
اللاجئون الفلسطينيون وأثر الانتفاضة الفلسطينية وسويسرا
مقدم الحلقة: | محمد البوريني |
تاريخ الحلقة: | 12/10/2002 |
– اللاجئون الفلسطينيون في مخيمات لبنان وارتباطهم بالانتفاضة
– الشعب المصري وتفاعله مع انتفاضة الأقصى
– انعكاس انضمام سويسرا للأمم المتحدة على سياستها
محمد خير البوريني: أهلاً بكم مشاهدينا إلى حلقة هذا الأسبوع من (مراسلو الجزيرة).
تشاهدون معنا تقريراً من لبنان يتحدث عن حياة اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان وتفاعلها مع انتفاضة الأقصى، المخيمات التي كانت على الدوام رديفاً للنضال من أجل حق العودة والعيش بسلام على أرض الوطن فلسطين، المخيمات التي فنَّدت مزاعم مروجي مصطلحات التوطين والوطن البديل وغيرها من تعبيرات يراها الفلسطينيون مشبوهة ومغرضة واستفزازية تهدف -دون أدنى شك- إلى الإساءة لنضالهم ولا تخدم إلا إسرائيل ومروجيها فقط.
ومن جمهورية مصر العربية نعرض تقريراً يتناول ما تركته انتفاضة الأقصى من آثار وتفاعلات وتغيرات على الشارع والتيارات الدينية والقومية وغيرها خلال العامين الماضيين، ونرى كيف أعادت أحزاب مصرية ترتيب أولوياتها وتكثيف أنشطتها والتنسيق فيما بينها.
كما تشاهدون موضوعاً مفصلاً يتحدث عن انضمام سويسرا إلى الأمم المتحدة بعد عقود من التزامها الحياد، كما يتحدث عن مخاوف وقوعها تحت الضغوط الأميركية وتوريطها في نزاعات دولية شائكة كانت في غنىً عنها.
تعالوا معنا لنشاهد أولى فقرات هذه الحلقة.
اللاجئون الفلسطينيون في مخيمات لبنان وارتباطهم بالانتفاضة
كانت المخيمات الفلسطينية في الشتات ومازالت رافداً من روافد تعزيز صمود الشعب الفلسطيني نحو العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الفلسطيني.
اللاجئون الفلسطينيون في الشتات والداخل هم أكثر الفلسطينيين تضرراً ومعاناة وشعوراً بالألم والظلم، فقد عاشوا ظروفاً لا تحتاج إلى كثير من الوصف والبيان بما في ذلك الخسائر المادية والمعنوية والنفسية، الأمر الذي جذَّر في النفوس وأبقى حلم العودة إلى تراب الوطن زائراً ليلياً دائماً يرفرف فوق فراش أطفال وشيوخ هذه المخيمات منذ 54 عاماً ويزيد. نسأل هنا: لماذا لا يملك هؤلاء الأطفال الحق في وطنهم كبقية أطفال العالم ليس إلا تنفيذاً لقرارات الشرعية الدولية فقط؟ هذا في الوقت الذي تشن فيه دول عظمى الحروب بدعوى فرض تلك الشرعية والقرارات عندما يتعلق الأمر بدولة عربية أو إسلامية، ويسأل لاجئون فلسطينيون عن أحداث استخدام دول عظمى حق النقض (الفيتو) لتعطيل قرارات دولية، لأنها تقول كلمة حق واحدة ضد مجازر وقعت وتقع بحقهم، كما يسألون عما إذا كان لا يزال يُوجد عدل أو قانون دولي في هذا العالم، تقرير بشرى عبد الصمد من لبنان.
![]() |
تقرير/ بشرى عبد الصمد: فرقة الكوفية هي إحدى فرق إحياء التراث الفلسطيني في مخيم عين الحلوة جنوب لبنان، والهدف منها تكريس التراث الفلسطيني الذي تعزز بفعل الانتفاضة.
سمر (فتاة من مخيم عين الحلوة): إنه الانتفاضة هي شيء مبارك، إنه إحنا بيحق لنا نسوي فيها، بس يا للأسف مش قادرين إنه نعمل أي شيء، لأننا خارج الوطن.
أحمد (طفل من مخيم عين الحلوة): نتمنى إنه نرجع نصلي بالقدس، وإحنا لأنه ولا مرة شايفين القدس ورام الله والبلدات الثانية.
بشرى عبد الصمد: في عين الحلوة كما في (…) البرج الشمالي ومخيمات أخرى موزعة من شمال إلى جنوب لبنان شكلت الانتفاضة الفلسطينية ثقافة جديدة دخلت إلى حياة سكان المخيم اليومية، وتحولت إلى زاد ينمو وتنمو معه أحلام العودة.
أبو خالد (صانع دمى تستخدم في المظاهرات): الانتفاضة غيرت كثير أشياء وغيرت كتير مفاهيم، إنه الإنسان حتى لو كان ضعيف ولا يملك السلاح إلا إنه إذا توفرت عنده الإرادة والعزيمة قادر إنه يهزم أعتى الجيوش، الانتفاضة يعني علمتني إنه السلام زي ما قال الرئيس أبو عمار بده ناس شجعان يقوموا فيه، وبإسرائيل من الواضح إنه ما فيش ولا رجل شجاع قادر على أنه يمشي مع الشعب الفلسطيني من أجل السلام.
بشرى عبد الصمد: أبو خالد هو أحد صانعي المجسمات التي تحرق أو تدمر خلال المظاهرات الكثيرة التي تحركت بقوة داخل المخيمات الفلسطينية بفعل الانتفاضة وما تقابل به من تضييق وحصار إسرائيليين، وهو يرى في المجسمات التي يصنعها أنموذجاً لأرييل شارون ومعه إسرائيل الهشة والسهلة الهزيمة كما الورق المكونة منه المجسمات.
علي (فتى من أبناء المخيم): مع إني بأطلع مظاهرات وهيك، وبأهتف وما عادش في.. صوتي بيروح أيه.. بس هذا كل شيء ما بيعطي جزء بسيط لفلسطين.
بشرى عبد الصمد: المظاهرات قد تكون أبرز الأشكال المتعددة التي تربط كل فلسطين في المخيم بالانتفاضة، وتعبر عن دعمه ومساندته لها، وهي غالباً ملازمة لمظاهرات الداخل التي أعادت مؤخراً الاعتبار للحركة الشعبية في الداخل، وشكلت شكلاً جديداً من الأشكال العفوية لفك الحصار.
خالد العارف (أمين سر فصائل منظمة التحرير في جنوب لبنان): ما بين توقيع اتفاقية أوسلو والانطلاقة الثانية للانتفاضة كان الشارع الفلسطيني يعيش في حالة عدم توازن، لأنه لم يحقق المطلوب لشعبنا الفلسطيني ويحقق طموحاته من خلال المفاوضات ومن خلال المبادرات التي تمت طيلة فترة العشر سنوات الماضية، من هنا جاءت انطلاقة الانتفاضة، والتي أعادت الأمل ليس للشعب الفلسطيني في الداخل فقط، إنما للشعب الفلسطيني في الشتات.
بشرى عبد الصمد: بالنسبة لقيادات الشتات ساهمت الانتفاضة في توحيد الصف الداخلي الفلسطيني، كما في الداخل كذلك في الخارج، كما عززت المرجعية الواحدة، وشكلت رسالة مزدوجة لمن يسعى لبديل عن السلطة الشرعية بقيادة أبو عمار، الذي تجد صورته في كل بيت وزاوية في المخيم.
خالد العارف: أصبح مشروعنا السياسي أو ثقافتنا كما تفضلتي، ثقافتنا السياسية والوطنية ابتداءً من المدرسة مروراً في المؤسسات الموجودة داخل المخيم انتهاءً بالشارع الفلسطيني تشعري أن هناك فرق كبير ما بين الأداء الذي كان ما قبل انطلاقه الانتفاضة والواقع الحالي.
بشرى عبد الصمد: للكثيرين شكلت الانتفاضة سلاحاً يشهر بوجه كل ما يحكى عن مشاريع توطين للفلسطينيين في الشتات وما كلفهم هذا الكلام من حرمان لحقوقهم المدنية في حدودها الدنيا كما هو الحال في لبنان، وهذا ما جعل من قضية العودة إلى فلسطين ضرورة للخروج من الحصار اليومي داخل المخيم.
أبو أحمد (لاجئ فلسطيني): (….) يرجعوا، كيف بيظلوا قاعدين، في المخيمات، يعني ناس إجوا من آخر الدنيا قاعدين بقلب بلادنا، وبلادنا أنت عندك.. عندك بيارات، وعندك.. عندك زيتون، عندك كل إشي، بقر، خير، الله يسَّر كله عندك، تظلك نايم أنت هون بالمخيم، وها دوك عايشين ببلادك؟! هسه بأقول لك، هسه العرب يفتحوا الحدود، الدول العربية تفتح الحدود، وتسلمنا شوية
سلاح نضاف ويقولوا هاي بلادكم حرروها ما بيحرث بالأرض غير.. ما بيحرر فلسطين إلا شعبها، غير شعبها لا.
بشرى عبد الصمد: أبو أحمد من المقاتلين القدامى الذين عايشوا فلسطين وشاركوا في حروب عربية، لذا تجده يستغرب كغيره الصمت العربي حيال القضية الفلسطينية، أما قضية فتح الحدود فمطلب يتردد على لسان النساء والرجال والأطفال في المخيم.
قد تكون علاقة عين الحلوة بالداخل الفلسطيني متشابكة، فالمخيم هذا هو أكبر المخيمات في لبنان، وفيه الوجود المسلح للفصائل، وقد شكل عين الحلوة –ومازال- من بدايات الانتفاضة مادة دسمة للتقارير والمقالات الإسرائيلية التي تصفه بأنه معسكر للإرهاب، وتتوعد بدعم أميركي لضربه.
منير المقدح (مسؤول ميليشيا حركة فتح في جنوب لبنان): هذه المخيمات هي منطلق الاستشهاديين، وانطلاقة الثورة تمت من المخيمات، طبعاً الدعم بيتم من المخيمات الفلسطينية بكل الوسائل، في التظاهر، في التعبير، في المال جمع الأموال، التبرعات اللي.. لأهلنا، وكل عن طريقتهم، حتى لكل شيء يتم الوصول للمقاومة وللانتفاضة داخل فلسطين.
بشرى عبد الصمد: منير المقدح وبدوره مادة إعلامية مثيرة للجدل في إسرائيل، فهم متهم بتزويد كتائب شهداء الأقصى بالمال والسلاح، وبالنسبة له أحيت الانتفاضة الأمل في نفوس الشعب الفلسطيني بالعودة خصوصاً بعد اتفاق أوسلو، وأكدت شرعية الكفاح والمقاومة سبيلاً لاستعادة الحقوق ودحر الاحتلال.
منير المقدح: أعتقد الاحتلال الإسرائيلي وصل لمرحلة بداية نهاية دولة اليهود بفعل العمل المقاوم داخل فلسطين، بفعل هذه الانتفاضة المجيدة، تأثر من كل الجوانب الاقتصادية، والسياحية، والأمنية، والعسكرية، أصبح يعيش المستوطن على أرض فلسطين بهاجس أمني بشكل يومي.
بشرى عبد الصمد: علاقة عضوية تربط مخيمات الشتات بالداخل الفلسطيني، وقد تكون واحدة في الغضب الذي تجاوز العتب حيال غياب الاهتمام والدعم العربي اللازم للانتفاضة والقضية بعد أن فقد الأمل بقرارات وشرعية دولية توقف آلة التدمير الإسرائيلية.
خالد العارف: نحن كشعب فلسطيني ومنذ انطلاقة الانتفاضة الثانية، وهذا ما يشعر به كل مواطن فلسطيني، أن المطلوب منا أن نعتمد ونتكل على أنفسنا كفلسطينيين ومعنا الشرفاء من أمتنا العربية والإسلامية، مقتنعين أنه لن يكون هناك في هذه المرحلة أقل ما يمكن نتمنى أن نكون مخطئين، لن يكون هناك تحرك رسمي وجدي وفاعل لدعم الانتفاضة ولدعم القضية الفلسطينية.
بشرى عبد الصمد: لعلها الحقيقة المرة التي أظهرتها الانتفاضة والتي مرة جديدة تدفع بفلسطينييَّ الشتات للتمسك بحلم العودة الذي مهما اقترب لا يبدو قريباً كفاية للتحقق، ومع هذا الزاد اليومي تستمر رحلة الفلسطينيين في الشتات، وغناء اليوم أمل المستقبل مع جيل جديد ترعرع على ثقافة قديمة جديدة هي ثقافة الانتفاضة.
ليس غريباً أن تكون انتفاضة لدى شعب ترعرع على ثقافة الثورة والكفاح دفاعاً عن حق عودة شرَّعته الأعراف والقوانين الدولية وتناسته الأمم بما فيها العربية.
بشرى عبد الصمد -لبرنامج (مراسلو الجزيرة)- من مخيم عين الحلوة – جنوب لبنان.
الشعب المصري وتفاعله مع انتفاضة الأقصى
محمد خير البوريني: أعادت الانتفاضة الفلسطينية ألق تضامن الشعوب العربية والإسلامية مع قضيتها الأولى فلسطين، حيث ألهبت مشاعر ظن كثيرون أو راهنوا على أنها ذبلت منذ زمن.
يجمع كثيرون على اعتبار الشارع المصري نبضاً وانعكاساً حقيقياً للشارع العربي لا سيما في القضايا المصيرية للأمة.
تقرير حسين عبد الغني، أعده من القاهرة.
تقرير/ حسين عبد الغني: قدر للانتفاضة الفلسطينية الثانية أن تكون الشرارة التي ألهبت الحماس الوطني للشعب المصري بكل طوائفه، والبوتقة التي أعادت صياغة علاقة أجياله وقواه السياسية، ليس فقط بمحيطها العربي، ولكن أيضاً -وهذا هو الأهم- بواقعها الداخلي وعلاقتها بالحكومة وببعضها البعض.
هذا الشعار الذي سرعان ما عمَّ العالم العربي من المحيط إلى الخليج رفعته المظاهرات الحاشدة والغاضبة غير المسبوقة لأجيال من المصريين تضامناً مع الفلسطينيين وعداءً لإسرائيل، وهو لم يطح فحسب بركام ربع قرن من الحديث المكرر في وسائل الإعلام وحتى في المناهج الدراسية عن ثقافة السلام والتطبيع مع إسرائيل، ولكن أطاحت أيضاً بحالة موت السياسة والعزوف السياسي التي هيمنت على أجيال متلاحقة من المصريين.
مصطفى بكري (رئيس تحرير جريدة "الأسبوع" المصرية): ظلت إسرائيل تراهن فترة من الوقت على ما يمكن تسميته بجيل (كامب ديفيد)، هذا الجيل الذي تربى في إطار عملية السلام وفي إطار اتفاقات كامب ديفيد، والذي سمع كثيراً عن ضرورات السلام مع العدو الصهيوني، هذا الجيل ذاته الذي تبنى أو الذي كان عرضة لهذه الثقافة، هو ذاته الذي قاد المظاهرات في الجامعات.
أمين إسكندر (منسق اللجنة الشعبية لمناهضة الصهيونية): الأهم من ذلك أيضاً هو تأثير الانتفاضة على الأجيال الجديدة، ودي مسألة أعطت زخم لتيارات سياسية، أضافت لتيارات سياسية، ليس فقط عدد من الناشطين، لكن الحالة العامة في مصر أنا في اعتقادي إن حدث نوع من عودة السياسة إلى الشارع المصري عبر بوابة فلسطين والانتفاضة الفلسطينية.
حسين عبد الغني: وأيقن المصريون من كافة التيارات أنهم كلٌ واحد في مؤازرة أشقائهم الفلسطينيين، وشرعوا منذ الأيام الأولى للانتفاضة في تأكيد تلك المشاعر من خلال مظاهرات اتسمت بأكبر قدر من المشاركة الشعبية الواسعة من ناحية، ودفعت أنصار التطبيع إلى التراجع وإخلاء الساحة أمام الجماهير الغاضبة من ناحية أخرى.
أيضاً نجحت الانتفاضة فيما فشلت فيه أحداث جسام أخرى ألا وهو إحداث تقارب بين القوى السياسية الإسلامية والقومية، بل وحتى اليسارية التي أدركت جميعها أن التناقض الرئيسى مع إسرائيل أهم بكثير من التناقضات الثانوية فيما بينهم.
أمين إسكندر: أنا في اعتقادي أيضاً إن تيار وسط الحركة الوطنية المصرية اللي هو أنا بأعتبره جيل السبعينات اللي بدأ دخوله في بوابة السياسة في السبعينات، إذا كان إسلامياً، أو ماركسياً، أو ليبرالياً، أو قومياً ناصرياً حدث نتيجة تراكم في التواصل والعمل المشترك بيننا وبين هذه التيارات، حدث نوع من ما أسميه أنا بقواسم مشتركة في رؤية قضايا الأمة والوطن.
حسين عبد الغني: التطور الذي أحدثته الانتفاضة لحق أيضاً بكل قوة سياسية على حدة، فالإسلاميون الذين طالما كانت قضايا تنفيذ الشريعة والمشاركة في السلطة في مصر تأتي على رأس أولوياتهم وجدوا أن لزاماً عليهم أن يعيدوا ترتيب تلك الأولويات بما يتواكب مع أحداث الانتفاضة التي انطلقت عندما داست أقدام شارون ساحة المسجد الأقصى في تحدٍ سافر لكل المسلمين في كافة أنحاء العالم، وحلت فلسطين كقضية متقدمة في الخطاب الإسلامي المصري بكافة أطيافه بعد أن كانت في السابق توضع بغرابة على قدم المساواة مع الشيشان وأفغانستان وكشمير.
أبو العلاء ماضي (مؤسس حزب الوسط الإسلامي المحظور): بعض الفصائل الإسلامية الناجحة ذات دور مؤثر في قضية الصراع العربي الإسرائيلي، وبالتحديد 3 فصائل أحدثت هذا التغيير، وهي حزب الله في جنوب لبنان وحركة حماس والجهاد في فلسطين، وهذه الحركات إسلامية اللي بشعاراتها الإسلامية، إلى آخره، هذا الأمر بالإضافة كما قلت الخطاب النقدي من التيارات الأخرى لعدم اهتمام الحركة الإسلامية بالقضية الأساسية المركزية جعل أجيال جديدة إدراكها تترتب.. تترتب من جديد وتضع القضية الفلسطينية في موقعها الصحيح، أنا أرى إن هذا عودة للصواب، إن هي حجمها هي مفتاح كل قضايانا العربية والإسلامية.
حسين عبد الغني: الانتفاضة أيضاً كانت الشعلة التي أعادت التوهج النسبي إلى التيار القومي بعد انحساره فعادت شعراته وصور رموزه المعادية لإسرائيل تعود نسبياً إلى الساحة السياسية بعد طول انحسار.
الزخم الشعبي والحماس الذي خلقته الانتفاضة تجاوز حتى جميع القوى السياسية المنظمة الشرعية وغير الشرعية ليصل إلى الإلحاح على اتباع أشكال جديدة تستوعب هذا الحماس وتنظمه خارج هذه الأطر، كان أبرزها لجاناً شعبية لدعم الانتفاضة وصلت إلى أفقر قرى مصر، وتسابق البسطاء قبل الأغنياء بالتبرع بقوت يومهم كي يصل هذا الدعم مالياً وعينياً إلى الأشقاء المنتفضين الثائرين في فلسطين.
استقلالية الحركة الشعبية عن المؤسسة الرسمية الحكومية والمعارضة كانت واضحة بجلاء في اللجان الشعبية لمقاومة التطبيع مع إسرائيل، ومقاطعة السلع الأميركية والإسرائيلية من خلال حملات مؤثرة نجحت في نشر ثقافة للمقاطعة الانتقائية لسلع بعينها.
أحمد شعبان (منسق اللجنة العربية لمكافحة التطبيع): أصبح الآن أنت تدخل بيوت كثيرة لا تقدم مشروب الكوكاكولا على سبيل المثال، الشباب وأطفال المدارس يمتنعون عن شراء الوجبات والأغذية الأميركية، المطاعم الأميركية كانت شبه فارغة في فترة من الفترات، لكن من المؤكد أن الشركات التي كانت محل المقاطعة خسرت على الأقل ثلثي مبيعاتها في فترة من الفترات.
حسين عبد الغني: لقد تفاعل المصريون مع أحداث الانتفاضة بفلسطين وكأنها تجرى على أرض مصر، فخرجوا غاضبين للتنديد بمقتل محمد الدرة وغيره من شهداء الانتفاضة، وفرحوا لكل عملية استشهادية نفذها الشهداء في القدس والخليل وغزة، وخرجوا يهتفون ضد شارون وهو يذبح الفلسطينيين في جنين.
غير أن الغضبة المصرية لم تتوقف عند حد الهتافات والتبرعات، وإنما تحرك شباب مصريون نعرفهم أو لا نعرفهم ليتسللوا عبر الحدود، رغم القيود والحواجز كي ينضموا لرفاقهم في فلسطين مدفوعين بالطمع في الشهادة وبإيمان راسخ بأن من واجبهم –كعرب- نصرة إخوانهم ولو كان الموت هو الثمن.
في الذكرى الثانية لانتفاضة الأقصى الفلسطينية يثبت التجاوب الشعبي المصري أنه يتجاوز بكثير مجرد إقامة المؤتمرات وتنظيم المظاهرات وتقديم التبرعات إلى تقديم الشهداء، فبعد ميلاد محمد ها هو عبد الفتاح محمد ابن القرين شهيد ثاني يقدمه بسطاء المصريين وفقراؤهم لشعب شقيق أعزل أمام آلة احتلال جبارة.
على المستوى الرسمي تنبهت مؤسسات الحكم المصرية إلى حقيقة أن إسرائيل لن تتخلى يوماً عن مخططاتها التوسعية التي لا تقتصر على فلسطين وحدها، بل تشمل أيضا مصر، ورغم اتفاقية السلام الموقعة بين البلدين، وسرعان ما تحولت السياسة الرسمية المصرية إلى توفير الدعم الدبلوماسي للقضية الفلسطينية وتكثيف الاتصالات مع قادة الدول العربية لبلورة موقف عربي موحد في مواجهة سياسة التعنت الإسرائيلية الرافضة لكافة مساعي السلام، ولكن كان واضحاً في أكثر من مناسبة أن اليد المصرية ليست مطلقة بالكامل في مواجهة الجموح الإسرائيلي المدعوم بانحياز أميركي ظاهر أحياناً ومستتر أحياناً أخرى، ولكنه مؤثر في ميزان القوى في كل الأحيان.
كلمة الرئيس/ محمد حسني مبارك: إن التزامنا في مصر بالسلام ثابت ولا يتزعزع، ولكنه لن يكتمل إلا باحترام وتنفيذ إسرائيل للالتزامات التي قطعتها على نفسها في الاتفاقيات التي وقعتها مع السلطة الفلسطينية، وفي للتفاهمات التي تم التوصل إليها مع الحكومات السابقة، وآخرها تفاهم طابا.
حسين عبد الغني: الحركة الشعبية المصرية لدعم الانتفاضة نضجت أيضاً في اتجاه بلورة مطالب رئيسية وقليلة تستطيع العمل المشترك لتحقيقها، وهي دعم الانتفاضة بكل الوسائل ومقاطعة السلع الأميركية والإسرائيلية وإلغاء كل صور التطبيع مع إسرائيل.
في ذكراها الثانية أثبتت الانتفاضة الفلسطينية قدرتها على حشد القوى السياسية والطلابية المصرية، وأخرست من يقول إن جذوة الانتفاضة قد خمدت، أو أن هوية مصر العربية قد شحبت.
حسين عبد الغني -لبرنامج (مراسلو الجزيرة)- القاهرة.
[فاصل إعلاني]
محمد خير البوريني: ونعرض مشاهدينا في سياق هذه الحلقة مجموعة من رسائلكم من خلال الفقرة التالية.
نبدأ برسالة بعثها المشاهد محمود من الجماهيرية الليبية، يطلب محمود تقريراً خاصاً عن قبائل الطوارق في ليبيا والجزائر. نقوم بالإعداد لهذا الموضوع من ليبيا، ونرجو أن تتابع البرنامج حتى تتمكن من مشاهدته وإبداء رأيك أيضاً. نعتقد أن طرح هذا الموضوع من ليبيا سيفي بالغرض.
ونبقى في إفريقيا، وهذه رسالة بعثها محمد أحمد الشريف الفضلي من محافظة البطحاء في تشاد، يطلب محمد عرض موضوع يتناول اختلاف اللهجات العربية في هذا البلد ومدى تأثير تنقلات العرب من مكان إلى الآخر على تعليم أبنائهم وعلى راحتهم البدنية، وكيف أنهم معجبون بهذه الطبيعة دون غيرها، ويطلب بهذا الشأن إجراء مقابلات مع شيوخ بعض القبائل العربية لسماع وجهات نظرهم، نجيب المشاهد بأننا سنحاول قريباً طرح ما ورد في رسالتك.
والمداني البايعشي من المغرب بعث رسالة قال فيها إن (الجزيرة) اهتمت بالثقافة العربية والأمازيغية، ولكنكم تتجاهلون الثقافة الإفريقية كثقافة أصيلة وكجزء من الهوية المغربية متعددة الأبعاد. أطلب إنجاز تقرير حول هذه الثقافة المسكينة، يقول المشاهد. ونحن نقول بدورنا للمشاهد الكريم: إننا لا نتجاهل شيئاً يهم المشاهدين على الإطلاق إذا ما أُتيح لنا تلبية ما يطلبون، وإذا ما كان هناك القليل من الصبر لديهم، فالموضوعات التي لا تُنفذ اليوم قد تنفذ غداً أو أنها سوف تنفذ في الوقت المناسب لم يحدد المشاهد ما الذي يرغب في مشاهدته تماماً بشأن الثقافة الإفريقية التي تحدث عنها. نأمل أن نسمع منك جواباً في أقرب وقت، وشكراً على الاهتمام والمتابعة.
والمشاهد الذي عرَّف على نفسه باسم بوجاسوم، أرسل المشاهد الكريم رسالة إلكترونية إلى البرنامج جاء فيها: لقد لفت انتباهي كثرة الذين يطلبون تحقيقات أو مقابلات مع أناس في قضية ما في بلادهم، لكن الرد يكون أن الأمر متروك إلى السلطات في ذلك البلد للسماح.. للسماح لمراسليكم بإجراء هذه اللقاءات وعدم وجود تصاريح لهذا العمل، ونحن بدورنا نسأل: هل يوجد لديكم تصريح بالتحقيق في دولة قطر وفي الوجود الأميركي على الأراضي القطرية؟
نجيب المشاهد بالقول إننا بالفعل –وللأسف الشديد- نواجه العديد من العقبات في إنجاز موضوعات وتحقيقات كثيرة من دول عربية معينة، علماً بأن الكثير من هذه الموضوعات هي عادية للغاية في مقاييس الدول التي تتمتع بقدر بسيط من الحرية الإعلامية والصحفية، نتمنى أن يأتي اليوم الذي نتمكن فيه من طرح كل ما يهم المواطن العربي في جميع الدول العربية بحرية وشفافية على الأرض العربية، الحرية والشفافية التي يتحدث كثيرون من ولاة الأمر في عالمنا العربي عن ضرورة اتباعها نهجاً، ولكن الواقع الحاصل يتحدث عن خلاف ذلك عند الممارسة العملية.
بالنسبة لموضوع السماح (للجزيرة) بالتحقيق حول وجود قوات أميركية على الأراضي القطرية فنرجو أن تكون قد شاهدت التقرير الذي أُعيد كثيراً على نشرات أخبار (الجزيرة) حول قاعدة العُديد الجوية في قطر التي يوجد فيها ألفي عسكري أميركي، وقد قامت (الجزيرة) بتصوير ما سُمح به من أجزاء ومرافق القاعدة المذكورة، لعل ذلك يكون بمثابة إجابة شافية على سؤالك، هذا إضافة إلى طرح (الجزيرة) لهذا الموضوع مرات عديدة في نشرات أخبارها وفي برامج أخرى مختلفة، إننا نلتزم بعرض كل مادة تتمتع بالقدر المطلوب من الأهمية المهنية والقيمة الإخبارية بالنسبة لمشاهدينا إذا ما تمكنا من الحصول عليها، ونتعامل معها بكل مهنية وأمانة صحفية، وأهلاً بك على الدوام.
ورسالة إلكترونية من مروان حبيب الذي بعث طالباً من البرنامج إجراء تحقيق حول من قال إنهم المنفيون الطوعيون من سوريا الذين لا يُسمح لهم بالعودة إلى وطنهم الأم مع العلم أن أغلبهم من المثقفين الذي يمكن للوطن أن يستفيد منهم، ومع العلم أيضاً أن عددهم كبير جداً، وخاصة من أهالي مدينة حماة حسب ما ورد في رسالة المشاهد.
شكراً لصاحب الرسالة الذي لم يوضح أولاً القصد بعبارة منفيون طوعيون، في هذه القضية لا يمكن لنا أن ننفي أو نؤكد ما ورد في رسالتك دون التحقق من الأمر، ونعتذر عن إمكانية تلبية طلبك في وقت قريب، ولكننا سوف نحاول مستقبلاً إذا ما أُتيح لنا ذلك أو إذا ما سُمح لنا بذلك، لاسيما وأنت تعلم أن موضوعاً كهذا يحتاج لسماع الرأي الآخر، وتعلم مدى صعوبة طرح مثل هذه الموضوعات في معظم الدول العربية.
ومن فلسطين بعثت المشاهدة ياسمين رسالة إلكترونية أيضاً تطلب فيها موضوعات حول فلسطيني أو عرب عام 48، لأن كثيرين من العرب لا يعرفون عنهم شيئاً.
نشكر المشاهدة الفلسطينية، ونقول لها: إننا كنا بالفعل بصدد إنجاز موضوعات عديدة حول الأهل في فلسطين عام 48، لكن أحداث انتفاضة الأقصى أدت إلى إعاقة عملنا مرحلياً أو جزئياً، على أي حال سوف نواصل مساعينا وجهودنا بهذا الاتجاه، وسوف تشاهدين موضوعات من هناك في أقرب وقت ممكن.
أخيراً هذا أبو مشعل الشعيلي يبعث لنا برسالة طالباً فيها تقريراً يتحدث عن الأباضية في سلطنة عمان، ويقول: معروف أن الأباضية من أقدم المذاهب الإسلامية الحية، ولكن ظروف نشأة هذا المذهب وأفكاره العقائدية ربما تكون مجهولة لدى كثيرين من المسلمين في العالم.
نشكر المشاهد، ونقول له: إننا عرضنا موضوعاً عن الأباضية في سلطنة عمان قبل نحو عامين، وسوف نحاول إنجاز موضوع آخر بعد دراسة الأمر إذا ما تمكنا من تناوله من زوايا أخرى ربما لم نتطرق لها في المرات الماضية.
مشاهدينا الكرام، نكتفي بهذا القدر من الردود على رسائلكم حسب ما سمح به الوقت، ونعود لمتابعة ما تبقى من هذه الحلقة.
انعكاس انضمام سويسرا للأمم المتحدة على سياستها
بعد عقود طويلة من الحيادية قررت سويسرا دخول معترك السياسة الدولية بقضاياها المعقدة والشائكة، فقد انضمت أخيراً إلى الأمم المتحدة، ولكن بعد شد وجذب وجدل حاد حول هذا الأمر انتهى بإجراء استفتاء كانت فيه الغلبة لأنصار الانضمام إلى السياسة الدولية.
مراقبون ومحللون ينظرون إلى الخطوة السويسرية على أساس بداية التخلي عن سياسة الحياد، وقد عبر سويسريون عن مخاوفهم من أن تؤدي إلى إلزام الولايات المتحدة لبلادهم أو بالأحرى توريطها بقضايا شائكة تتعلق بالنزاعات الدولية، الأمر الذي قد يجلب لهم مشكلات لم يعهدوها طوال فترة الحياد، لم لا وواشنطن هي التي تتحكم في مواقف العديد من دول العالم التي تتمتع بقوة وسطوة تفوق بكثير ما هي عليه سويسرا، المواقف التي ليس لكثير من الدول المعنية فيها من ناقة ولا بعير سوى أنها تقع تحت تأثير الضغط الأميركي حسب قول مراقبين؟
ميشيل الكيك كان في سويسرا وأعد التقرير التالي.
![]() |
ميشيل الكيك: من الآن وصاعداً ستلعب سويسرا دورها كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة متخلية عن دور المراقب الذي لعبته طوال السنوات الماضية، فمنذ ولادة شرعة الأمم المتحدة في العام 45 فضلت سويسرا أن تبقى خارج إطار الانضمام إلى المنظمة الدولية، لأن الانضمام إليها يعني التخلي عن حيادها الذي عُرفت به في كل الأزمات الدولية، سويسرا التي انضمت في العام 2002 إلى الأمم المتحدة قد تدخل حلبة التجاذبات السياسية الدولية بعد استفتاء وافق فيه 55% من السويسريين على دخول بلادهم إلى الأمم المتحدة، أي أكثر من النصف بقليل، في حين رغب 45% في أن تبقى سويسرا خارج النزاعات الدولية مفضلين ألا يزجوا بلادهم في صراعات طالما بقوا بعيدين عنها حتى الآن، لذلك نرى أن السويسريين لم يتحركوا بقوة للمشاركة في الاحتفالات التي أُقيمت في شوارع جنيف عشية الانضمام إلى الأمم المتحدة، وكأن الحدث لا يهمهم، ولم ينزل سوى الآلاف منهم إلى الشوارع للاحتفال، وكأن الكثيرين استيقظوا من صدمة الاستفتاء الذي قالوا فيه: نعم، لكن هذه النعم كان لابد منها، فسويسرا لا يمكنها -برأي الكثيرين من أبنائها- أن تبقى خارج المنظمة الدولية، فعليها أن تحدد خياراتها ومواقفها.
مواطن سويسري: هذه الخطوة إيجابية لنا جميعاً، خصوصاً وأننا نواجه مصيراً مشتركاً، وعلينا أن نتحمل مسؤولياتنا في كافة الميادين.
مواطن سويسري: أعتقد أن الانضمام إلى الأمم المتحدة سيئ، لكنه ضروري، فلا يمكننا أن نبقى حياديين، فلنا قناعاتنا وخياراتنا التي يجب الالتزام بها.
ميشيل الكيك: ورغم الانضمام إلى الأمم المتحدة إلا أن سويسرا تبقى بمعزل عن جيرانها الأوروبيين، فهي لم تدخل حتى الآن إلى الاتحاد الأوروبي، وتبقى عملتها الفرنك السويسري مقابل تداول عملة اليورو في كافة الدول الأوروبية عند حدودها، وربما الخطوة المقبلة الأهم هي الدخول إلى الاتحاد الأوروبي لتشكل سويسرا مع جيرانها كتلة قوية متراصة.
مواطنة سويسرية: أعتقد أن سويسرا بلد محافظ، وبالنسبة إلى جيرانها الأوروبيين لم تسجِّل تقدماً، وأن الانضمام إلى أوروبا سيفتح الكثير من الأبواب أمامنا.
ميشيل الكيك: ورغم أن سويسرا لم تكن عضواً في الأمم المتحدة إلا أن المقر الأوروبي للمنظمة الدولية يوجد في جنيف بعد توقيع اتفاق بين سويسرا والأمم المتحدة في العام 47 يقضي بقيام هذا المقر، والمعروف باسم قصر الأمم، لكن الأمر استلزم أكثر من نصف قرن حتى ينضم العلم السويسري إلى كافة أعلام الدول المنضوية تحت لواء المنظمة الدولية، هنا في المقر في قصر الأمم تجري الاستعدادات والتدريبات الأخيرة للحفلة البروتوكولية حيث أُنزلت الأعلام لترتفع بعد ذلك والعلم السويسري إلى جانبها.
ماري أوزي (المديرة الإعلامية للأمم المتحدة في جنيف): ننتظر الكثير من السويسريين في الأمم المتحدة لاسيما من خلال المشاركة في حل النزاعات الدولية بطريقة سلمية محاولين الاستفادة من خبراتهم القديمة، إذ كانوا من أوائل مؤسسي المنظمات الإنسانية، مثل الصليب الأحمر الدولي، والمؤسسات الأخرى التابعة للهلال الأحمر، وننتظر منهم الكثير من الفعالية في هذه الميادين الإنسانية وفي مجالات حقوق الإنسان، فهم الراعون والضامنون لاتفاقات جنيف، ومن مصلحة الجميع تعزيز التعاون بين سويسرا والأمم المتحدة وإعطاء هذا البلد دوراً مهماً في الأسرة الدولية.
ميشيل الكيك: المسؤولون السويسريون شدَّدوا على ضرورة أن يستمر بلدهم واحة للانفتاح والتلاقي، وألا تنعكس النزاعات الدولية سلباً عليه.
دومينيك لويس (مدير البروتوكول في كانتون/جنيف): إن هوية بلدنا ستبقى كما هي، وسنحافظ عليها بكل قوة حتى تستمر سويسرا بلداً منفتحاً، لا بل أكثر انفتاحاً، وأعتقد أن هذا سيكون مفيداً للجميع.
ميشيل الكيك: المسؤولون الرسميون كذلك الناس العاديون بدوا متحفظين بشأن هذا الانضمام، وكأن هذه الخطوة تشكل هاجساً كبيراً يجلب لهم الهم والقلق، ويوهمهم بمستقبل لا يعرفون ماذا سيحمل معه لاسيما في ضوء تطور النزاعات وازدياد المخاطر الآتية من كل جانب، فالرياح العاتية كانت لا تهب على هذه البلاد، بل تهدأ عند أبوابها نظراً لمواقفها الحيادية، سويسرا تلتزم اليوم بالأمم المتحدة، الأمم المتحدة التي يرى الكثير من المراقبين أنها خاضعة للولايات المتحدة أو العكس أن الولايات المتحدة لا تأبه للأمم المتحدة، وفي كلا الحالتين النتيجة واحدة، هذه المخاوف بدت واضحة عشية الانضمام الرسمي إلى الأمم المتحدة، وكأن واشنطن ستسبب المشاكل لهذا البلد المحايد.
إنذارات عديدة بوجود متفجرات تستهدف مصالح أميركية تلقتها الشرطة السويسرية وتزامنت هذه الإنذارات مع الاحتفالات الشعبية التي تقلصت وتراجعت، وفضل الكثيرون البقاء في منازلهم وعدم المشاركة في احتفال انضمام بلدهم إلى الأمم المتحدة، في هذا المكان القريب من وسط جنيف قطعت الشرطة كل الطرقات بسبب بلاغ بوجود متفجرات على مقربة من بنك نيويورك، وبعد ساعتين أُحضرت خلالها آلات البحث عن المتفجرات وتفكيك الألغام تبين أن الإنذار كان كاذباً، شعور بات ينتاب المسؤولين السويسريين، وإذا كانت طبيعة الشعب السويسري متحفظة ومترددة إلى حدٍ كبير نظراً لاعتياد هذا الشعب على مفهوم الحيادية، إلا أن هناك من يتكلم ويعتبر أنه على سويسرا وعلى الأوروبيين أن يشكلوا قوة في وجه أميركا إذا استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
جان راستا (نائب سابق في المجلس الأعلى لكانتون/ جنيف): إن موقفي هو وجوب الانضمام إلى أوروبا حتى تصبح أوروبا أكثر قوة وأكثر قدرة من خلال توحدها كي تواجه الولايات المتحدة، وكي تناقض السياسة الأميركية في العالم، وهكذا يمكننا أن نصل إلى نتائج إيجابية في رأيي.
ميشيل الكيك: وإضافة إلى المخاوف السياسية والاستراتيجية هناك من يرى أن الانضمام إلى الأمم المتحدة لن يجدي نفعاً، ولم يكن في الأصل أمراً ضرورياً وملحاً، غير أنه سيزيد من تكاليف النفقات، وسيرفع فاتورة سويسرا إلى أكثر من 70 مليون فرنك سويسري يترتب دفعها سنوياً إلى الأمم المتحدة كبدل عن المشاركة وزيادة مخصصات البعثة السويسرية المعتمدة في نيويورك.
مواطنة سويسرية: إن الانضمام سيكون سيئاً، لأنه سيكلفنا الكثير.
ميشيل الكيك: ومهما اختلفت المواقف إلا أن أهمية الخطوة في أن تصبح سويسرا عضواً كامل العضوية في الأمم المتحدة هي أنه بإمكان هذه البلاد التي التزمت الصمت طويلاً الصمت الحيادي بإمكانها اليوم أن تكشف عن أفكارها علناً، وأن تقولها على المنبر الدولي، وأن تطرح مشروع قرار ترتئيه مفيداً، ويتعين في المقابل على الأمم المتحدة أن تناقش هذه المشروعات التي تتقدم بها سويسرا مثل سائر الأعضاء الآخرين.
وأخيراً وبعد 57 عاماً على إنشاء منظمة الأمم المتحدة رفرف العلم السويسري في أرجاء المنظمة الدولية وفي مؤسساتها في كافة أنحاء العالم، لكن السؤال: ما الذي سيتغير؟ فسويسرا لم تعد حيادية، ربما هذا هو الشيء الوحيد الذي تغير لينضم هذا البلد الذي عُرف بحياده على مدى الحروب وانقسام السياسات لينضم إلى عولمة تسيطر عليها أحادية القطب الواحد الولايات المتحدة لا الأمم المتحدة.
ميشيل الكيك -لبرنامج (مراسلو الجزيرة)- جنيف- سويسرا.
محمد خير البوريني: إلى هنا نأتي –مشاهدينا- إلى نهاية هذه الحلقة من البرنامج. بإمكانكم مشاهدة تفاصيل هذه الحلقة بالصوت والصورة والنص من خلال موقع (الجزيرة) على شبكة الإنترنت، وذلك على العنوان التالي: www.aljazeera.net
كما يمكنكم مراسلة البرنامج أيضاً عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي:
reporters@aljazeera.net
أو من خلال العنوان البريدي على صندوق بريد رقم: 23123 الدوحة- قطر، وكذلك من خلال الفاكس على رقم: 4860194
في الختام هذه تحية من المخرج صبري الرماحي وفريق البرنامج، وهذه تحية أخرى مني محمد خير البوريني، إلى اللقاء.