ريتشل كوري، القطاع الطبي وكادره في العراق
مقدم الحلقة: | محمد البوريني |
تاريخ الحلقة: | 21/06/2003 |
– قضية المناضلة الأميركية ريتشل كوري ومقتلها تحت جرافة إسرائيلية
– لقاءات بعض الزعماء الغربيين مع ممثلي الجاليات العربية والإسلامية
– مظاهر التفاني والإخلاص والعمل الجاد للشعب العراقي
محمد خير البوريني: مرحباً بكم مشاهدينا الكرام إلى حلقة جديدة من (مراسلو الجزيرة).
نستَهِلُّ حلقة هذا الأسبوع بموضوع يتحدث عن قضية مناضلة أميركية تدعى (ريتشل كوري) لقيت مصرعها تحت جنازير جرافة إسرائيلية في قطاع غزة، ونرى كيف قضت نحبها بينما كانت تحاول إظهار معارضتها الشديدة لسياسات القتل والهدم والتدمير وتجريف منازل الفلسطينيين على رؤوس أصحابها، والمزارع أمام أنظار مالكيها، لقطع أرزاقهم ودفعهم إلى الركوع والاستسلام والتنازل عن حقوقهم الإنسانية، الحقوق التي قدموا من أجلها تضحيات كبيرة منذ بداية الاحتلال لوطنهم.
ومن العاصمة البريطانية نستعرض تقريراً نبحث فيه جانباً من لقاءات مسؤولين غربيين مع ممثلي الجاليات العربية والإسلامية، ونحاول أن نقرأ ما وراء تلك اللقاءات، ونسأل عن علاقة ذلك بموجة التفهُّم للقضايا العربية والإسلامية في العديد من دول الغرب وهل هي خالصة ونزيهة أم أن لها أهدافاً أخرى؟ كما نسأل عن دور البعثات الدبلوماسية العربية في إبراز قضايا الأمة وعن مؤهلات وكفاءات الطواقم العاملة فيها.
ومن العراق نضرب مثلاً فقط على إخلاص العراقيين وتفانيهم في المجال الطبي على خدمة بلدهم وحبهم له بعد سقوط بغداد، واحتلالها في الوقت الذي كانت فيه عدسات التلفزة تسلط الأضواء على سالب هنا أو مخرب أو حارق هناك، اعتدى على منشآت بلده وشعبه بدوافع إجرامية أو لأسباب أخرى يتحدث عنها كثيرون، الشعب العراقي الذي حقق من الإنجازات العلمية والأدبية والفنية ما يجعله يعتز ويفتخر بانتمائه وتاريخه وحاضره، على الرغم من كل الجراح.
أهلاً بكم إلى أولى فقرات هذه الحلقة.
قضية المناضلة الأميركية ريتشل كوري ومقتلها تحت جرافة إسرائيلية
ريتشل كوري مناضلة أميركية تطوعت للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني الإنسانية، جاءت إلى قطاع غزة بعد أن سمعت بعذاب الفلسطينيين اليومي بسبب الغطرسة والظلم وسياسات الاحتلال الإسرائيلي التدميرية وعقابه الجماعي لشعب رفض ويرفض الاستسلام والتنازل عن حقوقه الوطنية المشروعة، جاءت ريتشل كوري من أقصى الأرض محاولة رفع جانب من الظلم عن الشعب الفلسطيني، وقد دفعت حياتها وقدمت دمها ثمناً لما جاءت من أجله صادقة مخلصة، شاهدت كوري دمار مئات بل آلاف المنازل الفلسطينية، تفجيراً وقصفاً بالقذائف والصواريخ تارة وهدماً وردماً وتجريفاً تارة أخرى، كما شاهدت دماء أطفال فلسطين تمتزج بالثرى، يوم لاقت حتفها ومصرعها سحقاً تحت جرافة إسرائيلية كانت تقوم بتجريف أراضٍ زراعية لمواطنين فلسطينيين، كانت كوري قد تأكدت أن توجيه النداءات ورفع شعارات الاستغاثة والمناشدات والإدانات هي وسيلة العاجز ومن سَهُل عليه الهوان ولا يملك الإرادة أو الشجاعة للدفاع عن نفسه وماضيه وحاضره ومستقبله وشرف أمته، فقررت وقف الجريمة بجسدها ولحمها ودمها وعظامها، تقرير سمير أبو شمالة من قطاع غزة.
![]() |
تقرير/ سمير أبو شمالة: الجريمة ظلت دون عقاب، ضحيتها شابة أميركية هي ريتشل كوري، الجاني جرافة عسكرية إسرائيلية سحقتها حتى الموت، الموقع هنا في مدينة رفح في أقصى جنوبي قطاع غزة، والتهمة أنها احتجت على تدمير قوات الاحتلال الإسرائيلي لمنازل الفلسطينيين، ريتشل شهيدة الشعب الفلسطيني، كما أطلق عليها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، المشهد كان مريباً وريتشل سقطت شهيدة لتضاف إلى كوكبة الشهداء الفلسطينيين، سقطت وهي على رأس مهمتها في إطار اللجان الشعبية الدولية لحماية الشعب الفلسطيني من آلة الحرب الإسرائيلية المدعومة أميركياً بالمال والعتاد والموقف السياسي.
أليس (ناشطة بريطانية مدافعة عن حقوق الشعب الفلسطيني): لقد أرادت أن تأتي إلى رفح، لأنه كان لها اتصال في بلدتها الأصلية حيث كانت تعلم قبل قدومها بما يجري في رفح على وجه الخصوص لا سيما حول الجدار الذي تقوم إسرائيل ببنائه بين فلسطين ومصر، وما يتركه ذلك من آثار على الفلسطينيين هنا و المنازل التي دمرتها إسرائيل لهذا الغرض.
عبد الرؤوف بريخ (المشرف على برلمان الطفل الفلسطيني): هذه الفتاة تميزت يمكن في اللقاء، لقينا إنه فيه عندها أطباع مختلفة تماماً عن باقي الوفد، لأنه كانت بتمزح كتير مع الأطفال، دائماً بتلاقيهم بابتسامة عريضة، دائماً بتعطف عليهم، دائماً بنلاقي إنه معها بعض الهدايا بتعطيهم للأطفال، هذه المسألة كانت ملفتة للنظر إلنا، فجأة لقينا إنه فيه صداقة وعلاقة تواصل ما بيننا وبين ريتشل، حسيناها إنه واحدة من بناتنا، حسيناها بعيداً عن إنه أميركية، حسيناها إنه فعلاً هي فلسطينية فيها روح الانتماء الفلسطيني.
سمير أبو شمالة: كانت ريتشل محبوبة بين أهالي مدينة رفح، شاركتهم أتراحهم الكثيرة وأفراحهم القليلة وكانت ضيفة مرحَّباً بها عند الجميع.
منيب زعرب (عضو برلمان الطفل الفلسطيني): كل يوم كنا نيجي هنا على البرلمان هي تلاعبنا حسيناها.. أنا حسيتها كأختي الكبيرة، حتى بعض الأطفال لما سمعوا خبر استشهادها حزنوا حزن زي شهيد فلسطيني وأكثر من هيك.
هيثم عقل (رئيس برلمان الطفل الفلسطيني): دخلت لقلوبنا كصديقة.. كصديقة للبرلمان، كصديقة شخصية لإلنا أصبحت باستمرار تودنا بالزيارات واعتدنا على وجودها معنا داخل البرلمان باستمرار بشكل يومي، ومازلت بعد استشهادها بأذكر لحظات وجودها بالمكتب بشكل جيد.
سمير أبو شمالة: لذلك وقفت ريتشل شاهدة في محكمة صورية، كان المتهم فيها رئيس بلادها (جورج بوش) على مساعدته الاحتلال الإسرائيلي وما اقترفه من جرائم قتل فيها أطفال فلسطينيون، القضاة كانوا أطفالاً فلسطينيين، وهذا ما قالته ريتشل (للجزيرة) قبل أيام من استشهادها بضربات جرافة عسكرية إسرائيلية.
ريتشل كوري (الشهيدة الأميركية في مقابلة مع الجزيرة قبل مقتلها): أعتقد أنني أنضم إلى رسالة وتوصية أطفال فلسطين التي تؤكد أن الرئيس جورج بوش مجرم حرب، وأقول: إذا كانت الولايات المتحدة مهتمة بالفعل أو يعنيها الأمن والعدالة فإن من الأشياء التي يمكن أن يقوموا بها هو دعم محكمة جرائم الحرب الدولية، لكن واشنطن تعارض هذه المحكمة وتقاومها وهذا موقف في منتهى السخف منها لأنها تريد حماية أشخاص كجورج بوش و(هنري كيسنجر) حيث أنهما مجرما حرب في إطار الحكومة الأميركية.
سمير أبو شمالة: مشاهد ومسلسل الجريمة شيء تقشعر له الأبدان وتنحني الهامات أمام الشهيدة ريتشل، فكما جرت العادة تلبي ريتشل نداء الاستغاثة من فلسطيني سيُهدم منزله وتتصدى للجرافة العسكرية الإسرائيلية التي داستها بجنازيرها دون الاهتمام لتحديها.
أليس: رأيت كيف اختلط دم ريتشل بالتراب والرمال، ورأيت ساعديها وكتفيها ورأسها، كانت تصرخ وتحاول إخراج نفسها من تحت جنازير الجرافة، لكن الجرافة واصلت سيرها، كان السائق الإسرائيلي يعلم أنها هناك، وكان يعلم أنها أصبحت تحت الجرافة، ولكنه واصل سيره على جسدها، كنا ساعتها نركض نحوها ونصرخ طالبين من السائق أن يتوقف ونلوِّح بأيدينا مؤكدين له أن ريتشل تحت جنازير الجرافة، وأنه يجب أن يتوقف، أخيراً توقف السائق، ولكن بعد أن كان جسد ريتشل تماماً تحت مقدمة الجرافة، توقف لبضعة ثوانٍ ثم رجع إلى الخلف ساحقاً إياها.
عبد الرؤوف بريخ: كنا دائماً نشوف لها مشاهد كثير طيبة وكثير حلوة، دائماً وقتها بيكون فيه محاولات للهدد كانت بسرعة هي بتقود الوفد، مع إنه هي مش، ما كانتش قائدة للوفد، ولكن فرضت قيادتها من خلال شجاعتها ومن خلال الأعمال البطولية اللي بتقوم فيها، كانت دائماً تتوجه وين في بيوت هدم، كانت تتوجه لهناك ولما كنا نقول لها أنت تخاطري على نفسك، فتقول لنا إنه هدم البيت يعني قتل أسرة كاملة مش.. مش قتل واحد يعني ودائماً بتحاول إنه حتى في وسط الليل وفي وسط بين الدبابات وبين البلدوزر كانت بتروح بتدخل في البيت وبتنقذ الأطفال وبتطلعهم إلى بر الأمان.
سمير أبو شمالة: جريمة قتل ريتشيل التي اقترفها جيش الاحتلال زادت أصدقاءها إصراراً على مواصلة مشوارهم.
أليس: لدينا الآن أيضاً فهم واضح جداً، ونشاطر الفلسطينيين مشاعرهم وعواطفهم، كل أولئك المتضررين وما تأثروا بالاحتلال المأساوي، أولئك الذين فقدوا أحبة لهم من عائلاتهم وأصدقاء، الآن أصبحنا نعلم مباشرة كيف يشعر الإنسان عندما يتم قتل من يحب، من خلال العمليات غير المشروعة التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي، إننا جميعاً ملتزمون بفعل كل ما نستطيع، وأن نواصل العمل لوقف هذا الوضع المروِّع.
سمير أبو شمالة: زملاء ريتشل يحافظون على وجود لهم في قطاع غزة بشكل دائم، خمسة عشر منهم ينتشرون في مدن رفح وخان يونس في جنوبي القطاع، نشاطهم متنوع لكن أبرزه محاولة التصدي لقوات الاحتلال، وهدمها للمنازل الفلسطينية، إلى جانب مشاركتهم بالفعاليات الوطنية الفلسطينية السلمية، كما أنهم يتفقدون العائلات المنكوبة باستمرار، هذه الأنشطة أغضبت سلطات الاحتلال كثيراً، وقد لجأت في أكثر من مرة إلى منعهم أو منع وفودهم من الدخول إلى المناطق الفلسطينية، ومثل ريتشل التي سقطت شهيدة في رفح، هناك الكثيرون مما يعتبرون مهمتهم إنسانية أخلاقية، هدفها حماية الشعب الفلسطيني الأعزل بعد أن دخلت عليه المؤسسات الدولية وفي طليعتها الأمم المتحدة للحماية المطلوبة أمام بطش الاحتلال وجبروته، وتظل جريمة قتل ريتشل كوري الأميركية الجنسية شاهداً على فظاعة الاحتلال الإسرائيلي، الشهيدة كانت من ضمن أنصار سلام دوليين، وإذا كان الرأي العام العالمي قد انصرف عما يعانيه الفلسطينيون، فإن جريمة قتل ريتشل ستشكل بدورها إدانة لهذا الصمت الدولي، المتواصل على الجرائم الإسرائيلية.
سمير أبو شمالة – لبرنامج (مراسلو الجزيرة) – من محافظة رفح – فلسطين.
لقاءات بعض الزعماء الغربيين مع ممثلي الجاليات العربية والإسلامية
محمد خير البوريني: لقاءات واجتماعات عقدها زعماء غربيون مع ممثلي الجاليات العربية والإسلامية خلال الفترة الماضية، محاولين إظهار اهتمام بقضايا هذه الجاليات في دولها الأصلية وفي المهجر، لكن ذلك كان ولا يزال مدعاة للشك والريبة في عدد من الأوساط، مظاهر تفهُّم شعبية كبيرة للقضايا العربية والإسلامية كانت قد سادت وسبقت هذه اللقاءات في دول أوروبا، وتمثل ذلك في ندوات ومسيرات ومظاهرات عارمة جابت غالبية عواصم الغرب، المظاهرات التي قرر الساسة خلافاً لتقاليد الديمقراطية عدم الالتفات إليها في فترة ما، مقابل المصالح الاقتصادية ومصالح الأنظمة والأحزاب السياسية، يسأل عرب يعيشون في الغرب، ما هو حجم دور الجامعة العربية في إبراز قضايا الأمة وكسب تأييد الشارع العالمي في دعاوانا وقضايانا؟ وهل تقوم البعثات الدبلوماسية العربية بدور حقيقي وفعال بشأن هذه القضايا في عواصم الضباب والصقيع ودخان المصانع؟ ويسألون عن أهلية وكفاءة غالبية أعضاء البعثات الدبلوماسية العربية للقيام بطرح قضايا الأمة، وهل صحيح أن كثيرين منهم عُينوا في مناصبهم لأسباب تتعلق بفساد إداري ومالي ووجاهات ومحسوبيات قبلية وعشائرية؟ أو كل ذلك معاً؟
تقرير ناصر البدري أعدَّه من العاصمة البريطانية.
![]() |
ناصر البدري: حفل استقبال آخر يُقام على شرف الجالية العربية والإسلامية في بريطانيا، هذه المرة رموز الحكومة البريطانية من رئيس وزرائها وبعض الوزراء هم القائمون على هذه الحفلة التي تعد سابع حفلة استقبال تقام على شرف الجالية، وإن كان البعض يرى في ذلك مؤشراً على تصاعد في الاهتمام الرسمي والشعبي بقضايا العرب والمسلمين، خاصة القضيتين الفلسطينية والعراقية، إلا أن آخرين يعتبرون ذلك اهتماماً مصلحياً اقتضته ظروف المرحلة وتداعيات الوضع الراهن، فأي الفريقين على حق؟ وهل كما يزعم البعض أن هناك تحولاً عميقاً في نظرة الغربيين لقضايا العرب والمسلمين المهمة، أم أن الأمر غير ذلك؟ المظاهرات التي شهدتها شوارع العاصمة البريطانية لندن وغيرها من المدن الأخرى عرفت تطوراً نوعياً وعددياً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر أيلول الماضي، صور البريطانيين من مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية أصبحت سمة غالبة في تلك التجمعات، اللافتات والملَصَّقات التي يرفعها هؤلاء يرى بعض المحللين أنها أصدق تعبير على التحوُّل الذي تشهده الساحة السياسية البريطانية.
جيسيكا ألغود (مؤسسة موري لاستطلاعات الرأي): الشعب البريطاني يشعر بالريبة تجاه الرئيس (بوش)، وهم لا يوافقون على أسلوبه في معالجة الأمور، هناك قلق شعبي كبير من أن رئيس الوزراء (توني بلير) أقحم بريطانيا كثيراً مع الولايات المتحدة فيما ليس في مصلحتها، خاصة في السياسة الخارجية، 70% من المواطنين يعتقدون أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر حدثت بسبب سياسة أميركا الخارجية، لذلك المعلومات التي لدينا تظهر دوماً توجُّس الشارع من أميركا.
ناصر البديري: بعض المعلقِّين السياسيين يشيرون إلى أن هذه المواقف الشعبية تجد لها صدى بين المشرعين البريطانيين.
جون أوستين (عضو مجلس العموم البريطاني): من المهم بالنسبة لنا نحن كأوروبيين أن نفرق بين سياساتنا الخارجية والسياسات الأميركية، لأن الكثيرين في العالم العربي يشعرون أننا نتعامل بمعايير مزدوجة، هناك دولة واحدة في الشرق الأوسط لديها أسلحة دمار شامل، وقادرة على إيصالها إلى أهدافها وهي إسرائيل، وهي الدولة ذاتها التي تنتهك قرارات الأمم المتحدة بشكل استفزازي متواصل ودائم.
ناصر البدري: هذا التغيُّر ينظر إليه البعض على أنه بذور تحول عميق في وعي الشارع البريطاني، لابد وأن ينعكس إن عاجلاً أو آجلاً على صُنَّاع القرار، الذين يعتقد هؤلاء أن مجال التأثير فيهم لا يزال حكراً على المنظمات المؤيدة لإسرائيل.
كوينت لويد (عضو برلمان اسكتلندا): الناس بدءوا يفطنون إلى حقيقة الأمور، ففي اسكتلندا مثلاً تغيرت نظرة المواطنين بشكل جذري للنزاع العربي الإسرائيلي، خاصة منذ بدء الانتفاضة ومجزرة مخيم جنين، الشارع أصبح يستنكر كيف أن دولة مسلحة بأحدث المعدات والتجهيزات الحربية تصب جام غضبها على الفلسطينيين، وتعاملهم معاملة العبيد؟ المواطنون أصبحوا يرفضون سياسات الحكومة البريطانية و الأميركية، وبدون شك هم يرفضون سياسة إسرائيل.
كريس دويل (مدير مركز التفاهم العربي البريطاني): بخصوص الجبهة الفلسطينية فنحن الآن نرى أن نحو 60 إلى 70% من البريطانيين يتعاطفون مع القضية الفلسطينية، وذلك مقارنة مع فترة الثمانينيات حيث كانت الأغلبية الساحقة تؤيد إسرائيل، هناك تغيّر عميق، لكن ذلك التغير لم ينعكس للأسف على مستوى السياسات الحكومية التي كانت في الغالب ما تجري على خلفية دعم شعبي ضعيف جداً.
ناصر البدري: بيد أن الصورة لم تكن كذلك دائماً، مركز التفاهم العربي البريطاني سعى على امتداد أربعة عقود تقريبا، إلى تقديم صورة صحيحة عن العرب والمسلمين للبريطانيين، وتابع خلال ذلك تحولات كثيرة شهدها إدراك الشارع البريطاني.
كريس دويل: تأسس مركز كابو عام 67 بهدف تحسين صورة العرب والمسلمين لدى الشارع البريطاني، والتعريف بالثقافة العربية والإسلامية. وذلك بعد أن أظهر استفتاء للرأي أن 98% من البريطانيين لا يعرفون الكثير حول العالمين العربي والإسلامي، وقد أصاب ذلك السياسيين والإعلاميين بالرعب، الآن تغير الوضع قليلاً لكنه ليس بالقدر المطلوب لفهم الحضارة والتاريخ العربي والإسلامي كما نريده.
ناصر البدري: الصحفية البريطانية (إيفولي ريدلي) التي أطلقت حركة طالبان سراحها أيام حكمها لأفغانستان بعد أن كانت اعتقلتها لعدة أيام رغم أنها تكتب في صحيفة "صنداي إكسبريس" التي يرى بعض المحللين أنها ذات توجهات يمينية معادية أحياناً للعرب والمسلمين غيرت تجربة أفغانستان في تفكيرها، وأصبحت تنظر إلى الأمور بشكل مغاير.
إيفولي ريدلي (كاتبة في صحيفة الصندي إكسبريس اليمينية): الأزمة العراقية ليست معقدة، وهي باختصار من أجل السيطرة على النفط العراقي، ومهما تحدث بوش وبلير عن أسلحة الدمار الشامل المزعومة أو عن تغيير النظام فإن هدف السياسة الأميركية منذ وقت طويل هو التحكم في النفط العراقي، الأميركيون يريدون أيضاً صرف الأنظار عن متاعب الاقتصاد الداخلية، أما القضية الفلسطينية فليست معقدة كذلك، الإسرائيليون ببساطة يقومون بعملية تطهير عِرقي للفلسطينيين، ويعاملونهم معاملة فظَّة قاسية ومهينة للغاية، والصور التي تُعرض على شاشات التلفاز للفلسطينيين وهم يهانون ويقتلون أصبحت تثير المشاهد البريطاني وتشعره بالغضب على إسرائيل.
ناصر البدري: ويرى عدد من المراقبين السياسيين إلى أن سياسات الحكومة البريطانية نفسها تجاه قضايا العرب والمسلمين قد بدأت تعرف تحولاً يوصف بالإيجابي، فوحدة الإعلام الإسلامي التي أنشأتها الخارجية البريطانية ينظر إليها البعض على أنها مبادرة تستحق الثناء، وستسهم بلا شك في تذليل الكثير من العراقيل التي يواجهها الإعلاميون العرب والمسلمون في تواصلهم مع صناع القرار.
جيرالد راسل (المتحدث باسم الحكومة البريطانية): نحن في وحدة الإعلام نحاول أن نفيد يعني الإعلام العربي أن نتحدث مع الجماهير العربية من خلال التليفزيون، صحف، والإذاعات العربية، بالإضافة إلى عملنا مع غير العرب من المسلمين.
ناصر البدري: غير أن عدداً من النشطاء في مجال تغطية مصالح العرب والمسلمين، والدفاع عن قضاياهم المختلفة في المجتمع البريطاني، يشتكون من تقصير بعض البعثات الدبلوماسية العربية والإسلامية في التفاعل مع وسائل الإعلام الغربية، والدفاع عن مصالح العرب والمسلمين بشكل إيجابي وفعَّال.
كريس دويل: أعتقد أن المتحدثين عن قضايا العرب والمسلمين سواء كانوا من الحكوميين أو غير ذلك ينقصهم التدريب في التعامل مع الوسائل الإعلام، والقدرة على فهم أساليب العلاقات العامة، السياسيون هنا في بريطانيا مدرَّبون على كيفية إيصال رسائلهم إلى الجمهور، وطريقة التعامل مع الأسئلة المحرجة التي نتلقاها من الإعلام البريطاني، هذه مسألة تحتاج إلى بعد نظر واستثمار طويل الأجل، بالإضافة إلى تسخير الإمكانيات المادية اللازمة لذلك، نحن هنا في مركز (كابو) نقوم ببعض ذلك، فنتواصل مع وسائل الإعلام ونوفر المتحدثين الجيدين، ولكن يبقى هناك نقص فادح يحتاج إلى جهود متواصلة وكبيرة.
جيرالد راسل: ولا يجب أن يخاف أحد من صحف وإعلام، حتى إذا كان يعني حتى إذا كانت تنتقد العرب، أو حتى إذا كانت معادية للحكومات العربية، ولكن الدخول في حوار دائماً يفيد الطرفين إلا في يعني هناك استثناءات قليلة جداً أنا اكتشفت من خلال عملي مع الصحف والتليفزيون العربية، حتى صحف الأكثر معاداة لبريطانيا ومواقف بريطانيا تشارك في هذا الحوار، والنتائج الحقيقة مثمرة، فأنا أريد أن أشجع طبعاً الأطراف العربية على يعني نفس المبادرة.
ناصر البدري: ومن هنا يؤكد البعض على الدور الخطير الذي تلعبه وسائل الإعلام البريطانية في صنع صورة العرب والمسلمين لدى المشاهدين أو المستمعين أو القرَّاء، خاصة تلك الصحف الصفراء ذات الانتشار الواسع، وبعض القنوات التليفزيونية.
كريس دويل: نحن نشعر بالقلق ومنذ مدة طويلة بخصوص الصورة السيئة التي تعرضها وسائل الإعلام البريطانية للعرب والمسلمين بالتأكيد، تلك الصورة التي تقدم العربي والمسلم على أنه متشدد أو إرهابي أو ذلك الغني الخليجي الذي يبالغ في مظاهر الإسراف والتبذير، تلك الصورة نشعر أنها غير دقيقة ولا تعطي الانطباع الحقيقي.
ناصر البدري: ولعل تحول هذا التعاطف إلى تيار شعبي كاسح يعتمد بالدرجة الأولى في نظر الكثير من المحللين السياسيين والاجتماعيين على حد سواء على أداء الجالية العربية والمسلمة في بريطانيا والأهمية التي تعطيها الدول العربية والإسلامية المعنية بتفعيل ذلك الدور.
لاشك أن تفاعل الشارع البريطاني مع قضايا العرب والمسلمين قد عرف تحسُّناً ملحوظاً على امتداد العقود الأربعة الأخيرة، غير أن إدراكه لتلك القضايا بشكل أكثر عمقاً وإيجابية قد يحتاج إلى فترة أطول من ذلك.
ناصر البدري -(الجزيرة)- لبرنامج (مراسلون)- لندن.
[فاصل إعلاني]
محمد خير البوريني: ونعرض مشاهدينا في سياق هذه الحلقة مجموعة من رسائلكم.
نبدأ برسالة وصلت عبر البريد الإلكتروني من المشاهد فرات هادي من مدينة الموصل في شمالي العراق، يتحدث المشاهد عن مشكلة الإسكان في العراق، التي يقول: إن عجلتها توقفت منذ عام 85، وذلك بسبب عجز الميزانية أمام النفقات الباهظة للحرب مع إيران، واستمر الوضع كذلك حتى الآن.
يطلب المشاهد إعداد موضوع حول مشكلة السكن في العراق، ويتساءل قائلاً: إذا كانت أميركا تنوي إعادة إعمار العراق وإحلال الاستقرار في المنطقة، فلماذا لا يكون للاستثمار العربي نصيب في حل مشكلة الإسكان في العراق، وهي عملية مضمونة الربح بسبب الحاجة إليها.
نشكر المشاهد الكريم على رسالته، ونود هنا أن نشير إلى الموضوعات المتتابعة التي نقوم بإنجازها وعرضها من خلال هذا البرنامج، وبلا شك سوف نعالج لاحقاً قضية إسكان العراقيين، ونعلم أنها قضية شائكة وأنها كانت قد تفاقمت بشكل أكبر منذ بداية سنوات الحصار والذي تعرَّض له العراق، ولكن الأحداث الكبيرة والقضايا الأكثر إلحاحاً جعلتنا نؤجِّل حتى الآن بحث هذا الأمر.
سوف تشاهد في وقت قريب تقريراً يتناول هذا الجانب من ضمن قضايا العراقيين المختلفة.
ومن بريطانيا بعث المشاهد الإريتري حسني الرباط أو الربَّاط بعث رسالة يطلب فيها البحث في أسباب عدم دخول إريتريا جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي أو حضور اجتماعاتهما، ويتحدث عن الارتباط التاريخي والدماء العربية منذ ما قبل الإسلام، ويقول: إن غالبية سكان إريتريا هم من العرب والمسلمين، ويرى المشاهد أن هناك من يريد للإريتريين ألا يقتربوا من العالمين العربي والإسلامي.
يبدو يا حسني أن هذا الأمر على درجة من التشابك على صُعُد مختلفة لاسيما الصعد السياسية وسوف نحاول دراسة الموضوع في وقت لاحق.
ومن مدينة حلب في سوريا بعثت شاهيناز عبد الغفور تطلب تخصيص حيِّز بسيط في البرنامج حول من وصفتهم بعبدة الشيطان التي وصفتهم بالفئة المخيفة، وتسأل المشاهدة: هل بإمكاننا أن نعرفهم أو أن نميزهم عن غيرهم عن طريق لباس معيَّن أو حركات معينة، وما هي أكثر الأقطار العربية التي ينتشرون بها.
نشكر المشاهدة، ونشير إلى أننا كنا قد أجبنا على رسائل سابقة تستفسر عن هذا الأمر، وقلنا إن من الصعوبة بمكان حتى الآن أن نتمكن من إعداد موضوع حول هذا الأمر نظراً للسِّرية الكبيرة التي يحاط بها، ونظراً لعدم انتشاره الواسع، وذلك على عكس ما يُشاع هنا وهناك من قبل كثيرين، تم الحديث عن انتشار ذلك بين مجموعة من المراهقين في أكثر من دولة عربية كما تم الحديث أيضاً عن احتواء الأمر من قبل السلطات المعنية حسب ما ورد إلينا من معلومات.
ووصل إلى البرنامج أو وصلت رسالة من المشاهد فارس عجيب، وهي ضمن عدة رسائل وصلت مؤخراً من إريتريا أيضاً، يطلب المشاهد إعداد تقرير حول إريتريا وما وصفها بالمعاناة التي يكابدها الشعب هناك، واصفاً إريتريا بأنها أكبر سجن في العالم ومقبرة جماعية، حيث لا توجد حرية تعبير عن الرأي إضافة إلى عزلة إعلامية على حد تعبيره.
الرسالة وصلت، وكنا قد أجبنا على رسائل سابقة بهذا الشأن، وقلنا إنه لا يمكن أن نخوض في حديث من هذا القبيل قبل التحقُّق ودراسة الأمر، ونرجو أن نتمكَّن من ذلك.
ومن ليبيا أرسلت المشاهدة زاهية بوبعيدة اقتراحاً تطلب فيه تسليط الضوء على المناطق العراقية الأخرى البعيدة عن بغداد كالديوانية، وذلك من حيث أثر الحرب عليها ومعاناة الشعب العراقي، كما تطلب المشاهدة تسليط الضوء على العادات الغريبة لبعض القبائل في الهند وجنوب أفريقيا.
بالنسبة للعراق فقد أعددنا بالفعل موضوعات مختلفة من هناك، وسوف نواصل العمل في إعداد موضوعات جديدة بشكل متواصل، إذا كان هناك من تركيز على بغداد فلكونها العاصمة السياسية ولكونها كبرى التجمعات السكانية، ولكننا أعددنا موضوعات أخرى من البصرة، والموصل، والنجف، وكربلاء، والفلوجة، وديالا، والكوت، وكركوك، وتكريت، وغيرها، وسوف تشاهدين موضوعات من مناطق أخرى عديدة في العراق في أقرب وقت، أما حول الهند وجنوب أفريقيا فقد سبق أيضاً وعرضنا موضوعات تتناول شؤوناً مختلفة كما عرضنا مجموعة من التقارير حول القبائل وعاداتها في جنوب إفريقيا، وسوف نقوم بإعداد المزيد لاحقاً.
مشاهدينا الكرام، نكتفي بهذا القدر من الردود على رسائلكم حسب ما سمح به الوقت، ونتابع معكم البرنامج.
مظاهر التفاني والإخلاص والعمل الجاد للشعب العراقي
يرى السواد الأعظم من العراقيين أن الأحداث أو الجرائم التي ارتُكبت بحق مؤسساتهم الخدمية وغيرها بعد سقوط بغداد واحتلال القوات الأميركية لها إنما أدت إلى تشويه صورتهم الصورة الناصعة التي تشهد لهم بالتفاني والإخلاص والعمل الجاد في خدمة بلدهم وحبهم لشعبهم وللعراق.
العاملون في قطاع الخدمات الطبية العراقية ضربوا أروع الأمثلة على ذلك، تقرير تيسير علوني أعده من بغداد.
![]() |
تقرير/تيسير علوني: الخدمات الطبية الحكومية في العراق حافظت على تميُّزها وكفاءتها رغم تداعيات الحصار وويلات الحرب بفضل روح المسؤولية التي يتمتع بها كادرها البشري، المركز العراقي لأمراض القلب لم يشذ عن هذه القاعدة، فقد تضامن العاملون فيه لحمايته من أعمال السلب والنهب التي أعقبت زوال النظام السابق، واستمروا في تقديم خدمة متميزة لمرضى القلب لا تتوفر في معظم أنحاء العالم.
د.طالب خير الله (المركز العراقي لأمراض القلب): في الشهر السابع من عام 1999 أُسِّس كمركز مستقل اسمه المركز العراقي لأمراض القلب، إحنا لما أسسناه إحنا وزملائي الجراحين وزملائي الأطباء كان هدف إنه نسد ثغرة من ثغرات الحصار اللي هي علاج شرايين القلب التاجية، سواء بالعمليات الجراحية أو التداخل أو القسطرة، أو الأدوية، فيعني بقية.. بقية عمليات القلب يمكن كانت يعني مغلقة من قبل أخصائيين وأناس مبدعين آخرين، ولكن هذه كانت ثغرة في يعاني منها المريض العراقي، فبعد التوكل على الله -سبحانه وتعالى- أسسنا المركز، بدينا نشتغل بثلاث أجهزة قسطرة حديثة.
تيسير علوني: التميُّز تحقق عبر طاقم من الأطباء العراقيين تدربوا على إجراء أعقد العمليات التقليدية وغير التقليدية الخاصة بالقلب والشرايين على يدِ مؤسسي هذا المركز ومديره الحالي الذي ثُبِّت في منصبه عبر انتخابات ديمقراطية نال فيها نحو 70% من أصوات زملائه، وواصل العمل مع فريقه الطبي والفني الذي حقق إنجازات في مجال تطوير العمليات الخاصة بالشرايين نالت اعترافاً وإعجاباً عالمياً.
د.طالب خير الله: من أول يوم خلينا الهدف هو كمركز تدريب وليس عمليات فقط، بعد مرور ستة أشهر بدأ الدكتور الثاني يعمل معي وهكذا بدأنا إلى أن أصبحنا الآن بحدود 17 طبيب كلهم تدريب بالعراق، أخذوا دورات صغيرة وقصيرة بس للمشاركة في.. في دول أجنبية أخرى، ولكن التدريب الرئيسي كان هنا والحمد لله، كل الإمكانيات الأخرى من.. من أطباء إلى ممرضين إلى staff إلى (technician) في القسطرة كان من كادر عراقي بحت 100% لم نستلم أي معونة أجنبية لا من حيث المعدات ولا من حيث البشر، ولا من حيث أي شيء، كلها بإمكانيات ذاتية الحمد لله لغاية سنة الـ 2001 بدأت سمعة المركز تظهر نتيجة العمليات نتيجة البحوث اللي قدمناها، فبدينا من سنة الـ2001 نستلم عروض من.. من الشركات لإجراء بحوث وتقييم موعد، هذه كانت لم تطلب إلا من مراكز عريقة بالعالم، فإحنا أجرينا عمليات صعبة جداً، طبعاً عمليات شوهدت من قِبل يعني كان ناس معروفين جداً في هذا المجال من أوروبا ومن أميركا زاروا مركزنا للاطلاع، كنا نعمل مؤتمر سنوي ونجري عمليات نقل حي، فيه عمليات نُشرت باسم المركز كأول عمليات في العالم منها عملية توسيع الشرايين في الكلى نُشرت في مجلة أميركية وأقر على أنها أول.. أول عملية من نوعها بالعالم، أجرينا عمليتين بالدماغ عملية نُشرت سنة الـ2000 وعملية أجريت قبل الحرب بشهرين فقط، العملية هذه كانت لشاب.. في.. طالب في كلية التربية الرياضية كان يعاني نزف بالدماغ أجريت له عملية قسطرة للدماغ في مركز آخر، تبين أنه وجود وعاء.. توسع وعائي في أحد الشرايين وهو مرض وراثي، واحد من أساتذتنا جراحين الدماغ فتح الجمجمة مالته على أساس إنه يستأصل هذا.. هذا الوعاء، لم يستطع لعمق.. يعني كان المفروض يعني إذا.. لو قطع هذا الوعاء يمكن يصاب بشلل، فاضطُر هذا الجراح أن يغلق الجمجمة ويبعثه لنا فاستخدمنا تقنية لأول مرة إحنا.. إحنا جربناها في.. نعم جربناها إحنا كنا واثقين إنه نحن يعني البشر ليس مجال للتجربة، ولكن كنا واثقين إنه يمكن أن نغلق هذا الوعاء وأغلقناه بشبكة كانت مخصصة لنفس المرض ولكن في الشرايين التاجية وليس في شرايين الدماغ، بنجاح لم تستغرق العملية تحت تخدير موضعي أكثر من عشر دقائق، المريض الآن صار له أربع أشهر، سُجِّلت ها العملية وكنا -الحمد لله- يعني المفروض.. الشركة المنتجة لهذه المادة أُعلِمت بهذا الخبر وهي الآن ويَّا متابعة مستمرة لنشرها كأول عملية أخرى في الدماغ لتقنية.. تستخدم فيها تقنية شرايين القلب، ولكن أكو عمليات أخرى مركزنا يعني أخذ سمعة كبيرة فيها بكل أنحاء العالم وهي عمليات تداخل الشريان الرئيسي للقلب اللي يسموها (left main……) اللي بالعالم منشور بالمجلات الطبية، منشور بكل العالم خلال 15 سنة من العمل حوالي 700 عملية، إحنا خلال سنة ونص نشرنا بحدود 105 عمليات، زارونا وفود عربية كثيرة وعلى أساس نعمل تؤمة مع مراكز أوروبية، زارونا من إيطاليا، زارونا من إسبانيا، زارونا من فرنسا، زارونا من.. من نيويورك، زارونا من الأرجنتين، زارونا من استراليا من خلال مؤتمراتنا ومن خلال علاقاتنا الشخصية، زارونا من لندن، من لندن (لندن … هوسبيتال) وكان عندنا المفروض نستلم أطباء أخصائيين بريطانيين للتدريب في مركزنا اتفاق على أنه ثلاث شهور لثلاثة بصورة دورية من (لندن … هوسبيتال) يجوا يتدربوا عندنا، لما.. لما شافوا مستوى العمليات والنتائج إضافة إلى العدد الكبير اللي نشتغله، فهي (Material) كبيرة لتدريب أي طبيب كان في العالم وكان المفروض يلتحقوا قبل شهر من بداية العدوان، ولكن الظروف صارت فتأجل الموضوع إلى فترة أخرى.
تيسير علوني: معظم العمليات تجري تحت تخدير موضوعي ويبقى المريض خلالها مستيقظاً يراقب مهارة الأطباء وسرعتهم وإتقانهم وأجهزتهم المتطورة تتوغل داخل شرايين قلبه، ويعبر المرضى عن ثقتهم ورضاهم وفخرهم بإنجازات هذا المركز.
مريض عراقي مستفيد من المركز: العملية تجري بالأردن بـ12 ألف دينار أردني، بالعراق 750، الدكتور أستاذ طبيب بالعالم، ثقتنا بأطبائنا عالية جداً وكوادر متميزة، قيادات خادمة يحب عمله، بيشتغلون بدون مقابل، بدون رواتب دا يشتغلون في كل ها الفترة، طيلة فترة الضرب أنا بالقصف جيت سويت قسطرة سواها لي الدكتور قسطرة وبالون بالقصف.
تيسير علوني: وبعد صدور ما سُمَّى بتوجيهات من المستشار الأميركي لوزارة الصحة العراقية تقضى بإلغاء المراكز الطبية التخصصية وإلحاقها بالمستشفيات كأية أقسام عادية أصيب العاملون في هذه المراكز بالإحباط، لأن القرار يعني ببساطة إلغاء وظائف البحث والتطوير التي تمارسها هذه المراكز بنجاح وجدارة.
د.طالب خير الله: المستقبل إلنا الآن مبهم يعني ماذا يعمل قوة التحالف مستقبلاً، قوات السلطة أيش راح تسوي، الحكومة الجديدة أيش راح تسوي، في النظام الصحي إحنا (….) بنفس النظام الصحي اللي كانت تابعة له وزارة الصحة، أنا أقول لك شخصياً أنا صعب جداً أقول لك شو راح يصير بالمستقبل، ولكن المسلم دائماً يكون متفائل، ولكن تفاؤلي أنا.. أنا ضئيل جداً في مستقبل مركزنا يعني على أن يبقى بنفس الصيغة، بنفس الكلفة للمريض شبه المجانية، مو عمليات مكلفة جداً المريض لا يدفع إلا الجزء اليسير واللي يدفع الجزء اليسير يروح كحوافز تشجيعية للمنتسبين، يبقى نفس النظام أنا لا أتصور ذلك.
تيسير علوني: نظام الحكم السابق في العراق كان نظاماً اشتراكياً استمر في تقديم الخدمات الطبية شبه المجانية لمواطنيه، ومع التغيرات الجديدة بدأت علامات استفهام كبرى تحوم حول مستقبل هذه الخدمات.
تميز الخدمات الطبية في العراق مبني أساساً على تميز كوادرها البشرية، والعراق مقبل على مرحلة جديدة، سيتعامل فيها مع مصطلحات جديدة كالعولمة والخصخصة واقتصاد السوق فماذا يخبِّئ عراق المستقبل لهذا الكادر البشري المتميز؟
التميز العلمي لدى الأطباء العراقيين رافقه وعزَّزه تميز إنساني يُحسد عليه العراقيون، هذه المهندسة الشابة المسؤولة عن مولد الكهرباء في المستشفى استدعيت من بيتها على عجل عندما انقطعت الكهرباء عن بغداد أثناء الحرب، رغم الخوف وتعقيدات العمل في ظروف الحرب التي يزيدها صعوبة انقطاع الرواتب الزهيدة أصلاً تحرك الإنسان الكامن في أعماقها ليلبي نداء الواجب.
نجلاء أحمد (مهندسة عراقية متطوعة/شركة كهرباء بغداد): إحنا ما.. ما توقفنا عن الدوام، يعني من بداية الحرب إحنا مستمرين بالدوام، ويعني كنا نداوم لحد الساعة ستة مساءً أو ثمانية مساءً الوقت كله يعني.. يعني.. كنا مستمرين، بس أثناء فترة انقطعت الكهرباء رجعت آني للبيت ورا ساعة ناس جو عليَّ نفس.. يعني كادر المستشفى جاءوا عليَّ قالوا لي انطفت الكهرباء اشتغلت المولدة فترة وانقطعت فالتحقت بالمستشفى وشوفت إنه ضرورة إنه بقائي بالمستشفى يعني مُلح يعني رغم يعني الظروف اللي كانت موجودة يعني صحيح كانت صعبة وكنت خايفة بس يعني الحاجة الملحة لبقائي شوف إنه المستشفى أكبر من خوفي، فبقينا إحنا هنا.
تيسير علوني: فين.. يعني فين الضرورة تحديداً، ضرورة بقائك في..؟
نجلاء أحمد: المستشفى يعني انقطعت عنها الكهرباء، يعني بحدود الـ150 مريض كانوا بمستشفى الشهيد عدنان والمولدة توقفت عن العمل، الكادر اللي موجود يعني ما كان وحده يقدر يشغل هاي المولدات يعني جئت أنا وشغلتهم، وإضافة إلى ذلك يعني عدد كلش قليل بقى من الكادر بالمستشفى والعدد القليل اللي بقى كان دا يريد يروح قالوا لي.. يعني نص العبارة قالوا: إحنا ما شوفناك يعني.. يعني استحينا بصراحة ويعني بقينا، شوفناك أنت بُنية باقية لوحدك بقينا وياك.. يعني بالبداية كنا نداوم من الثمانية للثمانية بس إلى أن يعني ساءت الوضعية مالت الكهرباء ظليت مستمرة بالدوام 24 ساعة، يعني فترة أكثر من 20 يوم، والله يعني الوضعية اللي شوفتها أني يعني والحاجة الملحَّة أنه شوفت لوحدي يعني حتى مو بس بالشهيد عدنان، يعني.. يعني مرات كلش عديدة كانوا يخابروني مستشفى الأطفال كنت أروح يعني على أعطال بالمولدة دار التمريض الخاص، مستشفى.. مستشفى بغداد التعليمي، يعني ما كان أبداً يعني بها مجال إنه ما آجي، إضافة إلى أنه أنا شوفت يعني.. يعني بداية الحرب هذه شوفت مناظر يعني.. يعني ظلت يعني لحد هسه مترسخة في بالي يعني ريحة الموت وريحة الدم والمناظر الجارحة اللي.. اللي كانت تيجي.. كانت تيجي السيارات مثل الإسعاف وينزلوا من عندها الجرحى والسيدات التي كانت بتمشي والدمعيات نازلة، يعني هادولا المرضى كلهم يعني.. يعني لو ما كنا موجودين أتصور يعني أنهم كانوا.. غير شكل كانت صارت غايتهم يعني وحاجة.. حاجته للمرضى كانت كلش مُلِحَّة بوجودنا.
تيسير علوني: ورغم مواصلة العاملين في قطاع الخدمات الطبية جهودهم للحفاظ على تميز خدماتهم وعلى انخفاض أجورها، إلا أن الظروف الحالية إذا استمرت فستحول القطاع برمته إلى جُرح نازف كغيره من الجروح الكثيرة التي أصابت الجسد العراقي.
تيسير علوني- لبرنامج (مراسلو الجزيرة)- بغداد.
محمد خير البوريني: إلى هنا نأتي مشاهدينا إلى نهاية هذه الحلقة من البرنامج، يمكن لجميع المشاهدين الكرام أن يتابعوا تفاصيلها بالصوت والنص من خلال موقع (الجزيرة) على شبكة الإنترنت، كما يمكن مراسلة البرنامج أيضاً عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: reporters@aljazeera.net
أو من خلال العنوان البريدي على صندوق بريد 23123 الدوحة – قطر، وكذلك من خلال الفاكس على رقم 4860194.
في الختام هذه تحية من صبري الرماحي (مخرج البرنامج)، ومن فريق العمل، وتحية أخرى مني محمد خير البوريني، إلى اللقاء.