ضحايا النازية، قبائل الباشائي، المعاهد الدينية في اليمن
مقدم الحلقة: | محمد خير البوريني |
تاريخ الحلقة: | 04/01/2003 |
– الضحايا العرب في معتقلات هتلر النازية.
– عرقية الباشائي في أفغانستان.
– المدارس الدينية في اليمن.
محمد خير البوريني: مرحباً بكم مشاهدينا إلى برنامجكم (مراسلو الجزيرة).
نعرض في هذه الحلقة تقريراً من ألمانيا يتحدث عن العرب الذين قضوا في معتقلات ألمانيا النازية الهتلرية، ونحاول إزالة الغبار، وإبراز بعض الحقائق حول قضية طالما استغلتها الصهيونية العالمية لابتزاز الغرب وكسب تعاطفه من خلال اختزال جرائم هتلر بحق شعوبٍ كثيرة لما حدث ليهودٍ في معتقلات النازية، وقد حققوا نجاحات كبيرة في ذلك لاسيما من خلال التغلغل في العديد من وسائل الإعلام ذات الانتشار الواسع، بينما يؤكد باحثون أن ما يعرفه العالم حتى الآن ليس سوى أنصاف أو أرباع الحقائق.
ومن أفغانستان نشاهد موضوع يسلط الضوء على قوميةٍ اختار أبناؤها العيش فوق الجبال على العيش في المناطق المستوية أو المنخفضة، هرباً من غارات القبائل الأخرى أو حباً في المرتفعات، ونرى كيف يعتقدون أنهم من أصولٍ إغريقية ربما تعود إلى فتوحات وغزوات الإسكندر المقدوني.
ومن اليمن نعرض تقريراً يتناول مدرسةً دينية إسلامية كانت من أكثر المدارس إثارة للجدل في البلاد منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث أقدمت السلطات اليمنية على إغلاق عدد منها، والتشديد على ما تبقى، للتأكد من أنها ليست لتخريج ما يسمون المتشددين أو المتطرفين الإسلاميين، ونرى كيف تستقبل هذه المدرسة طلاباً من الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا، إضافة إلى الطلبة العرب، ولكن ممن ترضى عنهم حكومات دولهم.
أهلاً بكم إلى أولى فقرات هذه الحلقة.
الضحايا العرب في معتقلات هتلر النازية
منذ بداية إنشاء المعتقلات النازية الشهيرة وحتى انتحار هتلر بعد أن هدَّم الجيش الأحمر السوفيتي جميع قلاعه وحصونه، وقضى على كل أحلامه، منذئذٍ والحركة الصهيونية تستثمر وتستغل دولياً قتل هتلر وتعذيبه ليهودٍ خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، حتى أن إسرائيل تواصل بطريقة أو بأخرى تحميل ألمانيا الحالية مسؤوليةً عن أفعال هتلر، وتحقق من وراء ذلك مكاسب سياسية ومعنوية ومادية، وتواصل احتكار دور الضحية، كم منا يعرف أن عرباً كانوا من بين ضحايا النازية الهتلرية، على خلاف ما حاولت جهات معروفة ترويجه من أنهم وقفوا إلى جانب هتلر، وذلك من منطلق أن العرب يقفون عادة مع الجهة الخاسرة في الوقت غير المناسب؟ فمن يتحدث عن ضحايا النازية من العرب؟ ومن يطالب بتعويضات عن الجرائم التي ارتكبت بحقهم؟ وكم دولة عربية حاولت أن تروِّج لضحاياها بغض النظر عن أعدادهم، واستغلال ذلك في علاقاتها كما يفعل الصهاينة؟ وهل كُتب على العرب ضياع الحقوق في هذا العصر أحياءً وأمواتاً؟
![]() |
تقرير أكثم سليمان، من ألمانيا.
تقرير/أكثم سليمان: في الثاني والعشرين من شهر أبريل/نيسان عام 1945 وصلت طلائع قوات الجيش الأحمر السوفيتي إلى معسكر الاعتقال (زاكسن هاوزن) قرب برلين ببوابته التي تحمل الشعار النازي العمل يحرر الإنسان، العمل الإجباري عمل السخرة الذي لا يحرر الإنسان إلا من إنسانيته وأحلامه، الحرية بمعنى العبودية. لكن عربة التاريخ كثيراً ما تسير متثاقلة بطيئة، تأخر التحرير قليلاً ولم تجد القوات السوفيتية حين وصلت إلا ثلاثة آلاف معتقل من المصابين والمرضى من أصل أكثر من مائتي ألف إنسان كانوا معتقلين هنا بين عامي 1936 عام إنشاء المعسكر، و1945 عام التحرير.
التاريخ لا يرحم، وعربة التاريخ تدهس كل من يتجاهلها، معسكر زاكسن هاوزن حُوَّل في أبريل/نيسان من عام 1961 إلى مكان للذكرى، إلى نصب تذكاري ومتحف تؤمه الأجيال عبر السنين كي لا تموت الحكاية.
زوار من مختلف أنحاء العالم، كبار وصغار، وصفوف مدرسية، طلبة ومعلمون، ولكن لا عرب.
العرب سئموا تكرار الحكاية، ويكفيهم أن ركب أعداؤهم عربة التاريخ ليقتحموا بلادهم، ويغتصبوها باسم التاريخ، ثم إن الضحايا جاءوا من كل مكان، ولم يكونوا من العرب كما يقول التاريخ وزوار المعسكر.
أحد زوار معتقل زاكسن هاوزن النازي: الضحايا كانوا بولنديين، بلغار، روس، ألمان، من بعد؟ إسبان، إنجليز وهولنديين أيضاً، لابد أن ثمة آخرين، لكن لا يخطر على بالي غير هؤلاء.
أحد زوار معتقل زاكسن هاوزن النازي: بولنديون، روس، ماذا لدينا بعد؟ تشيك، يهود، هؤلاء هم جميعاً، وألمان أيضاً كما أعتقد.
إحدى زائرات معتقل زاكسن هاوزن النازي: ذكرت البولنديين، أليس كذلك؟ وكان ثمة هولنديين أيضاً كما أظن، هل ذكرتهم في البداية؟ معك حق، الفرنسيون أيضاً، الآن أتذكر، هؤلاء هم جميع الضحايا، أليس كذلك؟ ليس ثمة غير هؤلاء.
أكثم سليمان: الضحايا بمنطق التاريخ هم أولئك المنقوشة أسماؤهم وبلدانهم في قلب الحجر في معسكر زاكسن هاوزن وغيره من المعتقلات الرهيبة، ولكن ماذا عمن سقط اسمه سهواً ربما؟ في مركز دراسات الشرق المعاصر في جنوب العاصمة الألمانية برلين تُجرى أبحاث جديدة حول علاقة العرب والألمان في التاريخ المعاصر، البروفيسور (غرهارد هوب) صاحب المؤلفات المعروفة عن تاريخ الوجود العربي في ألمانيا في عشرينات وثلاثينات وأربعينات القرن الماضي مُنكَبٌّ في الفترة الأخيرة على دراسة موضوع لم يتم التطرق إليه قبلاً لا من قبل العرب ولا من قبل الألمان، ضحايا النازية العرب، فكتب التاريخ على الجانبين سجَّلت أن العرب تعاطفوا مع ألمانيا النازية، لأنها حاربت أعداءهم البريطانيين والفرنسيين، لكن كتب التاريخ تناست أن هذا نصف الحقيقة فقط.
بروفيسور غيرهارد هوب (مركز دراسات الشرق المعاصر-ألمانيا): على العكس مما هو عليه الحال عند المعتقلين اليهود الذين نجوا من المعسكرات النازية ليس ثمة مذكرات مكتوبة لضحايا النازية العرب الذين نجوا من المعسكرات نفسها، ليس لدينا من المصادر التاريخية إلا سجلات الجناة النازيين، وهي مصادر تخفي أكثر مما تكشف.
أكثم سليمان: بروفيسور هوب، ما هو السر في غياب قضية الضحايا العرب ضحايا النازية العرب حتى الآن في التاريخ وفي كتابة التاريخ سواء على الجانب الألماني أو على الجانب العربي؟
غيرهارد هوب: السبب هو غياب الذاكرة التاريخية وغياب الضحايا فيما تبقى من هذه الذاكرة، الموضوع الذي يُطرح عادةً يدور حول العرب كمتواطئين مع النازية، عندما نسترجع علاقة العرب بألمانيا النازية نتذكر آلياً مفتي القدس الحاج أمين الحسيني أو رئيس الوزراء العراقي رشيد علي كيلاني، الذين قاما بالتعاطي مع النظام النازي، وهذا الأمر يتم استثماره سياسياً في أيامنا وصولاً إلى القول بذنب جماعي للعرب، وهذا قول خاطئ، السر يكمن هنا في تجاهل الضحايا في عدم طرح السؤال عن ضحايا النازية من العرب بالتوازي مع السؤال عن المتعاطفين منهم معها، لقد غاب السؤال عن إمكانية وجود الضحايا العرب أصلاً، ينطبق هذا على الجانب الأوروبي، الذي لم يسأل عن هذا الموضوع، كما ينطبق على الجانب العربي الذي امتنع عن السؤال، لا يمكنني تفسير ذلك إلا بوجود رغبة في تجاوز هذا الفصل من التاريخ تاريخ علاقة العرب والألمان، وفي تناسي المتورطين بتأييد النازية من جهة وضحايا هذا النظام من العرب من جهة أخرى.
أكثم سليمان: العرب كضحية للنازية وللتاريخ الذي تناساهم حين تناسوه، وما أصعب لملمة التاريخ بعد أكثر من خمسين عاماً.
المعتقل رقم: 41506.
الاسم: محمد بو إياد
تاريخ الميلاد: الأول من مارس/آذار عام 1904.
مكان الميلاد: الرباط- المغرب.
المهنة: تاجر.
تاريخ الاعتقال: أوائل عام 1944 في باريس.
التهمة: المشاركة في المقاومة الفرنسية.
المصير: الموت في غرف الغاز في معسكر الاعتقال (ماوت هاوزن) في الرابع والعشرين من أبريل/نيسان عام 1945.
أما هذا المعتقل فلم يبقَ منه إلا هذه الصورة التي توحي بأنه كان من البربر.
جاءوا من المغرب، والجزائر، وتونس، ومصر، والعراق، ولبنان، وفلسطين، وسوريا، واعتُقلوا كغيرهم كأسرى حرب أو لأسباب سياسية أو عنصرية أو لتشغيلهم للسخرة في تصنيع آلة الحرب النازية، ومات كثير منهم قتلاً أو مرضاً في معسكرات أوشبيتس، وبوخن فالد ودخاو، وبرجن بلزن، وماوت هاوزن، وزاكسن هاوزن وغيرها، ثم ماتوا ثانية عندما غيبتهم كتب التاريخ ككثيرين من أبناء المستعمرات والبلدان التي لم تكن حصلت على استقلالها بعد في تلك الأيام، فنُسب ضحايا البلد المستعَمر إلى البلد المستعِمر، وأُغلقت على هؤلاء خزانة التاريخ.
ألمانيا النازية التي أرسلت أبناءها إلى جبهات القتال في الشرق والغرب أجبرت المعتقلين وأسرى الحرب على العمل في مصانعها ومعاملها دون أجر، بين هؤلاء كثير من العرب لا يعرف من مازال منهم على قيد الحياة إن كان ثمة من ما زال منهم على قيد الحياة أن ألمانيا قد أصدرت قانوناً قبل بضع سنوات يمنح عمال السخرة حق التعويض لهم عن سنوات العذاب، عمال السخرة كمحمد بن إبراهيم ومحمد بن حامد، ومحمد بن مصطفى، وسليمان بن بريك.
بروفيسور هوب، هل يمكننا القول إن بإمكان الضحايا العرب الذين مازالوا على قيد الحياة الذين عملوا كعمال سخرة في عهد النازية أن بإمكان هؤلاء التقدم الآن بطلبات لتعويضهم أسوة بالآخرين من مختلف أنحاء العالم؟
غيرهارد هوب: لقد أمَّلت ومازلت آمل أن تصل استفسارات من عمال السخرة العرب الذين نجوا من النظام النازي كي يحصلوا على تعويضهم العادل، حالهم في ذلك حال كثيرين من أوروبا الشرقية، آمل أن يطالبوا بحقهم، لكنني لم أسمع أن أحداً منهم تقدم بطلب من هذا النوع، ربما لا يعلمون بالأمر، وأستغل الفرصة لمناشدتهم أن يفعلوا ذلك.
أكثم سليمان: (أدولف هتلر) الفوهرر أو القائد كما كان يُدعى في ألمانيا النازية، والذي وصل إلى السلطة عام 1933، العهد النازي عهد إحراق الكتب والبشر، النظرية العنصرية، الحرب العالمية الثانية بين عامي 1939 و1945، كل ذلك جزء من تاريخ (الإرم) العربي، إذا كان تاريخ الأمة هو مجموع تواريخ أبناء هذه الأمة.
أكثر من خمسين مليون إنسان راحوا ضحية حرب أكلت الأخضر واليابس وانتهت بسقوط الرايخ الثالث وألمانيا النازية، وانتحار الفوهرر، تاركاً وراءه شبح عاصمة من الأطلال والدموع والرماد كما يبرز متحف تاريخ برلين الذي يحاول الإمساك بتلابيب تاريخ قاتم لوحات من الماضي بالصوت والصورة بالأسود والأسود، حتى المقابر وجدت لها مكاناً في صالات المتاحف وعلى صفحات التاريخ، فأين هو قبرك أيها العربي؟
طريق العودة من برلين إلى معسكر الاعتقال زاكسن هاوزن تهتز الكتب النمطية المصفوفة فوق رفوف الذاكرة، تهتز صورة التاريخ بكامله كلما اقتربنا من المعسكر، كم من البشر اهتزت مصائرهم أمام هذه البوابة؟ كم عربياً مر من هنا؟ كم عربياً حامت فوقه غربان الموت والدمار على بعد آلاف الكيلو مترات من الوطن الأم؟ وأين اختفت آثار هؤلاء اليوم؟ هنا بين هذه السطور المكتوبة بالألمانية والفرنسية إحياءً لذكرى 8 آلاف و500 فرنسي كانوا معتقلين في زاكسن هاوزن تختفي مصائر 37 عربياً، 37 عربياً تقاسموا مع الآخرين الحياة والموت، الأمل والعذاب في معسكر زاكسن هاوزن وغيره من المعسكرات، الأبحاث التاريخية الجديدة تمكنت من تحديد أسماء أكثر من 350 عربياً ممن كانوا معتقلين في المعسكرات النازية التي شهدت ألواناً من التعذيب وصلت حد إجراء التجارب على البشر، الأبحاث ما تزال في أولها، حيث يقدر العدد الإجمالي بأكثر من ألف عربي، هؤلاء العرب لم يُعاملوا أسوأ من غيرهم ولا أفضل، كانوا أرقاماً ضمن أرقام أخرى وسجناء في زنزانات الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود.
في عام 1992 أي بعد توحيد ألمانيا قام دبلوماسي إسرائيلي بزيارة معسكر الاعتقال (ميتل باو دورا) حيث رأى لوحة تذكر الدول العربية ضمن أخرى فيما يتعلق بوطن الضحايا فما كان منه إلا أن طالب بإزالتها بعد ما ساءه أن يكسر أحداً احتكار دور الضحية، فهل يلتفت الرأي العام العربي والجهات الرسمية إلى الإنسان والتاريخ قبل أن تحتكر جهة بذاتها كل هذا التاريخ؟
ضحايا النازية من العرب انتظروا أكثر من 55 عاماً قبل أن تُفتح ملفاتهم للمرة الأولى اليوم، والقضية ليست تاريخية أو سياسية فحسب، بل هي إنسانية بالدرجة الأولى، القضية تتلخص في حق الإنسان -أي إنسان- في أن يكتب اسمه واسم وطنه على شاهدة قبره تكريماً له وحفاظاً على ذاكرة الشعوب.. كل الشعوب.
أكثم سليمان -لبرنامج (مراسلو الجزيرة) -معسكر (زاكسن هاوزن).
عرقية الباشائي في أفغانستان
محمد خير البوريني: تتمتع أفغانستان منذ القدم بتنوع عرقي ساهمت فيه الصراعات التي شهدتها المنطقة منذ آلاف السنين، سمعنا بعرقيات وقوميات مختلفة عدة في أفغانستان، ولكننا ربما لم نسمع كثيراً بعرقية الباشاي التي يقول أبناؤها إنهم من أصول أوروبية، تقرير الطاهر عمارة أعده من هناك.
![]() |
تقرير/الطاهر عمارة: الباشائي أو سكان الجبال، تلك العرقية المميزة في شرق أفغانستان والتي تسكن مناطق جبلية شاسعة أكبرها مورستان وتمتد في ولايات كونارننجرهار، لغمان، وكبيسا وفي الأخيرة قمنا بزيارة بعض قراهم الجبلية. قبل تسلق الجبل توقفنا على سفحه حيث كانت السوق الأسبوعية الخاصة بالباشائي، والتي يشدون إليها الرحال من قرى جبلية بعيدة ليتزودوا بالمواد الغذائية بعد أن يبيعوا ما حملوا معهم من فاكهة مجففة أو منتجات ألبان تجود بها عليهم طبيعة الجبال. تميز واضح في أشكال رجال الباشائي شعر أشقر وعيون زرق، البعض يرى أن ذلك علامة على أصل بعيد تعود إليه جذور هذا الشعب. الطريق لم يكن سهلاً بالنسبة لنا لكنه بالنسبة لرجال الباشائي وحتى لنسائهم أشبه بالنزهة ففي هذه الجبال وُلدوا وترعرعوا وخبروا الطرق والمسالك، ومع أن النقل تقوم به الحمير في الأغلب وعبر طرقات جبلية صعبة إلا أن ثقافة العولمة الواردة من وراء البحار تبذل أقصى جهدها للوصول إلى هذا الشعب البكر.
قرى بُنيت في أحضان الجبال حتى تتوفر للناس جيوب ضيقة جداً على ضفاف مجرى الوادي لما يعتبرونه زراعة ويتصارعون حولها في بعض الأحيان، طرقات ضيقة وصعبة المرتقى، إلا على أهل هذه القرى، وحياة بسيطة جداً لم تخالطها بعد مظاهر الحياة المعاصرة إلا في القليل النادر. غرفة المعيشة والجلوس لإحدى الأسر، أدوات وأواني متناهية في القدم ووسائل الطبخ وغيرها ربما تنافس عليها الهواة لو عرضت في مزاد علني في دولة متقدمة، لظنهم أنها تعود إلى سنوات ما قبل الميلاد.
الحاج عبد المنان عطا زاده أحد القلائل الذين توفرت لهم فرصة الخروج ومواصلة الدراسة إلى المراحل العليا، تخرج في المدينة المنورة والأزهر، ويشغل الآن منصب قاضي قضاة ولاية كبيسا، يزور قريته من حين إلى آخر، يؤكد عطا زاده على أن قومه من أصل أوروبي.
عبد الرحمن عطا زاده (قاض ومؤرخ أفغاني): وهذا المنطقة كما لها تاريخ قديمة من الإسكندر المقدوني جاء من قبل الميلاد وهنا حارب في أفغانستان وبنى مدينة هيرات وبعدين لما ذهب من أفغانستان إلى اليونان لاقى هناك جيوشهم وهذا أقوام الباشائي والنورستاني والشاترالي من بقايا سلالة الإسكندر المقدوني، فهم عاشوا في الجبال لما اختلطوا بهذه الشعوب أو بهذه الناس مع الشعوب الأخرى تغيروا ألوانهم، هم بعض الناس لما عاشوا هنا هم نفس الألمانيين.
الطاهر عمارة: ومثقف آخر من المنطقة يشير إلى علامات يقول إنها دليل على أن أصل قومه من بلاد الإغريق.
محمود غل رحمن (أحد أبناء الشائي وخريج الجامعة الإسلامية العالمية في باكستان): أيه في علامات في الشكل.. تميز بين الشعر الشقراء، العيون الزرقاء، حتى الجمال.. الجمال الإغريقي يمكن أن أقول بأنه فيه جمال إغريقي.. جمال طبيعي، إلا أن مؤخراً يعني الحياة الاقتصادية الصعبة جعلت من الألوان أحياناً تتغير والشعر حتى.
الطاهر عمارة: كما أن هناك عادات إغريقية ظلت تلازم القوم طوال هذه القرون الطويلة.
محمود غل رحمن: ما بقي من عادات الإغريق في.. بين الباشائيين هو الأكل مثلاً واقفاً والأكل الانفرادي شخص يجلس مع نفسه يأكل وحده، أو الجلوس على الكراسي القديمة.
الطاهر عمارة: كثيرة هي الأشياء المفقودة أو شبه المفقودة في أغلب مناطق الباشائيين ولكن أخطرها وأهمها التعليم.
حاجي عبد الرحمن المنان عطا زاده: من ناحية التعليم ومن ناحية العلم هادولا محرومين من (…) المختلفة، أولاً هادولا بعيدين من المدن من كابول أو من المناطق التي هم فيه مدارس هناك وبعدين إلى الآخر عندهم اللسان خاصة.
محمود غل رحمن: الذين تحصلوا على التعليم العالي يقول لك: لا.. لا يتجاوزون أصابع اليد ويمكن شخصين أو ثلاثة الذين توفرت لهم أن يكملوا المرحلة الجامعية في خارج.. في باكستان أو في كابول توفرت لهم اللي تعتبر معجزة بالنسبة لنا وبالنسبة للمنطقة كلها.
الطاهر عمارة: والذين يرغبون في الدارسة يعانون الكثير ويسافرون إلى المدن الكبرى أو حتى خارج البلاد ليعودوا ببضاعة قليلة من العلم على أحسن الأحوال.
أحد أبناء قبائل الباشائي: أدرس في باكستان وأنا الآن في إجازة لمدة ثلاثة أشهر، ولأن المدارس غير موجودة هنا فنحن نقطع المسافات الطويلة حتى نصل إلى باكستان.
أحد أبناء قبائل الباشائي: نريد أن تُبنى لنا مدارس في قرانا حتى نتعلم ونقوم بخدمة الآخرين.
الطاهر عمارة : الجيل الجديد يتجرع مرارة الحرمان من التعليم ومع ذلك يظل الأمل يراوده والحلم يداعبه في التعلم والمشاركة الفعالة في الحياة.
طفلة من قبائل الباشائي: ليس عندنا مدارس ولكن أتمنى أن أدرس وأصبح طبيبة.
الطاهر عمارة: التعليم في أفغانستان بلغتي البشتو والفارسي فقط وللباشائي لغة خاصة بهم، ولكنها غير مكتوبة، وربما سيكون التوصل إلى أبجدية لكتابة هذه اللغة دفعاً لحركة العلم والثقافة في هذه المناطق الجبلية، وإن كانت العراقيل مازالت تقف حائلاً دون الوصول إلى هذا الهدف.
حاجي عبد الرحمن المنان عطا زاده: نحن بدأنا بالكتابة بس اختلفنا في القراية (القراءة) بعضهم قالوا نكتب العربي وبعضهم قالوا نكتب اللاتيني بالإنجليزي على كل حال المملكة مملكة إسلامية نحن -الحمد لله- مسلمين فاخترنا العربي.
الطاهر عمارة: المرأة عند سكان الجبال تقوم بأكثر الأعمال وحتى الشاقة منها، وتخرج إلى أي مكان في القرية وما حولها بحرية تامة ودون غطاء للوجه على غير عادة الأفغان، ومع ذلك فالقوم حساسون لقضايا الشرف والعرض وكثيراً ما تثور المنازعات وتُزهق الأرواح في هذا الشأن ويساهم الثأر بعد ذلك في تأجيج الخلافات إلى سنوات طويلة و إن خفت حدته الآن إلى حد كبير.
غل رحمن (مسؤول أمني): لا توجد الآن ثارات بين الناس، الحالة آمنة لأن إدارة المنطقة بدأت تهتم بالمشاكل الأمنية وتتجه نحو حلها.
الطاهر عمارة: غلام سخي شاعر منطقة كاتشا طاعن في السن لكنه مازال يواصل عمله اليومي في قطعة الأرض الصغيرة التي يملكها.
هذه الأبيات بلغة الباشائي وكان قد أنشدها قبل ثلاثين عاماً عندما قام أحد وجهاء المنطقة بشق أول طريق بين الصخور يصل إلى مكان غير بعيد من المنطقة.
كثيرون جداً خاصة من سكان القرى الواقعة في عمق الجبال يولدون ويموتون في نفس مناطقهم ويكون النزول إلى السوق الأسبوعية أو إلى منطقة (تجاب) القريبة أقصى ما شاهدوه من عالم ما بعد مجتمعهم الجبلي.
حياة بسيطة لم تؤثر فيها آلاف السنين وشعب الباشائي هنا في صراع مستمر مع الطبيعة، ولسان حاله يقول: أنا الذي أُعطى للحياة معنى وسط هذه الجبال والصخور الصماء.
الطاهر عمارة -لبرنامج (مراسلو الجزيرة)- منطقة كاتشا- أفغانستان.
[فاصل إعلاني]
محمد خير البوريني: ونعرض مشاهدينا في سياق هذه الحلقة مجموعة من رسائلكم.
هذه رسالة من اليمن بعثها المشاهد صالح علي الجوهي يطلب فيها إلقاء الضوء على الإخوة العرب المهاجرين إلى شرق أفريقيا لا سيما الحضرميون منهم، ويقول إنهم كثر، كما هم في شرقي آسيا، كما يطلب المشاهد الحديث عن أحوالهم وكيف أصبحوا مؤثرين في القرار السياسي وكيف وصلوا إلى مناصب عليا. نشكر صالح على رسالته وقد قمنا بإجراء الاتصالات اللازمة لدراسة الموضوع الأول، أما الموضوع الثاني الذي يتعلق بشرق آسيا فقد باشرنا إعداده ونرجو أن تتاح لك الفرصة لمشاهدته من خلال هذا البرنامج.
ورسالة من حكيم الداهي بن جارة من الصحراء الغربية يثني فيها على التقرير الذي عرضه البرنامج حول لاجئي الصحراء الغربية في جنوبي الجزائر وقال: لقد تابعت تلك الحلقة بشغف وكانت على المستوى اللائق من حيث الموضوعية، يطلب المشاهد مزيداً من الشرح لقضية الصحراء الغربية سياسياً وعسكرياً في حلقات لاحقة وذلك لإعلام المشاهد العربي الذي يقول: إنه لا يعرف شيئاً عنها.
نشكرك على الثقة ونتمنى أن نبقى عند حسن ظن جميع المشاهدين في كل مكان، نرجو أن تتمكن من مشاهدة موضوعات ربما نتمكن من إعدادها في حلقات لاحقة.
ومن فلسطين بعث فادي أبو شباب يطلب موضوعاً حول المناضلين الفلسطينيين الذين أبعدتهم إسرائيل وكانوا يتحصنون في كنيسة المهد في مدينة بيت لحم، مهد سيدنا المسيح، عليه السلام، ويسأل كيف يعيشون الآن وما هي أحوالهم؟! إذا تمكنتم.
لقد حاولنا يا فادي طرق مثل هذا الموضوع، ولكن طبيعة إبعاد أولئك المناضلين أدت إلى تعقيد المهمة، حيث تم إبعاد كلٍ منهم إلى بلد يختلف عن الآخر، على كل حال لن نتوقف عن المحاولة وسوف نتابع هذا الأمر الهام الذي أثار جدلاً كبيراً وخطيراً.
ومن السعودية بعث المشاهد أبو مصعب السوداني رسالة عبر الفاكس يطلب فيها تقريراً عن العاملين السودانيين في المملكة العربية السعودية، ويقول: منذ فترة طويلة أوقفت إدارة الجوازات السعودية تعديل المهن للسودانيين وهو الإجراء المسموح به لبقية الجنسيات الأخرى.
نجيب المشاهد الكريم بالقول: إذا كنت متابعاً للبرنامج فلابد وأنك سمعت منا تعقيباً على العديد من الرسائل التي تطلب موضوعات مختلفة من السعودية، حيث قلنا إنه لا يوجد (للجزيرة) مراسل في السعودية، وإننا سوف نقوم بإنجاز العديد من الموضوعات التي يطلبها المشاهدون من هناك حال السماح لنا بذلك.
ورسالة طويلة من المشاهد العراقي كريم البغدادي بعثها من ألمانيا تتضمن الرسالة شرحاً وحديثاً عن الشاعر السعودي الدكتور عبد الله الجشي كما ذكر فيها عدداً آخر من شعراء العراق والشعراء العرب ولم يحدد مطلباً معيناً من البرنامج، نعتقد يا كريم أن موضوع رسالتك الطويلة يتعلق ببرنامج متخصص بالأدب والشعر وليس ببرنامج (مراسلو الجزيرة) نعتذر لك شديد الاعتذار وهذه فرصة جديدة للترحيب بجميع رسائل السادة المشاهدين والتأكيد على ضرورة أن تحتوي على ما يخص عمل هذا البرنامج فقط من طلبات أو مقترحات أو استفسارات أو نقد.
وأرسل محمد عبد الله وهو سوداني يقيم في اليونان أرسل رسالة مركزة ومختصرة يطلب فيها تسليط الضوء على الإسلام والمسلمين العرب المهاجرين في اليونان الدولة الأوروبية.
سوف نقوم بذلك يا محمد ونتمنى أن نحقق ما طلبت في أسرع وقت، ولكن بعد إجراء دراسة حول هذا الأمر ومعرفة مزيد من التفاصيل بشأن وجود العرب والمسلمين هناك علماً بأن اليونان هي الدولة الأوروبية الأقرب جغرافياً وربما حضارياً إلى المشرق العربي.
ومن جمهورية مصر العربية بعث أحمد حجازي يطلب من البرنامج أن يقوم بإجراء دراسة واقعية وموضوعية لحياة ومعيشة بسطاء وفقراء مصر وتحديداً في صعيد مصر والركوب في قطارات الدرجة الثانية والثالثة المتجهة إلى الصعيد وإلقاء الضوء على من يعيشون تحت مستوى خط الفقر لا سيما في محافظة سوهاج التي يبلغ عدد مواطنيها الثلاثة ملايين نسمة يعيشون تحت خط الفقر حسب قوله، ويطلب أيضاً زيارة المستشفيات والحديث عن المعاناة اليومية هناك وكيفية إيجاد الحلول وزيارة الفقراء في منازلهم والوقوف على معيشتهم.
نقول للمشاهد إننا قمنا بتنفيذ عدد من الموضوعات من مصر وسوف تشاهد المزيد منها في الحلقات المقبلة، نتمنى أن نتمكن من طرح ما ود في رسالتك، فالريف المصري معروف بالأصالة وجمال الطبيعة وزاخر بالموضوعات.
مشاهدينا الكرام نكتفي بهذا القدر من الردود على رسائلكم حسب ما سمح به الوقت في هذه الحلقة ونتابع ما تبقى.
المدارس الدينية في اليمن
تكثر المدارس الدينية في اليمن على اختلاف توجهاتها ومناهجها، قيل إن العديد من تلك المدارس أنشئ دون الحصول على التراخيص اللازمة، وقيل إن بعضها ارتبط بمصادر تمويل خارجي الأمر الذي أملى عليها سياسات وطروحات معينة. بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر أقدمت السلطات اليمنية على مراجعة الأوضاع وإغلاق العديد من تلك المدارس حتى أنها استخدمت القوة في بعض الحالات لتنفيذ أوامرها، من أكثر المدارس الدينية في اليمن إثارة للجدل كلية دار المصطفى للدراسات الإسلامية في مدينة تريم في محافظة حضرموت التي لازالت تستقبل وتودع أفواجاً من الدارسين حتى أولئك القادمين من الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية، وتقوم السلطات اليمنية بين الحين والآخر بالتدقيق في عمل هذه الكلية ومراقبة مناهجها ومدى انضباط القائمين عليها فيما يتعلق بقوانين استقدام الوافدين العرب والأجانب الدارسين فيها، إضافة إلى سياسات التعليم. التقرير التالي أعده أنور العنسي.
![]() |
تقرير/ أنور العنسي: من كل أصقاع الأرض جاءوا يمموا وجوههم شطر هذا المكان.. دار المصطفى الجامع والجامعة الحاضرة في أكثر حواضر اليمن إشعاعاً بألق الحكمة والمعرفة، مدينة تريم ذات الثلاثمائة وستين مسجداً وعشرات المدارس والأربطة الدينية، كثيرون يرون في دار المصطفى أنموذجاً رائداً لمؤسسات التعليم الديني في اليمن لتميزها كما يقولون بوسطية مناهجها وتركيزها على حسن تأديب طلابها وإقران الغايات المتوخاة من إقامتها بالسلوك الصالح والقدوة الحسنة لدى طلابها.
الحبيب عمر بن حفيظ (مؤسس كلية دار المصطفى للدراسات الإسلامية): تجمل هذه الغايات في ثلاثة من المقاصد أُقيمُ الدار من أجلها وهي: حفظ العلم الشرعي وتحصيله والتمكن فيه عن طريق أخذه عن الأكفاء بالسند المتصل إلى أئمة الدين المنتهي إلى النبي محمد صلى الله عليه وصحبه وسلم.
الهدف الثاني: قرن هذا العلم بالعمل والتزكية والتربية وتقويم الخلق الذي افتقده المسلمون في كثير من نواحي حياتهم وشؤونهم وقد قال قائلهم:
لا تحسبن العلم ينفع وحده ما لم يتوج ربه بخلاق
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
الثالث: نشر هذا العلم والخلق الكريم والدعوة إلى الله -تبارك وتعالى- بهذا المنهج.
أنور العنسي: مع هذا فإن آخرين يعتقدون أن مناهج التعليم الديني في هذه الدار أو غيرها غير كافية لإعداد جيل مؤهل ومسلح بمتطلبات العصر وشروط التطور، بل ويذهبون إلى اعتبارها دعوة إلى الطائفية والانعزال.
عبد الباري طاهر (مفكر وباحث يمني): كان التعليم في اليمن وبخاصة التعليم الديني سُيِّس وأصبح منفلت وموظف ضد برامج الحياة، ضد التحديث، ضد التنمية، وضد بناء دولة عصرية حديثة، من أواخر.. من أواخر السبعينات.. الثمانينات نشأت مئات المعاهد الدينية التي تخرج فقط متخصصين في الشأن الديني، وللأسف الشديد هؤلاء الطلاب يحصلون على مستوى من التعليم الديني بعيداً عن الحياة وعن خطط التنمية وعن البرامج وأصبحت هناك معاهد بلا حدود، ومعاهد تدرس يعني.. يعني طرائق للدين ذات طبيعة طائفية، يعني خاصة.. يعني مدارس خاصة لحضرموت، خاصة بالمناطق معينة، مذاهب تدرس السنة والحديث وكذا، في صعدة طريقة مقبل بن هادي الوادعي، رحمه الله، فأصبحت هذه المدارس تدرس مذاهب دينية ولا تدرس مذهب ديني واحد، كما كان موجود في اليمن في مرحلة من المراحل، هذه المذاهب تخرج مئات الآلاف وآلاف مؤلفة وكلهم لا يجدون عمل ولا يجدون وظيفة ولا يجدون ارتباط بالهم العام للحياة في اليمن، ويجدوا الناس يقتتلون في المساجد على من يمسك الميكروفون.
أنور العنسي: قدر كبير من شهرة دار المصطفى يرجعه البعض إلى حيوية مؤسسها الحبيب عمر بن حفيظ، الذي تعرض مع عائلته لمضايقات كثيرة إبان سنوات الحكم اليساري الاشتراكي في جنوب اليمن قبل الوحدة، الأمر الذي كان سبباً في تأجيل حلمه في بناء هذه المدرسة، لكن آخرين يعتبرون أن دور هذه المدرسة بل ومعظم المعاهد والمدارس الدينية انتهى منذ زمن بزوال حكم الحزب الاشتراكي لجنوب اليمن وانحسار مد التيارات اليسارية والقومية التي شكلت قبل أكثر من عقدين من الزمن تقريباً تهديداً لقوى سياسية واجتماعية محلية وإقليمية كانت في رأي البعض قد تمترست وراء معاهد التعليم الديني للدفاع عن مصالحها وللتشبث بثقافة وقيم تقليدية محافظة، بل ومتزمتة أحياناً.
صادق ناشر (محل سياسي يمني): كان الخطاب الديني لازماً في معركة من المعارك التي كانت تدور رحاها بين نظامين أيديولوجيين مختلفين الأول في الجنوب الذي كان يمثله الحزب الاشتراكي اليمني والثاني في الشمال الذي كان يمثله عدد يعني أو خليط من التركيبات القبلية والمشائخية والعسكرية، ولهذا كانت الظروف تستدعي إقامة عدد من المعاهد الدينية لمواجهة خطر ما أُسمي بخطر المد الماركسي الشيوعي القادم من الجنوب وشهدت المناطق الوسطى وعدد من المناطق القريبة من الجنوب إنشاء عدد كبير من المعاهد الدينية وتخرج منها العديد من الواعظين و.. والخطباء وكان الهدف الرئيسي لهذه القضية هو كيفية مواجهة هذا الخطر القادم، بعد الوحدة وبعد يعني عودة الحزب الاشتراكي والمؤتمر الشعبي العام لقيادة اليمن كيمن موحد انتفت الحاجة إلى هذه المعاهد وللأسف لكن هذه المعاهد تحولت فيما بعد إلى.. تحولت إلى قاعدة خلفية للتدريس يعني أفكار تكاد تكون أفكار متطرفة.
أنور العنسي: هذه الدار تبدو المؤسسة التربوية الأكثر تنظيماً واعتدالاً بمنهجها الجامع وفق ما يراه مراقبون هنا، إلا أن هذا بدوره جعلها على ما يبدو مثار جدل واسع يتعلق بحقيقة أهدافها وبطبيعة مناهجها.
الحبيب عمر بن حفيظ: كانت التجربة من حيث طرح شؤون التعليم مقرونة بالعمل وتنقية القلب والفكر عن الأغراض والمطامع التي بها يتصارع الناس وبها تقوم الخلافات والنزاعات الكثيرة وأكثر مرجعها إلى ضعف في النظر في حقيقة الشريعة وضعف في الاتصال بالتربية التي خلَّفها رسول الإسلام -صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله.
أنور العنسي: ربما كان إقبال العديد من الطلاب العرب والأجانب على الالتحاق بكلية دار المصطفى هو أكثر الأمور إثارة للشكوك بإمكان تحولها إلى تجمع لطلاب ينتمون إلى جماعات إسلامية متطرفة لا يستبعد أن يخترق جمعهم من قبل عملاء لشبكات استخبارات دولية، ولعل ذلك كان دافعاً لشخصيات يمنية وإسلامية عالمية رفيعة المستوى حرصت على زيارة الدار لتفقد أحوال طلابها والاطمئنان على سلامة مناهجها والنأي بها عن كل محاولات الاختراق السياسي أو الاستخباري.
علي عبد الله صالح (الرئيس اليمني): نحن نقبل كل من يأتينا من أي دولة شقيقة أو صديقة بلد إسلامي أو بلد صديق ولكن على أسس وعلى طرق مشروعة عبر السفارات، تكون بلده راضية عنه، ألا يسبب لنا إشكال في علاقاتنا مع الآخرين.
أنور العنسي: مسؤولو دار المصطفى ما لبثوا يؤكدون إزاء ذلك على قانونية الإجراءات المتبعة لالتحاق الطلاب بها وبمشروعية إقامتهم في البلاد. ووسط هذه المخاوف والأجواء فإن طلبة علم غربيين وآسيويين وأفارقة ممن يتزودون بعلوم كلية دار المصطفى ويهيئون أنفسهم للانطلاق إلى تبليغ رسالة الإسلام لا يخفون قلقهم من مصاعب قد تقف أمام طموحهم لنشر الدعوة، وتبليغ رسالة الإسلام على حد قولهم.
طالب أميركي: الله -سبحانه وتعالى- يعني وعد نبيه -صلى الله عليه وسلم- بأن دينه لم.. لم يكون يعني بيت في البيوت يعني في الدنيا إلا وداخل فيه يعني دين النبي -صلى الله عليه وسلم- فيعني ما هو قضية رأي ورأي فلان يعني نحن.. نحن علينا وعد من الله -تبارك وتعالى- بأن الإسلام سينشر يعني.. يعني خلال العالم، فإما يعني باقياً يعني الذين أيدينا .. الناس الذين الله -تبارك وتعالى- سيجري هذا الخير العظيم على أيديهم فيعني فعلاً الذين تراه.. نراه الآن حتى في الدول الغربية الأكثر انتشاراً يعني من جميع الأديان هو دين الإسلام، وكثير من الشباب خاصة في أميركا فضلاً عن بقية الدول الأخرى يعني يسلمون يعني بشكل يعني سريع.
أنور العنسي: مسؤولو وطلبة دار المصطفى يشددون في التأكيد لضيوفهم على أن دعوتهم خالصة لوجه الله ولخدمة الدين الإسلامي وأنها خالية من أي تعصب مذهبي أو هوى سياسي، كما أنها بعيدة كذلك عن أي تحريض على العنف أو ما يسمى بالإرهاب.
أنس (طالب سوري): الذي تعلمناه من مشايخنا وعرفناه أنه ما.. ما نخوض في السياسة أولاً، ثانياً: نحن الذي نتعلمه أن نعلم الناس رسالة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- و رسالته لا.. لا حرب، …. وسلام، وإذا يأتيك.. يأتيك العدو، يعني مثلاً يأتيك شخص يضربك سامحه، ويأتيك الشخص يسبك أنت، لأ أنت تقاتل في وقت القتال، نعم إذا جاء حقوق الله -سبحانه وتعالى- يعرف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما كان.. ما كان يقف لغضب الله أحد أمامه.
أنور العنسي: دار المصطفى لا توفر لطلابها فرصا للدارسة وتحصيل المعارف فحسب، لكنها تؤمن لهم كذلك العيش والإقامة ضمن بيئة خاصة تساعد أجواؤها وتقاليدها وأنماط السلوك السائدة فيها على ترسيخ ما تلقاه هؤلاء الطلاب من معارف وعلوم وآداب.
طالب يمني: نعيش في جو روحاني، جو مليان بالروحانية وبالعلم، وبعيد عن الذي .. ما يكدر صفو الإنسان، وما يكدر خاطره، وما يشغله عن.. عن حقيقة تلقي العلم وحقيقة اجتذاب أهل.. لاجتذاب أهل الصلاح.
أنور العنسي: علاوة على ذلك فإن بعض الدارسين هنا يرى أن حضرموت تبدو من أكثر البيئات الثقافية ملائمة لدارس علوم الدين من العرب والأجانب بالنظر إلى تسامحها الاجتماعي ولما يتمتع به فقهاؤها من خبرة مشهود لها في الوصول بالخطاب الديني إلى أذهان المتلقين لعلوم الدين من غير العرب بأسلوب ميسر واضح ومؤثر.
الشيخ هاشم الحبشي (جمعية علماء اليمن): أهل حضرموت وأهل اليمن يشكل عام قد نشروا الإسلام في شرق آسيا، وهذا معلوم لدى الجميع ولا ينكره التاريخ، ولا.. ولم ينشروا هذا.. ولم ينشروا الإسلام إلا بطريقة التسامح وطريقة الأخلاق الفاضلة والحرص على حب الآخرين. النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: لا يكون المؤمن مؤمن حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه" فهؤلاء أحبوا لإخوانهم ما يحبونه لأنفسهم فبهذا انتشر الإسلام وعلى هذا النهج يمشي دار المصطفى كما لمسناه وعرفناه، ونحن على قرب منه ونبارك خطواته أولاً بأول مثل (رباط تريم) وغير هذه، هذه المواقع نتلمسها ونبارك خطواتها.
أنور العنسي: مصادر الدار لا تخفي قبولها تبرعات من محسنين وجمعيات خيرية لتمويل أنشتطها التعليمية، لكنها في الوقت نفسه تنفي أن يكون لذلك أي تأثير في توجيه سياساتها ومناهجها لخدمة أي جماعة سياسية أو مذهبية أو اجتماعية أو غيرها.
أنور العنسي -لبرنامج (مراسلو الجزيرة)- من دار المصطفى للدراسات الإسلامية -مدينة تريم -حضرموت- اليمن.
محمد خير البوريني: إلى هنا نأتي مشاهدينا إلى نهاية هذه الحلقة من البرنامج، يمكن لجميع المشاهدين الكرام أن يتابعوا تفاصيلها بالصوت والصورة والنص من خلال موقع الجزيرة على شبكة الإنترنت والعنوان هو:www.aljazeera.net
كما يمكن مراسلة البرنامج من خلال البريد الإلكتروني والعنوان هو:
reporters@aljazeera.net
أو من خلال العنوان البريدي على صندوق بريد رقم 23123 الدوحة -قطر وكذلك من خلال الفاكس على رقم: 4860194، أهلاً بجميع رسائل السادة المشاهدين.
في الختام هذه تحية من المخرج صبري الرماحي ومن فريق العمل، وهذه تحية أخرى مني محمد خير البوريني، إلى اللقاء.