مراسلو الجزيرة

أوضاع الفلسطينيين منذ الانتفاضة وموضوعات أخرى

سياسة العقاب الجماعي التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي ضد ملايين المدنيين الفلسطينيين في الذكرى الثانية لاندلاع انتفاضة الأقصى، إيجابيات وسلبيات التعامل باليورو في أوروبا، أسباب وانعكاسات ظاهرة المشردين في جمهورية جورجيا، مدينة شبام التاريخية باليمن.. التراث والواقع.

مقدم الحلقة:

محمد البوريني

تاريخ الحلقة:

28/09/2002

– أوضاع الفلسطينيين منذ اندلاع انتفاضة الأقصى
– إيجابيات وسلبيات التعامل باليورو في أوروبا

– أسباب وانعكاسات ظاهرة المشردين في جمهورية جورجيا

– مدينة شبام التاريخية باليمن.. التراث والواقع


undefinedمحمد خير البوريني: أهلاً ومرحباً بكم مشاهدينا الكرام إلى أولى فقرات حلقة هذا الأسبوع من (مراسلو الجزيرة).

نعرض لكم مشاهدينا تقريراً مفصلاً عن حال الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية انتفاضة الأقصى، الانتفاضة التي أشعل شرارتها رئيس وزراء إسرائيل (آرييل شارون) الذي انتهك حرمة المسجد الأقصى تحت سمع وبصر وحماية الجيش الإسرائيلي، ونرى في التقرير حياة الفلسطينيين تحت الإذلال والمقاومة والصمود في الوقت نفسه، وما تكبده الفلسطينيون بسبب سياسات إسرائيل المخالفة لكل الأعراف والقوانين بهدف دفعهم للاستسلام أو تقديم تنازلات جوهرية تتعلق بحقوقهم السياسية والدينية والسيادية، وحقهم في العيش كبقية شعوب الأرض الأخرى.

ومن جمهورية جورجيا نعرض قصة تتحدث عن المشردين في بلد يعاني من مجموعة أزمات اقتصادية واجتماعية منذ انفصاله عن الاتحاد السوفيتي السابق بعد انهياره، ونرى أمثلة أو عينات مما يتركه التفكك الاجتماعي والإهمال الرسمي في أي دولة من دول العالم، ودور المؤسسات الدينية أو غير الحكومية في إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

كما نشاهد موضوعاً يتحدث عن العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) بعد مُضي وقت على استخدامها الفعلي، وتداولها بين عامة الأوروبيين في الدول المعنية.

ومن اليمن نعرض منارة جديدة من منارات حضارة تضرب جذورها في التاريخ، ونرى مدينة (شبام) التي بناها أهلها عمودياً من طين بلادهم قبل اكتشاف العالم الحديث البناء الأسمنتي العمودي بقرون طويلة، نزورها ونتجول فيها، ونرى كيف أنها أثر حضاري كبير يحتاج إلى الرعاية والعناية التي يستحقها.
أهلاً بكم إلى أولى فقرات هذه الحلقة.

إعلان

أوضاع الفلسطينيين منذ اندلاع انتفاضة الأقصى

منذ بداية انتفاضة الأقصى الفلسطينية قبل عامين وسلطات الاحتلال الإسرائيلي تفرض حصاراً مشدداً وقاسياً على مختلف المدن والقرى والبلدات والمخيمات الفلسطينية، مانعة ملايين الفلسطينيين من الحصول على أبسط حقوق الإنسان التي كفلتها لهم الشرائع والأعراف السماوية، وتلك التي وضعها الإنسان، هذا عدا عن الخسائر المعنوية والمادية التي أصابت قطاعات واسعة من أبناء الشعب الفلسطيني.

حسب تقديرات أولية فإن الخسائر المادية التي لحقت بالفلسطينيين تقدر بمليارات عديدة من الدولارات، هذا في الوقت الذي ارتفعت فيه نسبة البطالة إلى أرقام قياسية لا مثيل لها في أي دولة من دول العالم.

يؤكد الفلسطينيون أن سياسة إرهاب الدولة المنظم والإغلاقات والحصار إنما تهدف إلى تركيع الفلسطينيين ودفعهم إلى التنازل عن ثوابتهم وحقوقهم المشروعة، وتحقيق مكاسب سياسية وجغرافية على حساب تلك الحقوق، لكن وقتاً طويلاً مضى على الانتفاضة الفلسطينية ولا يزال الفلسطينيون يقاومون الاحتلال ويبدون إصراراً متزايداً، على الرغم من كل إجراءاته القمعية واللاإنسانية.

كيف يعيش هؤلاء القهر والعذاب والحرمان؟ وكيف يقاومون وسط الحديد والنار وتفشي الأمراض المعدية وغير المعدية؟ وما هو مدى تأثير ذلك على عزائمهم وإصرارهم العنيد على التحرر والخلاص من الاحتلال، وإقامة دولة مستقلة تتمتع بالسيادة؟

undefined

جيفارا البديري حاولت إيجاد ذلك وغيره، وزارت إحدى قرى الضفة الغربية كمثال فقط على قضية تطال الفلسطينيين جميعاً على أرضهم.

جيفارا البديري: الأيام تمضي، ومعاناة الفلسطينيين تضطرد، قرىً محاصرة، سكانها سجناء منازلهم، حملنا أمتعتنا وتوجهنا إلى قرىً من يدخلها لن يدرك بيسر أنه في القرن الحادي والعشرين، توجهنا إلى القرى الواقعة غربي نابلس، قرية سالم، وصلنا إليها بعد مغامرة خطرة، والسبب ربما لا يحتاج لإيضاح في هذه القرية، حيث حظر التجوال يُفرض لأسابيع ولا يرفع إلا لساعات، يمكن للعابر أن يختصر معالم المعاناة من الاحتلال في يوم واحد، قررنا تمضيته هناك، وكما هو واضح، فالحكاية تبدأ في الطريق، وجدنا حكايات وقصص يعجب لها العقل، وأخرى يتوقف عندها عن التحليل.

توجهنا إلى المستوصف، وهو الوحيد الذي يخدم أكثر من 50 ألف نسمة، وذلك يعكس حال باقي القرى الفلسطينية، ليس في هذا المركز إلا طبيب عام وأحياناً ممرضة، الحصار يمنع وصول الأدوية للمركز، ويحرم المرضى من الوصول إلى المستشفيات في المدن المتاخمة. حال أنيس حال آلاف وربما عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ في العديد من المناطق الفلسطينية.

د.إبراهيم مبارك (اتحاد لجان العمل الصحي): نقص في الأدوية بشكل عام، وخصوصاً مرضى الأمراض المزمنة، السكري، الضغط، وأمراض القلب، بالإضافة إلى الأمراض المعدية التي بدأت تظهر من جديد مثل (الهباتايتس)، مرض السحايا، أيضاً كمان بعض الحالات.

جيفارا البديري: أثناء وجودنا في المستوصف جاءت بثينة تنتظر مولودها، لكنها ليست كأي سيدة حامل في العالم، لن تتمكن من الولادة في القرية، أمامها طريق واحد، التوجه إلى نابلس المحاصرة أصلاً، لكن الحواجز تطوِّق قريتها، لذا عليها أن تتحمل آلام المخاض، وتقطع الطرق الترابية والحواجز العسكرية سيراً على الأقدام لتصل إلى سيارة الإسعاف.

إعلان

بثينة محمود (سيدة حامل): ما فيش أول إشي مستشفى، وبعدين ما فيش يعني دكتور مختص.

جيفارا البديري: طيب وهلاَّ وين بدك تروحي؟

بثينة محمود: على مستشفى (رافدية) إن شاء الله.

جيفارا البديري: في نابلس.. كيف (…) بتقطعي الحاجز؟

بثينة محمود: بنشوف إذا قدروا يمرقونا اتصلنا في سيارة الإسعاف، طلبنا المساعدة منهم علشان يقدروا يمرقونا أصل للمستشفى.

جيفارا البديري: طيب مش راح تتعبي وأنت تمري؟

بثينة محمود: راح أتعب، بس يعني راح أتحمل علشان أصل للمستشفى أولد الجنين غاد.

جيفارا البديري: بثينة واصلت طريقها تحاول اجتياز الحاجز، بل تتحداه، ولدى وصولها كان الجيب العسكري يحتجز سيارة الإسعاف وطاقمها.

فراس حسن (ضابط إسعاف): هون أصعب منطقة في العالم، يعني ولا عمرها صارت في التاريخ إنه نيجي نحمل ولاَّدة عبر هذه الحواجز الترابية اللي أنتوا شايفينها، بنفس الوقت أهالي القرى يعني عم بيعانوا معاناه مش طبيعية، يعني هذا أكتر أنواع التعذيب اللي بيتعرض إله الشعب الفلسطيني من ذل وإهانة، و.. حتى الإنسان المريض ما عم نقدر نأخذه إلى المستشفيات كمان، وهذا أبسط حقوق الإنسان، يعني هاي أبسط حقوق الإنسان إن الواحد ييجي يقدر يأخذ مريض.

جيفارا البديري: وإيش..؟

فارس حسن: يعني عندك الصورة واضحة، بنيجي ما نأخذ بيجوا الجيش بيعترضونا واللي.. واللي شو اسمه.

جيفارا البديري: والحواجز.

فارس حسن: والحواجز الترابية والهذا، وكتير من الأحيان بنضطر إننا نولد في داخل الأمبولانس.

جيفارا البديري: عدنا أدراجنا مجدداً إلى القرية فوجدنا الأطفال في الشوارع يحاولون اختزال ثوانٍ معدودات بين عبور جيب عسكري وآلية مصفحة، لكن قصصا أخرى تقشعر لها الأبدان كانت في الانتظار.

عائلة عيسى، ثلاثة أجيال، فقدوا المعيلين الثلاثة أحمد ومحمود وحسن، معتقلون في سجون الاحتلال، أصدر الاحتلال بحقهم أحكاماً مؤبدة مكررة، بسبب اشتراكهم في التعبير عن رفض الاحتلال والذل ومقاومة المساس بكرامتهم وكرامة شعبهم وسلب أرضهم. أطفال لا يجدون ملاعب ولا حتى مدارس يذهبون إليها، يجدون فقط ساحات يدرك من يدخل إليها حجم المآسي التي تعكس الوضع الصحي والنفسي لهم، حالات عديدة من الأمراض المعدية انتشرت بين الأطفال، (اليرقان) ذلك المرض المعدي أصاب ليزا، التي لم تتجاوز الخامسة من عمرها، عيناها تعكس طفولة مسلوبة، وفي ظل الحصار وفقدان القدرة على الحصول على التطعيم ضد الأمراض والعلاج الطبي انتقل المرض إلى اثنى عشر فرداً هم بقية ذرية العائلة.

أما المياه فهي مقطوعة، ومن يقطعها غير الاحتلال؟ وإذا توفرت بعض مياه الأمطار فقد تصلح لكل شيء إلا الشرب.

آمنة عيسى (مواطنة من قرية سالم): طبعاً ما فيش نظافة، ما فيش دكاترة اللي نوصل عليهم، ما فيش طرق، ما فيش ميه عندنا طبعاً، وما فيش وضع صحي، لأنه مش قادرين نصل لأي دكاترة ما فيش طرق عندنا.

جيفارا البديري: وبنتك زمان إلها مريضة؟

آمنة عيسى: آه زمان، إلها تقريباً شهر.

جيفارا البديري: ومش قادرة تطيب.

آمنة حسن: لأ.

جيفارا البديري: وبعد أن فقدت هذه الأسرة الفلسطينية من يعيلها يبقى الشيخ عيسى، هذا الشيخ الجليل والمقعد هو رب الأسرة الوحيد، يغالب عبرته على أرضٍ صُودرت وزمن مضى، عاصر أجيالاً وأجيال، لكن كل ذلك لم يغفر له عند جنود يحتلون وطنه.

الحاج/عبد الله عيسى (مزارع فلسطيني): هاي أرضنا بدهم يأخذوها منا غصب، ما يأخذوهاش منا غصب، لبنموت فيها يا بنحيا فيها، من ترك حقه ليس له حق. هاي أرض أبائنا وأجدادنا.

جيفارا البديري: حياة بسيطة لأناس بسطاء، همهم الأول جمع قوتهم اليومي لاستمرار هذه الحياة، إلا أن احتلالاً بترسانته العسكرية المعزز بالمستوطنين يحاولون حرمانهم من أبسط الحقوق الإنسانية، إلا أنهم يصرون مع كل ذلك على البقاء في هذه الأرض.

إعلان

فأبسط الحقوق الإنسانية هم محرومون منها، على رأسها فلاحة الأرض والحصول على خيراتها، خيرات لم يعد منها إلا حسرات ودموع واستغاثات تصل إلى آذان صماء.

محمد اشتيه (مزارع فلسطيني): الحليب هذا نقص، طبعاً لأنه من قلة وجود المادة الغذائية اللي هو العلف، طبعاً من الاجتياح الأول لمدينة نابلس لحد ما.. حتى اليوم نقص عندنا العلف، والإنتاج هذا كان للبقرة.. لرأس البقر الواحد يعمل 2 دلوين، باللجبة الوحدة، طبعاً قلة العلف وهاي كما تشاهدين نصف الدلو فقط للرأس الواحد.

وبرضو بنعاني من مشكلة اقتصادية سيئة جداً، أولاً الموارد الاقتصادية اللي هي قلة العلف ما.. ما موجودة، عدم المادة الغذائية اللي بننتجها، اللي هي الجبنة، بنحولها للجبن هذا، ما فيش إن.. اللي نسوِّقه، وبنضطر إحنا هون نوزع هاي على باقي الجيرة.. على الجيران الموجودين حول.. حوالينا.

جيفارا البديري: عدنا أدراجنا لنعبر نفس الطريق التي سلكناها، وتوجهنا إلى رام الله، إلى غربي المحافظة تحديداً، ولم تكن الصورة مختلفة، حواجز تغلق الشوارع، والآلاف من الدونمات المصادرة، هذه الأراضي المزروعة مصادرة، يزرعها المستوطنون الذين يحتلون التلال، أما التلال القاحلة فهي ما تبقى من أراضي الفلسطينيين القاطنين في قرية الجانية التي لا يوجد لديها أي مدخل أو مخرج، والطرق لا يسلكها أصحابها، ويحرسها جنود الاحتلال للمستوطنين.

أما قرية (عين عريك) القريبة فحالها لا يختلف عن (ديربذيع) و(دير السودان) و(أم الصفا) و(ديرغسانة) و(بيت ريما) وغيرها من عشرات القرى التي تُغلق مداخلها ومخارجها بالسواتر الترابية، ولكن إرادة إلهية تدب القوة والعزيمة في نفوس مئات الألوف، فيجدون في كل مرة مخرجاً جديداً، إلا أن التخوف من أمراض مزمنة بسبب الأتربة والغبار وأوقات المشي الطويل تبقى هاجساً لديهم إلا أن لقمة العيش تهون أمامها الصعاب.

سهاد حمدان (مواطنة فلسطينية): بيمروا في القرى يعني وبيبلشوا يطخوا بدون أي سبب خاصة بالليل يعني بعد نص الليل، مانعينا نمرق من الطريق المعبدة اللي هي أصلاً إحنا بنيجي منها اللي بتمر عبر (دير بذيع)، ليش؟ لأنه المستوطنين بيرفضوا إنه إحنا وياهم نمشي على نفس الطريق، فحالياً بيمنعوا السكان المحليين، وبيسمحوا للمستوطنين إنه يمشوا على هاي الطريق، يعني سبق وطلبنا إنه إحنا نستخدم الطريق فرفضوا بشكل نهائي.

جيفارا البديري: عشان هيك تيجوا هون.

سهاد حمدان: عشان هيك بنضطر يجي على هاي الطرق.

جيفارا البديري: بتعانوا فيها؟

سهاد حمدان: بالتأكيد بنعاني، بنعاني من كثير شغلات يعني، بنعاني مثلاً الغبار هاي اللي معظم الناس صارت بتحس في إشي بصدرها.

وليد سمحان (سائق سيارة أجرة فلسطيني): يعني البهيم ما بيمشي في الطريق هذا.

جيفارا البديري: ليه؟

وليد سمحان: لأنه علشان الغبارة، زي ما أنت شايفة هايد سيارتنا انتهت ما بيطلعش.

جيفارا البديري: من وين أنتم كنتوا تروحوا وتيجوا أصلاً؟

وليد سمحان: إحنا كنا بنروح من هاي الخط القديم.. هاي الخط تبعنا، هاي الخط هذا، هذا هو الخط القديم.

جيفارا البديري: وبعدين؟

وليد سمحان: ها الكيت لغوه الخط (…) وأعطوه للمستوطنين وإحنا بنمشي من هون زي ما أنتِ شايفة، هاي كل التاكسي (…) يتبع من الطريق الوعر، كلها معاناة في معاناة، علينا، وعلى الركاب، وعلى السيارات، وعلى.. الجميع.

جيفارا البديري: أما المدارس فأبوابها لا تُفتح إلا برحمة جنود الاحتلال، وفي ظل كل ذلك يجابه الكبير قبل الصغير التحديات مع عدم التمكُّن من الوصول إلى أماكن العمل.

أنيس مخلوف (تلميذ بمدرسة): الجيش وين ما نروح بيلاقونا.

جيفارا البديري: طيب.

أنيس مخلوف: وما بيخلوناش نعمل واجب ولا إشي.

جيفارا البديري: وبتروح المدرسة أنت؟

أنيس مخلوف: آه.

جيفارا البديري: طب وكيف.. يعني ها قَدّ الجيش بيضايقكم إنه مش عارفين تمرقوا هيك طرق خربانين؟

أنيس مخلوف: آه.

جيفارا البديري: شو آه؟

أنيس مخلوف: ما نعرفش نمرق، وين ما نروح نلاقيهم قدامنا.

جيفارا البديري: ويسير أنيس ويسير معه ملايين الفلسطينيين محاولين مواصلة الحياة يحدوهم الأمل في استقلالٍ موعود تجمع غالبيتهم الساحقة على أنه آتٍ لا محالة.

معاناة ما بعدها معاناة، طرق تُفتح للمستوطنين الذين يحتلون أرضاً فلسطينية، وتغلق في وجه من يملكها، هؤلاء الناس وهذه السيارات ليس بداخلها إلا فقط أطفال ونساء وشيوخ يريدون فقط الوصول إلى المدارس والمستشفيات وأماكن العمل للحصول على قوتهم اليومي، كل ذلك هم محرومون منه، وهذه الأراضي التي تصادر لا يملكون فقط إلا النظر إليها والحسرة على هذا الزمان، ليبقى السؤال: هل الفدائيون الذين يضحون بكل شيء جاءوا من لا شيء؟ فهذه المعاناة هي أكبر دليل على كل ذلك إلا أن الفلسطينيين في كل صباح جديد لا يملكون إلا القول أن الصبر هو مفتاح الفرج.

إعلان

جيفارا البديري- لبرنامج (مراسلو الجزيرة)- من قرى غربي رام الله المحتلة-فلسطين.

إيجابيات وسلبيات التعامل باليورو في أوروبا

محمد خير البوريني: فرحة كبيرة سادت بعد اعتماد اليورو عملة رسمية لما سيتركه ذلك من آثار إيجابية على الدول الأوروبية المعنية، ولكن بعد وقت من استخدام هذه العملة يبدي كثيرون تذمرهم منها على الرغم من جميع الإجراءات التي اتخذتها دول الاتحاد الأوروبي لتسهيل تداولها بين العامة.

تقرير لبيب فهمي من بروكسل.

undefined

تقرير/لبيب فهمي: الفرحة التي عمَّت شوارع المدن الأوروبية في مطلع هذا العام استقبالاً للعملة الأوروبية الموحدة (اليورو)، والتي شارك فيها جنباً إلى جنب المواطنون العاديون والمسؤولون كانت تتويجاً لنجاح سنوات من العمل في الدوائر المالية الأوروبية لتسهيل عملية اعتماد اليورو في جانبيها التقني والإنساني، وقد شهدت هذه العملية نجاحاً كبيراً منذ الأيام الأولى نتيجة هذه الاستعدادات التي سبقت الاعتماد الرسمي مما أدى إلى تبني الأوروبيين في مجملهم للعملة الجديدة، حيث أدرك هؤلاء أن اليورو هو مفتاح وحدة أوروبا الحقيقية، وهو الذي يمنح لأوروبا مكانة دولية ويسهل الاتصال بين شعوب هذه القارة.

مواطن بلجيكي: سيمكننا اليورو من السفر دون أن نشغل بالنا بصرف عملات مختلفة والذهاب إلى البنك الذي يكلف وقتاً.

مواطنة بلجيكية: اليورو برهان فعلي على الوحدة، وسيسهل المعاملات في الحياة العادية..

لبيب فهمي: ورغم هذا الإقبال على العملة الأوروبية الموحدة فإن البعض يبدون ضيقهم منها، وعلى رأسهم كبار السن نظراً لتعقد الحساب ومشاكل التأقلم مع القطع الجديدة، وخاصةً تقدير قيم الأشياء.

صاحبة محل تجاري: تضررت من جرَّاء اعتماد اليورو، لأن ذلك فرض عليَّ عملاً زائداً، حيث عليَّ تغيير جميع الأثمان وحفظها عن ظهر قلب باليورو، بعد أن كنت أعرفها بالفرنك البلجيكي.

لبيب فهمي: ولتفادي شكاوي الزبناء من مشاكل التعامل باليورو جندت المحلات التجارية الكبرى منذ الأيام الأولى مستخدميها لتقريب العملة الجديدة من المستهلكين.

مواطنة بلجيكية: سأعطيكِ مائة وخمسين فرنكاً، أضغط على زر التحويل، لديَّ أيضاً عدد لا بأس به من القطع والأوراق النقدية باليورو، عشرون يورو، واحد وأربعون يورو، اثنان وأربعون يورو.

لبيب فهمي: وكان الاتحاد الأوروبي من جانبه قد وضع برامج خاصة في كل الدول التي اعتمدت العملة الجديدة لتعريف المواطنين باليورو، وركز المسؤولون الأوروبيون برامجهم على بعض الشرائح من المجتمع التي تعتبر الأكثر عرضةً للارتباك من جرَّاء تغيير العملة.

مسؤولة سابقة في الاتحاد الأوروبي عن برامج التعريف باليورو: كما تعلمون جميعاً لقد وضعنا في المفوضية منذ ثلاثة سنوات برنامجاً يُدعى "اليورو بشكل أسهل"، والذي هو حصيلة مشاريع مولها الاتحاد في عدد من الدول الأعضاء، وكان الهدف هو وضع معدات إعلامية مناسبة لبعض الشرائح الاجتماعية التي قد لا يستطيع برنامج التعريف باليورو العادي مساعدتها.

لبيب فهمي: ويعتبر برنامج مساعدة العميان الذي يركز على تسهيل تمييز القطع النقدية المختلفة رغم كثرتها أحد أفضل هذه البرامج التي وضعها الاتحاد الأوروبي.

مسؤولة عن معرض للتعريف باليورو: القطع النقدية مصكوكة على هذه الورقة، وعندما نأخذ واحدة منها علينا أن نحاول باللمس فقط معرفة قيمتها والبحث في كيس يحتوي على عدد من القطع النقدية عن قطعة تماثلها، وذلك دائماً عبر استعمال حاسة اللمس فقط.

لبيب فهمي: كما حظي كبار السن بلقاءات خاصة لاكتشاف العملة الجديدة، حيث قامت سلطات كل بلد بإرسال مختصين إلى دور العجزة للإجابة عن استفساراتهم، وتلقى الأطفال لعباً تلقنهم استعمال اليورو بطريقة مرحة، ومن الشرائح التي اهتمت بها الدوائر الأوروبية أيضاً المهاجرون من مختلف الجنسيات، حيث تلقوا من جانبهم معلومات بلغاتهم مما أدى إلى تبنيهم للعملة الجديدة بشكل أسرع مما كان منتظراً، وذلك رغم تضررهم نتيجة الغلاء الذي صاحب عملية الاعتماد.

أحمد (صاحب مكتبة): في البداية كان شوية صعوبة، كانت يعني الناس ما مولفاش على يعني العملة يعني التغيير وهذا الشيء كانت شوية صعوبة، ولكن الآن يعني مع.. مع يعني استمرار.. هذا اليورو يعني بصفة يعني عادية ما.. ماكنتش مشكلة، يعني الناس دلوقتي بتتعود شوية تفهم اليورو زين..

سمير (صاحب مقهى): لقد غير اعتماد اليورو الكثير من الأشياء في حياة الأجانب هنا ببلجيكا، فمثلاً لم نعد مضطرين إلى صرف عملات مختلفة كما كان يحدث في كل مرة.

لبيب فهمي: ويعتبر الصيارفة الخاسر الأكبر من عملية اعتماد عملة موحدة حيث سيخسرون نصف أرباحهم، وسيضطر قسم منهم إلى التوقف عن العمل، بينما سيتخصص آخرون في تقديم خدمات جديدة كتحويل الأموال مثلاً، واليوم وبعد أن دخلت العملات الوطنية متحف التاريخ، تحوَّل شعار اليورو إلى مادةٍ كغيرها من المواد التي تستقطب السياح والهواة والمستهلكين.

اعتماد اليورو إذا ورغم ما أحدثه في بدايته من ارتباك في المعاملات النقدية لدى شرائح من المجتمع البلجيكي لم يغير في شيء من العادات الشرائية والاستهلاكية لكافة المواطنين.

لبيب فهمي-برنامج (مراسلو الجزيرة)-بروكسل.

[فاصل إعلاني]

محمد خير البوريني: ونعرض -مشاهدينا- مجموعة من رسائلكم من خلال هذه الفقرة التي خُصصت لذلك.

نبدأ برسالة بعثها المشاهد علي زايد من الجماهيرية الليبية، يقترح علي إعداد تقرير من فلسطين يتناول الدور البطولي الذي يقوم به الفلسطينيون وإظهار حقيقة الأمر أمام العالم، وما يجري في الأرض المحتلة من جرائم بشعة ارتكبتها إسرائيل، وكذلك تسليط الضوء على الصعوبات التي تواجه الفلسطينيين هناك.

نجيب علي بأننا قد عرضنا موضوعات عديدة على مدى السنوات الماضية تجيب على المقترح الذي ورد في رسالتك، فطبيعة الصراع والأهمية القصوى للقضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي تجعل من الضرورة مواكبة ما يجري وتسليط الضوء بشكل مستمر على جميع القضايا المطروحة، وهذا ما نقوم به تماماً، ونتمنى أن تكون قد شاهدت التقرير الذي عرضناه في بداية هذه الحلقة.

ومن السعودية بعث إسحاق إسماعيل عباس، يقول المشاهد: إنكم -أي البرنامج أو (الجزيرة)- لم تهتموا بالمشاكل الموجودة في أرتيريا من قريب أو بعيد مع أن مشاكل هذا البلد ليس لها حدود ولا تخفى على أحد، ويسأل المشاهد: نريد أن نعرف ماذا يدور في ذهن الحكومة الأريترية التي وعدت الشعب بالازدهار القريب، وقد مضى أكثر من أحد عشر عاماً ولم تتحقق أبسط الأشياء على هذا الصعيد كما أنه لا يوجد حتى فضائية أرتيرية ناهيك عن حقوق الإنسان ومن يقبعون في السجون بدون محاكمات، هذا عرض موجز لما ورد في رسالتك.

لقد زرنا أريتريا أكثر من مرة وحاولنا الخروج ببعض الموضوعات من هناك، ونتمنى أن تتمكن من مشاهدة المزيد في حلقات مقبلة.

وهذه رسالة أخرى بعثها محمد عيسى الشيخ أحمد فال من نواكشوط في موريتانيا، يقول المشاهد: لاحظت أن العديد من حلقات البرنامج أُنجزت بناءً على طلبات السادة المشاهدين، الأمر الذي.. الذي دفعني للكتابة إليكم بدوري، يطلب المشاهد تخصيص حلقة من هذا البرنامج تتحدث عن ملف القضاء في موريتانيا أو وضعية العدالة في الجمهورية الإسلامية الموريتانية حيث يعيش من يلتجئون إلى هذا القطاع مآسٍ حقيقية منذ عشرات السنين، فالأحكام القضائية لا تصدر في الغالب إلا لصالح الموالين للنظام، حسب تعبير المشاهد ونص رسالته، ويتابع: وإذا صدرت تلك الأحكام لصالح غير الموالين للنظام فإنها لا تُنفذ، والمتحدث إليكم هو أحد ضحايا غياب العدالة في هذا البلد، يقول صاحب الرسالة.

نجيب المشاهد الموريتاني بالقول إنه ليس بوسعنا أن نشكك في أي نظام قضائي على الإطلاق في أي بلدٍ كان، وفي الوقت نفسه لا ننتقص من وجهة نظرك على الإطلاق أيضاً، لقد سبق وعرضنا موضوعات من موريتانيا، وسوف نحاول إنجاز موضوعات جديدة، نرجو أن يكون الموضوع الذي طلبت من بين هذه الموضوعات.

ومن إسبانيا أرسل إلى البرنامج المشاهد محمد محمود ولد أحمد، يطلب محمد تقريراً خاصاً عن حال العرب والمسلمين في إسبانيا.

نقول للمشاهد: إننا بصدد إعداد مجموعة من الموضوعات من إسبانيا ونرجو أن تنال رضاك عند عرضها في حلقات مقبلة ويعمل على إعدادها الزميل أحمد كامل.

من سلطنة عمان بعثت حليمة خلفان أحمد رسالة طرحت فيها سؤالين يتعلقان ببرامج أخرى وبإدارة (الجزيرة) حيث نعتذر عن الإجابة عليها في هذا البرنامج لأنهما خارجان عن نطاق عملنا، لذلك نطلب من المشاهدة مخاطبة إدارة (الجزيرة) مباشرة بهذا الشأن لمزيد من الإيضاح، كما تطلب المشاهدة عرض تقريرعن أوضاع المسلمين في الشيشان وكوسوفو وآثار الحرب هناك من النواحي كافة.

بالنسبة للموضوع الأخير نقول: لقد قمنا بعرض موضوعات من الشيشان سابقاً، ولكن نظراً للأوضاع الصعبة والمؤسفة التي مرت بها الجمهورية فإن السلطات الروسية تشدد بشكل كبير على دخول وسائل الإعلام إليها، الأمر الذي لا يزال يعيق إنجاز موضوعات جديدة، أما بالنسبة لكوسوفو فقد عرضنا موضوعات عديدة وواكبنا تطورات ما حصل في الإقليم منذ البداية، وسوف نواصل عرض المزيد من الموضوعات من هناك..

ورسالة من المشاهد نينب أمو من بيروت في لبنان يقول فيها: أطلب -منكم حسب إمكانياتكم- موضوعاً عن الآشوريين يعرض في برنامج (مراسلو الجزيرة) إذ لم أرَ موضوعاً خاصاً عن الآشوريين في قناة (الجزيرة)، وخاصة ما يتعلق بالتقاليد والتراث والحضارات.

يتابع المشاهد أرجو أن يكون الموضوع عن الآشوريين في شمالي العراق وسوريا وكذلك في إيران أو لبنان.

معك كل الحق فيما طرحته، لكننا كنا قد تطرقنا ضمن موضوعات مختلفة عرضناها على الحضارة.. إلى الحضارة الآشورية لاسيما في العراق، حاولنا سابقاً طرح موضوعات مماثلة من سوريا، ولكننا لم نتوفق بسبب ممانعة شفهية تلقيناها من الجهات المعنية، وكذلك حاولنا طرح موضوعات مماثلة من إيران وكان الحال كذلك أيضاً، نرجو أن نتمكن من ذلك مستقبلاً وعندها سنقوم بعرض ما طلبت.

مشاهدي الكرام، نكتفي بهذا القدر من الردود على رسائلكم في هذه الحلقة حسب ما سمح به الوقت ونعود لمتابعة ما تبقى.

أسباب وانعكاسات ظاهرة المشردين في جمهورية جورجيا

كان المشردون في العالم على الدوام ضحايا للإهمال والتفكك وانتشار الفساد والتسيب والضعف السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي الأُسري.

ظاهرة المشردين تبدو واضحة في جمهورية جورجيا التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي السابق.

أكرم خزام كان هناك وأعد التقرير التالي.

undefined

أكرم خزام: حديث الناس في تبليسي عاصمة جورجيا الحبلى بالأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ينصب على ازدياد عدد الأطفال المشردين الذين يسرحون دون أهلهم في مترو الأنفاق، الذي يعتبر بالنسبة لهم مرتعاً للهو والهروب من رقابة رجال الشرطة الذين يلقون القبض عليهم بين الحين والآخر.

بيد أن هذه العملية تعتبر نادرة نظراً لعدم قدرة الحكومة على استيعاب المشردين من أطفال أو بالغين في العمر تخلى عنهم الأهل بسبب الفقر تارة أو الإدمان على المخدرات والكحول تارة أخرى.

النزيف الناجم عن هذه المشكلة التي تقض مضاجع المجتمع الجورجي لا يندمل أمام اتهامات للدولة بتقصيرها في تطويق هذه المشكلة الاجتماعية أو في السعي للقضاء عليها.

على بعد 70 كيلو متراً من تبليسي العاصمة وتحديداً في قرية (دزكيفي) أهدت الكنيسة الأرثوذكسية مساحة من الأرض للذين وهبوا أنفسهم لرعاية الأطفال والبالغين في العمر من المشردين.

في هذا المكان وبين هذه الجدران المتسخة نكتشف مصير أطفال وبالغين في العمر حرموا من الأمومة، فوجدوا أنفسهم في أمكنة تحفر في ثناياها قصصاً متنوعة لا يخفف من غلوائها سوى إصرار المؤمنين بفعل الخير على تربيتهم وتأهيلهم للعيش بشرف وكرامة تعويضاً عن تربية الأهل الذين لا يعرفون حقيقة ما يجري مع أطفالهم.

الراهبة روسيكو (كنيسة قرية دزكيفي/جورجيا): دوري يتمثل في زرع الفضيلة داخل نفوس المشردين وإيجاد مناخ صحي لتطوريهم روحياً وثقافياً.

أكرم خزام: الراهبة روسيكو تعمل منذ سبعة أعوام في هذا المكان بطلب من الكنيسة وتشير في حديثها إلى الأوضاع الصعبة للمشردين ناهيك عن ندرة المساعدات من قِبَل الجمعيات الخيرية أو من قِبَل الدولة.

رعاية المشردين تعكس قصة عمل دؤوب يشارك فيه قلة من أهل الخير، لعل في ذلك ما يساعد على تربية جيل يلخص تناقضات المجتمع الجورجي.

عاملة في رعاية المشردين (كنيسة قرية دزكيفي/جورجيا): الحياة هنا ليست سهلة، ولكي نتعرف عليها بشكل حقيقي لابد من العيش هنا لعدة أيام وعندها يمكن اكتشاف حجم المأساة لهؤلاء الأطفال.

أكرم خزام: هذه المربية لا تستطيع الكلام عن الأسباب الحقيقية لتفاقم ظاهرة التشرد كما تتهرب من الحديث عن دور الدولة في معالجة هذه الظاهرة مشيرة إلى أنها مجرد مربية.

المشرفون على تربية الأطفال أو البالغين في العمر أكدوا لنا أن عدداً من فاعلي الخير قدموا مساعدات مالية لكنهم توقفوا عن ذلك أمام تفاقم أوضاع هؤلاء المشردين.

مشرف على تربية الأطفال المشردين في القرية: أهم مشكلة تواجهنا تتمثل في تأمين الكادر اللازم لتعليم الأطفال، خاصة وأن ذلك يتطلب أموالاً كثيرة غير متوفرة لدينا.

أكرم خزام: على أن الأطفال والبالغين في العمر لا ينسون ما يحصلون عليه من رعاية بالرغم من مسحة الحزن البادية على وجوههم.

هذا الشاب لا يستطيع نسيان قصة أبيه الذي طلق أمه التي لم تستطع توفير ما يلزم فوجد نفسه هنا.

ألكسندر (أحد الشباب المشردين): يتعاملون معنا بشكل جيد، ويوفرون لنا إمكانية التعليم، ويساهمون في تربيتنا روحياً وثقافياً.

أكرم خزام: ألكسندر أنهى دراسة المرحلة الثانوية ويستعد للانضمام إلى الجامعة، ويحلم بأن يصبح مهندساً في البرمجة ويجد أبويه لكي يساعدهما ويعيش معهما.

ويبدو أن محدثنا لا يدري أن القائمين على تربيته وتربية غيره من الأطفال والبالغين في العمر المشردين يخشون من إمكانية إغلاق هذا المبنى بسبب عدم قدرة الكنيسة على الاستمرار بتقديم الدعم المالي والمادي.

العوالم النفسية للمشردين في هذا المكان تبدو بشكل واضح من خلال الرسوم التي تظهر على جدران إحدى الغرف التي تحولت إلى مكان لممارسة الرياضة، وللتعبير عما يجول في نفوس الأطفال المشردين من خلال رسوماتهم.

الغائب في جولتنا في هذه القرية هو الحكومة التي لا تقصر في مجال رعاية الأطفال فحسب وإنما في مجالات عديدة أخرى.

أكرم خزام-لبرنامج (مراسلو الجزيرة)- قرية دزكيفي- جورجيا.

مدينة شبام التاريخية باليمن.. التراث والواقع

محمد خير البوريني: إلى شبام في محافظة حضرموت في اليمن، شبام من أقدم ما أنجزه الإنسان وأبدع صنعه.

يعد مسجد هارون الرشيد الذي بني في عهد النبي محمد -عليه السلام- في بداية الفتوحات والدعوة الإسلامية من أبرز معالم شبام.

بناها أهلها بهذا الشكل العمودي منذ مئات السنين من طين أرضهم قبل أن يعتمد مهندسو الأسمنت والحديد المعاصرون البناء العمودي في المدن الحديثة.

الأمر الذي يشهد من جديد على مساهمة العرب الحقيقية في الحضارة الإنسانية لمن يحاولون إنكار ذلك.

فالبناء والاختراع والابتكار ليس إلا ثمرة لتجارب حضارية طويلة كان العرب والمسلمون عموماً سباقون إليها قبل اكتشاف تقليعة وصمهم بالإرهاب لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية ضيقة بآلاف السنين.

الدليل المادي خير برهان على عظمة الأمم وسبقها الحضاري عندما كان الآخرون يتخبطون في ظلمات الجهل ومغاور التاريخ المعتمة.

أنور العنسي زار شبام وأعد التقرير التالي.

undefined

تقرير/أنور العنسي: لكأنها هنا باقية منذ أمد سحيق، متراصة شامخة تناطح السحب وتشهد على صيرورات الأرض والزمن.

إنها شبام المبنية من طين الخرافة وماء الأساطير.

موسوعة بنايات طينية شاهقة يتمايز كلها عن بعضه في تنوع فريد، ويتوحد جميعها في فلسفة بناء تقليدي أبدعت نظرياته عبقرية المكان وراكمت تطوره عصور من التفكير الخلاق التواق إلى جعل الأرض المصدر الوحيد لنظام حياة وعمران يتلاءم مع الخصائص الجغرافية والمناخية لبيئة أجود وأغلى ما تمتلكه هو التراب ليس إلا.

أورسولا إيجل (خبير ألمانية): المنطقة شهيرة بمبانيها المميزة، وهذا لا يقتصر على شبام فقط، فثمة مبانٍ أخرى موجودة في دعان وتريم و(سيئون) شبام تمتلك قيمة خاصة ومميزة، لأنه لا يوجد في أماكن أخرى في حضرموت أو العالم هذا الكم الهائل من المباني القديمة مصمم بهذا الارتفاع. لهذا السبب اعتبرت شبام من قبل منظمة اليونسكو تراثاً إنسانياً، وهذا أمر له أهميته، أعتقد أن من واجبنا وكذا اليمنيين الحفاظ على هذه المعجزة الحية للأجيال القادمة، وأن نجعلها مصدر حياة ونفع مادي، وليس فقط مجرد متحف.

أنور العنسي: عشرات الدراسات والأبحاث العلمية التي تناولت التخطيط المديني والعمراني لمدينة شبام خلصت إلى اعتبارها إحدى أهم ذخائر ومستودعات التراث الإنساني تتوجب رعايته والحفاظ عليه.

مرعي بدر الجابري (مسؤول محلي): سميت باسم ملكها شبام بن حضرموت بن سبع الأصغر، بنيت في القرن الخامس قبل الميلاد، وهي تعتبر مفخرة من مفاخر فن العمارة الطينية اليمنية، حيث أن بيوتها الحالية القائمة بنيت منذ مئات السنين، ولازالت قائمة إلى يومنا هذا، فأقدم بناء موجود فيها هو جامع هارون الرشيد، الذي بني في أيام عامل الرسول في حضرموت عامر بن زبير، والذي أعيد ترميمه وبناؤه في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد ولذا نسب إليه، أيضاً هناك مسجد الخولي، ثم القصر الشمالي الذي يمتد عمره لأكثر من 900 عام، بيوت المدينة تتكون من حوالي من 6 إلى 9 طوابق.

أنور العنسي: تعتمد نظريات البناء في شبام-حضرموت على مادة الطين ممزوجة بتبن الشعير، ويقوم على تنفيذ هذا النمط من المعمار بناؤون مهرة وفقاً لقياسات وقواعد محددة تؤمن لبيوت الطين درجة تهوية ملائمة، صيفاً وشتاء، وتلبي مختلف الاحتياجات المعيشية لسكانها.

حسين عيديد (منتج وخبير سياحي): معروف إنه البيت الشبامي كل طابق مخصص لوظيفة معينة، فمثلاً الدور الأرضي كان يستخدم كمستودعات للبضائع والحبوب، والدور الأول كمخازن أيضاً، الدور الثاني كان يستخدم لـReception استقبال للضيوف من الرجال، والدور الثالث كان يستخدم كاستقبال للضيوف من النساء، الدور الرابع وما فوقه كان يستخدم لكبير العائلة وأولاده.

أنور العنسي: هذا النمط المتطور من البناء الطيني يمثل في نظر البعض نتاجاً لعصور من الازدهار الثقافي والاجتماعي عاشتها المدينة.

حسن فرج محمد بن عمر (المجلس المحلي-شبام): من مزايا البيوت بحيث إنك تستطيع أن تدخل من البيت الأول في شبام وتخرج من آخر بيت، عندنا كل البيوت متصلة ببعض ولها مداخل خاصة بين البيوت، أما من ناحية الجانب الثقافي، إحنا الآن بصدد البدء بتنفيذ برنامج كبير وهو المحافظة على عناصر التراث في المدينة، على أساس خطة ثقافية تحافظ على الجوانب التراثية في المدينة، بحيث أن هناك عدة جوانب تراثية يجب المحافظة عليها ومعرضة للإندثار كالفنون الشعبية والحرف اليدوية وصناعة المواد.. المواد المعمارية كالنوافذ كالأبواب و…

أنور العنسي: تقصد الصناعات الحرفية.

حسن فرج محمد بن عمر: الصناعات الحرفية التي كانت موجودة في الماضي نحاول إن إحنا الآن نعمل جمعيات تشجيع لاستمرارية الجمعيات هذا والمهن على نفس النمط القديم، وهناك برضو الجمعيات التي تحافظ على أعمال الحياكة والفنون الشعبية والتراث الشعبي وتجميع وتدوين الفنون الشفهية.

أنور العنسي: شبام التي تلهب خيال عديد من عشاق الجمال والرسامين والشعراء تفتقر إلى بعض الخدمات الأساسية، وتكاد لا تحقق أدنى فائدة من قدوم آلاف السياح الذين تستقبلهم سنوياً.

حسن فرج محمد بن عمر: يزور شبام سنوياً حوالي 60 ألف سائح لا تستفيد منهم المدينة بأي عائد أو أي رسوم تعود بالمنفعة لمصلحة الصيانة والمحافظة على المدينة.

أنور العنسي: واقع الحياة في شبام، يبدو متفاوتاً ومختلفاً عن ذي قبل بالنسبة لكثير من سكان المدينة، فاهتمام البعض بمعيشته اليومية يبدو مقدماً على ما عداه.

أخطر ما يتهدد ناطحات شبام قدم بنائها وتأثير الأجزاء المتهدمة من مبانيها على البقية الأخرى منها. علاوة على عوامل وتحديات أخرى.

جمال أحمد بامخرمة (الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية): من هذه المشاكل هي شبكة المجاري القديمة في المدينة، فتؤثر كثيراً على المباني ولكن الآن عندنا مشروع جديد شبكة جديدة ومحطة معالجة، وإن شاء خلال الشهرين القادمين نطبق التنفيذ في الشبكة بحول الله، لكن تبقى أمامنا مشكلة كبيرة هي المباني القديمة في المدينة، لأن لها خصوصية معينة مدينة شبام، إذا انهار أو تأثر أي مبنى واحد يؤثر على ثلاث، أربعة، خمسة مباني، ملاك هذه المباني أغلبيتهم 90% من الفقرا، تقريباً لا يملكون شيئاً، والدولة قامت ببعض الترميمات في مجال القصور الحكومية والمباني الحكومية، المباني الخاصة لم يتم هناك ترميم أي مبنى خاص، فمن هنا نحاول نناشد المجتمع الدولي، لأن شبام ليست ملك لليمن وحدها، وإنما هي ملك للإنسانية جمعاء، بأن يقدموا الدعم والعون للحفاظ على هذه المدينة التاريخية.

أنور العنسي: هذه إذن هي شبام عطر التاريخ ووردة الجغرافيا، درس عميق خالد في المعرفة والفن والجمال يستصرخ ضمير عشاق الحضارة وسائر الهيئات والمؤسسات المعنية في العالم أجمع للحفاظ عليه ورعايته وتطويره.

أنور العنسي- لبرنامج (مراسلو الجزيرة)- من مدينة شبام-حضرموت- اليمن.

محمد خير البوريني: إلى هنا نأتي، مشاهدينا الكرام، إلى نهاية هذه الحلقة من البرنامج. بإمكان جميع المشاهدين الكرام مشاهدة تفاصيل هذه الحلقة بالصوت والصورة والنص من خلال موقع (الجزيرة) على شبكة الإنترنت على العنوان التالي:
www.aljazeera.net

كما يمكنكم مراسلة البرنامج أيضاً عبر البريد الإلكتروني، والعنوان هو:
reporters@aljazeera.net

أو من خلال العنوان البريدي على صندوق بريد رقم 23123 الدوحة -قطر.

وكذلك من خلال الفاكس على رقم 4860194 (00974).

نرحب بجميع رسائل السادة المشاهدين، وفي الختام هذه تحية من المخرج صبري الرماحي وفريق البرنامج، ومني محمد خير البوريني، إلى اللقاء.

المصدر: الجزيرة