ضحايا أحداث سبتمبر، التيارات الإسلامية في إندونيسيا
مقدم الحلقة: | محمد خير البوريني |
ضيوف الحلقة: | عدة ضيوف |
تاريخ الحلقة: | 15/02/2003 |
– مظاهر التضامن في زيارة أقارب ضحايا الحادي عشر من سبتمبر إلى العراق
– فن البوب آرت والبحث عن المفهوم
– المسلمون في ساحل العاج في ظل الاضطرابات الأخيرة
– الحركات الإسلامية الإندونيسية منذ سقوط سوهارتو
محمد خير البوريني: أهلاً ومرحباً بكم مشاهدينا إلى حلقة جديدة من (مراسلو الجزيرة).
نعرض في هذه الحلقة جانباً من زيارة مجموعة من أقارب ضحايا أحداث الحادي عشر من سبتمبر إلى العراق بهدف الإطلاع على أثار حرب الخليج الثانية على المواطنين هناك، وما تركته أثار العقوبات المفروضة على الشعب العراقي منذ عام 91، ونرى ما يقوله المواطنون الأميركيون بعد اطلاعهم على واقع الحال عن كثب، لا سيما على أثار مجزرة ملجأ العامرية في بغداد التي راح ضحيتها مئات العراقيين حرقاً في القصف الجوي الأميركي.
وتشاهدون معنا تقريراً نلقي من خلاله الضوء على أوضاع التيارات الإسلامية في إندونيسيا منذ انهيار حكم الرئيس (سوهارتو) فنرى كيف انتعشت تلك التيارات وكيف عاد بريقها ليخبو قليلاً بعد تفجيرات جزيرة بالي والهجمة الأميركية على ما يُسمى بالتطرف والإرهاب، كما نرى أن تراجع جماعات إسلامية قليلاً إلى الوراء ليس إلا انحناءة مؤقتة أمام العاصفة كما يقولون.
ومن ساحل العاج نعرض قصة نتناول فيها طبيعة تركيبة تلك البلاد، ونحاول أن نتطرق إلى الحرب الأهلية والاقتتال الذي أماط اللثام عن فتنة كانت نائمة فأيقظها من أيقظها، كما نرى محاولات للتعايش والانسجام بين أطياف التركيبة العرقية والدينية المعقدة، على الرغم من كل ما جرى.
ومن قطر تشاهدون تقريراً يتحدث عن فن مميز من الفنون الشعبية يُدعى فن (البوب) الذي يعتمد على المواجهة والتغيير وإيقاظ وعي الناس، ومن أبرز رواده ومبدعيه الفنان (جون كينج) الذي عمل على أن يكون هذا النوع من الفنون متواضعاً وشعبياً وبسيطاً وقريباً من حياة الناس العادية.
أهلاً بكم إلى أولى فقرات هذه الحلقة.
مظاهر التضامن في زيارة أقارب ضحايا الحادي عشر من سبتمبر إلى العراق
أميركيون هم أقارب ضحايا أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، شاركوا العراقيين جزءاً يسيراً ومحدوداً جداً من أثار العقوبات المفروضة عليهم منذ عام 91 إثر غزو الكويت، مستشفيات ومنازل زارها الأميركيون في العراق كما شاهدوا آثار مجزرة ملجأ العامرية في قلب بغداد، المجزرة التي راح ضحيتها مئات المدنيين العراقيين أطفالاً ونساءً ورجالاً وشيوخاً تحوَّلوا في طرفة عين إلى جثث متفحمة وأشلاءٍ من اللحم الآدمي التصقت على جدران الملجأ الذي ظنوا أنه قد يقيهم شراسة القصف الصاروخي الأميركي ومن اشترك في تلك الحرب إلى جانب واشنطن، ماذا يقول المواطنون الأميركيون عندما يشاهدون نتائج الحروب التي لا يمكن إلا أن تكون كارثية على الشعوب الأخرى مهما حاول الساسة أينما كانوا في هذا العالم أن يقللوا من حجم خسائرها البشرية والمادية والمعنوية، ومهما حاولوا تجميل وصف الصواريخ الذكية منها والغبية، تقرير فائزة العزي من العراق.
![]() |
تقرير/فائزة العزي: ما لم تنجزه قذائف حرب الخليج الثانية تاركة إياه على خيط رفيع بين الحياة والموت تكفلت به العقوبات الدولية على أكمل وجه، هذا الانطباع حمله ذوو ضحايا أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر بعد زيارتهم الأولى إلى العراق حاملين همومهم وأحزانهم ليشاركوا بها ذوي ضحايا الحرب والحصار من العراقيين جنباً إلى جنب.
مواطنة أميركية تزور ضحايا العراق: أستطيع أن أقول لا يمكن أن نستمر في قتل مزيد من الناس لا يمكن لنا تحقيق أهدافنا السياسية والاقتصادية من خلال قتل الآخرين، علينا أن نعمل من أجل السلام دون اللجوء إلى العنف، لأن هناك أرواحاً تُزهق.
فائزة العزي: فاقة وبحث مضنِ عن مصدر رزق بسيط، قد يوفر لقمة تسد الرمق، وقد لا يوفرها. في زحمة المتاعب والمعاناة التي خلَّفتها عقوبات لا يمكن حصرها، ومرض عضال ولاتَ حبة دواء يمكن لها أن تسكت آهة طفل برئ بدَّل رغماً عنه ألوان زهور رياضه ببياض أَسرَّة شفاء بات حلماً عصياً، للتخلص من كابوس اسمه السرطان، وما بين ضيق ذات اليد ورقباء لجنة 661 تصبح عبارة: "لا حول ولا قوة إلا بالله" شعاراً على رؤوس الأشهاد، وحين يجتمع أهل المصائب يصبح للحديث طعم آخر يشبه طعم العلقم.
مواطنة أميركية تزور ضحايا العراق: الذي جرى ضد الشعب العراقي لا يمكن التسامح معه، أعتقد أن على الأميركيين أن يأتوا إلى هنا ليشاهدوا بأنفسهم حتى يروا ما الذي حصل للعراقيين، وكيف يعاني أطفالهم.
فائزة العزي: في بغداد، وحتى لو كنت على بعد فثمة مكان حزين يناديك اسمه ملجأ العامرية، وكما أغلب الذين يحاولون الإطلاع على ما جرى كانت مصيبة العامرية المحجَّ الأول لهؤلاء الزوار.
مواطنة أميركية تزور العراق: عندما شاهدت ملجأ العامرية تذكرت عمي الذي قضى في الحادي عشر من سبتمبر، وتذكرت جميع الناس الذين فقدوا أحبة لهم، عندما أفكر في العراق الآن أفكر بكل من التقيتهم هنا ومن فقدوا أحبة عليهم، إنها قضية شخصية بالنسبة لي، كل من شاهد ما شاهدته هنا تأثر كثيراً، كما تأثر بما حدث في نيويورك وواشنطن وبنسلفانيا.
فائزة العزي: هنا تناديك أصوات أكثر من 400 ضحية، بين شيخ وطفل وامرأة احتلت صورهم جدران قبر كانوا معه على موعد أبدي، تعود الذاكرة إليه حيث تلابيب فجر بارد من أيام شباط/ فبراير من عام 91، حين أحالت طائرات أميركية –وبدم بارد- هذا الملجأ الذي يفترض أن يكون آمناً- إلى ركام محترق يروي قصصاً مازالت ماثلة في الأذهان، مثلما هي ماثلة على هذه الجدران.
شموع ذكرى توقد بآسى شفيف علها تمنح السلام لأرواح مازالت تحوم حول هذا المكان وهي تتساءل بصوت أنين بأي ذنب قُتلت؟ ولماذا؟ مثلما يتساءل كل الضحايا.
فرغم اختلاف الأسماء والعناوين يبقى السؤال دائماً لماذا؟ ولا من مجيب.
مواطن أميركي يزور ضحايا العراق: لقد أتيت إلى هنا مخترقاً القانون الأميركي، لأنني أعتقد أنه لا يمكن لأحد أن يمنع شخصاً من إحضار الدواء والطعام ومساعدة الناس المحتاجين لمثل هذه المساعدة، لاسيما وأن العقوبات المفروضة على العراق من طرفنا في الولايات المتحدة تسبب معاناة العراقيين.
فائزة العزي: تركنا وحدنا وغادر دون وداع، لم ينبس ببنت شفة، ربما أحس بأنه مشروع ضحية جديدة، فآثر أن يرحل بصمت. هكذا يقول لسان حال عائلة السيد جميل، الذي قضى بحادث قصف الطائرات الأميركية لشركة نفط الجنوب في البصرة، كان عاملاً فيها، وذات يوم خرج جميل ولم يعد إلا محض لوعة حارة مرسومة على هذه الوجوه الحزينة، التي أصبحت بين ليلة وضحاها تناجي أثراً بعد عين، وطالما يتكرر المشهد مع استمرار الوضع المتفجر فيما يسمى بمناطق حظر الطيران شمالي وجنوبي العراق التي تفرضها الولايات الأميركية خارج قرارات الأمم المتحدة، فلابد من محطة أخرى تبدو فيها بشرى، التي تقاطعت أحلامها مع ساقيها المهددتين بالفقدان، بفعل صاروخ أميركي، شفاهٌ تتحدث وآذان تسمع والمرارة واحدة، فحين يكون الأمر كذلك تتراجع اختلافات اللغة والانتماء والثقافة، بل تذوب أمام آلام الإنسان أينما كان.
مواطنة عراقية من ضحايا الغارات الأميركية على العراق: كنت يعني أعمل بدائرة فكان عندي شغل، أردى أدزها [أريد إرسالها]إلى قسم ثاني، يبعد يعني شوية يعني نفس المكان أمام نفس الشركة، بس بناية ثانية، فرحت دزيت شغلي وأنا راجعة، تقريباً الساعة 11 وربع أو ثلث في ها الحدود يعني وأنا راجعة يعني ما أحس إلا في صوت كل.. كل.. بحيث إذا.. يعني ما تحملت ها الصوت هذا، وهو عاصفة شون العاصفة، يعني أنا صراحة ما عرفت إنه صاروخ، يعني ما عرفت، بذاك اليوم ما عرفت إنه يعني اللي وقع يعني هو صاروخ، فالهوا هذا كلش رفعني تقريباً 5 مترات عن الأرض، شالني.. منه وقعت على رأسي، أغمى علي.
فائزة العزي: ولا غرابة في ذهول هؤلاء الزائرين، فالأمَرُّ الذي ذاقوه بفقد الأحبة في أحداث سبتمبر لا يشبه الأمرَّين في معاناة ذوي من أصيب هنا، ومن غادر بلا رجعة.. وهو أمر ربما رصدته عيون وأسماع هؤلاء الزائرين بوضوح لم يكونوا يتوقعونه حتى يصبح من الغريب حقاً أن العيون عبر الأطلسي تراقب وتدعي رصد أسلحة محظورة لم تستطع حتى الآن إثبات وجودها، وتصرف النظر عن مشاهد الألم والموت والدمار التي تبدو واضحة وضوح الشمس في عز النهار.
فقدان الدواء والأبناء ومعاناة العراقيين المستمرة على مدى 12 عاماً أصبحت للعالم أمور اعتيادية، لا تعني إلا من به ألم. فهل يُسمع الزائرون الأميركيون من ينادون؟
فائزة العزي –لبرنامج (مراسلو الجزيرة) – من مدينة البصرة –جنوب العراق.
فن البوب آرت والبحث عن المفهوم
محمد خير البوريني: لم تعد معارض ما يُطلق عليه اسم فن (البوب) أو الفن الشعبي -وهو فرع من فروع المدرسة التشكيلية – لم يعد حكراً على مدن اشتُهرت بإقامة مثل تلك المعارض كلندن ونيويورك وغيرها، عشرون فناناً وفنانة حاولوا- للعام الثاني على التوالي- تغيير المشهد البصَري الذي اعتادوا المعارض في قطر أن يشاهدوه، تقرير مريم أوباييش أعدته من الدوحة.
![]() |
تقرير/ مريم أوباييش: عندما تدخل معرضاً للبوب آرت، أول سؤال يتبادر إلى ذهنك هو: هل ستفهم شيئاً من الأعمال المركبة المعروضة أم أنك ستغادر المكان وأنت تحاول فك رموز ما شاهدته؟
في مثل هذه المعارض لن تجد لوحة زيتية لمنظر طبيعي أو صحن فاكهة أو وجه امرأة أو وجه طفل ألهم ريشة فنان، فالبوب آرت فن يسعى لاكتشاف خامات وطرائق تعبير مغايرة تنبني على الوعي والإدراك.
ظهر فن البوب أول مرة في إنجلترا عام 59 على يد الناقد الإنجليزي (لورينس ألوي) الذي تحدث عن الثقافة الشعبية ثم صاغ مصطلح الفن الشعبي وأعمال (قطر بوب) الذي اختار عنوان "الضوء والفراغ" تحمل أكثر من رسالةٍ وصرخةٍ لهموم عالمنا العربي، وكم هي كثيرة.
سمر الحسين (فنانة تشكيلية): بيتميز عملي بوجود طفل صغير ضمن مكونات العمل، وهذا الشيء أضاف حيوية على العمل الفني، وحقق حوار ناجح بين الجمهور و.. والعمل. الرسالة اللي حبيت أقولها من خلال عملي إنه الإنسان العربي بيعيش ضمن سجن كبير، وفي أغلب الأوقات الحرب بتهدد أحلامه وأفكاره وطموحاته، يعني أغلب الأطفال الصغار مهما يلهوا ويلعبوا في طفولتهم راح ييجي يوم يكتشفوا إن همَّ مقيدين ومحاصرين و.. وما بيقدروا يتصرفوا بحرية أو يتكلموا بحرية عن أنفسهم.
مريم أوباييش: البالونات التي عادة ما تقترن بالفرح استخدمت هنا للتعبير عن حالات وانفعالاتٍ نفسية مختلفة، وإن اختلفت تقاسيم الوجوه يظل الغضب العامل المشترك لتغيب الابتسامة والبشاشة، وكأن الفنان أيقن أن عالم اليوم لا يترك للمرء مجالاً كي يضحك أو بالأحرى لا شيء يدفع إلى ذلك. وبسبب غياب معظم الفنانين الذين شاركوا في المعرض تظل بعض الأعمال التي شدت انتباهنا محل تساؤلٍ عن مغزاها، معذرة عن عجزنا عن إدراك محتواها.
حسن الملا (رئيس الجمعية القطرية للفنون التشكيلية): السيارة زي الإنسان المغيَّب عن الحياة كأنه على رؤوسهم الطير، فعملت هذا الشيء، حطيت طيور على السيارة، السيارة ملغية من الحياة أو انتهت صلاحياتها، هاي الإنسان العربي تقريباً يعني هاي.. هاي أنا أحسه وأعبِّر عنه.
مريم أوباييش: ليست هذه القمصان كسوةً، بل أداةً لكشف عيوب أمتنا العربية من سياساتٍ فاشلة وشعوب مستضعفة، والأخبار الحزينة عنها هي الطاغية، هذه الأعمال جسَّدت تفاعل الفنانين مع محيطهم وقضاياهم، والتزامهم بتلك القضايا التزاماً واعياً. وكلما حاولت عيناك الوقوع على عمل لا يستفزك تبوء محاولتك بالفشل. هل أراد صاحب هذا العمل أن يقول لنا إن حياتنا اليوم لا يمكنها أن تستمر بدون الدولار الأميركي أو الهاتف النقال؟ أتراه أراد أن يقول إننا تحت رحمة أميركا وما تصدره لنا؟
لن نعرف الكثير عن هذا العمل الذي مُنعت صاحبته من طرف أهلها من الظهور على شاشة التليفزيون، فنانة تشكيلية تمنع من الإدلاء بتصريح لوسيلة إعلامية في مطلع الألفية الثالثة، قد يحتاج الموقف نفسه إلى عملٍ مركبٍ من نوع فن البوب. أما الفنان محمد عتيق فقد اعتمد واجهة محل أحذية لتجسيد رؤيته للضوء والفراغ، ولم يكتف بهذا العمل فحسب بل إنه شارك في (قطر بوب) بأداء شخصية الحمَّال، وهو أسلوب من أساليب فن البوب لشد انتباه الجمهور بطريقةٍ لم يعتادوا عليها من قبل، لذا تراها تثير اندهاشهم وفضولهم.
محمد عتيق (فنان تشكيلي): فن الأداء اخترته لربط الأعمال المتواجدة في قاعة المعرض، لأني حضَّرت لها من 20 يوم، وذهبت إلى السوق وشفت الحمال وهو كيف يربط بين المحلات و.. والشخصيات أو.. والجمهور مع.. مع العربيات والسيارات.
مريم أوباييش: المدعون لتناول العشاء حول هذه الطاولة لم يحضروا بعد، ربما لأنهم مشغولون باقتسام حصص النفط التي تجود بها الحقول العربية، والغالب أنهم يفكرون في اتباع أفضل السياسات للحصول على الذهب الأسود بأقل سعرٍ ممكن، كيف سيكون مصير هذا الطفل؟ أغلب الظنِ أن حياته ستكون مليئةً بالعراقيل والإحباطات، هل ستكون أكثر تعقيداً من هذا العمل، أم ستضيء الشموع حياته لتقلِّص من العتمة التي تحيط به؟
خالد البغدادي (فنان تشكيلي): كل واحد يعبر من خلال الفكرة دي عن المفهوم الرئيسي اللي عايز يقوله، هو.. هي فكرة بتندرج تحت فن المفهوم الـ (Conceptual art) وهو فن بيركز على المعنى و.. والمفهوم أكثر من تركيزه على المادة المستخدمة أو الناحية التقنية، أو الفينشنج finishing بتاع العمل، المهم في توصيل الرسالة للمتلقي.
على صقر (ناقد وفنان تشكيلي): عرض البوب آرت بدأت تنتشر في العالم كله، مش في قطر وبس، وهي بتعمل على إثراء الرؤية وتغيير المفاهيم، و.. وإنارة الطريق أمام الشباب، لأن كانت في أول معارض يوضع فيها العمل التركيبي كانت بتعتبر صيحة من الصيحات الغريبة إن يبقى فيه عمل تركيبي موجود في معرض.
مريم أوباييش: وككل شيءٍ جديد ومختلف يحتاج فن البوب الذي يطمح إلى النمو في تربةٍ خليجية محافظة إلى بعض الوقت حتى تتقبله هذه التربة.
قد لا يستوعب الزائر لمعرض قطر بوب عند أول وهلةٍ الأعمال المعروضة لأن الهدف من مثل هذه الأعمال المركبة والنادرة في دول الخليج ليس إمتاع النظر وإنما مخاطبة العقل بشكلٍ مستفز فيه كثيرٌ من النقد والتمرد لعالمٍ اللامعقول هو الذي يسود فيه.
مريم أوباييش -لبرنامج (مراسلو الجزيرة)- الدوحة.
[فاصل إعلاني]
محمد خير البوريني: ونعرض مشاهدينا في سياق هذه الحلقة مجموعة من رسائلكم.
نبدأ برسالة وصلت من المشاهد المغربي بن يونس، حيث طلب فيها إلقاء نظرةٍ حسب تعبيره على عيش وعمل وحياة المغاربة في شمالي المغرب، وتحديداً مدينتي الناظور ومليلية، وهما على الحدود مع إسبانيا وما يتعلق بالعمل وما وصفه بالذل والتهريب حسب نص الرسالة. حبذا لو قام المشاهد الكريم بتزويدنا بمزيدٍ من الإيضاح حول ما يريد، وسوف نقوم بدراسة الأمر من جانبنا.
وهذه رسالة من المشاهد أحمد ولد المامي من دار النعيم نواكشوط موريتانيا، يطلب أحمد موضوعات من المخيمات الصحراوية لما تعانيه من إهمال، ويقول إنها تعاني من إهمال الصحافة العربية، كما يطلب موضوعاً حول الأقلية المسلمة في الصين.
شكراً للمشاهد الذي نطلب منه أيضاً بعض الإيضاح حول تلك المخيمات، أما بالنسبة للأقلية المسلمة في الصين، فقد كنا قد أدرجنا هذا الأمر ضمن قائمة الموضوعات التي نحاول إلقاء الضوء عليها، مع العلم بأن السلطات الصينية تتعامل مع مثل هذه التغطيات بحساسية شديدة، ولكن نرجو أن نوفق في مسعانا.
والمشاهد أحمد شريف من ساندياجو في الولايات المتحدة بعث المشاهد يطلب من البرنامج تقريراً حول فيلق بدر التابع لما يسمى المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بزعامة محمد باقر الحكيم، وهذا الفيلق المسلح يتمركز في الأصل في إيران، ويتلقى دعماً كاملاً من الحكومة الإيرانية.
سوف نحاول طرح موضوع الفيلق المذكور في أقرب وقت إذا ما تمكنا من ذلك، وإذا ما سُمح لنا بذلك، حيث حاولنا طرح موضوعات عديدة من إيران ولم نتمكن إذ يحتاج مراسلو الجزيرة في إيران كما سبق وقلنا مراراً تصريحاً خاصاً من قبل السلطات المعنية قبل مغادرة العاصمة طهران إلى أي جهةٍ كانت داخل البلاد.
وهذه رسالة من ليبيا يطلب مرسلها وهو طارق اشميسة أن يتطرق البرنامج إلى قبائل الطوارق في جنوب الصحراء الليبية وذلك من حيث العادات والتقاليد، نشكر المشاهد ونؤكد له أننا عرضنا موضوعاً حول الطوارق في ليبيا منذ فترةٍ طويلة، ويبدو أنه لم يشاهد ذلك الموضوع، سوف نحاول طرح الأمر من جوانب أخرى مختلفة في أقرب وقتٍ ممكن.
وأيمن الطرابلسي من لبنان، بعث أيمن يتمنى على البرنامج أن يظهر لكل العالم العربي المجازر التي ارتكبتها إسرائيل في جنوبي لبنان وأثار الحرب التي تظهر في شوارع وساحات الجنوب اللبناني التي تركت الكثير من الأسى في قلوب المواطنين اللبنانيين هناك.
لقد عرضنا يا أيمن في هذا البرنامج العديد من الموضوعات من لبنان ومن الجنوب اللبناني حول مزارع شبعا وحول سجن الخيام الرهيب الذي استخدمته إسرائيل للتنكيل بالمناضلين الفلسطينيين واللبنانيين، كما عرضنا موضوعاتٍ حول الفقر في جنوب لبنان وحول أبناء وعائلات المتعاملين مع إسرائيل، وكذلك موضوع الأسرى المحررين من سجون الاحتلال الإسرائيلي وغير ذلك من موضوعات، كل ذلك يتعلق بآثار حرب إسرائيل واحتلالها للجنوب، طبعاً هذا عدا عن التغطيات الشاملة التي قامت بها (الجزيرة) ككل في لبنان، حيث واكبت وتواكب ما يجري هناك. على أي حال سوف نواصل البحث وتسليط الضوء على المزيد من القضايا في حلقاتنا اللاحقة، نرجو أن تتمكن من مشاهدتها.
وشكري إبراهيم، وهو أستاذٌ جامعي عراقي يقيم في ليبيا، يطلب الأستاذ الكريم تقريراً حول الجامعات العراقية والموقف الأكاديمي الحقيقي لهذه الجامعات إزاء التحديات الراهنة وطموحات المستقبل مع محاولة استشراف تطلعات وأماني أساتذتها وطلبتها، حيث كانت الجامعات العراقية تعد الأرقى والأفضل بين جامعات الشرق الأوسط قاطبةً يوماً ما. ويضع المشاهد علامات تعجب واستفهام بعد هذه الجملة.
نقول سبق وعرضنا قبل فترةٍ طويلة تقريراً مطولاً حول الجامعات العراقية، والقضية تستحق إعادة البحث فيها من جديد، والحديث حول المستجدات، ونتفق معك تماماً حول ما كانت عليه الجامعات العراقية من مكانةٍ أكاديمية وما آلت إليه أوضاعها بسبب سنوات الحصار المريرة، نرجو أن تتمكن من مشاهدة موضوع بهذا الشأن في أقرب وقت، وسوف نعمل على إنجازه على الفور.
مشاهديَّ الكرام، نكتفي بهذا القدر من الردود على رسائلكم حسب ما سمح به الوقت ونتابع معكم البرنامج.
المسلمون في ساحل العاج في ظل الاضطرابات الأخيرة
غالبية سكان ساحل العاج هم من المسلمين، يعمل معظمهم بالتجارة، الحرب الأهلية في ذلك البلد اتخذت منحىً خطيراً جداً عندما تحوَّلت في جانبٍ منها إلى حربٍ طائفية، لكن الأمل لا يزال موجوداً في بلدٍ قُتل فيه كثيرون وسُجن كثيرون بسبب هُويَّاتهم الدينية والعرقية، تقرير عبد الله ولد محمدي أعده من ساحل العاج.
![]() |
تقرير/ عبد الله ولد محمدي: يُشكِّل المسلمون في ساحل العاج أكثر من 60% من سكان البلاد، وإذا كانت كثافتهم ظلت محصورةً في مدن الشمال فإن هجرات كثيرة امتدت إلى مدن الجنوب إلى العقود الأخيرة، حيث اُعتبر الدين الإسلامي أكثر الأديان انتشاراً رغم الجهد الكبير الذي تبذله الإرساليات المسيحية المتعددة لتنصير القبائل الإفريقية ذات الديانة الوثنية. واشتهر المسلمون بلقب (تجولا) وهو الاسم الذي يطلق على القبائل التي احترفت التجارة حرفةً فيما ظلت قبائل الجنوب تحترف الصيد والزراعة. وإذا كان حضور المسلمين في الإدارة بات كبيراً خلال العقود الأخيرة فإن وجودهم في قطاعات التجارة والنقل غدا الأكبر إذ يسيطر التجار المسلمون على معظم شبكات النقل في ساحل العاج، وكذا على معظم تجارة التجزئة.
طموحات المسلمين السياسية المنسجمة مع نسبة تفوقهم العددي وحضورهم الاقتصادي المتنامي اصطدمت بمصالح الأقلية من القبائل الجنوبية، ولعل ذلك ما يفسر امتداد حركة التمرد في المناطق المسلمة من البلاد حيث فشلت على أرض الواقع كل التوافقات مع السلطات لضمان قدر أكبر من حقوق المسلمين.
كيوم سورو (الأمين العام للحركة الوطنية لساحل العاج): احتكر الحكام الحاليون سلطة الدولة وبدءوا بتقسيم سكان هذا البلد على أساس أن هناك مواطنين من الدرجة الأولى وآخرين دون ذلك، وقد باتت بلادنا تعيش شكلاً من التمييز العنصري الصارخ شبيهاً بنظام الأبارتيد Apartheid، ولم يكتف هؤلاء بتقسيم الشعب العاجي على أساس عنصري، بل شرعوا في استخدام الدين لتقسيمه بإيهام الناس أن مسلمي الشمال يريدون الهجوم على المسيحيين في الجنوب، وتلاحظون إنني أنا الأمين العام أدين بالمسيحية ولست مسلماً، هدفنا الأول إذن هو الاستيلاء على السلطة في ساحل العاج من أجل إقامة ديمقراطية لكافة العاجيين مهما كانت انتماءاتهم العرقية.
عبد الله ولد محمدي: كوروكو هي عاصمة الشمال المسلم، هنا تبرز الحماسة لحركة التمرد ولأمل التغيير بنفس القدر والإصرار على رفض التعامل مع حكومة أبيدجان، فالبلاد ليست مقسمة في الواقع فحسب، بل في أذهان الناس أيضاً حيث يصعب التعايش بعد ما سال من الدم وانتشر من الكراهية.
مانساني كوني (قائد عسكري في جيش المتمردين): كما ترون نحن هنا ونحن واثقون من الانتصار في هذه الحرب.
عبد الله ولد محمدي: يقول المسلمون أنهم وجدوا قدراً كبيراً من الحرية في ظل حركة التمرد، فالمساجد تشهد حيوية أكثر والمدارس الدينية تستعيد أنشطتها والحلم بسلطة يكون للمسلمين فيها دور أكبر ينمو معززاً بامتداد حركة التمرد وعزم الآلاف من المسلحين.
موسى حسن (إمام جامع كوروكو): فيه بعض المشاكل اللي حصلت أخيراً لما جاء بعض الناس على السلطة، فيه نوع من التمييز، بعضهم يفضلون.. الذين ليسوا مسلمين يفضلونهم على المسلمين، وهذه هي الذي أدت هذه المشكلة أدت.. إلى.. يعني وضعٍ لبلادنا لا نرجوه، مثلاً أنت كمواطن عاجي وهذا المواطن عاجي تفضله على هذا لأنه مسلم، هذه مشكلة جداً يعني موجودة عندنا في هذه البلاد. ما علينا أي ضرر من ناحية الذين جاءوا اللي يسمون المتمردين لا نحصل منهم أي ضرر فالحمد لله. كل واحد يخرج كما يريد ويدخل كما يريد، ما علينا أي ضرر من.. بالنسبة منهم يعني، نحمد الله على كل حال.
عبد الله ولد محمدي: إلا أن العامل الديني رغم أهميته ليس الوحيد في خارطة الصراع في ساحل العاج، فالقبائل الشمالية التي تدين بالمسيحية تجد نفسها في نفس الخندق مع المسلمين وهي التي عانت التهميش خلال العقود الأخيرة، ورغم المواجهة القبلية والدينية فإن ثمة حالات استثنائية تصنع الاختلاف وتبشِّر بإمكانية التعايش، فروبير من نفس القبائل الجنوبية المسيحية، لكنه اختار أن يعيش هنا في كوروكو عاصمة المسلمين وأن يكون صاحب الصوت الوحيد الذي لا يزال يدخل البسمة في زمن الحرب أما شريكه (فيهلشون) فهو أحد أبناء البلدة.
روبير: أنا من منطقة بولونيا في جنوبي البلاد، والتي كانت في الماضي أول عاصمة لساحل العاج، وقد قررت أن آتي إلى الشمال وأن استقر هنا، ولدي مساعدي الذي يعمل معي وهو مسلم من الشمال، في حين أنني مسيحي من الجنوب، ونحن أصدقاء وعلاقاتنا وطيدة.
عبد الله ولد محمدي: روبير وصديقه هما بطلا قصة نجاح حقيقية فإذاعتهما غدت الصوت الوحيد الذي ينقل الأخبار للمنطقة بكاملها، إضافة إلى البرامج التي تحض على التعايش والتي تجد القبول من الرقابة العسكرية الصارمة من المتمردين.
فيهلشون: لدينا طموحات مشتركة ومشاريع مشتركة نود تحقيقها، ولدينا نفس الرؤية للحياة، ولهذا فنحن متفقون، واليوم يحاول كلٌ منا العمل من أجل التعايش المشترك.
عبد الله ولد محمدي: إلا أن المسلمين في ساحل العاج يدفعون ثمن التمرد في مناطقهم غالياً، فالذين يعيشون منهم في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة يعيشون كما لو كانوا غرباء. فهذه البيوت المحترقة في أبيدجان تعود للكثيرين منهم المتهمين بدعم التمرد وإيواء بعض العناصر، وهو ما يزيد من حالة الاحتقان في العاصمة العاجية التي تعيش حالة حرب حقيقية. المسلمون وغيرهم يأملون أن يتغلب صوت العقل لتستعيد ساحل العاج هدوءها دون أن تظل السلطة فيها حكراً على جنس أو دين معين.
يعتقد المراقبون أن الخلل في علاقات شمال ساحل العاج بجنوبه ليست في الدين فحسب، بقدر ما هي في الأعراق التي لم تتفق على تقاسم السلطة منذ أن احتكرتها أقلية في الجنوب قبل أربعة عقود مضت.
عبد الله ولد محمدي –خاص لبرنامج (مراسلو الجزيرة)- كوروكو- شمال ساحل العاج.
الحركات الإسلامية الإندونيسية منذ سقوط سوهارتو
محمد خير البوريني: كان زوال عهد الرئيس الإندونيسي سوهارتو بداية لسطوع نجم الإسلام السياسي في هذه البلاد، حيث برزت على السطح تيارات إسلامية متعددة، بعضها سلمية، والبعض الآخر يؤمن بالعنف سبيلاً لإحداث تغيير في البلاد حسب توجهاته وفهمه للدين الإسلامي، لكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر اعادت عقارب الساعة ولو قليلاً إلى الوراء، الأمر الذي جعل الحكومة الإندونيسية تعيد حساباتها، كما دفعت تلك الأحداث بعض الحركات الإسلامية إلى التراجع أمام الضغوط الحكومية النابعة في الأصل من ضغوط دولية لا سيما من قِبل الولايات المتحدة الأميركية، إلا أن تراجع بعض التيارات الإسلامية في إندونيسيا إنما كان تكتيكياً ومؤقتاً حسب قولها من منطلق الانحناء أمام العاصفة لا أقل ولا أكثر. هذه التيارات تشتكي من تدخل الحكومة الإندونيسية في شؤونها والضغط عليها واعتقال بعض عناصرها ومداهمة وتفتيش مقارها ومكاتبها ويذهب البعض إلى حد الاعتقاد بأن هناك اختراقاً أمنياً لبعض أو للعديد من هذه الحركات بهدف تدميرها من الداخل، تقرير عثمان البتيري من إندونيسيا.
![]() |
تقرير/عثمان البتيري: كان سقوط الرئيس الإندونيسي سوهارتو عام 98 الخطوة الأهم التي مهدت الطريق لما بات يُعرف بالإسلام السياسي وسطوع نجمه في إندونيسيا، فقد ازداد نفوذ هذا التيار على كافة المستويات الشعبية منها والسياسية وظهرت إلى الوجود أحزاب وحركات جديدة اختار البعض منها العمل السلمي تحت قمة البرلمان، في حين سلك البعض الآخر طريق التشدد في أفكاره وآرائه واستخدام العنف في فرضها على المجتمع.
نفوذ التيار الإسلامي هذا جعل من الصعب على الحكومة الإندونيسية وأجهزتها الأمنية الانصياع للمطالب الأميركية في الحرب التي أعلنتها ضد الإرهاب والتي كان المطلوب فيها رأس العديد من رموز هذا التيار الموصوفة بالتطرف، غير أن انفجارات بالي المروعة وحصيلتها الكبيرة من القتلى والجرحى خاصة الأجانب قد قلبت الطاولة في وجه التيار الإسلامي ودفعت به إلى زاوية الاتهام وبالأخص الحركات المتشددة منها مثل الجبهة الدفاعية الإسلامية وحركة لسكر جهاد ومجلس مجاهدي إندونيسيا، وتسببت الضغوط الدولية التي انهالت على الرئيسة (ميجاواتي) وحكومتها من كل اتجاه في خلق أجواء من التوتر مع الإسلاميين، خاصة مع ارتفاع وتيرة التنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية الإندونيسية ونظيرتها الغربية، حتى بدأ البعض يحذر من تصادم بدأت تلوح ملامحه في الأفق بين الحكومة والإسلاميين.
رضا شاه بودي (خبير في شؤون الحركات الإسلامية): التوتر الحاصل الآن يشبه ما حصل في الثمانينات عندما استهدف سوهارتو التيار الإسلامي آنذاك، لكن الفرق أن سوهارتو في ذلك الوقت كان هو المؤثر الوحيد، أما الآن فهناك المؤثرات الخارجية وهي الأقوى.
عثمان البتيري: الحركات الإسلامية الموصوفة بالتطرف حاولت الانحناء في وجه العاصفة، فأقدمت حركة لسكر جهاد التي كانت تخوض حرباً ضد المسيحيين في جزر الملوك على حل نفسها عقب انفجار بالي بأيام وأعلنت الجبهة الدفاعية أيضاً عن حل جناحها المسلح وتجميد هجماتها ضد أماكن اللهو والمراقص.
الحبيب رزق هاشم (زعيم الجبهة الدفاعية الإسلامية): والضغوط الشديدة يعني من جهة الحكومة الإندونيسية وكذلك يعني من.. من.. من جهات القوات العالمية الذي يدفعنا أن نتوقف لمدة معينة، يعني مؤقتاً.
عثمان البتيري: غير أن الحكومة التي يغلب عليها التيار العلماني ترى في التطرف الإسلامي وجنوحه للإرهاب -حسب وصفها- خطراً على مصالح البلاد لابد من مواجهته خاصة بعد أن تبين أن مدبري انفجارات بالي هم من حملة الأفكار الإسلامية.
مهيار يارا (المتحدث باسم المخابرات الإندونيسية): المخابرات ستضرب بشدة المجموعات الإرهابية، لكن هذا لا يعني أنها ستتشدد مع الحركات الإسلامية بشكل عام، إلا إذا ثبت تورط هذه الحركات في أعمال إرهابية، عندها سنحاربهم لأن الإرهاب ضد الإنسانية.
عثمان البتيري: الحركات الإسلامية التي تشعر بالاستهداف ترى أن معاهدها ومراكزها، بل ووجودها أيضاً قد أصبح مهدداً من قبل الأجهزة الأمنية بذريعة البحث عن المتورطين في أعمال إرهابية.
الحبيب رزق هاشم: الحكومة الإندونيسية تأخذ الانفجار لبالي تذكرة للتدخل في.. في.. في الأمور الداخلية بالنسبة لكل المنظمات الإسلامية في إندونيسيا، بل بما شفنا، وكما علمتم بعد هذا الانفجار رجال الشرطة يعني يتبخترون ويتحتقون بدخولهم المعاهد الإسلامية ويفتشونه كما يشاءون ويقبضون على بعض العلماء ورؤساء الأمة وهكذا.
عثمان البتيري: المخاوف امتدت أيضاً إلى القيادات الأكثر اعتدالاً والتي لم تخف مخاوفها من محاولات يقودها تيار صقوري داخل الحكومة لتوريط الحركات الإسلامية في دائرة العنف تمهيداً لحملة أوسع ضد التيار الإسلامي.
أنيس متى (الأمين العام لحزب العدالة الإسلامي الإندونيسي): أخشى ما نخشاه أن هناك أيضاً اختراقات من قِبل المخابرات إلى هذه الحركات الإسلامية، فهي التي تشجع هذه الحركات، هذه الاختراقات هي التي تشجع هذه الحركات المسلحة للقيام ببعض أعمال العنف وهذا.. ويُبنى على ذلك بعد ذلك الاتهام على هذه الحركات بأنها وراء جميع أعمال العنف في البلد.
عثمان البتيري: هذا الاتهام لم تنكره هذه الحركات، بل أكدت أنها كانت ضحية اختراقات مدبرة هدفت إلى تدميرها من الداخل.
الحبيب رزق هاشم: هناك أشخاص يعني سواءً كان من الجواسيس أو من غيرهم المهم هؤلاء ليس من الجبهة، يعني هؤلاء يدخلون في الجبهة سراً طبعاً ويخربون أمور الجبهة.
عثمان البتيري: الجانب الحكومي يرفض اعتبار الحرب ضد بعض الحركات الإسلامية المتطرفة حرباً على الإسلام، معتبراً أن هذه الحركات لا تمثل الإسلام الإندونيسي، بل هي إسلام بصبغة عربية متطرفة ليس لها شعبية في الشارع الإندونيسي ولا مجال للتهاون معها أبداً حسب وصفهم.
مهيار يارا: الأعمال الإرهابية تتزايد عندما تكون القيادة بأيدي نشطاء أو علماء إسلاميين متطرفين من أصول شرق أوسطية مثل أبو بكر باعشير على سبيل المثال.
عثمان البتيري: وعلى الرغم من حل بعض الحركات لنفسها والاعتقالات التي تشنها الأجهزة الأمنية ضد بعض القيادات الإسلامية مثل باعشير وهو ما يبدو تراجعاً للحركات الموصوفة بالتشدد، إلا أن البعض يرى أن ذلك لا يعني موتها.
رضا شاه بودي: حل هذه المجموعات لا يعني انتهاء الحركات المتطرفة، لأن العوامل المسببة للتطرف موجودة في المجتمع وهي تبعية الحكومة الإندونيسية للغرب والهوة الاقتصادية بين طبقات المجتمع وكذلك القضايا الإسلامية مثل قضية فلسطين والعراق وهي لا تزال مشتعلة وتثير مشاعر الشعب الإندونيسي.
عثمان البتيري: ومما لا شك فيه أن الصراع المستمر بين الإسلاميين والعلمانيين على الاستئثار بالحكم في إندونيسيا له دور في تصعيد الحملة على الإسلام السياسي، حيث يرى المحللون أن الرئيسة ميجاواتي تسعى للاستفادة من هذه الحرب لمصالحها الانتخابية.
رضا شاه بودي: الصراع على انتخابات عام 2004 له دور كبير في هذه الحملة، فميجاواتي ستستفيد من إضعاف الحركة الإسلامية من خلال إفقاد التيار الإسلامي الدعم الشعبي عبر استغلال أحداث بالي وأعمال العنف التي يتهم بها الإسلاميون، في اعتقادي ذلك أوضح مثال على الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين.
عثمان البتيري: ومهما تكن الجهة التي تقف خلف انفجارات بالي إلا أنه من المؤكد أن الحركة الإسلامية في إندونيسيا كانت هي الخاسر الأكبر من هذه الانفجارات على حد وصف العديد من القيادات الإسلامية، حيث لم تقتصر الضغوط الحكومية على المتطرفين فحسب، بل يواجه المعتدلون أيضاً ظروفاً صعبة تكاد تعود بهم إلى فترة ما قبل عهد الإصلاح.
عثمان البتيري – (مراسلو الجزيرة)- جاكرتا.
محمد خير البوريني: إلى هنا نأتي مشاهدينا إلى نهاية هذه الحلقة من البرنامج، يمكن لجميع المشاهدين الكرام أن يتابعوا تفاصيل هذه الحلقة بالصوت والصورة والنص من خلال موقع (الجزيرة) على شبكة الإنترنت، كما يمكن مراسلة البرنامج أيضاً عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: reporters@aljazeera.net
أو من خلال العنوان البريدي على صندوق بريد رقم 23123 الدوحة- قطر.
وكذلك من خلال الفاكس على رقم 4860194، نرحب بجميع رسائل السادة المشاهدين.
في ختام هذه الحلقة هذه تحية من صبري الرماحي مخرج البرنامج ومن فريق العمل، وهذه تحية أخرى مني.. محمد خير البوريني، إلى اللقاء.