
العراق، مدينة رفح، مخيمات نابلس
مقدم الحلقة: | محمد البوريني |
| |
تاريخ الحلقة: | 31/05/2003 |
– انقطاع التيار الكهربي عن بغداد
– معيشة أهالي مدينة رفح تحت سياسة التدمير الإسرائيلية
– جانب من معاناة أسرة فلسطينية في نابلس
محمد خير البوريني: أهلاً ومرحباً بكم مشاهدينا إلى حلقة جديدة من (مراسلو الجزيرة).
نشاهد في هذه الحلقة تقريراً نُلقي فيه الضوء -ليس إلا- على قضية انقطاع التيار الكهربائي عن جميع أو معظم أحياء العاصمة العراقية بغداد منذ الاختراق الأول للمدينة واحتلال القوات الأميركية لها، ونلتقي بأفراد عائلات عراقية، ونستمع إلى أقوال وشهادات عاملين عراقيين في حقل الكهرباء، ونحاول أن نتحسس ماذا يعني انقطاع الضخ الكهربائي من الناحية الإنسانية عن عاصمة كبيرة كبغداد فترة طويلة من الوقت.
ثم نتحول إلى قطاع غزة في فلسطين لنشاهد تقريراً نحاول فيه اختصار بعض ما يتعرض له الفلسطينيون على يد قوات وجنود الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية الاحتلال وعلى مدى مسيرة النضال الفلسطيني من أجل الانعتاق والتحرر وتغيير واقع سياسي وعسكري أليم.
كما نعرض تقريراً آخر يتحدث عن جانب من صنوف عذابات الفلسطينيين والآثار الخطيرة لتشريدهم واقتلاعهم، من أرضهم وديارهم، ونضرب مثلاً يتعلق بحياة عائلة واحدة من عشرات آلاف العائلات وسط تقليص مؤسسات الأمم المتحدة العاملة في مجال الإغاثة لميزانياتها، وغياب أو انعدام أو شح الدعم العربي المنظم والمتواصل لصمود شعب يقول كثيرون من أبنائه إنهم قدموا الدم والغالي والنفيس ثمناً للدفاع عن شرف أمة صامتة لا تحرك ساكناً.
أهلاً بكم إلى أولى فقرات هذه الحلقة.
انقطاع التيار الكهربي عن بغداد
منذ بدء دخول القوات الأميركية إلى بغداد وقبل انتهاء العمليات العسكرية الكبرى لاحتلال المدينة، وأهلها يدفعون ثمناً باهظاً بسبب انقطاع التيار الكهربائي عن جميع أو معظم الأحياء السكنية، لنتخيل جميعاً أننا نعيش في مدن لا يوجد فيها تيار كهربائي في هذا العصر الذي نعتمد فيه على الطاقة الكهربائية في تسيير جُلِّ شؤون حياتنا اليومية.
يتفق كثيرون على أن ذلك يشكل أو أنه كارثة إنسانية، وهذا ما حصل ويحصل بالفعل في العاصمة العراقية بغداد، ظلام دامس وفقدان للنور ليلاً في المنازل والشوارع، وفقدان للتكييف والتبريد وشربة الماء الباردة في جو لاهب أو شديد الحرارة وفقدانٌ للكهرباء في العيادات الصحية والمستشفيات ومضخات النفط العامة، وفي المصانع والمعامل والمحال التجارية، والمؤسسات والمدارس وفي كل مكان، يتساءل عراقيون عن أسباب استمرار انقطاع التيار الكهربائي عن الأحياء التي لم تتعرض محطات الكهرباء فيها للقصف أثناء الحرب، مع تطوع كثيرين من العاملين فيها للخدمة المجانية وسعيهم لإيصال التيار الكهربائي إلى المواطنين، وسط استغراب جنود الاحتلال الأميركيين، يرى عراقيون عاملون في قطاع الكهرباء أن هناك من أقدم على سرقة أجهزة رئيسية لتشغيل محطات الكهرباء في بغداد، ليصار إلى استبدالها لاحقاً ضمن صفقة تجارية بتجهيزات جديدة من صناعة أميركية أو بريطانية. تقرير محمد العبد الله من بغداد.
تقرير/ محمد العبد الله: معاناة يومية تعكس تفاصيلها أزمة انقطاع التيار الكهربائي شبه المستمر عن العاصمة العراقية بغداد في ظروف معيشية أقل ما توصف به بالبائسة، حيث تتجاوز الحرارة درجة الـ 40، وفي صيف العراق القائظ يعيش أكثر أهالي بغداد معظم أيامهم محرومين من نعمة الكهرباء، ويتساءلون تارة بمرارة وأخرى باستغراب ودهشة عن ماهية الأسباب التي عطلت وصول التيار الكهربائي إلى منازلهم، طالما أن معظم محطات توليد الطاقة لم تتضرر بالقصف الأميركي.
ربة أسرة عراقية: إحنا وضع الكهرباء تعبان عندنا كلش، ويجيبوها ساعة ويطفوها والماي ينقطع، تيجي.. تيجي القوة يجي الماي، يلا نبدي نشتغل أطفال عندنا كلها.. كل واحد عمره شهرين، كل ساعة متمرضين، كل ساعة مستشفيات جفاف واحد به صار هاي كم يوم طلعته قبل فترة من المستشفى، (بوش) قال أنا بأسبوعين ثلاثة أوفر لكم كل شيء، لحد الآن كل شيئ ما أكو.
ربة أسرة عراقية: جهانة.. ماتت من الحر، متنا من الحر إحنا، لا كهرباء، لا ميه لا غاز قنية الغاز بـ 10 آلاف دينار وين هذا يعني ظلم هذا ما يصير هيك يعني بوش ما يقبل على نفسه هيك؟ بوش يقبل على نفسه جهانة هيك تتبهدل؟
رب أسرة عراقي: شنو إحنا ذنبنا يعطونا الكهرباء ساعة باليوم ويقطعوها 23 ساعة، ليش؟ هي هاي الحرية اللي قال عليها، وهي هاى الديمقراطية اللي قال عليها السيد بوش؟!
محمد العبد الله: هذه المعاناة اليومية أججت في نفوس البغداديين السخط ودفعتهم للاحتجاج أمام محطات توزيع الكهرباء في محاولة للبحث عن حلول للأزمة والتي حولت حياتهم إلى جحيم حسبما يصفون، وأثارت في نفوسهم أسئلة الشك بأن هناك أيادٍ خفية تقف وراء أزمة انقطاع التيار الكهربائي.
ربة أسرة عراقية: لا نقدر ننام جوه، لا نقدر نصعد فوق، أطفال عندنا والله أطفالنا تمرروا من وراء هذه الحالة، يعني لا نقدر نشتري شيء نحط بالمجمدة.. بالثلاجة، كل شيء عندنا دا يخسُ ويروح، الجو كلش حار، يعني تدمرنا.. دمرونا تدمير كامل، بالحرب أكو عندنا كهرباء، هسة ما عندنا كهرباء، ليش شنو السبب؟
ربة أسرة عراقية: إحنا بعهد صدام لا كهرباء ولا ميه، جم الأميركان لا كهرباء ولا ميه، يعني أيش لون؟ النتيجة شون؟ فأردنا يزبوا لنا كيمياوي ويموتونا وخلينا نخلص، ما نريدها العيشة إحنا هاي.
محمد العبد الله: أما منتسبو وفنيو محطات التوزيع والذين يتلقون صدمة احتجاج الأهالي وسخطهم وحتى اتهامهم بالتقاعس والفساد أحياناً، فيرون أن أسباباً عديدة تقف وراء الأزمة، من أبرزها -حسبما يؤكدون – حالة الفوضى وفقدان الأمن التي يعاني منها العراق بعد احتلاله، والتي تعرقل -حسب رأيهم- أعمال صيانة شبكة خطوط النقل إضافة إلى عدم اكتراث القوات الأميركية بإيجاد حلول جدية للأزمة.
عامل عراقي في قطاع الكهرباء: كابل ضغط عالي يجهز المدينة، يجي واحد عابث بالشبكة مندس، أكيد مندس يعني يجي يقص الكابل، يسرق الكابل (….) في سبيل يبيعه بكمية ما.. ما.. ما يستحقها هذا الكابل، يعني هذا الكابل أساساً يكلف الدولة في.. في زمن صدام حسين يكلف الدولة مئات الآلاف، يروح يبيعه بمئات الدنانير وبوجود الأميركان!! إحنا عندنا محطة تضررت محطة كهرباء، محطة الكهرباء هل هي.. هل هي مصنع للمواد الكيماوية؟ هل هي مصنع للـ.. أو مع احتراماتي يعني هل هي تكون مخزن للمواد المحظورة؟ محطة كهرباء تنضرب؟ بتخدم من محطة الكهرباء؟ بتخدم صدام حسين، أم تخدم المواطن؟
عامل عراقي في قطاع الكهرباء: وأكو نقطة ثانية يا أستاذ وأهم شيء يعني إحنا قاعدين نشتغل بالصيانة في الشبكات.. نشتغل بالأعمدة الوايرات مقطعه الأسلاك، فعدة أمران يكون الأميركان ويانا how are you good morning صباح الخير، يسلموا علينا، أكو مترجمين وياهم إماراتي أو كويتي أو عربي أي عربي يعني فيجي يترجم لنا واياهم، فيقول الأميركي للمترجم يقول له: شنو الدافع اللي يخلي هذا يشتغل؟ ليش يشتغل، لا راتب، لا شيء هذا ليش في الشمس ها الحارة؟
محمد العبد الله: ولإثبات ما يقولونه بالدليل القاطع اصطحبنا بعض من فنيي محطة توزيع الزعفرانية إلى إحدى المحطات التي أتى القصف عليها بالكامل، وإلى محطة أخرى تعرضت إلى أعمال السلب كان من المفترض أن يتم افتتاحها في الثامن والعشرين من نيسان الماضي عيد ميلاد الرئيس المخلوع صدام حسين.
ويعتقد موظفو المحطة بأن استهداف هاتين المحطتين ربما كان عملاً مقصوداً نظراً لأن تجهيزاتهما صناعة فرنسية.
عامل عراقي في قطاع الكهرباء: المشكلة الأساسية سرقة المعدات وتدمير واحدة من محطات الزعفرانية اللي.. اللي تحمل 50% من ثقل الزعفرانية، هذه المشكلة باختصار.
محمد العبد الله: ولإلقاء مزيد من الضوء على أسباب الأزمة توجهنا إلى محطة توليد جنوب بغداد التي تحرسها قوات أميركية، وبعد انتظار لم يدم طويلاً حصلنا على إذن دخول المحطة التي عجَّت بصحفيين وموظفين من الأمم المتحدة جاءوا لمناقشة أزمة الكهرباء مع المعنيين من الجانب العراقي، غير أنهم لم يحملوا على ما يبدو أية تصورات عملية لحل المعضلة.
موظف دولي عامل في مجال الكهرباء: العمل متواصل في تهيئة خطوط النقل الكهربائي، ونحن نبحث مع الزملاء في البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وأقسام أخرى في المنظمة الدولية، والذين هم مسؤولون عن قطاع الكهرباء، نبحث معهم في سُبل تقديم المساعدة في مجال الطاقة الكهربائية، كما نبحث معهم في المجالات التي بجب أن تكون لها الأولوية لتغطية احتياجاتها ضمن ما يوفره برنامج النفط مقابل الغذاء.
محمد العبد الله: محطة توليد جنوب بغداد تعمل بكامل طاقتها، إذن أين الخلل؟ مدير المحطة والعاملون فيها يرون أن المشكلة تكمن في شبكات خطوط النقل التي تعرض جزء منها للتلف نتيجة أعمال القصف، وعمليات صيانتها تتطلب توفير معدات حديثة ووضع أمني مستقر تقع مسؤولية توفيره على قوات الاحتلال.
عامل عراقي في قطاع الكهرباء: هنالك ناس تعمل على أن.. على أن تعرقل مسيرة إصلاح الكهرباء.
محمد العبد الله: من هم هؤلاء الناس؟
عامل عراقي في قطاع الكهرباء: أنا لا أعرفهم لكن هذا ما حدث سُرِق.. سُرِق..
محمد العبد الله: تتهم من؟
عامل عراقي في قطاع الكهرباء: ما.. لا أستطيع أن أخمن، لأنه الواقع سرقت بعض الأجهزة المهمة جداً في مركز السيطرة الوطني و.. والمسؤول عن.. عن السيطرة في الكهرباء في العراق، فكل هذه تؤدي إلى.. إلى تأخير إيصال الطاقة الكهربائية بالشكل الطبيعي، إلا أنه هنالك جهود كبيرة لوضع حلول لهذه..
محمد عبد الله: الموظفون والفنيون في مؤسسات توليد وتوزيع الطاقة الكهربائية أكدوا بأنهم لم يدخروا جهداً لتأمين ما تيسر من التيار الكهربائي، وذلك بالرغم من أنهم لم يتقاضوا رواتبهم ومستحقاتهم منذ بداية الحرب باستثناء مكافئة لم تتجاوز 20 دولاراً أميركيا وينتظرون تنفيذ الوعود بحل مشكلتهم هذه.
روايات عديدة واتهامات متبادلة حول أزمة الكهرباء في العاصمة العراقية، وإلى أن تجد هذه المعضلة حلاً لها وتنفذ وعود المعنيين بالمشكلة يبدو أن العاصمة العراقية ستعيش جزءاً من هذا الصيف الحار وفق نظام التقنين الكهربائي المعروف جيداً لدى العراقيين.
محمد العبد الله -لبرنامج (مراسلو الجزيرة)- بغداد.
معيشة أهالي مدينة رفح تحت سياسة التدمير الإسرائيلية
محمد خير البوريني: مدينة رفح ومخيمها في قطاع غزة إحدى قلاع الصمود الفلسطيني القوية في وجه الاحتلال الإسرائيلي وآلته العسكرية وأنواع التنكيل والبطش والظلم ومحاولات التركيع والاعتداء على الكرامة، دمار كبير ألحقه الاحتلال في رفح كما في معظم أو جميع مناطق غزة هاشم، ذريعة إسرائيل ما تصفه مكافحة الإرهاب الفلسطيني وما يقول الفلسطينيون وأنصار الحرية في العالم إنه مقاومة مشروعة بلا جدل لآخر احتلال هو الأكثر دموية على وجه الأرض، لا يعرف وسيلة للتخاطب إلا من خلال القتل والرصاص وهدم وتدمير المنازل على رؤوس أصاحبها أحياناً وتهجيرهم منها وتجريف الأراضي الزراعية واعتقال المطالبين بحقوقهم وإصدار أحكام بحق كثيرين منهم تصل إلى مئات السنين، يحصل هذا وسط عجز دولي وعربي كامل عن وضع حدٍ لمأساة الشعب الفلسطيني المستمرة منذ عقود طويلة، كما يأتي وسط محدودية دعم هيئات الأمم المتحدة للفلسطينيين داخل وخارج الأراضي المحتلة.
![]() |
تقرير/ سمير أبو شمالة من رفح في قطاع غزة..
تقرير/ سمير أبو شمالة: مشهد لا يزال في الذاكرة الفلسطينية ويعود به التاريخ إلى اليوم، فعندما تفتح أبواب مدينة رفح جنوبي قطاع غزة تستلهم شبح الموت ويعتريك شعور يملأه الحزن والسواد.
سيدة فلسطينية: وين السلام اللي شارون بيهد البيوت على أصحابها، وينه السلام؟ أنا(..) للفلسطينية وين السلام؟ إحنا بدنا نعرف الدولة الفلسطينية، أنتو بتقولوا في سلام، بيقتلوا الأولاد الصغار بيقتلونا شتتونا يا أنا، إحنا ولادنا مش عارفين عنها..، وين بدنا نروح؟
سمير أبو شمالة: رفح المدينة الفلسطينية الصغيرة الملاصقة للشريط الحدودي الفاصل بين الأراضي الفلسطينية والأراضي المصرية، والتي عاشت ويلات حرب كبيرة مازالت تعيش جو نكبة 48 في واقعها الجديد بين أزقتها وحواريها ومخيماتها.
مجيد الآغا (محافظ محافظة رفح): هذه بلد منكوبة بالدرجة الأولى وتسير في التعامل الإسرائيلي للتدمير هذا هو منهج يومي ومستمر في هذا الموضوع.
سمير أبو شمالة: هذه المدينة الفلسطينية التي يبلغ عدد سكانها 170 ألف نسمة ويعيش في مخيمها 50 ألف لاجئ يتعرضون لهجمات عسكرية إسرائيلية كبيرة بهدف تركيعهم وإخماد نيران الانتفاضة الحالية بشتى الوسائل الإسرائيلية المعروفة كالقتل والاعتقال والتدمير والهدم وغيرها.
إبراهيم أبو شتات الذي هُدِم منزله بواسطة جرافات الاحتلال الإسرائيلي في أواخر أيلول من عام 2001، بذريعة توفير الأمن لمواقع الاحتلال العسكرية المجاورة، هذا المواطن الفلسطيني عاطل عن العمل منذ بدء انتفاضة الأقصى.
إبراهيم أبو شتات (أحد ضحايا سياسة الهدم الإسرائيلية): والله نفسي أعرف سبب من ها المنطقة هذه إنها تصاب بأذى، ما فيش إلها سبب تصاب بأذى، والله ما فيه سبب عندهم يصيبوا ها الناس هذه بأذى لأنها ناس هادية ورايقة وأبداً ويا دوبها معيشتها يا دوبها يادوبها يا الله حال معيشتها تجري ومين فاضي لأي مشاكل والناس هنا أوضاعها صعب جداً، ويادوب الواحد يجري على لقمة عيشه وفوق هذا زي ما أنت شايف ها القلق وها الخوف، وها الخطر، وكل الناس شملته، وكل الناس مجموع على رؤوسهم، وكان الله بعون الناس يا أخي بأمانة في ظل الأوضاع الحالية.
سمير أبو شمالة: أبو شتات فَرَّ من بيته مع أفراد أسرته ليحتمي ببيت استأجره يبعد نحو مائة متر عن بيته المدمر، والذي يمكن أن يكون هدفاً تالياً للجرافات الإسرائيلية في أية لحظة، ومن سخرية القدر بأنه لم يستطع الاقتراب مما تبقى من جدران منزله المدمر خوفاً من رصاص القناصة الإسرائيليين الذين يعتلون أبراجاً عسكرية يتربصون لكل جسم يتحرك حولهم.
إبراهيم أبو شتات: مين فينا قادر يوصله؟ هذه الخطوات اللي أنا خطيتها صدقني من شهور طويلة ما خطيتها ولا وصلت المنطقة هذه غير الحين، حتى يوم قبل حوالي أسبوعين تلاتة مات جاري هذا والله ما قدرت آجي أعزيهم هاي، والله ما قدرت آجي أعزيهم. هذا هو حال الناس ليش ما (…) جيراننا وما بنعزيهمش، لكن موت هذا مين قادر يجي موت، توصل لسؤال لا بيتطلع فيك ولا بيشوفك ممكن يطلق الرصاص.
سمير أبو شمالة: بيت أبو شتات واحد من آلاف منازل العائلات الفلسطينية التي دمرتها إسرائيل منذ بداية الانتفاضة، علاوة على آلاف آخرين جُرفت أراضيهم ومزروعاتهم وأصبحوا لاجئين على أرضهم من جديد تحت رحمة وكالة الغوث الدولية، التي قامت بتوفير أعداد من الخيم لهم إلى حين توفير منازل يسكنون فيها، وتوفير احتياجاتهم المادية، خاصة وأن هذه العائلات لا تمتلك مصادر رزق بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية إلى أدنى مستوى لها في الأراضي الفلسطينية منذ احتلال إسرائيل لها عام 67.
عقيل أبو شمالة ( برنامج الإغاثة بوكالة الغوث/ غزة): وكالة الغوث الدولية من اللحظات الأولى والساعات الأولى تتعامل مع الناس بتوزيع الفرشات والخيام والفلوس النقدية والمساعدات الطارئة من مواد تموينية وكذلك، ثم متابعة هذه الأسر لتسكينها مؤقتاً بإيجار شقق وما شابه ذلك، إلى أن تقوم ببناء لهم مساكن لتسكينهم في أماكن أفضل أو آمنة، لأنه هذه المنطقة أصبحت محرمة الاقتراب منها والبناء بها.
سمير أبو شمالة: اللاجئون الفلسطينيون الجدد يعيشون حياة لا يمكن وصفها بالكلمات، لا ينامون الليل بسبب شبح الموت المخيم على مدنهم وقراهم في كل لحظة، وما صوت جنازير الدبابات القادمة لهدم ما تبقى من بيوتهم فوق رؤوسهم وأصوات أزيز الرصاص الموجه إليهم إلا جزء يسير مما يواجهون.
إبراهيم أبو شتات: وين نروح؟ فإحنا مجبرين إنا نعيش في الموت هذا ونقعد زي ما أنت شايف، الدبابة قدامنا، والطخ في الليل فينا، وخراب الديار هذا كل اللي بيحصل ليه.. ليه.. ليه.. ليه، والبني آدم بيموت اليوم وبينقتل وعشر وألف بيموتوا ما فيه إلهم ذكر تسمعه حتى في نشرة أخبار.
سمير أبو شمالة: كارثة إنسانية جديدة يعيشها المواطنون الفلسطينيون في مخيم رفح، فمنذ بداية الانتفاضة لم يتوقف الاحتلال الإسرائيلي عن هدم المنازل الفلسطينية، إذ هدم في أحد الأشهر 85 منزلاً، وفي الشهر الذي تلاه 75 منزلاً مما يشير إلى مواصلة السلطات الإسرائيلية انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني بشكل لم يسبق له مثيل.
عقيل أبو شمالة: حوالي 1300 أسرة تم صرف لهم مساعدات نقدية للإيجار من قِبل وكالة الغوث الدولية، وفي ليلة واحدة تم تهجير 300 أسرة أثناء القصف الإسرائيلي، وكما ترى البيوت واضحة جداً لا يوجد بها أحد من إطلاق النار الدائم واللحظي وكل دقيقة وكل ساعة.
سمير أبو شمالة: وكالة الغوث الدولية التي قلصت خلال الفترة الماضية ميزانيتها المخصصة لمساعدة الفلسطينيين قامت ببناء نحو مائة منزل لمن هدمت منازلهم، حي جديد أقامته الوكالة أطلق عليه ساكنوه حي بدر الذي أُنشِئ على أراض تبرعت بها السلطة الوطنية الفلسطينية في محاولات لحل قضية المهجَّرين الجدد. وناشدت الوكالة المجتمع الدولي بضرورة إنقاذ وضعها المتردي مادياً ومعنوياً وإنسانياً، خاصة وأن قطاع غزة من أكثر مناطق العالم اكتظاظاً بالسكان مقارنة بمساحته الصغيرة، والفقر المدقع يجعل سكانه يعيشون في وضع اقتصادي مزرٍ وفي منازل يمكن أن يطلق عليها أي وصف باستثناء وصف بيوت.
مجيد الآغا: سلطة ما وسعها الجهد في أي مجال نقدمه فمثلاً البناء اللي كانوا يسكنوا في الوكالة ودمرت بيوتهم نقدم أرض من السلطة، ثم تقوم الوكالة بالبناء للأهالي.
عقيل أبو شمالة: تم تقديم أو عرض أو منح للوكالة أراضي الآن بعد الـ 45 دونم في هذه المنطقة 88 دونم آخرى سوف تقوم وكالة الغوث الدولية بإنجاز المشروع، المرحلة الثالثة والرابعة لإسكان المشردين أو الذين تم هدم بيوتهم من قِبل الاحتلال الإسرائيلي في المرحلة القادمة والتي أؤكد عليها أيضاً تحتاج إلى تمويل ودعم سريع.
سمير أبو شمالة: وفي حي مجاور لموقع عسكري إسرائيلي جديد نجا أربعة من أفراد عائلة فلسطينية تتكون من أربعة عشر فرداً حيث داهمت الجرافات الإسرائيلية سكان المنزل وأمعنت به تهديماً فوق رؤوس ساكنيه، يحدث هذا في بداية الألفية الجديدة وفي الوقت الذي يصم فيه كثيرون آذان العالم في الحديث عن نظام عالمي جديد لا يراه الفلسطينيون كذلك على الإطلاق.
ماجدة أبو حسين (إحدى ضحايا سياسة الهدم الإسرائيلية): كنا نايمين في الدار سمعنا صوت الدبابة والطخ والجرافات تحت الشباك، قلنا: لأ يمكن مش جايين يهدموا الدار، جايين يعني يفتشوا على سراديب أو على أي حاجة عادي، ولما شوفنا الدبابة بتزق الحيطة علينا وكنا لسه قاعدين، أشي شرد وأشي ظلوا تحت الأنقاض، أنا ظليت من هنا تحت الأرض وابني انكسر سنه وإيده وراسه.
سمير أبو شمالة: وبالرغم من الواقع المرير لأبوشتات وآلاف الأسر الفلسطينية الأخرى من جراء ممارسات قوات الاحتلال الإسرائيلية العدوانية المتواصلة في الأراضي الفلسطينية إلا أنهم يهتمون بما يدور حولهم من أحداث سياسية في المنطقة.
إبراهيم أبو شتات: أنا والله ما أنا شايف حتى ولو بصيص أمل، أنا بيتهيأ لي يستنوا نكبة العراق عشان يوصل لهم حل أو يحصل لهم حاجة، يستنوا نكبة العراق والله حجب وتخلص النكبة كمان عشان يحصل لها الناس حل.
سمير أبو شمالة: وإلى حين التأثير في نفوس الناظيرين إلى هذه المدينة المنكوبة تتواصل جرائم قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق السكان المدنيين الفلسطينيين وممتلكاتهم ومنشآتهم كمّاً ونوعاً، بحيث لم تترك منحى من مناحي حياة المجتمع الفلسطيني إلا طالته بعدوانها.
سمير أبو شمالة – ( الجزيرة)- من مخيم رفح الجنوبي – قطاع غزة.
[فاصل إعلاني]
محمد خير البوريني: ونعرض مشاهدينا في سياق هذه الحلقة مجموعة من رسائلكم، الرسالة الأولى بعثها المشاهد محمد السفاريني يطلب فيها عرض موضوع حول مرض الالتهاب الرئوي اللانمطي المنتشر في شرق آسيا، ويقول: إذا وصل هذا المرض إلى وسط إفريقيا سوف يموت ملايين من سكان العالم، لأن تلك الدول لا تملك إمكانيات طبية لمكافحة مثل هذا المرض.
نشكر المشاهد ونحن بصدد إنجاز موضوع يتحدث عن هذا المرض نرجو أن تتمكن من مشاهدته في وقت قريب ومن السويد بعث أيوب شبلي رسالة يطلب فيها طرح ما يتعرض له المسلمون من مضايقات في عدد من دول العالم، وتحدث عن إحراق أقدم وأكبر مسجد في السويد على يد مجهولين في سابقة هي الأولى من نوعها في السويد، حيث يقول المشاهد: لا نعرف من فعل هذا، والتحقيق لا يزال قائماً، ونرجو ألا يكون ذلك من فعل فاعل وإن كان أحدهم قد رسم نجمة داوود على الجدار الخلفي للمسجد الذي تم إحراقه، وذلك في إشارة إلى إمكانية تورط متشددين أو إرهابيين يهود في مثل هذه العملية.
نقول للمشاهد: إننا كنا قد أعددنا مجموعة من الموضوعات من السويد وقد عالجت جانباً من قضايا العرب والمسلمين هناك، وسوف نحاول مجدداً طرح موضوعات جديدة من السويد.
رسالة أخرى بعثها من هولندا المشاهد اللاجئ زياد العراقي كما عَرَّف بنفسه، يقول زياد: أرجو تسليط الضوء على العراقيين في أوروبا والعودة إلى الوطن، ويسأل: هل غيَّر الأردن تعليماته بخصوص دخول اللاجئين العراقيين في أوروبا الذين يحملون جوازات سفر مؤقتة إلى الأردن؟ كما أعددنا موضوعاً يا زياد حول عودة العراقيين في إيران إلى بلدهم، سوف نعمل على إعداد موضوع مماثل من أوروبا نرجوا أن تتمكن من مشاهدته.. أما حول سؤالك بشأن إلغاء أو عدم إلغاء الأردن لتعليماته حسب وصفك بشأن دخول العراقيين من حملة الوثائق فليس لدينا معلومات حتى الآن بهذا الشأن ويجب التأكد من الأمر.
من موريتانيا هذه رسالة من المشاهد سيد أحمد بكاي ويطلب تسليط الضوء على ما يقول إنه الأوضاع السيئة التي يعيشها الطالب الموريتاني في جامعة نواكشوط لا سيما ما يتعلق بمشاكل النقل والمنح الدراسية المحدودة، وكذلك المنهج التدريسي الذي يقول: إنه أكل الدهر عليه وشرب. لقد أجبنا في حلقة سابقة على رسالة مماثلة تقريباً تحدثت عن مشكلات النقل في موريتانيا وقلنا في حينه إن قضايا كهذه على أهميتها الكبيرة تبقى محلية بحتة وبإمكان وسائل الإعلام المحلية المرئية والمسموعة والمقروءة في أي بلد كان أن تتناولها، ونحن بصدد إنجاز موضوعات عديدة من موريتانيا سيتم عرضها لاحقاً.
ومن موريتانيا أيضاً هذه رسالة طلب مرسلها إجراء تحقيق عما وصفها بانتهاكات حقوق الإنسان هناك وقضية الأئمة الذين دُفِعت اشتراكاتهم غيابياً في شقق السجون الفسيحة حسب تعبيره بسبب كلمة حق زلت بها ألسنتهم على منابر مساجد يراد انتزاع ملكيتها من القائل: المساجد لله، وقد أدت تلك الإجراءات – حسب رأي المشاهد- إلى تنامي نفوذ تنظيم القاعدة بين التجار والطلاب وغيرهم حسب قوله. نجيب المشاهد بأنه لا يمكن الحديث في مثل هذا الأمر قبل إجراء دراسة على أرض الواقع، ونرجو أن نتمكن من ذلك.
أبو عبد الله باشا الخضري من ليبيا يطلب عرض أحوال العراقيين والمسلمين في الشيشان وما يعانون من جوع وفقر، نُذكِّر المشاهد بأن ( الجزيرة) تابعت الملفين المذكورين بكل التفاصيل ومازالت تتابع على كل الصُّعد على الرغم من كل العراقيل والصعوبات، كما تابع برنامج (مراسلو الجزيرة) ما استطاع العديد من الموضوعات الواردة من هناك وسوف تشاهد المزيد على الدوام، وهنا لابد من الإشارة إلى الصعوبات الاستثنائية والقصوى التي تواجهنا في إعداد موضوعات من الشيشان بسبب إجراءات السلطات الروسية.
مشاهدينا الكرام نكتفي بهذا القدر من الردود على رسائلكم حسب ما سمح به الوقت، ونتابع معكم البرنامج.
جانب من معاناة أسرة فلسطينية في نابلس
ونعود مرة أخرى إلى فلسطين، ولكن إلى مدينة نابلس التي تصدت عبر التاريخ كغيرها من المدن الفلسطينية لغزوات الغزاة والمحتلين وساهمت بفاعلية كبيرة في رد الكيد إلى نحور أصاحبه وتكبيدهم خسائر فادحة، حتى أُطلِق عليها اسم جبل النار نسبة إلى طبيعتها الجغرافية وشدة مقاومة أهلها للغزاة وحرق الأرض تحت أقدامهم.
مخيم بلاطة ليس تاريخياً من حيث القدم، ولكن صفحات التاريخ السوداء لعبت دوراً في تكوينه منذ اقتلاع مئات آلاف الفلسطينيين من أرضهم وهدم ديارهم وتشريدهم قبل إنشاء إسرائيل في عام 48 من القرن الماضي.
قبل ذلك ومنذئذٍ وحتى يومنا هذا ذاق الفلسطينيون صنوف القتل والعذاب والقهر والحرمان والبطش والمرض ومحاولات الإذلال سواء على يد المستعمر البريطاني أو الاحتلال الإسرائيلي.
أدهم وعائلة أدهم مثال واحد بسيط على كارثة الفلسطينيين الإنسانية بسبب الاستعمار والاحتلال وذلك على الرغم من محاولات مؤسسات الأمم المتحدة ذات الصلة تقديم أنواع من العون والرعاية لأبناء الفلسطينيين إلا أن احتياجاتهم الإنسانية مازلت تفوق بدرجات كبيرة ما يقدم لهم، جانب من نكد عيش شريحة كبيرة من الفلسطينيين تحت الاستعمار والاحتلال في تقرير جيفارا البديري.
![]() |
تقرير/ جيفارا البديري -الضفة الغربية- فلسطين: مدينة نابلس ثاني أكبر المدن الفلسطينية لم تكن إلا أحد الأهداف الاستراتيجية لنيران قوات الاحتلال الإسرائيلي، الدليل على ذلك هو عملية التدمير الممنهجة التي مارستها، التاريخ والبشر و الحجر لم يشكل للقوات الإسرائيلية خطوطاً حمراء، والحصار الذي يطوق المدينة وقراها ومخيماتها جعلت من حياة البشر لا ترقى إلى أدنى مستويات الحياة الإنسانية. صعوبة التجول في أحياء المدينة دفعنا لشد الرحال إلى مخيم بلاطة للاجئين، وجدنا ما لا يصدقه العقل في القرن الحادي والعشرين، صورة المخيم لم تختلف منذ ما يزيد عن الخمسين عاماً، لكن المعاناة اختلف شكلها وتعددت صورها. أدهم طفل تجاوز الثالثة عشرة من العمر، لكن حجمه لا يدلل على بلوغه الخامسة، السبب فقر الدم، النتيجة ضعف في البصر، وقلة في الاستيعاب وتعب متواصل يمنعه من اللعب لأكثر من عشر دقائق.
في الصف المدرسي يجلس وسط زملائه، يحاول القراءة أو بالأحرى يجاهد، ورغم كل ذلك تبقى لأدهم أحلامه الخاصة.
طب أنت أيش حابب لما تكبر تصير؟
أدهم أبو عيشة (طفل فلسطيني مريض بفقر الدم الحاد): زي عامل أو طبيب.
جيفارا البديري: ليش طبيب؟
أدهم أبو عيشة: يعني هادا أصير دكتور هون.
جيفارا البديري: طب ليه.. ليه دكتور؟ خاي.. يعني حاسس إنه أنت بدك دكتور عشان يظل معك فهذا لما تكبر عشان الأطفال اللي زيك ما يصير زيهم؟
أدهم أبو عيشة: آه.
جيفارا البديري: أيش..؟ احكي لي.
أدهم أبو عيشة: عشان ما يصيروش مثلي أو هيك.
جيفارا البديري: أيش بدلك؟ كيف.. مالك أنت؟
أدهم أبو عيشة: عشان سناني والدم.
جيفارا البديري: تحس حالك تعبان، طب ولما بتدرس كيف بتكون تعبان، يعني ما بتقدرش تقرأ كتير؟
أدهم أبو عيشة: بأقدر أقرأ كتير مرات.. مرات لهنا بأقرأ.
جيفارا البديري: وبعدين؟
أدهم أبو عيشة: وبعدين بأروح أسمعه بالصف مرات.. ومرات بيقولوا لي ممتاز أو هيك.
جيفارا البديري: طب ولما بتطلع تلعب مع اولاد صفك بتحس حالك تعبان؟
أدهم أبو عيشة: آه من هنا بيصير أشي يوجع، ومرات أنا بأتريح شوية لما أتعب.
جيفارا البديري: أدهم ليس الطفل الوحيد في معاناة من هذا النوع، فعشرات التلاميذ يعانون من أمراض تفشت لأسباب عدة.
مدير إحدى مدارس وكالة الغوث الدولية: في الآونة الأخيرة بعد انتفاضة الأقصى وتوقف القسم الأكبر من العمال عن العمل بدأ يظهر عندنا عامل الفقر جلياً على الأطفال، فكنا نلمس هذا الشيء من المظهر الخارجي للطلاب من ملابس وأحذية، عدا ذلك أنهم كثرة الأمراض من الرشح والأنفلونزا التي لا تتابع بشكل جيد، لأنها تعتمد بالدرجة الآولي على عيادات الوكالة، وهذا يعني يحدث مع عدد ليس بالبسيط من الطلاب حقيقة يعني، وحتى نحن نشعر إنه بعض الطلاب أجسامهم بدأت تبدو أنها أقل مما يجب.. أقل مما يجب، والغذاء ليس يكون بالشكل الكافي، بعض الطلاب يحدث عندهم حالة غثيان في بداية الدوام، لأن بعد ما نتابع الأمر نسأل شو عن الأسباب بيقول إنه جاي من.. من دون وجبة الإفطار وممكن يأخذ فترة الاستراحة وما يكونش معاه ثمن حق سندوتش الفلافل اللي بده يأكلها أو.. أو الوجبة البسيطة اللي بياكلها أثناء الاستراحة.
جيفارا البديري: أدهم يخرج من المدرسة لترافقه عمته الصغرى إلى عيادة المخيم، هذه العيادة المتواضعة التي تشرف عليها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأنوروا)، هنا يخضع أدهم لفحص دوري لرفع نسبة قوة دمه من 5 إلى 13 وهو المعدل الطبيعي، خاصة وأنه يضطر أحياناً لأخذ وجبات من الدم.
طبيب عيادة وكالة الغوث في مخيم بلاطة: أدهم إيجي عندنا في فترة الحصار في.. في فترة منع التجول، وأنا قعدت 3 أيام حتى قدرت أوصله على المستشفى، لأنه كان دمه 4.9 وكان لازم ياخد وحدة دم، فثلاثة أيام ما قادر يروح، ما قادر يصل على المستشفى من مخيم بلاطة لنابلس ما قدرت أوصله، بعد ثلاث أيام كان وصل هناك وحطوا له دم، طبعاً هذا بيؤثر لما الطفل يكون فترة طويلة للدم بتاعة 4.9 بالتأكيد يعني القلب عنده بيتعب والتنفس بيتعب والكلى ما بتشتغل كويس، كل أشي، و.. و المخ كمان ما بيشتغل منيح، كل جسمه بيختل.
جيفارا البديري: ليتضح أن أدهم واحد من مئات الطلبة الذين يعانون من فقر الدم، والذي تعود أحد أسبابه إلى الفقر.
الفقر ليس عيباً، هكذا يقول الأطفال الفلسطينيون، جيل المستقبل الذين يرون أن مقاومة الاحتلال وإزالته سيكون من أحد الأسباب الرئيسية لإنهاء الفقر وقهره وكافة الآفات المرتبطة به مهما كان شكلها.
طبيب عيادة وكالة الغوث في مخيم بلاطة: لا يمكن تجاوز مشكلة سوء التغذية بدون ما نحل مشكلة الفقر، وطبعاً مشكلة الفقر بتيجي بسبب الوضع السياسي اللي هو كوضع عام والوضع الاقتصادي بتوفير فرص عمل، بالإضافة للتعليم وما إلى آخره، يعني إحنا قبل.. قبل الانتفاضة كان المتوسط العام للمراجعين في العيادة على مستوى الشهر بحدود 4500 لـ 5500 مريض مراجع، بفترة الانتفاضة وصل عندنا العدد لـ 12 ألف بالشهر، يعني هذا الحكي يعني أضعاف.. يعني الضعفين ومرات 3 أضعاف عدد المراجعين.
جيفارا البديري: الاحتلال الإسرائيلي يفرض حصاراً مشدداً يُطوِّق محافظة نابلس وغيرها من المحافظات الفلسطينية بالكامل، الأمر الذي يمنع العمال من الوصول إلى أماكن عملهم وتأمين قوت أطفالهم اليومي، كما يمنع المرضى من الوصول إلى المستشفيات إضافة إلى منع إدخال الدواء والأطباء إلى المناطق المنكوبة.
طبيب عيادة وكالة الغوث في مخيم بلاطة: كثير من الحالات، دي كثير من الفترات الزمنية لما إحنا بنتنقل يعني من محل لمحل يعني بنوقف على الحاجز مرات نوقف خمس دقائق، مرات عشر دقائق، مرات ربع ساعة أو أكثر، ومرات يعني من بعيد، يعني سيارة الحاجز أو أشي بيقول لنا ارجع، يعني مش دائماً إحنا بنقدر نتنقل أو نقدر نعبر أي حاجز فيه فترات زمنية بتمر إنه بيجي يعني الحاجز بيرجعنا.. ما فيه إمكانية ارجع ارجع.
جيفارا البديري: أدهم يُعد مثالاً نموذجياً لأصناف المعاناة تلك، تجربة شقيقه عبد الفتاح تشبهها في المعاناة، وتختلف عنها في الشكل، إذ أصيب بإعاقة دائمة بسبب صعوده فوق دبابة إسرائيلية.
عبد الفتاح: أنا مرة اتصبت وأنا طالع على الدبابة انكسرت رجلي، ومرة اتصبت بظهري عند الشامة، ووجدت بـ 3 فقرات.. كسرت 3 فقرات، رصاصتين 250.
جيفارا البديري: عبد الفتاح لا يختلف عن غيره من مئات الأطفال الذين أصيبوا بإعاقات كاملة أو غير كاملة دائمة أو مؤقتة، والوضع المأساوي في المنزل يزيد من تعقيدات الأمور. عائلة أبو عيشة يزيد عدد أفرادها عن الثلاثين يقطنون في بناية من طابقين هي حصاد 50 عاماً، هو الزمن الذي قضاه الشيخ أبو خليل في بيع الجرائد. الشيخ أبو خليل ضرير منذ 25 عاماً، ومع ذلك فهو يبصر نابلس بقدميه ويعرف السكان وينادي بصوته المضطرب.. لكن ما يجنيه أحياناً لا يكفي حتى لشراء رغيف خبز يسد الرمق.
عبد الفتاح أبو عيشة (جد الأسرة وبائع صحف متجول في المخيم): (…) هو كل يوم كل يوم أكل كل يوم كل يوم طبيخ، لأ، يوم فلافل يوم حمص يوم طبيخ يوم تبة فول بطاطا.
جيفارا البديري: عم.. عم أبو خليل المصاري اللي بتجيبها بتكفي يعني للحمة وحليب وكل هاي الشغلات؟
عبد الفتاح أبو عيشة: مش كل يوم الحليب، كل يوم بعد يوم أمشي 2 كيلو للحليب مثلاً مش كل يوم فواكه، مش كل يوم مثلاً يوم خضرة، يوم.. يوم لحمة، يوم بندبر بها.. بها المعيشة.
أبو أدهم أبو عيشة ( عاطل عن العمل من سكان مخيم بلاطة): والله فيه أيام يعني في أيام ما بأصرف عليهم صراحة، يعني ما فيه.. فيه أيام بأقطع مصروفهم على أساس ألبي احتياجاتهم و.. وأطعمهم طبعاً، يعني أكثر من هيك ما بأقدر إني أصرف عليهم يعني.
جيفارا البديري: الزائر الجديد في المنزل هو حَكَم الذي لم يتجاوز عامه الأول، حكم هو الدليل على أن الأمل باق في المستقبل، فحكم هو الاسم الذي كان يحمله الشهيد حكم عمهم الضابط في الأمن الوطني الذي اغتالته قوات الاحتلال عند مدخل المخيم، فالجد يتحدث عن الماضي والأب يرغب في أن يعيش الحاضر، والأبناء وحدهم الذين يبحثون عن المستقبل.
عقود مضت ولا يزال الاحتلال الإسرائيلي جاثماً فوق هذه الأرض، لكن الفلسطينيين يجعلون من كل فجر يوم جديد يومَ تحدٍ يحاولون أن يدوسوا من خلاله على آلامهم وجراحهم للوصول إلى المستقبل الذي يرون أنه سيكون مشرقاً مهماً كان حجم الصعاب..
جيفارا البديري – لبرنامج ( مراسلو الجزيرة)- من داخل مدينة نابلس المحتلة – فلسطين.
محمد خير البوريني: إلى هنا نأتي مشاهدينا إلى نهاية هذه الحلقة من البرنامج، يمكن لجميع المشاهدين الكرام أن يتابعوا تفاصيلها بالصوت والنص والصورة عند البث من خلال موقع (الجزيرة) على شبكة الإنترنت، كما يمكن مراسلة البرنامج أيضاً عبر البريد الإليكتروني على العنوان التالي:Reporters@aljazeera.net
أو من خلال العنوان البريدي على صندوق بريد رقم 23123 الدوحة قطر، وكذلك من خلال الفاكس على رقم 4860194، في ختام هذه الحلقة هذه تحية من مخرج البرنامج صبري الرماحي وفريق العمل، وهذه تحية أخرى مني محمد خير البوريني، إلى اللقاء.