الشقاء داخل المخيمات الفلسطينية وفيلم تركي عن الأكراد
مقدم الحلقة | محمد البوريني |
تاريخ الحلقة | 07/07/2001 |
– معاناة المخيمات الفلسطينية
– حقوق الأكراد الثقافية والسياسية في تركيا
– الجدل الدائر حول لعبة البوكيمون في العالم الإسلامي والعربي
– قبائل الماساي وأساطيرهم وانتخاباتهم
![]() |
|
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
محمد خير البوريني: مشاهدينا الكرام، أهلاً وسهلاً بكم معنا إلى حلقة هذا الأسبوع من برنامجكم (مراسلو الجزيرة).
نبدأ هذه الحلقة بتقرير يتحدث عن نقطة واحدة من بحر نضال وألم وشقاء المخيمات الفلسطينية التي كانت ومازالت عماداً من أعمدة الكفاح الفلسطيني منذ النكبة الأولى والهزيمة الثانية التي قيل آنذاك أنها أخجلت الأنظمة العربية فأطلقت عليها اسم "النكسة"، في محاولة فاشلة للتخفيف من وقع الكارثة والالتفاف على سخط ونقمة الشارع العربي.
وفي تقرير آخر نشاهد ما يمكن أن يسمى بالتطور في موقف الحكومة التركية بشأن حقوق الأكراد الثقافية والسياسية، وكيف سمحت أنقرة -في سابقة لا مثيل لها- بعرض فيلم يتناول جزءاً من مأساتهم ويتحدث باللغة الكردية المحظورة منذ تأسيس الجمهورية التركية.
وبعد الرد على عدد من رسائلكم نشاهد معاً تقريراً حول ما دار من جدل بشأن لعبة "البوكيمون" وما أثارته من قلقٍ في الأوساط الدينية والاجتماعية في العالمين الإسلامي والعربي، وكيف وصل الأمر إلى إصدار الفتاوى بشأنها.
ثم نتحول أخيراً إلى الحدود الكينية التنزانية حيث قبائل "الماساي" البدائية التي نسجت حولها الكثير من الأساطير والحكايا، ونرى كيف يختار أفرادها شيوخ قبائلهم عن طريق الانتخاب، ولكن على طريقتهم الخاصة وفق شروط ومعايير محددة.
أهلاً بكم معنا إلى أولى فقرات هذه الحلقة.
معاناة المخيمات الفلسطينية
كانت المخيمات الفلسطينية ومازالت عماداً من أعمدة النضال الفلسطيني منذ نكبة عام 48 مروراً بهزيمة حزيران، وما تلى ذلك من أحداث ومصائب وقعت على رؤوس أبناء الشعب الفلسطيني. قدمت المخيمات الفلسطينية آلاف الشهداء والجرحى والأسرى، وعانى عشرات الآلاف من أبنائها صنوف الاعتقال والتعذيب في السجون الإسرائيلية والعربية أيضاً، وتخرج من مدارسها النضالية مجموعة من خيرة القيادات الوطنية، سوف نشاهد مقطعاً واحداً من مسلسل طويل يعيشه سكان المخيمات الفلسطينية في الداخل تحت وطأة الحصار والإغلاق، ونتحدث عن جزء من احتياجاتها الإنسانية القصوى وما تحتاجه من دعم استثنائي وعاجل حتى نتمكن من مواصلة الصمود نيابة عن أمة بأسرها حالها حال بقية مدن وقرى فلسطين، إنهم يناضلون هناك جياعاً وبحد يكاد لا يذكر من مقومات الصمود، ولكنهم صامدون.
التقرير التالي كنت قد أعدته أثناء و جودي في فلسطين قبل وقت وجيز.
بعد منعهم من العمل في إسرائيل واندلاع الانتفاضة وتضرر جميع قطاعات العمل الفلسطينية في الضفة وغزة مئات آلاف العمال الفلسطينيين يعيشون دون مداخل مادية تقي عائلاتهم شرور الحاجة والحد الأدنى من مقومات الحياة، لا سيما أولئك اللاجئين القابعين في المخيمات بعد اقتلاعهم من وطنهم في عام 48. مخيم (الأمعري) في الضفة مثال حي على واقع اللاجئين والفلسطينيين عموماً تحت الإغلاق والحصار الإسرائيلي وظروف الانتفاضة.
و أبو العبد مثال من أمثلة كثيرة لا يمكن لنا إحصاؤها، لاجئ من مدينة (اللد) يُقيم في هذا المخيم منذ ما يزيد على خمسين عاماً، أب لأسرة كبيرة يعاني من شلل نصفي عمودي في جسده، مبتور القدم بسبب مرض السكر، قطعت عنه وكالة غوث اللاجئين جميع أنواع الإعانات معتبرة أن أبناءه يعملون، وفي الحقيقة أنهم عاطلون عن العمل.
يعيش أبو العبد مع جميع أفراد أسرته في أحد منازل المخيم.
أبو العبد: والله لولا الله والناس يعني الخيرين إذا أفضالكم على كله حال يعني بيعطونا هذا 50، شيكل هذا 20 شيكل، اللي الله بيقدرهم عليه، هذا عايشين من أيدين العالم، هذا حياتنا حياة، يعني عاجز بالمرة أنا، يعني لو بأموت من الجوع مش مشكلة، المشكلة إني ما أقدرش أوقف على حيلي عن التخت وأوقف حيلي على رجلي ما أقدرش أوقف بالمرة، بالمرة هذه إيدي أهيه بدون ولا أي حركة بالمرة، اضطر أرفعها بإيدي هذا رافع إياها، بعدين مركبيني طاله.. مراكبيني كمان هاي أهه مراكبيني كمان (بربيج) هاي، هاي داخلي السلك والهذا من شان البول مفيش شد يعني، يعني عجز بأقول لك 100%، يعني أنا.. أنا ميت بالحيا.. مدفون بالحياة.
محمد خير البوريني: زوجته أم العبد تعاني من جلطة دموية أقعدتها في الفراش، عفة النفس جعلتها تتردد كثيراً في الحديث (للجزيرة)، وقالت: إن الشكوى لغير الله مذلة.
زوجة أم العبد: ما بدناش نحكي هذا الكلام يعني نقوله، خلاص خلينا مستورين ولا نقول ولا شي والرزق على الله، أيش بدنا نسوي؟! 100..، 100 دولار أخدتها حطيتها للحكيم، أدوني إياها عشان جوزي قاعد قلت لهم: ادوني، ادوني، ادوني 100 دولار، أدينت 100 وحطيتها عليها، و 150 للإسعاف، وللصورة مش عارفة 600، و 600 كمان للمستشفى، منين أروح أجيب أنا؟! هذا كلايته أدينته من الدور، من النسوان من جيراننا خدته، هذه 200، هذه 100، هذه هيك وهاي.. مفيش، مديونة صرت لكل الناس مفيش آكل، وقية حليب أشربها وأنا عيانة، بدي أجيب دكتور مفيش بدي أجيب مالنا أجيب، ولد عندي إله عيلة الولد عزب قاعد بيشتغل 30 شيكل اليوم، ويوم قاعد، يعني 10 أيام بيقعد ويوم بيشتغل، عند العرابي يوم واحد، يومين 30 شيكل والله، 30 شيكل فوط وبدنا فوط إله أو إبر أو دكتور أو بربيج أو أيش بَّدي أسوي أنا بـ 30 شيكل باليوم؟ وكله جمعة مفيش يشتغل غير 30 شيكل بيجيب لي، منين أروح أجيب أنا؟ أنا مش مقدرة، أيش بدي أسوي؟!
محمد خير البوريني: صلاح نجل أم العبد وأبو العبد كان يتقاضى من عمله في إسرائيل بضعة مئات من الدولارات شهرياً، ولكن دخله انخفض إلى الصفر منذ بداية الانتفاضة، صلاح أب لخمسة أطفال ويعيش مع أسرته تحت سقف واحد.
صلاح أبو العبد: والله اليوم اللي بنتعشى.. اللي بنفطر فيه وبنتعشى فيه بنخلي الغدا بنوفره لتاني يوم، واليوم نتغدى فيه وبنفطر فيه بنخلي العشا لتاني يوم نفطر فيه، هيك حياتنا من يوم الأحداث لليوم، هيك بنمرقها، أيش بدنا نسوي؟ هي الدنيا كليتها هيك معانا.
محمد خير البوريني: حياة المخيم الاقتصادية لا تختلف كثيراً عن الحياة في أي بقعة فلسطينية أخرى، أكانت تحت السيطرة الإسرائيلية أو تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، فحتى المقاهي لم تعد مكاناً معتاداً للغالبية الساحقة من مرتاديها بسبب عدم امتلاك المال اللازم لإنفاقه فيها على كأس من الشاي أو حتى فنجان من القهوة العربية، أو للعب الورق. أزقة وبيوت بُنيت بأقل التكاليف وكثير من أصحابها لا يستغنون بعد عن الصفيح لانخفاض ثمنه، وأطفال يلهون بشيء ما في بعض الطرقات، وآخرون منهم لا يجدون ما يلعبون به.
مخيم (الأمعري) في الضفة الغربية تكاد تخلو طرقاته إلا من أطفال الأزقة والحواري الضيقة التي تتسع بالكاد لمرور سيارة واحدة باتجاه واحد، وبعضها لا يتسع، ولكن على الرغم من ضيق المساحات إلا أنها تحمل في جنباتها وواجهات بيوتها تراكمات يومياتها منذ خمسين عاماً ويزيد، حتى تحولت معظم جدرانها إلى لوحات رسمت عليها خرائط فلسطين التاريخية وشعارات وطنية، وأعلام فلسطين، وصور شهداء الانتفاضة، وأسماء تنظيمات تقاوم الاحتلال.
عينة أخرى عشوائية أبو حسام وأم حسام وخمسة أطفال آخرين يعيشون في حجرة واحدة في مخيم الأمعري. رب الأسرة يُعاني من أمراض الصرع والضغط ومرض السكر، هو الآخر شبه عاطل عن العمل ولا يجد ما يسد احتياجات أسرته.
أبو حسام: والله بتعرف يعني بعض مرات الواحد بياخد شغلة عاملة بيطلع رام الله بيبيع بـ 20 شيكل، بـ 30 شيكل بنتداين من هذا، بنتداين من هذا، شو بدنا نسوي؟ لحد ما الله يفرجها.
محمد خير البوريني: زوجته أم حسام تعمل في مجال العمل الاجتماعي متطوعة دون مقابل، جريحة سابقة تتحدث بمرارة عن صعوبة حياة أسرتها اليومية، وتدعو إلى استمرار الانتفاضة، و تعبر عن أمنيات فلسطينية.
أم حسام: بدنا إحنا لو كمان قد اللي ضحيناه بس المهم ناخد اللي بدنا إياه، اللي طلبناه وحقوقنا ناخد اللي بدنا إياه، نرتاح سنة وسنتين ونرجع، لأ، بدنا على طول نبقى مرتاحين، أنا هيك بأتمنى، بأتمنى إن إحنا ندافع لو كمان، يعني كمان 10 سنين لقدام وإن ما ظلش عندنا حدا وكل أشي ونرجع يعني ناكل خبزة ناشفة، بس إحنا ما نخليش نظلنا إحنا مسيطرين على الوضع، وإحنا -إن شاء الله- اللي نفوز، وإحنا اللي ننتصر بإذن الله، ونرجع على القدس ونصلي بالقدس -بإذن الله- ونرجع، يعني هيك أنا بأتمنى، بأتمناش إن أنا آكل وأشرب وأنا.. وأنا.. لا، ولا بأتمنى داري تتنلي [تمتلئ] ليرات وأنا وضعي، لأ، أنا بأتمنى خبزة وملح أكلها، بس أحقق مطالبنا، اللي إحنا الشعب الفلسطيني يبقى له اسم، ويبقى له كلمة، ويبقى القدس -إن شاء الله- والأقصى نصلي فيها -بإذن الله- وشكراً يا أخوي إلكم.
محمد خير البوريني: أما ولدها حسام فيعاني من ضعف في عضلات جسده أقعده عن الحركة منذ ست سنوات بسبب ملاحقة جندي إسرائيلي له أثناء عودته من المدرسة إلى البيت، رغم إصابته إلا أنه يتفاعل مع أحداث الانتفاضة ويتابع مجرياتها اليومية.
بتابع وضع الانتفاضة؟ أيش اللي بيصير كل يوم، أيش آخر الأخبار عندك؟
حسام: آخر الأخبار فيه شهيد.
محمد خير البوريني: آخر الأخبار فيه شهيد وين؟
حسام: في بيت لحم.
محمد خير البوريني: يشكو سكان المخيمات الفلسطينية من قلة الاهتمام بأوضاعهم الصعبة من قِبل مؤسسات السلطة الوطنية أو من قِبل الهيئات والمنظمات العربية والدولية على حدٍ سواء. فماذا تقول السلطة الفلسطينية؟
عبد قنديل (وزير الشؤون الاجتماعية الفلسطينية): التعامل مع هذه القضايا كل قضية تصل إلى مديريات الشؤون الاجتماعية في غزة والضفة الغربية يتم التعامل معها وفتح ملفات لها ويتم دراستها، ولكن الإمكانيات تبعة وزارة الشؤون الاجتماعية إمكانيات محدودة، لأنه إحنا يعني بنقدم خدمات لأكثر من 42 إلى43 ألف عائلة شهرياً يقدم لهم مساعدة نقدية، ومساعدة تموينية، وتأمين صحي، وخدمات تعليمية، وخدمات تأهيلية، وخدمات حياتية أخرى. إلا أن الوضع الجديد زاد عدد القضايا إضافة إلى إنه الحصار منع وصول المواد اللي بتوصلنا كمساعدة لتقديمها للمحتاجين.
محمد خير البوريني: مهما تكن الإجابات حال أفضل من حال، وحال أسوأ من حال، لكن جميع حالات الفلسطينيين تتشابه نسبياً في المخيمات الفلسطينية، تتشابه في البؤس والحرمان من أبسط حقوق الإنسان على أرضه.
حقوق الأكراد الثقافية والسياسية في تركيا
تلهث تركيا منذ عقود للدخول في عضوية الاتحاد الأوروبي، لكن ذلك يحتاج إلى تلبية شروط معينة من بينها: إعطاء القوميات المختلفة حقوقاً ثقافية وسياسية واسعة في الوقت الذي مازالت فيه (أنقرة) تمنع تعليم أو تدريس اللغة الكردية التي تنتشر بين ملايين المواطنين لديها كلغة قومية.
تقرير/ يوسف الشريف: فيما لا تزال تركيا تراوح مكانها على عتبة الاتحاد الأوروبي تستأذن بالدخول وتفاوض الأوروبيين من أجل ذلك على إعطاء الأكراد جزءاً من حقوقهم الثقافية، فاجأ فيلم كردي-إيراني الجميع بأن فرض نفسه بفضل مهارة مخرجه (بهمان جابادي) على الساحة السينمائية في تركيا بعدما حصد جائزة "العدسة الذهبية" في مهرجان كان السينمائي، دور عرض السينما في تركيا لم تستطع أن توصد أبوابها أمام هذا العمل الفني المتميز بالرغم من لغته الكردية المحاربة في تركيا.
فيلم "زمن الخيول الثملة" الكردي الذي يروي قصة مجموعة من أكراد إيران تحاول التسلل عبر الحدود إلى تركيا وتجنب حقول الألغام المزروعة هناك من خلال دفع خيولهم لتسير أمامهم، لقي إقبالاً جماهيرياً فاق كل التوقعات.
صباح الدين شتين (موزع الفيلم في تركيا): الإقبال كان كبيراً على الفيلم لدرجة أن دار العرض تتسع عادة لـ 200 شخص استوعبت ألفي متفرج خلال أسبوع واحد، ولذلك حجزنا دور عرض أخرى وطلبنا نسخاً إضافية من الفيلم.
يوسف الشريف: إلا أن الفيلم طرح في نفس الوقت إشكالية تعدد اللهجات الكردية واختلافها عن بعضها، إذ أن بعض أكراد تركيا ممن حضروا الفيلم لم يفهموا ما جاء فيه من أول مرة، وهم ما يدعم حجة أنقرة التي ترفض السماح بتعليم اللغة الكردية أو تداولها بسبب تعدد لهجاتها، بل وترفض الاعتراف بوجود لغة كردية أصلاً.
حسن كايا (مدير معهد العلوم الاجتماعية واللغات): منذ اتفاقية "قصر شيرين" عام 39 بين الدولة العثمانية وشاه إيران انقسم الأكراد إلى مجموعتين، الأولى في إيران والثانية هنا، وبعد اتفاقية "لوزان" توزعت المجموعة الثانية على سوريا والعراق وتركيا، وانقسامهم هذا خلق اللهجات المختلفة، وكل لهجة تأثرت بلغة الدولة التي يعيش فيها الأكراد، كما أن الأكراد أثروا في لغات هذه الدول.
يوسف الشريف: ورغم ذلك يرى كثيرون أن السماح بعرض هذا الفيلم في تركيا يعتبر خطوة على طريق الاعتراف بالهوية الكردية وحقوق الأكراد الثقافية، بعد إصرار طويل على إنكارها ومنع الأكراد من تعلم لغتهم أو إبراز هويتهم أو ثقافتهم، ذلك أن الجمهورية التركية الحديثة قامت على أساس فرض اعتبار كل من يعيش على أرضها تركياً ويتكلم التركية فقط، وذلك بحجة ضرورة دمج القوميات المتعددة التي تعيش في تركيا وتذويبها في القومية التركية للتغلب على أي نزعة انفصالية كانت قد عانت منها الإمبراطورية العثمانية وكانت مسؤولة -بحسب رأي الأتراك- عن تقلص رقعة إمبراطوريتهم وانحسارها. في حدود جمهوريتهم الحالية.
زميل يلماز (حزب الديمقراطي الشعبي-تركيا): في السبعينات أذكر أننا كنت نبحث عن الصحف التي تصدر في شمال العراق أو كردستان الجنوبي كما نسميه، لأنها تتحدث عن الأكراد، فيما الصحف التركية تتجاهل وجودنا، كنا نجتمع ونشير إلى تلك الصحف ونقول لبعضنا: أنظر هنا مكتوب كلمة "كردي".
يوسف الشريف: لكن يبدو أن تركيا بدأت اليوم تغير نظرتها تجاه الأكراد بعد انتهاء حربها مع حزب العمال الكردستاني دون أن يبدو مصير هذا التغير واضحاً. فهل هو قبول بالأمر الواقع وتمهيد بطيء للاعتراف بحقوق الأكراد الثقافية، أم هو مجرد مغازلة سياسية لأوروبا قد تنتهي في حال رفض الاتحاد الأوروبي مبادلة تركيا غرامها وحبها الذي هو من طرف واحد؟
جنكيز شاندار (مستشار الرئيس التركي الراحل ترغت أوزال): الحياة تتطور، والمعايير التي كانت سائدة في تركيا قبل 40 عاماً قد تبدلت، بل حتى 10سنوات ماضية كان الحديث عن الأكراد أو الكتابة عنهم جريمة، أما إذا كتبت اليوم عن الأكراد في تركيا فإنك تصبح موضعاً للسخرية من قبل الجميع، تذكر أننا كنا نُسمى أكراد شمال العراق "بشمرجه" و ليس أكراد، أم اليوم فكل من حزبي الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستانيين ممثل في أنقرة، ويتمتع أيضاً بصفة دبلوماسية.
يوسف الشريف: ومن جوانب هذا التغيير سماح أنقرة بإقامة احتفالات عيد النوروز الذي يعتبره الأكراد عيد الحرية والتغلب على قوى القهر والظلم، وذلك لاعتقادهم بأن هذا العيد هو ذكرى انتصار الحداد الكبرى الشاب (كان) على الملك الفارسي الظالم قبل آلاف السنين، كما جاء في أساطيرهم، وذلك بعد أن جمع حوله الأكراد في الجبال وقاتل جنود الملك وغلبهم واقتحم قصره وأشعل هذه النار رمزاً للانتصار. وهي القصة التي تثير الحساسية لدى أنقرة التي حاولت تبني هذا العيد، والقول بأنه عيد تركي ونسبة لأتراك وسط آسيا من أجل التغطية على هذه القصة الكردية.
سدات بورطاش (نائب كردي سابق في البرلمان التركي): الدولة التركية حاولت أن تشوه ما لم تستطع أن تقتلعه من الوجود، وجربت أن تحول النوروز إلى عيد تركي لكنها أخفقت، فانظر في جميع أنحاء تركيا ستجد أن الأكراد وحدهم هم من يحتفل بهذا العيد حتى ولو قالت الدولة إنه عيد تركي.
يوسف الشريف: الشك وعدم الثقة المتبادلين يغلبان على العلاقة بين الأكراد وأنقرة، ذلك أن الحرب عمقت مفهوم القومية لدى كلا الجانبين، فظهر المتطرفون الأكراد الذين يدعون إلى كردستان مستقل، وفي المقابل وصل المتطرفون القوميون الأتراك إلى سدة الحكم، وهذا ما يعرقل التفاهم والتفاوض من أجل التوصل إلى حل سياسي للقضية الكردية، لا سيما وأن البعض في الحكومة يرى في التفاوض تنازلاً لا يتناسب مع النصر الذي حققه الجيش التركي على حزب العمال الكردستاني، وبعد إلقاء القبض على زعيمه عبد الله أوجلان وإيداعه السجن.
فريدون شليك (رئيس بدية محافظة ديار بكر-تركيا): تواجهنا صعوبات أمام طرح قضيتنا سياسياً، وأنا مثلاً رغم منصبي ألقوا القبض علي وحققوا معي بتهم وهمية، لكن ذلك لم يمنعنا من مواصلة محاولاتنا لطرح القضية.
يوسف الشريف: لكن بعض الأوساط الكردية لديها تفسير آخر مثير لرفض القوى المتشددة في أنقرة حل أو طرح المسألة الكردية للنقاش، وهذا التفسير على غرابته إلا أنك تسمعه من أكثر من جهة مختلفة كردية وغير كردية، ولكن في همس.
حسن كايا: القومية الموجودة في تركيا مصطنعة وخطرة، ذلك لأن من يدعوا إليها ومن يحكم تركيا هُم من غير الأتراك، نعم من يحكم تركيا تجدهم من المهاجرين الألبان والقوقازيين والروم واليهود، أما الأتراك الحقيقيون فهم التركمان، وهم يشكلون إحدى القوميات الموجودة في تركيا، ولذلك أعتقد أنه يجب علينا نحن الباحثين أن نفتش عن سبب هذا العداء للأكراد، وسبب تمجيد القومية التركية بالرغم من أن من يسعى لذلك هو غير تركي أصلاً.
يوسف الشريف: وترفض أنقرة تحول حزب العمال الكردستاني إلى حزب سياسي كما يُطالب، بحجة أنه حزب إرهابي يده ملوثة بدماء الآلاف من الأتراك والأكراد على حد سواء، والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يبدو حزب العمال الكردستاني الحزب الوحيد الذي يطالب بحقوق الأكراد أو الممثل الوحيد عنهم؟ وهل عجز الأكراد عن إسماع صوتهم خارج إطار هذا الحزب؟ والجواب يأتي في إطار سؤال آخر: فهل فرض حزب العمال الكردستاني نفسه على الساحة كممثل وحيد بعد أن صفى كل التيارات الكردية الأخرى، أم أن أنقرة وبرفضها التعامل مع أي حركة سياسية كردية جعلت الساحة خالية للحزب العمال الكردستاني وحده؟
أورال شالشلار (محلل سياسي-صحيفة "جمهوريت" التركية): سواءً أكان هذا أو ذاك، فإن هنا حقيقة يجب عدم إغفالها، وهي أن في تركيا أكراد يعيشون وبدون الاعتراف بوجودهم، وهناك إصرار على تجاهلهم، فلا يمكن أن نتحدث عن ديمقراطية كاملة وشاملة في تركيا، وعلى أنقرة أن ترى هذه الحقيقة وتتعامل معها.
يوسف الشريف: والواضح أن أنقرة وإن فكرت في إعطاء الأكراد بعضاً من حقوقهم الثقافية إلا أنها لا تزال تعارض فكرة مشاركتهم الحياة السياسية وآلية اتخاذ القرار، فيما تتجاوز الأحلام الكردية الحقوق الثقافية إلى مشروع ديمقراطي حقيقي يحترم خياراتهم حتى لو تضمنت حكماً ذاتياً. يوسف الشريف – برنامج (مراسلو الجزيرة)- إستانبول.
محمد خير البوريني: وإلى فقرة الردود على رسائلكم، نبدأ برسالة فاكس وصلت من المشاهدة مها من الرياض في المملكة العربية السعودية، تطلب المشاهدة من البرنامج تقديم تقرير خاص عن حياة الشيخ الداعية أحمد ديدات وتقول: إن الإعلام قصَّر كثيراً في حقه. نشكر المشاهدة على الملاحظة الطيبة، تعلمين أن الشيخ أحمد الآن في وضع صحي حرج يؤسف له جداً ونتمنى له الشفاء والرحمة، كنت قد أعددت تقريراً من جنوبي أفريقيا في عام 99 خلال زيارة عمل إلى ذلك البلد، حيث يُقيم العلامة الشيخ ديدات في ريف منطقة (دربن) مع عائلته، وقمنا في حينه بزيارة منزله حيث قمنا بعرض صوره في التقرير المذكور وهو على فراش المرض، ولم يتمكن الشيخ من الحديث للكاميرا لأنه في حالة شلل كامل يعجز معها عن الكلام والحركة. اكتفى الشيخ ديدات بالبكاء عندما علم أننا أتينا من بلاد العرب التي يُكِّن لها الكثير من الحب، وتربطه فيها صلات وثيقة وحميمة، على أي حال سنحاول من جديد زيارة الشيخ الجليل أحمد مَنَّ الله عليه بالشفاء وألهمه الصبر.
ودكتور سيدي محمد شكاف، وهو طبيب يُقيم في أسبانيا ويختص في طب وجراحة العيون أرسل إلى البرنامج عاتباً لأنه بعث رسالتين سابقتين قال إنهما لم تجدا طريقهما للعرض على الرغم من أنهما لا تحملان العتاب والنقد لقناة (الجزيرة) حسب قوله.
ينتقد المشاهد في رسالته التقارير التي عرضها البرنامج وكانت قد أعدتها مراسلة (الجزيرة) في المغرب الزميلة إقبال إلهامي، ويقول إنها -أي التقارير- منحازة لصالح الحكومة المغربية، كما أنها تشكل تجاوزات بحق الصحروايين. ويقول: إن الزميلة إقبال هي مراسلة للمغرب في قناة (الجزيرة) وليست مراسلة للجزيرة في المغرب. كما يطلب المشاهد زيادة مدة هذه الفقرة من البرنامج، ويحي طريقة تعامل (الجزيرة) مع الحدث والأخبار.
نشكر المشاهد على الرسالة المركزة ولا أعلم، أو بالأحرى لا أتذكر السبب المحدد لعدم عرض رسالتيك السابقتين، ولكن من المؤكد أنهم لم تتضمنا ما يخص عمل البرنامج مباشرة، وليس هناك من سبب آخر. بالنسبة للزميلة إقبال فقد قامت -وعلى مدى السنوات الماضية- بتزويد البرنامج بالعديد من القصص التي تعالج قضايا مغربية، نحن على ثقة تامة بمراسلينا، ولكن يبدو أن رؤيتك للأمور ووجهة نظرك الخاصة لا تتناسب مع الحقائق التي ترد في الموضوعات التي تعالجها الزميلة من المغرب، إننا نؤكد دائماً أن الحقائق تكون مُرَّة وأن كثيرين لا يستسيغونها بل ويرفضون كل ما يختلف مع تمنياتهم ووجهات نظرهم حتى وإن كانت تمثل عين الحقيقة. أما بالنسبة لزيادة الوقت المخصص لهذه الفقرة من البرنامج فقد قُمنا بذلك ولا يمكن إجراء المزيد من الزيادة نظراً لحرصنا على الفقرات الأخرى والموضوعات التي نقدمها للمشاهدين. خالص التحية ونرحب بك وبجميع ملاحظات واقتراحات واستفسارات السادة المشاهدين في كل مكان.
ووصلتنا العديد من الرسائل من مشاهد مصري يطلب تدخل البرنامج بقضية الطفل (نواف الصّلاّل) الذي تحدثت وتتحدث عنه الصحافة المصرية بالإضافة إلى عدد من الصحف الأخرى، وأرسل المشاهد صوراً لما تناولته بعض تلك الصحف بشأن الطفل حيث تقول: إنه من مواليد مصر وإن والده كويتي وأمه مصرية، وأن والد هذا الطفل يرفض الاعتراف بابنه أو القبول بتحمل نفقاته حيث يعيش مع والدته في ظروف قاسية جداً على الرغم من أن الوالد كان قد قام بنفسه باستخراج الوثائق التي تثبت جنسية الابن، والتي تقر بشرعية أبوته لهذا الطفل.
نقول للمشاهد من مصر، إننا تسلمنا جميع الرسائل السابقة التي بعثها إلى البرنامج، ولكن لا يمكننا الخوض في هذه القضية القانونية التي تعتبر المحاكم المتخصصة المكان الصحيح لطرحها، بالإضافة إلى حكومات الدول ذات العلاقة.
أخيراً ميلان طه شمس الدين -من تونس- بعثت إلى البرنامج مقترح.. مقترحاً طلبت فيه عرض ما يقرب المشاهد من قناة (الجزيرة) والحديث عن قرار انطلاق القناة أول مرة.
شكراً على المقترح وسنعمل على تحقيقه في وقت لاحق إن شاء الله.
مشاهدينا الكرام إلى هنا نأتي إلى نهاية هذه الفقرة ونعود لاستكمال ما تبقى من البرنامج.
الجدل الدائر حول لعبة البوكيمون في العالم الإسلامي والعربي
أثارت اللعبة المعروفة باسم (بوكيمون) جدلاً وقلقاً في الأوساط الاجتماعية والثقافية والدينية والعربية والإسلامية، وقد ذهب الأمر إلى حد إصدار الفتاوى كما حصل في السعودية وقطر، لنشاهد معاً التقرير التالي.
تقرير/ محمد بابا ولد أشفع: هل فينا من الذي لا يعرف البيكاتشو، البوكيمون الذي أصبح يضاهي في شهرته أبرز نجوم الفن والرياضة والسياسة في عالم اليوم. مع بيكاتشو وبقية أفراد البوكيمون تفاعل أطفال العالم أجمع بسرعة مذهلة واندفاع مدهش، بشغف يشبه الإدمان يتابع الصغار مسلسل البوكيمون تشدهم قصصه الأسطورية فتسبح بهم في عالمٍ من الخيال يشبه السحر، ويجدون في العيش مع أبطاله متعة ما فوقها متعة، شركات الألعاب الإلكتروينة أنتجت ألعاباً كثيرة تتيح للأطفال التفاعل الحي مع أفراد البوكيمون والدخول معها في صراعات افتراضية مشوقة ومثيرة، ولبست الأسواق ثوب البوكيمون في كرنفال إعلامي عالمي يسلب عقول الأطفال ومدخرات الآباء.
أبو حامد (رب أسرة): البوكيمون صار محاصر الأطفال كلهم خلال الأدوات المدرسية، في الألعاب، في اللبس، في كل شيء، صاروا أطفالنا مدوخينا في البوكيمون.
محمد بابا ولد أشفع: أرباح منتجات البوكيمون بلغت مليارات الدولارات منذ أن أطلقته شركة ننتندو Nintendo اليابانية عام 96، وعلى الإنترنت فتحت آلاف من المواقع تتحدث بلغات عديدة عن هذه الظاهرة الفريدة أما لعبة البوكيمون تحولت بأشكالها الغريبة وأسمائها الأغرب إلى واحدة من أهم وسائل اللعب والتسلية لدى الأطفال.
عبد الله ثائر (خمس سنوات): أنا أحب البوكيمونات كلها كتير كتير كتير، أكثر من أصدقائي.
محمد بابا ولد أشفع: ما هو السر الكامن وراء انتشار هذا الكائنات الغريبة وإقبال الأطفال عليها بشكل منقطع النظير؟
بابكر عيسى (إعلامي متخصص): أعتقد أن ظاهرة البوكيمون والعديد من الظواهر الأخرى خاصة فيما يتعلق بعالم الطفولة هي بتكشف بصورة فاضحة عجز المبدعين العرب وعلى وجه التحديد الفنانين والمعنيين بثقافة الطفل وبالرسوم الكرتونية، يعني نحن دائماً عرضة للغزو، علماً بأن لدينا الكثير من التراث، والكثير من القيم والتقاليد يمكن أن تطور في شكل حضاري وعصري ومتطور، ويمكن أن تغني عن ظاهرة البوكيمون أو الظواهر الأخرى الشبيهة التي نكتشف بعد فوات الأوان أنها تشكك في الثوابت وتشكك في المعتقدات، وأنها تنقل صورة خاطئة عن الإنسان العربي أو عن العقيدة الإسلامية.
باعتقد أنه آن الأوان لأن تقوم هناك صناعة عربية متطورة لتقديم بعض الألعاب والتسليات، لسد الفراغ الذي يمكن أن يحدث، أو الذي هو حادث بالفعل بالنسبة لعالم الطفل العربي والإسلامي، وحتى في التاريخ الإسلامي وفي التاريخ العربي القديم هناك العديد من الشخوص التي يمكن تجسيدها في أعمال فنية مبدعة تكرس القيم، وتنتصر للعدالة وللأخلاق وللحق، وتنبه العالم بقيم الإسلام الحقيقية دون زيف ودون رتوش ودون ادعاءات حتى تتجذر في وجدان الطفولة، فأعتقد إنه البوكيمون وما.. يعني مجرد ظاهرة قرعت.. الجرس وعلينا الانتباه.
محمد بابا ولد أشفع: ما هي حقيقة البوكيمون؟ وهل له من تأثير على بناء عقول أطفالنا وتشكيل وجدانهم؟
د. طاهر شلتوت (استشاري في الطب النفسي): في الواقع البوكيمون ظاهرة لها تأثيرات إيجابية وسلبية، التأثيرات الإيجابية على الأطفال إنها بتؤدي إلى تفتح الذهن وروح المغامرة، وتخلي الأطفال يعني يتصوروا في الخيال العلمي، وهذا شيء إيجابي يساعد في تنمية الذهن والتفكير، أما الجوانب السلبية فبالطبع أنها أمور أنشئت في مجتمعات غربية لأطفال غربيين بمبادئ وأفكار واتجاهات غربية، وبالتالي تعلم أطفالنا ونظرتهم إليها تؤدي إلى ما نسميه التبعية الفكرية والتبعية الحضارية وهذا يذيب الهوية لدى الطفل المسلم العربي.
محمد بابا ولد أشفع: ما هو تقييم القائمين على منتجات الأطفال الثقافية في العالم العربي لظاهرة البوكيمون؟ وهل لديهم مشاريع بديلة؟
محمد علي عبد الله (صاحب استوديو للرسوم المتحركة): بصراحة هو بلا شك اليابانيين على أساس يصلوا إلى هذا المستوى من.. ليس غزو المنطقة العربية، وإنما أيضاً الغزو العالمي، نجد الآن على.. على الإنترنت أصبحوا حتى الأوروبيين والأميركان مدمنين على شيء يسمى ظاهرة البوكيمون، أنا في تصوري إن هي ظاهرة مؤقتة وممكن أن تتلاشى مثل ما كان عندنا قبل فترة ظاهرة كابتن ماجد وكابتن رابح وبعض الأفلام مثل هذه الأسماء. فلذلك الآن المنطقة العربية لأنها هي مرهفة.. مرهفة في جانب دفاعاتها لـ.. عن ثقافتها وعن هويتها وعن ذاتها، فلذلك أي مشكلة تأتي يعني تجد إنها تعمل ثورة كبيرة وتصحي الناس مثل ما ظاهرة البوكيمون أحدثت..
محمد بابا ولد أشفع: البوكيمون اعتبر فتن عند بعض علماء الدين، وصدرت فتاوى بتحريمه من أبرزها تلك التي صدرت عن اللجنة العليا للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية، وقد بررت اللجنة فتواها بعدة أسباب قالت إنه منها:
اشتمال اللعبة على القمار المحرم شرعاً.
تبني اللعبة نظرية دارون للتطور والارتقاء التي تجعل القرار أصل الإنسان.
احتواء اللعبة على رموز وشعارات الديانات ومنظمات منحرفة كاليهودية والماسونية والمعتقد الشنتوري الياباني.
قد يكون من السهل نظرياً حسم هذا الجدل الديني والثقافي، لكنه من الصعب عملاً منع أطفالنا من التعاطي من البوكيمون، والأصعب من ذلك هو إنتاج بديل عربي إسلامي للبوكيمون يشبع فضول أطفالنا وينمي مواهبهم ويحصنهم ثقافياً، ويشكل في الوقت ذاته فرصة مربحة للاستثمار الصناعي والتجاري.
محمد بابا ولد أشفع -برنامج (مراسلو الجزيرة)- الدوحة.
قبائل الماساي وأساطيرهم وانتخاباتهم
محمد خير البوريني: "الماساي" واحدة من أكبر القبائل الإفريقية البدائية، تعيش على الحدود الكينية التنزانية، ذاع صيتها، ونسجت حولها الكثير من القصص والأساطير والحكايا. غالبية أبناء الماساي مازالوا يحافظون على تقاليد القبيلة على الرغم من غزو أنماط الحضارة الحديثة. يعتنق بعضهم الديانة الإسلامية، ويعتنق آخرون منهم الديانة المسيحية، يؤمنون بالله وبالقضاء والقدر وباليوم الآخر وينتخبون شيوخهم بطريقة خاصة، يقول المثل العربي: "من ليس له كبير ليس له تدبير". وضاح خنفر زار ديار هذه القبائل وأعد التقرير التالي.
وضاح خنفر: تعد قبيلة الماساي من أكبر القبائل الإفريقية وأكثرها تمسكاً بالعادات والتقاليد، غير أن متغيرات الزمن والانفتاح على المحيط الخارجي بدأ يؤثر على القبيلة ويدفع الكثير من أبنائها إلى البحث عن هوية جديدة تتناسب مع روح العصر.
مثَّل جبل (كلمنجارو) بثلوجة التي تغطي قمته على مدار العام قبلة للمستكشفين والمغامرين، ويعد من أكثر المعالم الإفريقية الطبيعية اجتذاباً للسائحين، وفي محيط (كلمنجاور) عاشت قبيل الماساي منذ آلاف السنين واعتبرها البعض أكثر القبائل الإفريقية بدائية، بينما نسج حولها آخرون الروايات والأساطير.
يزيد عدد أبناء القبيلة على ستة ملايين ويستوطنون المنطقة الحدودية الكينية التنزانية، ويتميزون عن القبائل المجاورة بألبستهم التي تتكون من إزار ورداء أحمرين، كما يعرفون بآذانهم المشقوقة وهي دلالة على الجمال والأناقة، بينما تتزين النساء بعدد من العقود الملونة والتي تحمل معاني مختلفة، ويعتني محاربو الماساي من الشباب بأناقتهم. وتدور حياة الماساي حول رعي الأبقار، فبالإضافة إلى ألبانها ولحومها تعد رمزاً للثروة والمكانة الاجتماعية والقبيلة ذات بناء قيادي متميز تبدأ فيه حياة الفرد في الخامسة عشرة وبعد إتمام مراسيم الختان حيث يعطي الشاب لقب "محارب"، ويتدرج بعدها إلى رتب قيادية مختلفة وفقاً لشجاعته وحكمته، ويحتل الزعيم أعلى السلم القبلي، وينتخب انتخاباً، ويكن عادة محل إجماع مواطنيه وطاعتهم.
سليمان (مواطن من الماساي): اختيار شيخ القبيلة يمر بمراحل متخلفة، ولابد أن يكون تميزاً بالحكمة والقدرة على اتخاذ القرار الصعب، الكل يشارك في اختيار الزعيم ولابد أن يحكم بالعدل والمساواة.؟
وضاح خنفر: ومع التغيرات الكثيرة التي طرأت على حياة الماساي وهجرة أعداد منهم إلى المدن للبحث عن فرص العمل فقد بدأت أنماط حياتية جديدة تؤثر على أبناء القبيلة، فهذا المحارب يغتنم بعضاً من وقته للبحث في شبكة الإنترنت، بينما يحاول آخرون اجتذاب السائحين لشراء مصنوعاتهم اليدوية.
ومع انتشار البعثات التبشيرية الكاثوليكية اعتنق البعض المسيحية بينما اختار آخرون الإسلام معتبرين أنه الأقرب إلى معتقداتهم الدينية، فإلى جانب العادات المتميزة للماساي يمتلك أبناء القبيلة نظاماً عقائدياً متميزاً، ويختلف عن الكثير من الديانات الإفريقية الأخرى التي تقدس الأرواح والأجداد، إذ يؤمن الماساي بإله واحد وينفون عنه أي شريك، بينما يعتقدون بوجود الملائكة ويؤمنون بالقضاء والقدر واليوم الآخر، وهذا ما دفع أحد زعماء الماساي لاعتناق الإسلام.
رمضان مافينجو (أحد زعماء قبيلة الماساي): اعتنقت الإسلام لأنه دين الماساي، التشابه كبير ولا فرق بين ما يعتقد به الماساي وما يؤمن به المسلمون، إنه نفس الدين.
وضاخ خنفر: أما (كاراسي) والحاصل على لقب "ميلوجو" والذي لا يمنح إلا للمحارب الذي يتقل أسداً دون استخدام سلاح ناري فقد اعتنق الإسلام وغيَّر اسمه إلى إبراهيم ويكرس جل وقته لنشر الإسلام بين أبناء الماساي.
إبراهيم كاراسي (داعية مسلم) يؤمن الماساي بأن الله واحد لا شريك له، وله صفات كثيرة في لغتنا، فهو السميع وهو مجيب الدعاء، وهو المستعان على الصعوبات.
وضاح خنفر: ويبدو أن الوجود الإسلامي في الساحل الشرقي لإفريقيا والذي امتد لقرابة ألف عام قد أثر على القبيلة، فالعديد من القبائل الإفريقية المجاورة للماساي كانت قد اعتنق الإسلام وتحدثت اللغة السواحلية المتأثرة بالعربية، وامتد نطاق تأثير الإسلام واللغة السواحلية إلى الداخل الإفريقي وصولاً إلى وسط إفريقيا، ومع وصول الاستعمار الغربي في القرن التاسع عشر كان التجار المسلمون قد عرفوا القارة واختلطوا بأبنائها وأثروا في عاداتهم وتقاليدهم.
إبراهيم بوشة (باحث متخصص في اللغات الإفريقية): الحقيقة هناك عادات وتقاليد كثيرة جداً، فمثلاً الإيمان بالله والإيمان بالرسل و.. أركان الإيمان عموماً الستة هذه نفسها أركان الإيمان -مع اختلاف قليل جداً- عند المسلمين وعند الماساي.
وضاح خنفر: وعلى الرغم من ميل الماساي إلى الحذر من الغرباء فقد استطاع إبراهيم بوشة السوداني أن يقترب من أبناء القبيلة عندما تبين لهم أن الدين الذي يدعو إليه لا يناقض في أصوله عقائدهم، وعبر سنوات من الاختلاط بهم ونشر الإسلام في أوساطهم وثقوا به ومنحوه الزعامة الفخرية.
إبراهيم بوشة: إذا كان عندك هذه العصا.. العصا تستطيع أن تكون زعيم لأي إنسان في الدنيا من قبيلة الماساي وهذه العصا لها صفات عديدة جداً.
الأولى: أنك قائد، يعني تستطيع أن نقول القائد الأعلى للقوات المسلحة في.. عند الماساي يعني إذا أمرت بشيء وقلت هذا.. هذه العصا يعني لا تفعلون لا يفعلون، افعلون لا.. فإذا وضعتها هكذا معنى ذلك أنت غضبان، وإذا وضعتها هكذا بعنى إنك فرح، وتحل أي مشكلة حتى ولو كانت قضية جنائية قتل، أي شيء في.. عند قبيلة الماساي في العالم سواء كان المتعلم منه أو لم يكون متعلم.
وضاح خنفر: ويقول بوشة أن إقبال الماساي على الإسلام كبير، وأنهم لا يرون في الإسلام إلا دينهم ودين آبائهم ويحاول المسلمون من الماساي أن يبنوا بعض المساجد بإمكانات بسيطة، بينما يتخذ بعضهم من ظلال الأشجار مصلى، وهو شديدو التوق لتعلم المزيد عن أحكام دينهم، بينما يشتكون من قلة أعداد الدعاة والمدرسين.
يرى الكثيرون أن قبيلة الماساي ليست إلا مثالاً للبدائية والتخلف، والحقيقة أن النظم القبلي لدى الماساي يشتمل على الكثير من السمات الإيجابية،ولعل أهمها: إيمان أبناء القبيلة بإله واحد، مما صرفهم عن الوثنية وعبادة الأجداد التي تتصف بها الكثير من القبائل الإفريقية الأخرى.
وضاح خنفر لبرنامج (مراسلو الجزيرة) نامنجا -على الحدود التنزانية الكينية.
محمد خير البوريني: إلى هنا نأتي مشاهدينا لكرام إلى نهاية حلقة هذا الأسبوع من (مراسو الجزيرة). لمتابعي البرنامج يمكنكم مشاهدة تفاصيل هذه الحلقة من خلال موقع (الجزيرة) على شبكة الإنترنت، والموقع هو www.aljazeera.net <> ويمكنكم مراسلة البرنامج من خلال البريد الإلكتروني على العنوان التالي: reporters@aljazeera.net <mailto:reporters@aljazeera.net>
أو على العنوان البريدي التالي: برنامج (مراسلو الجزيرة) صندوق بريد رقم 23123 -الدوحة- قطر، أما رقم الفاكس فهو 009744860194، حتى الحلقة المقبلة هذه تحية من المخرج صبري الرماحي وفريق البرنامج، وهذه تحية أخرى مني محمد خير البوريني. إلى اللقاء.