الطائفية في باكستان، الخط الصيني، العرب في المنافي
مقدم الحلقة: | محمد خير البوريني |
ضيوف الحلقة | القاضي حسين أحمد: زعيم الجماعة الإسلامية عدنان حمد: مدير المركز الصحي والبحثي للجالية |
تاريخ الحلقة: | 03/01/2004 |
– باكستان بين التعصب الديني والتطرف السياسي
– الكتابة الصينية عبر خمسة آلاف عام.. ثقافة وفلسفة
– من رسائلكم.. عَبَدَة الشيطان، الهوية الفلسطينية واللاجئون الصوماليون
– مراكز عربية في أميركا لعلاج المعذبين العرب
محمد خير البوريني: أهلا بكم مشاهدينا الكرام إلى حلقة جديدة من مراسلو الجزيرة، نشاهد في هذه الحلقة تقريراً من باكستان، نتناول فيه قضية العنف الطائفي الذي يتجدد بين الحين والآخر، نخوض في أسبابه ومسبباته ونرى كيف يعتقد البعض أن عودة بروز العنف تمثل تهديداً لفكرة التعايش في البلاد وما يراه آخرون أيادِيَ خارجية تعمل على تأجيجه ضد مصالح مختلف الطوائف الباكستانية.
ومن بكين، نستعرض قصة تطور الكتابة الصينية على مدى خمسة آلاف عام حتى وصلت إلى أبسط مراحلها في العصر الحديث ونتعرف على كيفية ارتباط الخط الصيني بتاريخ اللغة نفسها التي تتألف من آلاف الأحرف الأبجدية.
ومن الولايات المتحدة، نتعرف على مركزٍ للخدمات الاجتماعية والاقتصادية والصحية ربما يكون فريداً من نوعه لأنه يُعنى بضحايا التعذيب في البلاد العربية ويتخذ من أكثر الولايات الأميركية كثافة بالمهاجرين العرب مقراً لهم، نسمع شهادات بعض مرتاديه ونستطلع آراء بعض المسؤولين فيه، أهلا بكم، إلى أولى فقرات هذه الحلقة.
باكستان بين التعصب الديني والتطرف السياسي
العنف الطائفي في باكستان ليس ظاهرة جديدة وعوامل تأجيجه كلما خبت ناره موجودة على الرغم من قول البعض أنه ولى إلى غير رجعة ويرى مراقبون أن أسباب عودة العنف الطائفي بين حين وآخر متعددة من بينها على سبيل المثال، اغتيال شخصية مرموقة من هذه الطائفة أو تلك أو قرار حكومي يقضى بحظر بعض الجماعات والأحزاب أو يضع قيوداً على أنشطتها، شخصيات كبيرة في مجلس العمل الموحد الذي يمثل القوة الثانية في البرلمان الباكستاني تعتقد أن عودة العنف تمثل محاولة لضرب فكرة التعايش التي جسَّدها المجلس، معتبرين ذلك نوعاً من الإرهاب، لكن بعض المحللين يرجعون أسباب ظاهرة العنف في باكستان إلى العامل الخارجي أيضاً، العامل الذي أستلهم نجاح الثورة الإسلامية في إيران واستقوت به مجموعات متشددة، كما لا يستبعدون دوراً هندياً ولكن مهما تعددت الأسباب فإن الباكستانيين سُنة وشيعة هم من يدفعُ الثمن في المحصلة النهائية، تقرير أحمد زيدان.
![]() |
أحمد زيدان مراسل الجزيرة في إسلام آباد: حدثان بارزان وقعا في الفترة الأخيرة في باكستان أعادا مسألة العنف الطائفي إلى المربع الأول، الحدث الأول اغتيال طارق أعظم زعيم جيش الصحابة المنحل والحدث الآخر هو حظر حكومي باكستاني مجدد لجماعات إسلامية متشددة بعد أن أعادت تسمية نفسها إثر حظرها مطلع العام الماضي. مجلس العمل الموحد والذي ضم مدارس فكرية إسلامية متعددة ويمثل القوة الثانية في البرلمان يعتقد أن عودة العنف الطائفي محاولة لضرب فكرة التعايش التي جسدها المجلس خصوصا بعد حظر الحزب الشيعي الوحيد المشارك معه واعتقال زعيمه، فالمجلس يعتقد أنه بالتَّركيبة الجديدة دفن قضية الصراع الطائفي في البلاد.
القاضي حسين أحمد زعيم الجماعة الإسلامية: لا يوجد عنف طائفي في باكستان بل هناك إرهاب، لا توجد مشكلة سُني شيعي، لا يمكن لوم الشيعة أو السُنة على أعمال الشغب والشيعة والسُنة مدرستين فكريتين مختلفتين ومع ذلك وافقوا على نظام واحد يحكمهم ضمن أطر معينة ومجلس العمل الموحد إذ يضم ست جماعات دينية بما فيها الشيعة دفن منذ تشكيله الطائفية في باكستان.
أحمد زيدان: ويرى الكثيرون أن قضية الصراع الطائفي تصاعدت بعد انتصار الثورة الإيرانية وتشكيل منظمات شيعية متشددة مثل فدائيان مهدي ثم اغتيال العالم السني البارز إحسان إلهي ظهير. ثم تطورت الأمور بعد أن لجأت الجماعات الإسلامية المتشددة إلى أفغانستان للتدريب على أيدي المجاهدين الأفغان ثم حركة طالبان التي وفرت ملاذاً آمناً لكثير من هذه الجماعات المنغمس بعضها في أعمال طائفية ولكن يعتقد محللون أنه مع وجود القاعدة في أفغانستان بدأت هذه الجماعات بتغيير استراتيجيتها من استهداف المصالح الشيعية إلى استهداف المصالح الغربية كما حصل في تورط الأشقر جنجوي في ضرب أهداف غربية وأميركية في كراتشي وغيرها من المدن سيما بعد توحد بعضها في منظمة جيش التحرير الإسلامي والذي وضع هدفه وهو ضرب المصالح الغربية والأميركية تحديداً في بيانه الصادر في تشرين أول من العام الماضي. الحظر ثم الالتفاف عليه من خلال تسمية المنظمات نفسها بأسماء جديدة تذكرنا بلعبة القط والفأر وتؤكد، على أن هذا ليس حلاً وإنما سيقود إلى مزيد من المشاكل ويفجر صراعات طائفية أخطر من السابق.
سيد جليل تقوي رئيس أحد أجنحة حزب فقه الجعفرية المحظور: حظر حزبنا لم يكن له ما يبرره وتم الإجراء فقط على أساس إيجاد نوع من التوازن من قبل الحكومة وعندما حظرت حزب جند الصحابة المعاد لنا، كانت الحكومة تخشى أنها إذا حظرت فقط جند الصحابة أن نفسر ذلك على أنه نوع من الطائفية.
مولانا أحمد علي لودياني رئيس حزب جيش الصحابة المحظور بالإنابة: حظر حزبنا ليس له ما يبرره وجميع الدنيا تعرف أن الحظر ليس حلاً، لكن الحل هو في الجلوس على مائدة المفاوضات ونحن جاهزون للمحادثات ومطلبنا هو رفع الحظر عن حزبنا ولا يوجد حلاً آخر غير هذا ومعرفة أسباب العنف.
أحمد زيدان: الأكاديميون والمحللون يدعون إلى استراتيجية طويلة الأمد للبحث عن أسباب ومسببات العنف الطائفي عوضاً عن التركيز على قضايا يصفونها بالشكلية.
د. أنيس أحمد رئيس أكاديمية الدعوة: يجب علينا البحث ومعرفة أسباب العنف وإذا لم تقم الحكومات الباكستانية المتعاقبة بالبحث عن الأسباب الحقيقية التي تقود للعنف والطائفية ولم تستأصلها، فلن نتمكن من معالجة المشكلة. شن حملة ضد بعض الأحزاب ليس حلاً، فهذه تستطيع أن تختفي لبعض الوقت وستنشأ جماعات أخرى سرية ويجب أن يكون هناك تخطيط مسبق وأكثر جدية وأكثر ديمومة.
أحمد زيدان: اغتيال طارق أعظم في إسلام آباد فجر غضباً بين أتباعه في العاصمة وفي مسقط رأسه ودق ناقوس خطر لدى كل المعنيين في الملف الطائفي ودفع قادة هذه المنظمات المحظورة إلى الحديث عن خروج الوضع عن السيطرة الحكومية التي تقبل بفرض أجهزة أجنبية عليها كما تقول هذه الجماعات.
محمود غازي مدير مدرسة دينية في إسلام آباد: في الحقيقة هناك قوى داخلية وخارجية وأيضا الحكومة من خلال أجهزتها الأمنية متورطة ونحن نعيش في تناغم ديني في ظل مجلس العمل الموحد، لذا فبعض العناصر أرادت إرباك هذا التناغم والانسجام.
سيد جليل تقوي رئيس أحد أجنحة حزب فقه الجعفريَّة المحظور: بعض دول الجوار وبعض الدول الغير مجاورة أيضا ينفذون أعمال عنف لتحقيق مصالحهم الخاصة وأهدافهم وهذا يبرر التصاعد في درجة العنف.
أحمد زيدان: منذ بدء مسلسل العنف الطائفي في باكستان وحتى الآن والبلد يدفع ثمناً باهظاً لذلك، متمثلاً بثمن بشري راح ضحيته آلاف من الشباب من كلا الطائفتين واستهدف المساجد التي كثفت السلطات الأمنية الوجود حولها. المصادر الحكومية لا تستبعد بدورها، وجود أيادي هندية في كل ما يحصل من أعمال عنف داخل باكستان.
مخدوم فيصل صالح حيات وزير الداخلية الباكستاني: باكستان تتعرض لأعمال إرهابية من أجهزة جارتها الهند التي باتت تنطلق من أفغانستان وهناك الآن ثلاثة أماكن ينطلق منها ذلك تحديداً وهي القنصليات الهندية، في جلال آباد وقندهار وهيرات ولدينا أدلة قوية ودامغة تثبت تورط المخابرات الهندية التي أنشأت مخيمات في أفغانستان لرعاية الإرهابيين وبعضهم عملاء من باكستان حيث يتلقون التدريب على الإرهاب فيها، كما ويتدرب فيها الأفغان على الإرهاب قبل إرسالهم إلى باكستان لتنفيذ عمليات إرهابية.
أحمد زيدان: وما يخشاه البعض هو أن يقود حظر هذه الجماعات إلى حصول انشقاقات في صفوفها وظهور مجموعات أكثر تشدداً تلجأ إلى عمليات إانتحارية كما حذر البعض. الكثير بات يعتقد أن مسألة الصراع الطائفي لها علاقات بأجندات خارجية خصوصاً وأن باكستان تستغل أحياناً الحظر والملاحقة لهذه الأحزاب من أجل تخفيف عامل الضغط عليها أولاً وثانياً لكسب الدعم والإشادة بمواقفها في الحرب على ما يوصف بالإرهاب. يعتقد مراقبون سياسيون أن الحظر الباكستاني للجماعات الإسلامية المحظورة أصلاً سيكون له مفعولاً عكسياً إن كان على صعيد الجماعات الإسلامية الرئيسية التي رفضت هذا القرار أو على الصعيد الأمني بلجوء هذه الجماعات المتشددة إلى العمل السري وهو أمر يصعب على الأجهزة الأمنية التعاطي معه، أحمد زيدان، مُراسٍلوا الجزيرة، إسلام آباد.
الكتابة الصينية عبر خمسة آلاف عام.. ثقافة وفلسفة
محمد خير البوريني: يشبه كثيرون الكتابة الصينية بلوحات سريالية تحمل رموزاً فيها الكثير من التجريد والغموض، مرت الكتابة الصينية بخمس وستين مرحلة خلال الخمسة آلاف عاما الماضية حتى وصلت إلى أبسط مراحلها في العصر الحديث، (ديما الخطيب)، كانت في بكين وأعدَّت التقرير التالي.
![]() |
ديما الخطيب من برنامج مراسلو الجزيرة في بكين: إبداع خيالي فني أم رمز لأسطورة صينية قديمة، أحرف وكلمات لا يفهمها إلا من يقرأ الصينية، لكن ما تعنيه أو تمثله هذه الرموز ليس مهماً، فالطريقة المثلى لتذوق أعمال كهذه هي النظر إليها كلوحات فنية فحسب وليس كمجموعة كلمات صفت الواحدة إلى جانب الأخرى.
هذا ما يرويه لنا ولمجموعة من الأجانب والمهتمين بالخط الصيني أحد خطاطي العاصمة بكين في واحداً من أحدث مقاهيها، فهو يشرح لنا أن الخط الصيني يعتبر نمطا من أنماط الفن التجريدي، صحيح أن لهذه الكلمات معنىً له وزنه وأهميته إلا أن كل كلمة تخبئ في ثناياها أسراراً وخفايا تغطي على معناها.
باحثة أجنبية في الكتابة الصينية: أعتقد أنه فن غامض جداً، جئت هنا اليوم لأتعرف عليه، ففي كل مكان أرى الخط الصيني دون أن أعرف قيمته الفنية أو التاريخية.
ديما الخطيب: يعود فن الخط الصيني إلى الأيام الأولى من تاريخ الحضارة الصينية وهو منتشر في جميع أرجاء الصين وكان في الماضي يدل على درجة ثقافة الإنسان، أما اليوم فهو فن يمارسه الكثيرون ويسعى المهتمون به إلى الحفاظ عليه وسط زخم الحياة العملية السريعة والعصرية وإذا كان تطور الخط الصيني قد ارتبط بتطور اللغة الصينية نفسها والتي تتألف أبجديتها من آلاف الحروف التي تشبه الرموز، كل واحد منها يمثل مقطعاً يمكن أن يكون كلمة أو جزءاً من كلمة، فقد مر الخط الصيني بخمس وستين مرحلة ومن يدري فقد يكون على عتبة مرحلة جديدة تواكب عصر التكنولوجيا.
كان الصينيون القدامى يستخدمون الكتابة المعقدة إلى أن تم تبسيطها بعد انتشار التعليم لتصل إلى ما هي عليه اليوم، هذا اسم نوع من أنواع الورد ومع أن نطقه بسيط فهو رمز معقد جداَ في الكتابة ويمكن كتابة الكلمة الواحدة بعشرات الأساليب والأشكال دون الخروج عن قواعد الخط.
هنا شارع اليولي تشانغ وسط بكين، على طوله تمتد متاجر متخصصة بالخط الصيني تُؤوي لوحات من كل الأشكال والألوان والأنواع والأحجام، هنا يجلس مي باي يانغ لإعداد مخطوطاته، فهو خطاط محترف يأتي من أسرة ورثت حب الخط الصيني جيلاً بعد جيل.
مي باي يانغ خطاط صيني محترف: الخط الصيني ذو تاريخ قديم يقارب خمسة آلاف سنة أنواعه كثيرة، لكن هناك أربعة أنواع رئيسية وبعضها لا يمكن لغير المتخصص أن يقرأه.
ديما الخطيب: لكن هذه الأنواع الرئيسية ليست تماماً كأنواع الخط العربي الذي يتبْع لقواعد وأسس محددة وواضحة، تجعل حرف الراء مثلاً هو نفسه في أي كلمة تخط بنفس نوع الخط، أما في الصينية فالأمر يختلف.
مي باي يانغ خطاط صيني محترف: يمكن من خلال الكلمات التعرف على هوية من خطها وتحليل شخصيته ومعرفة مستوى ثقافته وأخلاقه وحتى في بعض الأحيان المناصب التي تقلدها حيث أن في كل مخطوطة بغض النظر عن شكلها الخارجي ونوع الخط، أشياء داخلية كامنة.
ديما الخطيب: يقال إن الخط الصيني أفضل وسيلة للكشف عن حقيقة أي إنسان الأمر الذي يميزه عن غيره من الخطوط بلغة أخرى في العالم وقد عرف عن زعماء الصين وكبار شخصياتها أنهم كانوا يتعبون لتعلم هذا الفن وممارسته ويخطون بأنفسهم أسماء أهم معالم مدن الصين، في البداية كان الصينيون القدامى يكتبون على الحجر ثم انتقلوا تدريجياً إلى ورق الأَرُز، كما كانت الصينية تكتب من الأعلى إلى الأسفل، أما اليوم فهي تكتب من اليسار إلى اليمين أفقياً ويعطى الصينيون قيمة كبرى للكتابات واللوحات القديمة هذه اللوحة الخشبية تباع بثلاثين ألف يوان، أي أكثر من ثلاثة آلاف وستمائة دولار أمريكي.
موظفة في متحف صيني: هذه اللوحة كتبت قبل مائتين وخمسين سنة، خطاطها كان مشهوراً جداً، هذا اسمه… وهذه السنة التي كُتبت فيها.
ديما الخطيب: وتُستخدم ريش متنوعة حسب حاجة الخطاط، فمنها الصغيرة ومنها الكبيرة وتكون القاسية منها مصنوعة من شعر الذئب أما الناعمة فمن شعر الماشية .. ومهما كان نوع الريشة فإن السر يكمن في طريقة تفاعل مستخدميها مع فن الخط، فالريشة حساسة للغاية وليست كالقلم وتتطلب من الخطاط التركيز بشكل كبير للسيطرة على حركة عضلات يده وعلى طاقته وتنفسه. اللامبالاة، المرونة، الحذر، التوازن، الغموض، التمكن، الرجولة، النضج، النشاط، كل هذه طرق للتعبير في الخط الصيني من خلال كل جرة ريشة وهي أمثلة من مئة وعشرين طريقة معروفة للتعبير وبالطبع للوصول إلى المرحلة المطلوبة من السيطرة على الجسد والطاقة تلزم الإنسان سنوات طويلة من التدريب الشاق العملي والذهني، إذ لابد من الوصول إلى حالة فكرية معينة لتحقيق الهدف المنشود ولابد من الصبر ومن التصميم، لكن النتيجة يمكن أن تكون مذهلة حقا، خطاطنا هذا عمره خمسة وسبعون عاما ويقول أن الفضل في صحته الجيدة يكمن في ممارسته الخط الصيني.
في الوقت الحالي كثيرون لا يزالون يؤمنون بقوة هذا الفن، في كل صباح يتجمع كبار السن في حدائق المدينة لممارسة هواية فريدة من نوعها، يخطون أبيات من الشعر وجُملاً معروفة من الأدب الصيني مستخدمين الماء بدلاً من الحبر، بعضهم تجاوز الثمانين من العمر ومع ذلك فهم يأتون جميعا كل يوم ولا يزعجهم أبداً أن ما يخطون يختفي بعد دقائق في شمس الصيف الحارة، فهم يؤمنون بأن لهذا التمرين فائدة جمة للذاكرة وللروح وللجسد وهو تسلية لهم في الوقت ذاته، كما قالوا لي ولا شك في أن إيمانهم بنهجهم يزدادُ قوة عندما يرون أنه يزحف إلى لغات وثقافات أخرى ولو للحظات قليلة.
كان الخط الصيني في العهد الإمبراطوري واحداً من أربعة أركان تقاس من خلالها درجة ثقافة الإنسان، أما اليوم فهو فلسفة بحد ذاتها فالخطاط يضع في كل حرف يخطه شيئاً من روحه وشخصيته وطاقته ويستمد سعادة يقال إنها تُطيل من عمره، ديما الخطيب، من برنامج مراسلو الجزيرة، بكين.
[فاصل إعلاني]
من رسائلكم.. عَبَدَة الشيطان، الهوية الفلسطينية واللاجئون الصوماليون
محمد خير البوريني: ونعرض مشاهدينا في سياق هذه الحلقة مجموعة من رسائلكم، الرسالة الأولى من المشاهد رشيد قدري حمو من حلب بسوريا، يتساءل رشيد عن ظاهرة قال إنها ظهرت مؤخرا في لبنان هي ظاهرة عبدة الشيطان ويسأل: "هل هم موجودون أم لا؟" يطلب المشاهد من البرنامج التنبيه إلى خطورة هذه الظاهرة، نقول للمشاهد بدورنا الظاهرة التي تتحدث عنها موجودة ولكنها ليست على النطاق الذي يتم الحديث عنه أحياناً، بل إن أنباءً تحدثت عن وضع دول عربية حداً لها وورد في الصحافة اللبنانية أن هذه الظاهرة أحدثت إشكالية قانونية على خلفية تفشيها وأن بروزها يعود لانعدام وجود عقوبات رادعة باعتبار أنها ظاهرة مستحدثة لم يلحظها القانون، المصادر المتوفرة تقول إن جذور عبدة الشيطان تعود إلى القرون الوسطي في أوروبا والغرب وهي تبجل الشيطان وتحط من قدر الديانات السماوية وتحتقر القيم والأخلاق وتدعو إلى الإباحية والشذوذ الجنسي ومن شروطها عدم الاستحمام أو الاغتسال وكان لدى هذه الطائفة مبنى في سان فرانسيسكو الأميركية يسمى كنيسة الشيطان هدمته السلطات الأميركية قبل عامين وكتاب اسمه الإنجيل الأسود أو إنجيل الشيطان) وحسب المصادر أيضا فإن مؤسس الحركة بشكلها الجديد عام 1966 هو يهودي يدعى أنطون ساندر ليفي وهو الشخص الذي أعتبر عام 1966 بداية لتقويم جديد سماه تقويم عصر الشيطان وقد توفي هذا الشخص عام 1997 عن عمر ناهز الستين عاماً، عبدة الشيطان يمارسون طقوسهم في المقابر وينبشون جثث الموتى لإقامة تلك الطقوس ويتناولون الدماء البشرية ويشعلون النار ويرددون الأدعية في ظل نجمة خماسية مقلوبة فيها رأس جدي داخل دائرة تحمل في إطارها حروفاً عبرية، حسب المعلومات المتوفرة لدينا.
الرسالة الثانية بعثها المشاهد لؤي عبد الغنى جودة من غزة بفلسطين، يشكو المشاهد من أنه مهندس فلسطيني من بين أكثر من سبعين ألف فلسطيني يحملون – حسب نص الرسالة – مأساة تتمثل بعدم حصولهم على الهوية الفلسطينية التي يحملها بقية أبناء الشعب الفلسطيني والتي تؤهلهم للسفر والتنقل ويُتابع المشاهد: "نكاد نكون غير محسوبين على هذا العالم فلا هوية لنا ولا وطن لنا، حتى أن دوائر السلطة الفلسطينية تعاملنا معاملة الأجانب ولو قدر لأحد منا الوقوع في أيدي الإسرائيليين فسيكون مصيره السجن أو الإبعاد ولكن إلى أين؟" يسأل المشاهد ويتابع: "لا بلد في العالم يقبل أحداً بلا هوية حتى مصر التي نحمل وثائق سفرها"، نقول للمشاهد لؤي: "إن الموضوع المطروح في غاية الأهمية والحساسية وسوف نعمل على تسليط الضوء عليه".
وهذه رسالة بعثها المشاهد اليمني عبد الله احمد الهمداني، كتب عبد الله يطلب تقريراً عن وضع اللاجئين الصوماليين في اليمن الذين يأتون عن طريق التهريب ويتعرضون للغرق على السواحل اليمنية، نقول لعبد الله: "أننا أجرينا الاتصال اللازم مع الزملاء في اليمن لمحاولة طرح هذا الموضوع". مشاهدينا الكرام، نكتفي بهذا القدر من الردود على رسائلكم في هذه الحلقة ونتابع معكم ما تبقى منها.
مراكز عربية في أميركا لعلاج المعذبين العرب
مجتمع عربي مصغر ولكن في الولايات المتحدة يجمعهم قول الشاعر:
"فَقُلْتُ لَهُ إنَّا غريبانِ ها هُنا وكُل غريبٍ للغريبِ نسيبُ"
هم عرب، لكن قاسماً مشتركاً آخر غير العروبة يجمع بينهم إنه سوء المعاملة الذي وصل إلى حد التعذيب، ليس في الخارج وإنما داخل الأوطان، الأوطان التي قدِِموا منها وعلى أيدي جلاوزة لا يعرفون الرحمة ولا يعرفون طريقاً غير طريق التعذيب الجسدي والنفسي وسيلة للحوار، مركز بمدينة ديترويت بولاية ميتشغان الأميركية كان الحضن الذي يداوي جراح هؤلاء، بين هؤلاء من أصابته أنياب هذا الزمن وفيهم من تمتد مأساته إلى الخمسينيات أو الستينيات من القرن الماضي، جروح أبدانهم اختفت مع مرور الزمن، لكن جروح النفوس لها حكاية طويلة، تقرير نظام المهداوي.
![]() |
نظام المهداوي من برنامج مراسلو الجزيرة في ديربورن: أشياء كثيرة ستفاجئك في ديربورن، هذه المدينة التي تجمع في صفاتها الصخب والهدوء والتي تعد معقل أكبر تجمع في الولايات المتحدة أو العالم خارج المنطقة العربية وإذا لم تستوقفك أسماء المحال العربية والوجوه العربية والطابع العربي الذي يغلب شارع وورين، الذي يقع في شرق المدينة فإنك بالتحديد ستتوقف أمام مظهر لا مثيل له في المدن العربية نفسها وهو أنموذج لوحدة عربية مصغرة، يتسنى لك من خلالها الاستماع إلى جميع اللهجات من شمال أفريقيا مروراً بالشام إلى دول الخليج وإذا زرت ديربورن فلابد إنك ستتعرف على مركز الخدمات الاجتماعية والاقتصادية أو(ACCESS)، كما دائب العرب وغيرهم على تسميته وهو الحروف المختصرة لاسمه في اللغة الإنجليزية، وهذا المركز بالتحديد تميز عن غيره من المنظمات والمؤسسات العربية بتقديم خدمات اجتماعية وصحية ملموسة لأبناء الجالية وتبنيه عشرات البرامج الممول معظمها من حكومة ولاية ميتشغان والحكومة الفيدرالية، إذ يعمل المركز بميزانية تصل إلى اثني عشر مليون دولار سنوياً ومن بين برامج المركز ما هو مثير للفضول وليس له شبيه في العالم العربي وهو مركز مساعدة ضحايا التعذيب والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن فوراً وهل ضحايا التعذيب من الأوطان العربية بهذه الكثرة حتى يكون لهم مركز يساعدهم؟
د. عدنان حمد مدير المركز الصحي والبحثي للجالية: وجدنا من خلال مسيرة عطائنا لهذه الجالية بأنه هناك يعني مشاكل نفسية متفاقمة ومتعاظمة لبعض المرضى الذين… نستقبلهم من يوم إلى آخر وعندما بحثنا في بعض هذه المشاكل وجدنا بأنه هناك صنف آخر من البشر الذي نعالجه في هذه الجالية يعانى من (Traumatization) أو من الصدمات النفسية إللي إيلها علاقة مباشرة بالتعذيب.
نظام المهداوي: وللوقوف على حالات الذين يتلقون العلاج في هذا المركز حاولنا الالتقاء بهم، لكن الكثير منهم رفض الجلوس أمام الكاميرا لأسباب نفسية كما شرح لنا القائمون على المركز ومن بين هؤلاء شاعر عراقي أصر خوفاً ألا يكشف عن نفسه وهويته وقد تعرض للتعذيب في ثلاث دول، لم يشأ أن يفصح عن واحدة منها.
شاعر عراقي تعرض للتعذيب: المشاكل الكبرى اللي أنا أعانيها هو عدم الثقة بالنفس والخوف المستمر والارتباك المستمر وخوفي من مواجهة الحياة مواجهة الناس، الآن قعدت تلقاني أنا في حالة رجفة ما أني مسيطر على نفسي.
نظام المهداوي: وتبدو أساليب السّجان سواء كان محتلاً أم من أبناء الجلدة واحدةً لا تتغير، فهذا المهاجر الفلسطيني يبدو وكأنه يكمل قصة الشاعر العراقي.
عبد الوهاب ناصر مهاجر فلسطيني تعرض للتعذيب: المرة قبل الأخيرة تم اعتقالي من بين زوجتي وأولادي وحتى هالضابط طبعاً ضربني على وجهي بحضور زوجتي وأطفالي وهذا من الأشياء لا أزال أذكرها يعني أنا لازال بداخلي إني إبني يشوفني أنضرب على الأرض، واقع على الأرض من جندي إسرائيلي، هو حقيقةً كان الضابط المسؤول عن الاعتقال، فتبدأ مرحلة التعذيب النفسي أصلاً منذ لحظة الاعتقال الأولي وتحديداً منذ توقيت لحظة الاعتقال، طبعاً بعدها يخدوا المعتقل أو تحديداً أنا بالذات طبعاً تم أخدي إلى منطقة وسموها مشبحة باللغة العبرية أو الشبح وهي كانت أذكر كانت الدنيا مطر بحيث أن يحطوا المعتقل في المطر، تحت المطر ينزل عليه وبيكون كيس موجود على الرأس وبيكون مربط مكلفش الإيدين إلى الخلف.
نظام المهداوي: ويعزوا أحد المستشارين النفسيين كثرة المعذَبين إلى كثرة الحروب في الأوطان العربية.
حسام عبد الخالق مستشار نفسي: معظم المعذبين اللي بيجونا بيكونوا معذبين من حكومات مش من صدمات نفسية هيا، في عندنا كتير ضحايا أنهم تعرضوا لحروب كانوا عاشوا فترات حروب، مثلاً حرب إيران، العراق أو حرب الكويت أو الفترة اللي عاشوها العراقيين في بداية التسعينات، أغلبيتهم هادولا هؤلاء ضحايا عاشوا في ظروف صعبة ظروف حرب وقتال، أنه تخيل أنك أنت عايش في كل يوم وEvery Day)) في هيك ظروف بتخلق عندك حالة من الـ .. حالة نفسية، بنشخص المرض على أنه شغلات حصلت بالماضي بس أنه خلقت حالة من التوتر والـ (stress) عند هذا الشخص كبيرة جداً.
نظام المهداوي: لكن هل يعني هذا أن معظم ضحايا التعذيب الذين يتلقون علاجهم في هذا المركز هم عراقيون.
عدنان حمد مدير المركز الصحي والبحثي للجالية: لا يوجد هناك دولة عربية لا تمارس التعذيب وهذا يعني مؤسف جداً بدون ذكر أسماء، لا يوجد هناك دولة عربية لا تمارس التعذيب وهؤلاء المرضي الذين نراهم هنا في عياداتنا المتخصصة في علاج المرضي من التعذيب هم لاجئون وهاربون من هذه الأوطان هرباً من المزيد من التعذيب أو أصبحوا لاجئين ما بعد هذه التجربة واجبنا الإنساني هنا في الحقيقة، هو تقويم وتأهيل هؤلاء المرضي من أجل أن يكونوا يعني مؤهلين للعيش في الوطن الجديد وهو أميركا بدون تفاقمات أو بدون الارتكاسات النفسية التي تؤثر على أداء هؤلاء الناس في عملهم وفي أسرهم وفي كل مكان يذهبون إليه.
نظام المهداوي: التعذيب في السجون والمعتقلات في بعض الدول العربية لم يقتصر على الرجال فحسب بل طال النساء وتعذب الأطفال بعذاب أهاليهم.
أم غزوان مهاجرة عراقية تعرضت للتعذيب: اعتقلونا أربعة أيام أنا كنِت حامل، اعتقلوني خدوني إلى السجن يعني السجن هذا مع النساء سجن يعني يفصل بفاصل نساء ورجال، فشفت التعذيب بعيني يجيبون الشخص يغطوا الرأس بحوض يعني أحواض تيزاب، هالتيزاب من تغطى الجلد بيه يطيح الجلد يبقى يعني حتى العظم يفتته، هذا عندنا يعني مشهور بالعراق بسجون صدام، فيعني بعيني شفت هالشغلات النسوان يضربون هين يضربون يعني كيف يضربون هين أنا ضربوني هم ضربوني يعني بس ضربات خفيفة.
نظام المهداوي: وأم غزوان ليس وحدها التي تتلقى العلاج فالمركز ينظم ورشات عمل لمجموعة من النساء اللائي يعانين من اضطرابات نفسية .
حسام عبد الخالق مستشار نفسي: في عندنا مجموعتين أو تلات مجوعات، عملت تلات مجموعات إحنا أول مجموعة (women’s group) بنسميها للنساء .. في عندنا متبرعين تلات نساء متبرعات بيعملوا مساج ويوجا وبيعملوا (art and craft) شغلات خياطة وما خياطة أحنا أتبرعنا بالـ(material) بالمواد اللي ممكن يستهلكوها أعطناهم ساعدناهم و .. فصاروا يجتمعوا، بيجتمعوا كل أسبوع بالأسبوع مرة يوم الجمعة بيقعدوا حوالي 12 امرأة مع بعض بيمارسوا هي الأشياء أنه بيعملوا خياطة مع بعض ومن خلالها أنهم بيختلطوا مع بعض وبنفس الوقت بيحكوا مع بعض بالمشاكل والأشياء اللي بيمروا فيها، فهي بشكل عام زي (support Group) أنهم بيساعدوا بعض بيعتمدوا على بعض.
نظام المهداوي: خدمات هذا المركز الذي يعد واحداً من ستة وعشرين مركزاً مماثلاً في الولايات المتحدة، يستفيد منها ضحايا التعذيب الذين يتأملون في بدأ حياتهم من جديد، حتى في ظل شعورهم باليأس من العلاج.
شاعر عراقي تعرض للتعذيب: أكبر مشاكلي هي المعاناة النفسية يعني، ولا زالت لحد الآن من الصعب أنه أتغلب عليها بالرغم من العلاج المكثف اللي حصلت من قبل الـ (ACCESS) لا زلت أعاني، لا زلت وصعب…صعب، ما اعتقد أنه إلى شفاء مع أنه أحاول قدر الإمكان أنه أنا أساعد نفسي وأساعد الدكتور اللي يعالجني، بس ما جاي شوف تحسن بالشكل المطلوب، نعم أتحسنت ولكن ما بالشكل المطلوب.
نظام المهداوي: هذه الجدران التي تبعد آلاف الأميال عن الأوطان العربية شهدت وما زالت تشهد كثيراً من الأحزان والدموع وتحفظ صورة السجان العربي بكل أساليبه المتشابهة في التعذيب والقهر المبتكرة حيث يكون للموت معنىً آخر.
شاعر عراقي تعرض للتعذيب: أقنعوني أنني لا زلت أحيا بينما كنت أموت كالصحارى ليس فيها أي قوت لا ترى فيها حياتاً أيما تختلط فيها الرمال بالسماء.
نظام المهداوي: وفي تجمع قد لا يتجاوز النصف مليون عربي جاءوا من شتى أنحاء الدول العربية خَصصت منظمة (Access) برنامجاً لمعالجة ضحايا التعذيب لاقى إقبالاً من بعض أبناء الجالية، فكم يحتاج ضحايا التعذيب في العالم العربي الذين لم يغادروا أوطانهم أو سجونهم إلى مركز كهذا؟ نظام المهداوي لبرنامج مراسلوا الجزيرة ديربورن.
محمد خيرى البوريني: إلى هنا نأتي مشاهدينا إلى نهاية هذه الحلقة من البرنامج، يمكن لجميع المشاهدين الكرام أن يتابعوا تفاصيلها بالصوت والنص من خلال موقع الجزيرة على شبكة الإنترنت والصورة عند البث، كما يمكن مراسلة البرنامج عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: Repoters@aljazeera.net أو من خلال العنوان البريدي على صندوق بريدي رقم 23123 الدوحة – قطر وكذلك من خلال الفاكس، في ختام هذه الحلقة هذه تحية من مخرجها صبري الرماحي وفريق العمل وهذه تحية أخرى منّي محمد خير البوريني، إلى اللقاء.