
في زقاق ضيق بالمدينة القديمة بطرابلس تزدهر صناعة وتجارة الأزياء التقليدية الليبية، حيث يتوارثها الآباء عن الأجداد الذين بدورهم يورثورنها لأبنائهم من بعدهم، وعالم هذه الصناعة وتلك التجارة يكتنفه الغموض وتحيط به الأسرار ولا يعرف خباياه إلا أصحاب المهنة أنفسهم الذين قد يبوحون بعد الإلحاح ببعض تلك الأسرار.
محمد الحرايري (تاجر): كنت صعب نشتغل فيها، يعني قعدت فيها فترة لابث بها وبعدين انتقلت إلى التجارة، اللي هي تجارة المواد التقليدية، الملابس التقليدية، الأردية الحرير بمختلف الألوان بتاعها والقماش الفضة و(انوامل)، طبعاً هذا أرضية الفضة للبدلة الصغيرة، الخطوط الثلاثة هذه فضة، فضة أصلية نعم، وهذا الأصلي (…)، وهذا حرير.
خالد الذيب: وإذا كان زي المرأة يتصف بالبهرجة وتعدد الألوان والجاذبية وحتى الإبهار في بعض الأحيان، فإن الزي الرجالي يدخل المنافسة بقوة هو أيضاً، ولكن بشيء من الرصانة والاتزان والابتعاد عن الألوان الفاقعة والإضافات البراقة، فكل القطع التي يرتديها الرجل تأخذ لوناً واحداً، لكنها في الوقت نفسه تتميز بالنقوش الجميلة التي تطرزها أيدٍ محترفة عجزت الآلة الحديثة عن الوصول إلى مستوى دقتها وروعتها. لقد أصر صاحب هذا المحل على إكرام وفادتنا وألح علينا بارتداء بعض ما يحتويه متجره من ملابس تقليدية تزدان بها رفوفه ويفخر هو باستعراضها علينا وترداد أسمائها بحضورنا.
مسعود الجاني (نقيب الحرفيين في ليبيا): فيه مصانع حديثة لكن ما جبتش صنعة، ما قدرتها شي، هذه لابد.. لابد تقليدية باليد هذه.. هذه ماتضبطش كان باليد الصنعة هذه
خالد الذيب: يعني لازم تكون صناعتها يدوية؟
مسعود الجالي: أيه، يعني لو كانت تباع حاجة ممتازة لازم تكون صنعة يدوية وكان لها بالماكينة اضربوا بره ماتمشيش معنا، ما تجيش بدلة، معنا. هو هذه البدلة إفرنجية أو سروال تمشي بالماكينة عادية مفيش أي حاجة، لكن بالنسبة للبدل هذه المطروزة هذه لابد يدوية، لابد تكون باليد تمشي بالغرزة مش عادية.
خالد الذيب: الحاج عبد الله أشهر من نار على علم في المدينة القديمة، وهو لا يزال منذ حوالي نصف قرن يأتي كل صباح إلى محله لينسج بالنول التقليدي الأردية النسائية التي رأيناها تملأ الدكاكين وتحتل واجهات المتاجر قبل قليل، والحاج عبد الله ورث هذا المحل عن جده الذي ورثه هو أيضاً عن والده، فيما يبلغ عمر المحل ذاته أكثر من 400 عام.
عبد الله التوجي (صانع): وبقى هادا لجدي وبوه كان فيه قبل جدي، مات جدي الأول أخذه جدي التاني اللي هو خلف والدي، ووالدي يعني.. ووالدي ماتعلمش الصنعة، والدي طالب علم خريج جامعة من يومه، أما إحنا تعلمنا الصنعة وقعدنا في الصنعة لها الساعة ديَّة.
خالد الذيب: والتخصص هنا مطلوب، وذلك من أجل زيادة الإبداع وتطوير الصناعة التقليدية ذاتها.
عبد الله القومي: أنا متخصص في الأردية النسائية، لكل واحد مجاله، شيء يخدم في على الأبيض وشيء على الأكحل، وأنا خاص بالحبرمة المتقلة [رداء نسائي] هذا بس، هذا حرير.. وفيه الزخرفة بتاعها في وسطها (…) وفيه زخرفة في الوسط، أما هذا كله زخرفة في الوسط.
خالد الذيب: لقد قاوم الزي الوطني التقليدي كل مظاهر التطور والعصرنة التي جرفت بتيارها الكثير من العادات والتقاليد المتعارف عليها، واستطاع الصمود أمامها برغم التراجع الذي سجله في إطار الحياة اليومية للرجل والمرأة ودخول الملابس الغربية كل البيوت الليبية، وفي محاولة للتجاوب مع إيقاع العصر ومجاراة التمدين والسعي لجعل الزي الوطني أكثر تطوراً وقابلية، أدخلت مصممة الأزياء الليبية ربيعة بن بركة عدة تعديلات على هذا الزي خاصة النسائي منه، مما يعتبر ثورة على اللباس التقليدي المتعارف عليه منذ عشرات السنين.
ربيعة بن بركة (مصممة أزياء ليبية): لاحظت إن الأزياء الليبية بتستعمل أكتر في المناسبات وفي الأفراح، فحاولت أنا كيف نطورها بالشكل إنها تستقبل من الكل في أي مناسبة من غير المناسبات الخاصة، يعني ممكن حتى في حفلة بسيطة أو أي ماشية صغيرة أو الشباب يعني ممكن يستعملوه كزي سبور هيك، فقلت يعني حتى الجينز حاولت إننا نستعمله بشكل نخشش فيه التراث، لأننا بنفتخر جداً بالتراث الليبي، وبالذات يعني عندنا مناطق كتيرة في ليبيا لكل منطقة الأزياء بتاعها بتختلف من.. من منطقة لمنطقة.
خالد الذيب: في هذا المشغل البسيط تنفذ ربيعة تصاميمها الجريئة وتحاول تسويقها على نطاق تجاري، كما تنظم بعض عروض الأزياء محلياً وخارجياً، وقد استطاعت حتى الاستعانة بالجينز لتدخل عليه بعض التغييرات واللمسات الأنيقة وتجعل منه أكثر موائمة بين العصرنة والتراث وربيعة تهتم بكل التفاصيل وتتابع بدقة كل المراحل التي يمر بها الثوب منذ دخوله إلى المشغل كقطعة قماش إلى أن ينتهي به الأمر في مظروف جاهز للتسويق، ومروراً بكل الخطوات الأخرى من تفصيل وخياطة وتطريز وكي، فهي كما تقول تتعامل مع هذه المهنة من باب الهواية والرغبة وليس من أجل الارتزاق وجمع المال.
بالرغم من مظاهر العصرنة التي طغت على حياة كل الليبيين إلا أن الأزياء الوطنية التقليدية لا تزال تحتل موقعاً بارزاً في حياتهم وتنال الكثير من الاحترام والتقدير لديهم.
خالد الذيب – (الجزيرة) -لبرنامج (مراسلون) – طرابلس.
الأوضاع السياسية والاقتصادية المتردية في زامبيا
محمد خير البوريني: شهدت زمبيا أزمات سياسية وأخرى اقتصادية وصلت إلى حد التفاقم. بعد عقود من حكم النظام الاشتراكي لهذا البلد، الذي يدفع الفقراء فيه ثمن الهوة بينهم وبين الأغنياء، كان لابد من انفتاح ديمقراطي يضع النقاط على الحروف، إلا أن فترة ما وصف بـ "التحول الديمقراطي" تحولت بدورها إلى نقمة وإلى مزيد من الاستبداد والقمع والتفرد باتخاذ القرارات، وذلك كما حصل ويحصل في العديد من دول العالم التي اتخذت المسار الديمقراطي طريقاً، ثم عادت وانكفأت وتراجعت.
تقرير/ وضاح خنفر: تعاني زامبيا أزمات سياسية واقتصادية متفاقمة، فعلى الرغم من الانفتاح الديمقراطي الذي شهدته البلاد عام 91 وبانتهاء حكم الرئيس السابق (كينيث كاوندا) وانتخاب (فريدريك تشيلوبا) رئيساً لأول حكومة تعددية، لم يُفد التحول الديمقراطي البلاد إلا مزيداً من الفقر والاستبداد.
فرنسيس زمبا (سائق): الأوضاع الاقتصادية في زامبيا سيئة جداً، ويخسر الناس وظائفهم كل يوم، والكثير من الشركات تمت خصخصتها، والذين يشترون هذه الشركات لا يريدون سوى القليل من العمال، وهكذا فإن نسبة الفقر صارت عالية جداً.
وضاح خنفر: تخرج هذه السيدة إلى شوارع لوساكا كل صباح لتبيع الفول السوداني، وبعد يوم طويل وشاق لا يزيد ما تعود به إلى أولادها الثلاثة وزوجها المريض على الدولار والنصف، ولما كان سد رمق أسرتها مقدماً على كل شيء فقد ترك أطفالها مقاعد الدرس توفيراً للرسوم الدراسية.
مواطنة زامبية: لا أدري من أين يمكن أن نعيش، ليس هناك نقود.
وضاح خنفر: ارتبط ذكر العاصمة الزامبية لوساكا بالعديد من محطات التحول التاريخية الأفريقية، إذ احتضنت حركات التحرر الأفريقية، خصوصاً تلك التي ناضلت ضد العنصرية البيضاء في جنوب أفريقيا، وكان آخر ما استضافته لوساكا القمة السابعة والثلاثون لمنظمة الوحدة الأفريقية التي انتخب تشيلوبا رئيساً لها، غير أن مواطني العاصمة بدوا أكثر اهتماماً بمجريات السياسة الداخلية ومشكلات الحياة اليومية، فأثناء تجوالنا لاحظنا تجمع بعض موظفي البلدية مطالبين بأجورهم التي لم تُصرف خلال الشهور الأربعة الماضية، وعلى الرغم من أن المطالبة كانت سلمية إلا أن إدارة البلدية استدعت قوات الأمن التي أرغمت المحتجين على مغادرة المبنى واعتدت عليهم بالضرب.
أحد المتجين على الإجراءات: لم نحصل على مرتباتنا لأربعة شهور، لدينا الكثير من المسؤوليات مثل أجرة المنزل وعلينا أن نطعم أطفالنا، لدي تسعة أطفال وأنا أعمل كل يوم حتى في أيام السبت والأحد ولا يدفعون لي شيئاً.
وضاح خنفر: آثار الضرب كانت بادية على أيدي بعض المحتجين، وعلمنا أن 15 منهم كانوا قد نقلوا إلى المستشفى، قررنا دخول المبنى، بينما كانت قوات الأمن تغادره، وبعد محاولات متكررة تمكنا من مقابلة الناطق باسم البلدية الذي حاول تبرير استدعاء قوات الأمن.
دانيا مينغا (بلدية لوساكا): الشرطة تدخلت لأن العمال خرجوا على النظام، وخفنا أن يكون هناك أعمال شغب وهكذا طلبنا تدخل الشرطة.
وضاح خنفر: لوساكا مدينة تحمل في جنباتها الكثير من المتناقضات، فالأسواق الحديثة المترعة بالبضائع المستوردة الزاخرة بالمتسوقين لا تنبئ عن أزمة اقتصادية، غير أن الأحياء الشعبية بأسواقها المكتظة وبضائعها المعروضة على قارعة الطريق تُعطي وجهاً آخر لآثار التحول في مجتمع حكمته الاشتراكية لسبعة وعشرين عاماً، ويقف حائراً في وجه انفتاح اقتصادي، وما يحدثه من هوة واسعة بين الأغنياء والفقراء.
سياسات الانفتاح الاقتصادي والتعددية الحزبية لم تثمر في هذه البلاد ازدهاراً ولا ديمقراطية، فقد حاول حزب الحركة الديمقراطية التعددية الحاكم أن يستأثر بالسلطة دون اعتبار لقواعد اللعبة الديمقراطية التي أوصلته إلى سدة الحكم، وتسيطر حالة من الخوف والقلق على رموز المعارضة، لاسيما بعد مقتل عدد منهم في ظروف غامضة، وبعد أن حاول الرئيس الجلوبا تشيلوبا نفسه لفترة رئاسية ثالثة رغم عدم دستورية ذلك. الكنيسة الكاثوليكية وجدت نفسها مضطرة لدخول معمعة السياسة محذرة الرئيس من عواقب مخالفة الدستور.
الأب أغنيشيس موبوي (أمين عام الأساقفة الكاثوليك في زامبيا): الكنيسة الكاثوليكية بالتنسيق مع مجلس المسيحي بزامبيا والهيئة التبشيرية اتخذت هذا الموقف السياسي من أجل المحافظة على الدستور، وهكذا أعلنا عن معارضتنا لنية الرئيس ترشيح نفسه لدورة رئاسية جديدة، لأن ذلك يخالف الدستور.
وضاح خنفر: ويتساءل الكثيرون ومن بينهم الأب اجنيشيس عن جدوى ديمقراطية لا أمانة فيها، وعلى الرغم من أن الاشتراكية لم تقدم الكثير للمواطنين إلا أن حكم كاوندا بالنسبة للكثيرين كان أكثر إنصافاً وأعف يداً.
الأب أغنيشيس موبوي: كانت هناك بعض الحسنات في النظام الاشتراكي الذي قاده كاوندا، كان هناك حرص على رفاهية الشعب، ومع أننا عانينا الكثير من الفقر، لكننا تقاسمناه سوية حكاماً ومحكومين.
وضاح خنفر: محطتنا التالية كانت منزل الرئيس السابق كينيث كاوندا الذي عُرف في أوساط الأفارقة مناضلاً ضد الاستعمار البريطاني ورئيساً لزامبيا لقرابة ثلاثة عقود، ومدافعاً قوياً عن نظريته التي يسميها "الإنسانية التي تجمع بين الدين والاشتراكية"، ويبدو أن عشرة أعوام من اعتزال السلطة لم تزده إلا إيماناً بنظريته واعتزازاً بمنجزاته.
كينيث كاوندا (رئيس زامبيا السابق): خلال حكم الإنجليز كان لدينا مائة جامعي، من بينهم ثلاثة أطباء فقط، وكان لدينا 1120 من خريجي الثانوية العامة، هذا كل ما كان لدينا، ولكني سعيد بالقول إنه وخلال السبعة والعشرين عاماً اللاحقة صار لدينا آلاف المعلمين ومئات الأطباء.
وضاح خنفر: كاوندا لم يرغب بالحديث عن الأوضاع السياسية في بلده، فقد أصابه ما أصاب الكثيرين من طغيان السلطة، قُتل ولده الذي عُرف بمعارضته للحكومة التي لم تعلن نتائج التحقيق في مقتله، وتعرض هو شخصياً لمحاولتي اغتيال، فآثر السلامة بتفرغه لمحاربة مرض نقص المناعة المكتسبة الإيدز من خلال مؤسسة يديرها بنفسه.
في الثالث والعشرين من أكتوبر يتجمع الآلاف من مواطني زامبيا أمام هذا النصب التذكاري للاحتفال بذكرى التحرر من الاستعمار البريطاني، وبعد عقود أربعة من الاستقلال ما يزال الكثيرون هنا يعانون أغلال الفقر والاستبداد السياسي.
وضاح خنفر – لبرنامج (مراسلو الجزيرة) – لوساكا – زامبيا.
محمد خير البوريني: مشاهدينا الكرام من زامبيا نأتي إلى نهاية حلقة هذا الأسبوع من البرنامج، يمكنكم متابعة تفاصيل هذه الحلقة بالصوت والصورة من خلال موقع الجزيرة على شبكة الإنترنت والموقع هو:
www.aljazeera.net
كما يمكنكم مراسلة البرنامج عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي:
reporters @ aljazeera.net
أما العنوان البريدي فهو: برنامج (مراسلو الجزيرة)- صندوق بريد رقم 23123 الدوحة – قطر، أو من خلال رسائل الفاكس على الرقم التالي: 4860194(00974).
في الختام هذه تحية من المخرج صبري الرماحي وفريق البرنامج، وهذه تحية أخرى مني محمد خير البوريني، إلى اللقاء.