مراسلو الجزيرة

الإعلام الفلسطيني وآثار سودانية وجفاف في اليمن

وسائل الإعلام الفلسطينية وفضح وحشية الاحتلال وتعريته، ومملكة مروي التاريخية في السودان بأهراماتها وقصورها إرث إنساني يحتاج للصيانة والحماية، و200 ألف يمني يتعرضون للجفاف ويعيشون في منطقة شاهقة وخلابة.. موضوعات في هذه الحلقة.
مقدم الحلقة: محمد خير البوريني
تاريخ الحلقة: 04/08/2001

– تجربة الإعلام الفلسطيني الخاص وما يعانيه
– حضارة مملكة (مَرَوي) في السودان وبعدها التاريخي والإنساني

– الجفاف في تعز وقدرة الإنسان على مواجهة التحديات

undefinedمحمد خير البوريني: مشاهدينا الكرام، أهلاً ومرحباً بكم إلى حلقة هذا الأسبوع من برنامجكم (مراسلو الجزيرة).

في حلقة اليوم نشاهد تقريراً مفصلاً حول نجاح تجربة الإعلام الفلسطيني الخاص الذي ساهم بقوة في تعرية إرهاب الدولة الذي تمارسه حكومة الاحتلال الإسرائيلي بجيشها وكل مؤسساتها ضد الشعب الفلسطيني، ونرى كيف يئن هذا الإعلام في ظل عدم وجود مفردات في قاموس الاحتلال الإسرائيلي تضمن حماية الصحفيين الفلسطينيين الذين ينقلون أخبار بطش إسرائيل بشعبهم وقتله على الطرق والحواجز وفي المدن والقرى والحقول، وحتى داخل البيوت.

ونشاهد من السودان تقريراً حول مملكة مروي بعاصمتها، وأهراماتها التاريخية العريقة، ونتحدث عن ضرورة صيانتها كإرث حضاري وإنساني كبير.
كما نزور محافظة تعز اليمنية، حيث يهدد الجفاف حياة نحو 200 ألف مواطن يعيشون على قمة جبل شاهق تمثل الحياة عليه مشهداً من مشاهد قدرة الإنسان على مواجهة التحديات.

أهلاً وسهلاً بكم معنا إلى أولى فقرات هذه الحلقة.

تجربة الإعلام الفلسطيني الخاص وما يعانيه

undefinedأثبت تجربة وسائل الإعلام الفلسطينية الخاصة – وهي التجربة الثالثة في العالم العربي – أثبتت نجاحاً على الصعيدين العملي والوطني، فقد ساهمت مساهمة حقيقية في تعرية إرهاب دولة إسرائيل المنظم وفضح ممارساتها الوحشية، دُوُر لوسائل الإعلام الفلسطينية المرئية والمسموعة والمقروءة، أو توابع لها تعرضت للاعتداءات والقصف، وعشرات الصحفيين الفلسطينيين والأجانب أصُيبوا بالرصاص الإسرائيلي أو تم اعتقالهم أو الاعتداء عليهم، سواء بالضرب أو الإيذاء الجسدي أو النفسي أو كلاهما معاً، هذا علاوة على تهديد الكثيرين منهم بالقتل، ومنع مؤسساتهم من استيراد مستلزمات وأدوات وتجهيزات العمل الفنية، باختصار شديد لا يوجد في قاموس الاحتلال ما يحمي الصحفيين الفلسطينيين ولكن ذلك لا يرهبهم، بل يدفعهم إلى مزيد من العطاء والبذل في سبيل الأمانة ونقل صورة حية – قدر الإمكان – عن الصهيونية الحقيقية، التي حاولت إسرائيل تجمليها طويلاً أمام العالم الغربي، ولكن بطشها وتنكيلها بالشعب الفلسطيني وحقوقه كان أكبر من كل التضليل الذي مارسته تقرير جيفار البديري من فلسطين.

[ من حجرة الإذاعة ]

إعلان

مذيع 1: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نقدم لحضراتكم من تليفزيون الوطن نشرة الأخبار أستهلها بأهم العناوين..

مذيع2: إن زيارة شارون المرتقبة لباريس لا تشرف فرنسا، والتفاصيل بعد لحظات.
مذيعة3: أعزائي المستمعين، الآن نتواصل معكم من صوت الحب والسلام وعلى موجة 94.2 (..) من وسط مدينة رام الله من فلسطين الحبيبة..

مذيع4: ومع آخر التطورات في الشرق الأوسط .. نكون دائماً معكم.

تقرير/ جيفارا البديري: حناجر متعددة تطلق صوتاً واحداً يحاول تغطية أحداث فلسطين والعالمين العربي والعالمي كل في موقعه، عبر عدسات الكاميرا وبرج البث الإذاعي، وقلم الكاتب الصحفي، تجربة وسائل الإعلام الخاصة الثالثة في الوطن العربي، بعد لبنان ومصر أكدت أن للإعلام الفلسطيني دوراً بارزاً، خاصة في فضح الممارسات الإسرائيلية المنظمة، وخلق رأي عالمي مناهض لإسرائيل، لكن الإرهاب يطال الصحفي الفلسطيني بكافة الأشكال وعلى رأسه سحب بطاقة الصحافة الإسرائيلية التي تخوله التنقل ما بين منطقة وأخرى، الطواقم الصحفية الفلسطينية، وحتى الدولية العاملة في الأراضي الفلسطينية تتعرض يومياً لقمع الآلة الإسرائيلية، فقد تعرض أكثر من خمسين صحفياً يعملون في الإعلام المحلي لرصاص وهروات جنود الاحتلال، ناهيك عن اعتقال العشرات منهم، في حين أن القصف يطال بالرشاشات الثقيلة وقذائف المدفعية عدة مقرات صحفية وطنية مما أوجد صيغة جديدة على الأرض عدا عن اتهام إسرائيل المستمر للفلسطينيين بالتحريض، وكأن الحديث عن الاعتداءات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين العزل أصبح إرهاباً.

رضوان أبو عياش (رئيس هيئة إذاعة وتليفزيون فلسطين): أنا أكتب والطائرات تحلق فوق رأسي تهديد بالقتل والتصفية، ضرب مقرات البث الإذاعي والتليفزيوني، منع وصول أي جهاز أو قطعة غيار إن شاء الله برغي عبر الحدود، محاصرة الصحفيين وضربهم، وتهشيم الكاميرات على رؤوسهم، اعتقال صحفيين فلسطينيين بغض النظر عن إنهم زي الهلال الأحمر والصليب الأحمر، زي المؤسسات الإنسانية، منع الحقيقة من الوصول إلينا في بعض المناطق.

إعلان

جيفارا البديري: وعلى الرغم من جميع المواثيق والقوانين الدولية الخاصة بحماية المدنيين أثناء الحروب والمنازعات ومن بينهم الصحفيين، فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي تتعمد التعرض المباشر للطواقم الصحفية الفلسطينية، وإلحاق الأذى بهم، ويصل الأمر أحيانا إلى مصادرة المواد الإعلامية والكاميرات التي بحوزتهم، ومع ذلك تحاول هذه المحطات متابعة العمل وتغطية الحدث في كل مكان، ورصد كل التفاعلات العربية والعالمية مع هموم الفلسطينيين على الرغم من كل التحديات وعلى رأسها التشويش من قبل الإعلام الإسرائيلي.

عمر نزآل (مدير محطة تليفزيون خاصة- فلسطين): من خلال مراسلينا الموجودين سواء في لبنان أو القاهرة أو عمَّان بنحاول أيضاً نرصد ردود الفعل في أهم العواصم العربية القريبة علينا وكيف الجمهور سواء الفلسطيني أو العربي في الخارج عمال يتفاعل مع الانتفاضة علشان هيك بنلاقي أهمية لتغطية ردود الفعل هاي، على صعيد الداخل هون يعني باستمرار فيه عندنا حركة دائمة يومياً لتغطية أوسع قدر ممكن من الأحداث وردود الفعل عليها، لكن زي ما قلت بأرجع لموضوع الحصار وتقييداته اللي بيحد كتير من قدرتنا على تغطية كل الفاعليات خارج المنطقة.. منطقة رام الله.

عوني جبران (مراسل ومذيع/ بيت لحم): وأنا (..) داخل بيت لحم، بس أصبحت داخل بيت لحم أتنقل من هون لهون، من بيت ساحور لبيت لحم لبيت جالا OK وأثناء.. إن كان فيه هناك قصف أو شيء، كمان الصحفي.. ما يقدرش يتجول لوين؟ ما فيه شيء يحميه، يعني ما فيه شيء حتى يحميه OK، عادة فيه كانت.. يعني دائماً الناس الصحفيين هم على الأقل يعني 10% محميين كانوا في مواجهات أو في شيء، بدناش نقول أكتر، حالياً لا هو مش محمي.

جيفارا البديري: في حين أن أكبر المشاكل التي تواجه الإعلام المحلي هو الوصول إلى المعلومة والحقيقة، وصعوبة الوصول إلى المسؤولين، الأمر الذي يضطر الإعلاميين أحياناً إلى نقلها من وسائل الإعلام الخارجية والفضائيات العربية.

إعلان

معتز بسيسو (مدير إذاعة فلسطينية خاصة): .. أي ملامة لبعض المسؤولين الفلسطينيين اللي بيحسوا إنه الإعلام الخاص مش مهم، ولكن أنا بأحكي إنه الإعلام الخاص وإعلام الشعب الفلسطيني بما يدور حوله شيء مهم جداً، وتوجه المسؤولين الفلسطينيين للشارع الفلسطيني مباشرة أولاً بأول لإعلامهم بطبيعة الأحداث، شيء مهم جداً، طبيعة وجود مركزية واستراتيجية برضو هاي مشكلة من المشاكل اللي بتواجهنا، للأسف في بعض الأحيان ما بيكون فيه آلية لعمل ولاتحاد المحطات الخاصة في حالات الطوارئ، ما فيه خط عام أو خط خاص لكل محطة، في بعض الأحيان ما بيكون فيه توجيه أو في معظم الأحيان ما فيه توجيه للمحطات الخاصة، اللي بعضهما خبرتها لا يتجاوز السنتين أو السنة بطبيعة أو كيفية التعامل مع الأحداث بخطورتها.

جيفارا البديري: فأكثر من ثلاثين محطة تليفزيون واثنتي عشرة إذاعة وثلاث صحف محلية إضافة إلى إذاعة صوت فلسطين وتليفزيون فلسطين الرسميين، تحاول اليوم إيجاد صيغة مشتركة بين الإعلام الرسمي والخاص لتغطية الخبر أينما كان، لا سيما مع الافتقار إلى العلاقات بين الطرفين منذ دخول السلطة الفلسطينية ونشوء هذه المحطات، وحتى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية، حيث تغيرت الصورة إيجابياً.

رضوان أبو عياش: هذا التعاون موجود أصلاً لأنهم أصلاً هذه المحطات الخاصة هي محطات محلية صغيرة، هدفها خدمة مجتمعية إعلامية، في اللحظة اللي بيشوفوا إنه البلد كلها مهددة، ما بأعتقدش إنهم بيبخلوا بذلك وأنا بأعتز بهذا التعاون ولنا تجربة.

جيفارا البديري: فعند قيام جيش الاحتلال بقصف أبراج البث التابعة لإذاعة صوت فلسطين الرسمية جاء البديل من خلال خطط الطوارئ بتحويل أثير الإذاعة الفلسطينية إلى الإذاعات المحلية الخاصة، الأمر الذي وحد نشرات الأخبار، حيث بات يسمعها المواطن في أي إذاعة محلية، لكن هذه الخطوة في نظر البعض، لم تكن ذات دلائل إيجابية كاملة.

إعلان

معتز بسيسو: تعدد الأصوات في وقت ممكن الإبداع فيه، في عملية تغطية الخبر والتعبئة النفسية الإيجابية للشعب الفلسطيني مهم جداً وضروري جداً في نفس الوقت، ممكن توحيد الأصوات الفلسطينية في صوت واحد من خلال آلية العمل واستراتيجية العمل وطبيعة الكلمة.

جيفارا البديري: وبادعاء سلطات الاحتلال ممارسة الإعلام الفلسطيني التحريض ضد إسرائيل، فإن القصف للمقرات الصحفية أصبح اعتيادياً، كما حدث لمقر صحفية "الحياة الجديدة" التي تضعها إسرائيل على قائمتها السوداء، فهذه الصحيفة شبه الرسمية يمارس محرروها ومراسلوها عملهم اليومي خلف سواتر ترابية، عقب قصفها من قبل المدفعية الإسرائيلية، أما ما يدعو إلى السخرية في الأمر، فهو ما تحاول الأجهزة الأمنية الإسرائيلية رصده في الصحف الفلسطينية، وهي ثلاث "القدس"، و"الأيام"، و"الحياة الجديدة"، والذي قد يصل أحياناً إلى حدود لا يمكن فهمها واستيعابها في أي دولة من دول العالم.

حافظ البرغوثي (رئيس تحرير صحيفة الحياة الجديدة): قبل فترة نشروا تقريراً عن حل مائة شبكة متقاطعة في الصحف الفلسطينية واتخذوه إنموذجاً لوجود كراهية لإسرائيل لدى القارئ الفلسطيني لأن القراء هم الذين يعدون هذه الشبكات، وعندما سئلت من جانب صحفي أجنبي بريطاني حول أن أكثر الشبكات المتقاطعة موجودة في الحياة الجديدة، قلت له: دعنا لا نحل مائة شبكة متقاطعة، لأنه جدل عقيم مع الإسرائيليين، دعنا نفتح مائة قبر فلسطيني، لنعرف من القاتل.

في تقرير لهم التقطوا كلمة لامرأة قالتها أثناء اشتباك عندما قتل الجنود الإسرائيليون طفلاً في الخليل في وقت سابق للانتفاضة وقالت اليهود قتلة هذه المرأة، المرأة تسجل ما يحدث أمامها، قالت: أن اليهود قتلوا طفلاً في الخليل فاعتبروا ذلك تحريضاً، هل عندما أشاهد جنوداً يقتلون طفلاً أقول أنهم ملائكة؟! هي.. تصف فعل.. فعل أمامها.

undefinedجيفارا البديري: وفي ظل هذا التحدي اليومي يحاول الصحفي متابعة الأخبار وتجاوز العراقيل، حتى لو أدى الأمر إلى الاعتقال أو القتل أحياناً، فناصر اللحام مراسل تليفزيون (بيت لحم) يتابع عمله الميداني متحدياً العراقيل الإسرائيلية، يصر على الذهاب إلى مكان الحدث ونقل المعاناة الفلسطينية ليعود من بعد ذلك إلى غرفة لا تتجاوز المتر مجهزة بمعدات أولية كغيرها من محطات التلفزة الفلسطينية، ليقدم برنامجاً يستعرض فيه ما تنقله وسائل الإعلام الإسرائيلية من خلال الترجمة الفورية، كنوع جديد للعمل الذي تقوم به وسائل الإعلام الخاصة لمعرفة العدو الذي يقف أمامها.

ناصر اللحام (مراسل وصحفي فلسطيني): فوجئنا بإقبال غير طبيعي من قبل المواطنين، المسؤولين، والأجهزة، وكل المهتمين بقضايا الانتفاضة، الرأي الآخر أو كما يفضل الجمهور أن يسميه "اعرف عدوك" واصلنا فيه، والآن أصبح جزء من يومياتنا في المحطة التليفزيونية ساعة من الترجمة لما تكتبه الصحافة العبرية، ونجمع أيضاَ.. أضفنا إليه رصد يومي لكل وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية، أيضاً ما يُبث على التليفزيون الإسرائيلي نصيغة بساعة زمنية برامجية وبنقدمه إلى مشاهدينا، البرنامج يطور ذاته من ذاته، وفق الاحتياجات، بنحاول قدر الإمكان نتوخى الموضوعية.

إعلان

جيفارا البديري: لكن إصرار الفلسطينيين على إبراز هويتهم أولاً ومعاناتهم الحقيقية ثانياً، والتواصل مع العالم الخارجي ثالثاً، جعلهم يخترقون الحصار المفروض عليهم عبر وسيلة لم تستطع إسرائيل خرقها بكل تقنياتها الحديثة، ألا وهي الإنترنت، فالإنترنت هو الذي خلق مفترقاً جديداً في الحرب على الأرض، أصبح للفلسطينيين أحد أهم الوسائل التي يستطيعون خلالها نشر الصورة والخبر وتحليل الحدث عبر شبكات متنوعة، ودفع بعض الهواة من الخارج حتى إلى فتح صفحات لنشر الحقائق والأحداث، سيما وأن الإذاعات الفلسطينية تقوم اليوم ببث برامجها عبر الإنترنت، نتيجة التشويشات التي تقوم بها الإذاعات الإسرائيلية والتي يصفها المراقبون بالعربدة الإعلامية، لكن التحدي الأكبر للإعلام الفلسطيني المحلي يبقى مع عدم وجود شبكة اتصالات مركزية فلسطينية لهذا النوع من الاتصالات أو وجود أبراج بث فلسطينية مستقلة، فكل حرف وكلمة يجب أن تمر في النهاية عبر الإسرائيليين.

عمر نزآل: هم (يعلموا) أجهزتنا، وبالذات أجهزة الإرسال المستوردة من خلال الإسرائيليين، وللأسف هذا كان جزء من الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي، إنه ممنوع الجانب الفلسطيني يستورد أجهزة إرسال بشكل مباشر، لازم تمر عبر وكيل إسرائيلي، وهنا التقييد بيصير بهذه اللحظات.

جيفارا البديري: لكن الأمل يبقى في مدى قدرة الإعلام الخاص والرسمي على العمل في ود ووئام بعد سنوات من الخلافات، لكن التخوف من قطيعة جديدة، والتي قد تنفجر مع توقيع اتفاق سلام يستكمل الاتفاقيات السابقة، ومحاولة إسرائيل من خلالها زعزعة هذه التجربة مع المطالبة الدائمة بوجود انتفاضة داخلية، ومع ذلك يبقى التأرجح الاقتصادي هو المحك الأقوى أمام وسائل الإعلام المحلية والمسجلة كشركات ربحية، تعتمد أولاً وأخيراً على الإعلان التجاري، والذي قد يؤدي إلى إغلاقها في حالة عدم دعمها من أية جهات رسمية أو خارجية.

إعلان

ضرب إسرائيل بعرض الحائط كافة المواثيق الدولية الخاصة بحماية المدنيين أثناء المنازعات، وتلك الخاصة بضمان حرية الرأي والتعبير تضع تجربة وسائل الإعلام المحلية والخاصة أمام تحد واسع، نظراً للإمكانيات المحدودة والعراقيل الكبيرة، إلا أن محاولة المواءمة بين الإعلام الرسمي والخاص قد يضفي على هذه التجربة صبغة جديدة من خلال العمل على تطوير الأداء ورفع الإمكانيات والحصول على الدعم المطلوب. جيفارا البديري- خاص لبرنامج مراسلو الجزيرة فلسطين.

حضارة مملكة (مَرَوي) في السودان وبعدها التاريخي والإنساني

undefinedمحمد خير البوريني: ومن فلسطين نتحول إلى السودان، كم منا سمع بمملكة مروي على الأرض السودانية بعاصمتها البجراوية؟ مملكة قديمة اتصلت بالحضارتين الفرعونية والرومانية، آثار غاية في الأهمية، أهرامات صغيرة وبيوت وقصور، ومقابر وغيرها تشكل إرثاً حضارياً وإنسانياً كبيراً تقرير إسلام صالح من هناك.

تقرير/ إسلام صالح: تعد مملكة مَرَوي من أبرز الحضارات التي عرفها العالم القديم نسبة لما أسهمت به في الحضارة العالمية، وفي مختلف المجالات الثقافية والاقتصادية يؤرخ لنشأة هذه الحضارة بالقرن الرابع قبل الميلاد، متميزة بانفتاحها على الحضارات المعاصرة لها، وتدلل آثارها على وجود اتصال قوي بينها وبين الحضارة الفرعونية والإغريقية والرومانية، كما كتب (هيرودوت) عن السودان وعلاقته بالفرس الذين حكموا مصر في القرن الخامس قبل الميلاد.

البجراوية هي عاصمة مملكة مروي تقع على بعد 240 كيلو متراً شمالي الخرطوم وكانت تعد مقر الحكم ومركز النشاط الثقافي للمملكة، وكذلك نشاطها الاقتصادي، القائم على صناعة الحديد والزجاج إلى جانب الزراعة، آثار معبد الإله الفرعوني آمون تشير للاتصال الديني بين مروي ومصر الفرعونية، هذا فضلاً عن وجود نقوش تدلل على استخدام اللغة الهيروغليفية.

صلاح عمر الصادق (باحث في الحضارة المروية): أهمية مملكة مروي في تاريخ السودان إن هي كانت سلطة مركزية حكمت السودان لمدة 14 قرن، وهي أسرة واحدة وكانت نظم الحياة والنظم الاجتماعية واحدة طيلة هذه الفترة واشتهرت مروي بصناعة الحديد بواسطة هذا الحديد سيطرت مروي على كافة أجزاء السودان وامتدت شمالاً إلى مناطق قريبة من أسوان.

إعلان

إسلام صالح: وحول المدينة توجد مقابر الملوك والأمراء، والتي أخذت الطابع الهرمي الفرعوني غير أن طريقة الدفن تختلف عن تلك التي وجدت في مصر، حيث إن الدفن المروي يكون في غرف في باطن الأرض، أشهر هذه الأهرام هرم الملكة أماني شختو التي امتد حكمها لمنتصف القرن الأول قبل الميلاد وقادت جيوشها لصد محاولات الرومان غزو السودان وهزمتهم، وإلى الجنوب الغربي من المدينة الملكية وعلى بعد 50 كيلو متراً توجد مدينة (النجعة) والتي تعتبر العاصمة الدينية للملكة المروية، وبها معبد للإله أمون الذي بني في القرن الأول قبل الميلاد ويبدو أن هذا التاريخ يؤرخ لبداية ظهور ديانة سودانية للإله (أبدا ماك) والذي يُجسد على هذا المعبد برأس أسد إلى جانب الملك والملكة وولي العهد.

undefinedفن العمارة الذي عرفته مروي متأثراً بالفن الروماني والفرعوني يتأكد أكثر في منطقة المصورات الصفراء، حيث يوجد عدد من المعابد والغرف متصلة ببعضها البعض بواسطة سراديب، مما يشير إلى أن الموقع كان مجمعاً متعدد الأغراض.

حسن حسين إدريس (مدير هيئة الآثار السودانية): موقع المصورات الصفراء أيضاً له أهمية خاصة للحضارة المروية لأنه يمثل تراث متكامل به موقع ديني، موقع قصر ملكي، به كانت تمارس سباقات لما وجدناه في هذا الموضع من رسومات لأفيال وغيرها من الحيوانات المختلفة، أيضاً كان بمثابة معهد أو جامعة أو كلية للدراسة.
إسلام صالح: وفي القرن الرابع الميلادي بدأ الضعف يدب في مملكة مروي حيث تمكنت دولة (أكثوم) الحبشية بقيادة ملكها المسيحي (عيزانا) من القضاء عليها واجتاحت جيوشه مملكة مروي وأعملت النهب والهدم في العديد من المباني والأهرام، ومازالت أثار حرق المعابد باقية إلى اليوم، وانتهت مملكة مروي لكنها خلفت وراءها أعظم الآثار التي تحكي مجدها وحضارتها، هذه الآثار وبما تمثله من تاريخ يجسد حضارة مروي القديمة مهددة بعوامل تعرضها للاندثار.

إعلان

وقوع هذه الآثار وسط سلسلة من الجبال يجعلها نقطة تقاطع لممرات هوائية تزيد من مخاطر التعرية لمبانيها والنقوش التي على جدرانها، كما أن زحف الرمال من كل جانب، بات يهدد حتى أهراماتها بالدفن، هذا فضلاً عن أنها وكما عرفت لصوص الآثار في الماضي البعيد، لا تنجو منهم في الحاضر المعاش.

حارس في موقع الأهرامات: .. وبعدين (..) الحرامي بيجوا يهاجمونا نهاجمهم نحنا متحذرين لأنه على نفسنا، لما جاء الحرامي ودا حصل في الليل بعد الساعة ½ 3 أنا شعرت بهم وضربوني طوالي، ما (…) حاطط الهدوم بتاعي شالوا حاجة نذيرة.. يعني مش حجر أثري، حجر تصوير بتاعة..

إسلام صالح: تقليد..

حارس في موقع الأهرامات: تقليد.

إسلام صالح: توجد في منطقة البجراوية وحدها حوالي 55 هرماً إلى جانب تماثيل ومعابد تمثل قيمة تاريخية يصعب على المرء تقبل احتمال زوالها.

حسن حسين إدريس: أي نعم هذه المواقع تتعرض إلى خطر، خطر طبيعي وخطر بشري، ونحن نبذل جهدنا لنضم هذا الموقع ضمن قائمة التراث العالمي، حتى نتمكن من إيجاد دعم عالمي لحماية هذا التراث السوداني الإفريقي، العربي العالمي.

إسلام صالح: عدة مؤسسات ومعاهد غربية شرعت في تقديم مساعداتها وخبرتها لحماية وترميم آثار مروي، لكن ما يبعث المزيد من الأمل هو أن وعياً وطنياً بأهمية هذه الآثار أخذ طريقه للظهور، وبدأت جمعيات ومنظمات وطنية حملتها لحماية تاريخ الأجداد من خطر الزوال.

لا شك أن آثار مروي القديمة تحكي الكثير عن تاريخ هذه الحضارة العريقة، لكن التاريخ سيحكي أيضاً عن عزم السودانيين على الحفاظ على هذه الأثار وحمايتها من الاندثار، إسلام صالح لبرنامج (مراسلو الجزيرة) موقع المصورات الصفراء، ولاية نهر النيل، السودان.

محمد خير البوريني: ونصل إلى فقرة الردود على رسائلكم، ونبدأ برسالة وصلت من المشاهد فكري أحمد محروس، وهو يمني يقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة يعرب المشاهد عن إعجابه بالبرنامج ويقول: إنه من متابعيه ولكنه لم ير فيه موضوعاً حول جزيرة (سوقطره) اليمنية، التي يقول أيضاً إنها أكبر جزر الوطن العربي وتقع في بحر العرب وفيها الكثير من النباتات والأشجار، بالإضافة إلى أنواع الطيور النادرة.

إعلان

شكراً على الرسالة البرنامج تابع وسيبقى يتابع الكثير من القضايا والقصص في اليمن، نرجو أن تتمكن من رؤية ما طلبت في وقت قريب، ولكن بعد دراسة الأمر.

والمشاهدة أم علي من النرويج بعثت إلى البرنامج رسالة تضمنت الشكر على اهتمامنا برسائل المشاهدين، وجاء في الرسالة: إن الرسائل التي تصل إليكم بخصوص اللاجئين العراقيين في مخيم (رفحا) في السعودية تضع اللوم على المسؤولين في السعودية ولكن يا أخي أقول لك: إن المسؤول الأول والأخير هي المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التي تركتهم -أي اللاجئين يصارعون مصيرهم مع العلم أن رجوعهم إلى العراق يعني المطاردة الدائمة من الحكومة، بالإضافة إلى ضيق العيش، تطلب المشاهدة من البرنامج التوجه بالسؤال إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين عن مصير هؤلاء الناس، وترجو أن يساعدها ذلك في جمع شملها مع أختها وأقاربها الموجدين في مخيم (رفحا).

شكراً للمشاهدة على الرسالة ونتمنى أن نتمكن من فعل شيء على هذا الصعيد، نحن على استعداد للتوجه إلى المفوضية العليا لإعداد موضوع حول هذه القضية الإنسانية ولكن ذلك لا يمكن أن يتم إلا في إطار موضوع صحفي متكامل إذ يجب الإطلاع على أوضاع هؤلاء اللاجئين ميدانياً من خلال زيارة مخيم (رفحا) نتمنى على الجهات المختصة في السعودية السماح للبرنامج والجزيرة بالوصول إلى هناك، حيث مازلنا بانتظار الموافقة على خطابات سابقة، بعثناها بشأن عملنا على الأراضي السعودية.

ومن الجماهيرية الليبية بعث فادي محمد دربال رسالة طلب فيها من البرنامج إعداد موضوع يتحدث عن حياة المسلمين في اليابان، كما أرسل فكرة أخرى. فكرة المسلمين في لليابان جيدة، وسنعمل على إعداد مثل هذا الموضوع في الوقت المناسب -إن شاء الله- أما بالنسبة للفكرة الأخرى، فنقوم ببحث جدواها وشكراً لك.

ومن المغرب بعث سفيان الماجد، بعث رسالة قال في بدايتها: أكتب إليكم معاتباً بسبب عدم إدراج رسالتي السابقة، ويسأل هل هذا نوع من الإهمال أم الاحتقار لسني حيث أنني في السابعة عشرة من العمر، يطلب المشاهد من البرنامج زيارة المناطق التاريخية والأثرية في المغرب، شكراً لك يا سفيان على الرسالة الطيبة، ولا علاقة لما ذكرت في رسالتك بالأمر، وربما الرسالة السابقة لم تحتوي على أمر يتعلق بعمل البرنامج، حيث تعلم أننا نقوم باستثناء الرسائل التي لا تتحدث عن طبيعة عمل البرنامج، إننا نتعامل مع جميع السادة المشاهدين كإخوة أعزاء نقدر آرائهم ونتبادل معهم الأفكار، دون الأخذ بالاعتبار العمر أو الدين أو العرق أو اللون أو أي شيء آخر وأهلاً وسهلاً بك على الدوام.

إعلان

ومن ألمانيا بعثت جانيت آدم رسالة طلبت فيها من البرنامج إعطاء نبذة مختصرة عن بعض الكنائس والأديرة القديمة الموجودة في العراق لما لها من أهمية في النفوس حيث تعتبر مزاراً لكل العراقيين مسيحيين ومسلمين، وكان للمشاهدة طلب آخر أيضاً، كنا عرضنا تقريراً موسعاً قبل فترة عن دير مارمتي الشهير في محافظة الموصل العراقية والتقينا بالقائمين على الدير، نرجو أن تتمكني من مشاهدة المزيد مستقبلاً من خلال تغطياتنا المختلفة من هذا البلد العربي بالنسبة لطلبك الثاني فلم نتمكن للأسف من تحقيقه حتى الآن.

وسليمان مصطفى من الجماهيرية الليبية أرسل إلينا رسالة جاء فيها: لقد لاحظت أن معظم التقارير أو المواضيع التي تقدم للمشاهد تتحدث عن شعوب غير عربية ولا أدري ما هي الأسباب من وراء ذلك رغم توفر العديد من المواد في بلداننا العربية من مشرقها إلى مغربها، شكراً لسليمان على ملاحظته ربما يكون هناك مبالغة في قول أن معظم التقارير التي تعرض هي حول شعوب غير عربية، فحتى وإن كانت بعض التقارير لا تكون من داخل دولة عربية معينة فإنها تتحدث عن الجاليات العربية أو العربية والإسلامية وقضاياها في دول المهجر المختلفة بالإضافة إلى تقارير تتحدث عن قضايا دول وشعوب أخرى في المنطقة والعالم لا يمكن غصن الطرف عنها من ناحية مهنية، نرى ويرى المشاهدون أن عرض موضوعات تتحدث عن دول وشعوب أخرى فيه الكثير من المنفعة، ونعتقد أن في ذلك مادة تعريفية، ثقافية غنية يرحب بها المشاهد في كل مكان أضف إلى ذلك أننا نواجه الكثير من العقبات في طرح العديد من القضايا في دول عربية مختلفة، ولكننا نحاول أن نتخطى جميع الصعاب وأهلاً بك ثانية.

مشاهدي الكرامن نكتفي بهذا القدر من الردود على رسائلكم، ونتابع فقرات البرنامج.

الجفاف في تعز وقدرة الإنسان على مواجهة التحديات

يهدد الجفاف حياة نحو مائتي ألف يمني يعيشون في بلدات على قمة جيل شهيق الارتفاع يطل على مدينة (تعز) أسباب مختلفة وراء ذلك أولها نضوب الينابيع أو شحة مياهها، بالإضافة إلى زيادة طبيعية في عدد السكان، الحياة على جبل (صبر) في المنطقة المذكورة تمثل مشهداً من أكثر مشاهد التجربة الإنسانية روعة وإثارة حيث تتجلى قدرات الإنسان على قهر الصعاب ومواجهة تحديات الطبيعة، بل وتسخيرها لخدمة البناء وإحياء الأرض تقرير أنور العنسي من هناك.

undefinedتقرير/ أنور العنسي: عيش الجبال أسلوب حياة سبق اليمنيون إليه كثيراً من شعوب وأمم الأرض، فعلى ظهور هذه الجبال استصلح السبأيون الأوائل هذه السلسلة المديدة من الهضاب والمرتفعات الجبلية الوعرة، ونشروا عليها موسوعة هائلة من المدرجات الزراعية بديعة الهندسة والتكوين.

منذ أمد بعيد ابتكر سكان هذه الجبال نظام حياة متكاملة يتلائم مع ظروف البيئة وخصائصها ويلبي مختلف الاحتياجات الأساسية لأفراده من أمن وغذاء وملبس ومأوى.

إعلان

د. فؤاد الصلاحي (أستاذ علم الاجتماع): في إطار هذا النوع من العلاقات الاجتماعية المرتبطة باقتصاد زراعي وفق قرى مغلقة كانت هذه العمليات تنتج كثيراً من أنماط العلاقات والثقافات المحددة للصراعات من جانب ولعلاقة التكامل والتضامن من جانب آخر، بمعنى أن نمط القيم والعادات والتقاليد والثقافات والفلكلور، بل بما في ذلك أيضاً .. أسلوب الزي.. ارتبطت بنمط السكن في مثل هذه القرى الصغيرة والمختفية والتي تبتعد عن المراكز الحضارية.

أنور العنسي: لقد تطورت أساليب العيش هنا لتنتج في مراحل لاحقة ألواناً متميزة من الإبداع الفكري والأدبي والفني.

جبل صبر المطل على مدينة تعز وسط البلاد يعد أحد أفضل النماذج تعبيراً عن فلسفة عيش وسكنى الجبال وفقاً لآخر تعداد أجراه اليمن فثمة أكثر من 234 ألف إنسان يتوزعون هنا على تشكيلة من القرى المعلقة في عرض وأعالي هذا الجبل العظيم، يبلغ ارتفاع جبل صبر نحو 3 آلاف ومائتي متر عن سطح البحر، بامتداد يتراواح بين 12 و 15 كيلو متراً تقريباً، وينقسم إلى ثلاث مديريات هي (صبر الموادم) و (مشرع وحدنان) و(المصراخ).

كامل عبد الرحمن سعيد (أحد شيوخ جبل صبر): الزراعة في جبل صبر تتقسم إلى عدة أصناف: زراعة القات، شيء منهم يزارعون في القات وبعض الناس أو المواطنين يزارعون في البطاطا كما هو موجود أمامكم الآن والذرة والشعير والبر والحلبة والعدس وغيرها من المحاصيل الزراعية الحبوب، وأيضاً هناك في أسفل مديرية صبر واقف بذاتها (..) الآن زي ما تقول الفواكه كالبرقوق، الفرسك، الرمان، السفرجل، وغيرها من هذه الأشياء اللي اسمها تدخل ضمن نطاق الفواكه.

أنور العنسي: تغيرات عديدة طرأت على حياة السكان هنا، منذ حوالي ثلاثة عقود من الزمان، شح المياه الصالحة للشرب، ندرة الأمطار اللازمة للزراعة وانعدام المرعى كلها أسباب اضطرت آلاف من سكان جبل صبر إلى هجرة قراهم ومزارعهم متوجهين إلى المدن بحثاً عن حياة أكثر يسراً ورغد.

إعلان

على سعيد مقبل (مزارع): ما عندنا آبار ولا عندنا خزانات، وإنما إحنا عندنا النهر أوجده الله -سبحانه وتعالى- من يوم ما خلق السموات والأرض..

أنور العنسي: وهو؟

على سعيد مقبل (مزارع): وهو يعني يمشي على الأرض، وهو الذي شارعاً.. يعني حالياً، الذي وقعت الفتنة هو (سبايب) الماء.

أنور العنسي: آخر عيون المياه في جبل صبر شهد تنازعاً مريراً بين عديد من سكان الجبل امتد لسنوات ووصل حد الاقتتال بين قريتي (قراضة) و(المرجح) وأدى إلى سقوط عديد من القتلى والجرحى من أبناء القريتين رغم تدخل قوات الشرطة والأمن.
سيف أحمد محمد الوجيه (مواطن من جبل صبر): ولما كانت لها سواقي، وكانت تمر على طول الجبل، دوران ثم تنزل إلى المدينة، ما فضل ينزل مدينة تعز، وكانت الناس كلها تستفيد من المياه، جاءت فترة أخذوا المياه استولوا عليها بعض القبائل وحرموا بقية الذي كانوا يستفيدوا منها.

أنور العنسي: شيء ما حدث هنا تعذر على أبناء صبر تصديقه للوهلة الأولى، فبعد عزلة معقدة امتدت لقرون بين قرى الجبل من ناحية وبينها والمدن والمناطق المحيطة بالجبل من ناحية أخرى بسبب وعورة التضاريس ومشقة الدورب والمسالك فقد تم نحت صخور صبر الصلدة، وشق مرتفعاته البركانية والترابية لتصل بين قمة الجبل وسفحه واحدة من أفضل الطرق صممت بمواصفات قياسية عالمية.

مهندس شارك في شق وتعبيد الطريق: فيه مشاكل واجهتنا في أثناء التنفيذ اللي هي انهيارات الجبل اللي كانت تحصل، وخاصة بالذات في مناطق معينة، زي ما المنطقة في الكيلو 3.5.

أنور العنسي: استغرق تنفيذ المشروع أكثر من عامين وهي مدة قياسية بالنظر إلى مصاعب ومخاطر العمل فيه، ويبلغ طول الطريق نحو 16.5 كيلو متر علاوة على طرق أخرى متفرعة عنه يصل إجمالي أطوالها إلى 6.7 كيلو مترات وذلك بعرض يترواح بين 7، و9 أمتار.

إعلان

لقد أحدث إنجاز الطريق تحولات اجتماعية ومعيشية مهمة في حياة الجبل وسكانه، شملت تبدلاً في بعض مظاهر الحياة الاجتماعية وفي عادات وتقاليد سكان صبر.
ثمة من يخشى تلاشي بعض الأعراف والمثل التي حكمت علاقات وتعاملات الناس هنا مقابل هيمنة قيام المدنية الجديدة لا تناسب مجتمعهم الزراعي، غير أن آخرين لا يخفون ارتياحهم لهذا التغير.

الحاجة زبون (فلاحة): اليوم يروحون (..) العروسة على مستوى، يروحونها على دنيا وعلى (دواني) وعلى (حلاوة) وعلى (..) وعلى بدلات وعلى كل حاجة وأما (..) من زمان ما كناش نسير (….) الإمام أحمد هاديك مش هاختار، زوجوني بلاش روحوني فوق حمار.. أما اليوم.. بو سيارات وبو دنيا وبو دولاليب وحلاوة الحمد لله.. نحمد الله ونشكره.

أنور العنسي: وباستثناء استمرار قدر محدود من أنماط العيش هنا كتفضيل بعض السكان الاحتطاب واستخدام وقيد الأشجار لطهي غذائهم، فإن حياة الجبل آخذة الآن في التبدل، خاصة مع تسابق بعض المستثمرين لإقامة عدد من المشروعات السياحية وغيرها لخدمة زوار الجبل، من يمنيين وأجانب، ناهيك عن مشروعات صغيرة يتبناها بعض أبناء وبنات صبر.

هدى محمد علي (صاحبة محل صناعات يدوية) : أنا عندي يعني مشروع سياحي صغير بالبلد، بياعة وعندي سواح بأبيع لهم كيف (..) ندي لهم فرطان، نلبسهم اللبس اليمني، (نمقرهم مقرم صبري)، ننقشهم خضاب، نخضبهم.. ننقشهم، نجلس إحنا وهم، نتكلم إحنا وهم على اليمن، يرتاح يعني ينبسطون عندنا.

كريستينا (سائحة ألمانية): سكان المناطق الجبلية يتمسكون بعاداتهم الأصيلة على خلاف أهل المدن، وأجد اليمن بلاداً وشعباً لطيفة جداً على خلاف ألمانيا، الدين في اليمن يتسم بالعمق والمسلمين يتسمون بالعمق في اعتقادهم الديني.

أنور العنسي: فوائد عميمة جلبها شق وتعبيد الطريق، سمح بإيصال خدمات أخرى كالكهرباء والاتصالات وحتى لنقل مواد البناء لإنشاء مشروعات خدمية أخرى، العديد من صبيان وصبايا صبر أخذ يستثمر مجيء الزوار إلى الجبل لتقديم بعض الخدمات السياحية وبيع التذكارات والزهور لهم.

إعلان

عيش الجبال إذن نمط تفكير وأسلوب حياة قابل للتطور ومواكبة متغيرات الزمن رغم قسوة الطبيعة وتبدل أحوالها.

أنور العنسي لبرنامج مراسلو الجزيرة من جبل صبر -محافظة تعز- اليمن.

محمد خير البوريني: مشاهدينا الكرام، إلى هنا نأتي إلى نهاية حلقة هذا الأسبوع من البرنامج، يمكنكم متابعة تفاصيل هذه الحلقة بالصوت والصورة من خلال موقع الجزيرة على شبكة الإنترنت والموقع هو www.aljazeera.net كما يمكنكم مراسلة البرنامج عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي reporters@aljazeera.net أما عنوان البرنامج البريدي فهو: برنامج مراسلو الجزيرة، صندوق بريد رقم 23123 الدوحة – قطر أو من خلال رسائل الفاكس والرقم هو 4860194( 00974) في الختام هذه تحية من المخرج صبري الرماحي وفريق البرنامج، وهذه تحية أخرى مني محمد خير البوريني، إلى اللقاء.

المصدر: الجزيرة