none
مراسلو الجزيرة

التطرف والعنف، أحد فلسطينيي 48، الصابون اللبناني

جدلية ظاهرة التطرف والعنف، أحد فلسطينيي 48 عمل لصالح الاستخبارات العراقية وعرض تفجير نفسه انتقاما لكرامة الأمة، صناعة الصابون في لبنان من شجرة الزيتون والتي تقف على حافة الانقراض بسبب التطور الصناعي.

مقدم الحلقة:

محمد خير البوريني

ضيوف الحلقة:

محمد اليازغي: وزير التعمير والبيئة المغربي
عمر تدمري: مؤرخ لبناني
منير فتحي بسيس: متعاون سابق مع الاستخبارات العراقية

تاريخ الحلقة:

27/12/2003

– طبيعة ظاهرة التطرف في المغرب
– صناعة الصابون في لبنان

– رجل صدام حسين في إسرائيل منير فتحي


undefined

محمد خير البوريني: أهلاً ومرحباً بكم -مشاهدينا الكرام- إلى حلقة جديدة من (مراسلو الجزيرة).

نستعرض في هذه الحلقة موضوعاً يتحدث عن جدلية ظاهرة التطرف والعنف وما إذا كان لها صلة بالفقر، أم أنها نتاج شعور بالظلم واليأس والإحباط بسبب قضايا حقيقية وجوهرية يعجز المتهمون بالتطرف عن حلها كما لا يجدون من يمد لهم يد العون للتغلب عليها والخلاص من تأثيراتها عليهم وعلى مجتمعاتهم.

ونعرض تقريراً يتحدث عن عميل فلسطيني لصالح العراق من عرب عام 48 آمن بضرورة تحقيق التوازن الاستراتيجي وعمل لصالح الاستخبارات العراقية انتقاماً لضرب إسرائيل مفاعل تموز عام 81، ونرى كيف زوَّد الأجهزة العراقية بمعلومات عن مفاعل ديمونة الإسرائيلي ومواقع ومعدات عسكرية أخرى.

ومن لبنان نشاهد تقريراً حول صناعة الصابون التقليدية التي ورثها الأبناء عن الآباء عبر آلاف السنين ونتحدث عن استخدام ثمار شجرة الزيتون التي باركها الله في هذه الصناعة وعن مئات أنواع الأعشاب المستخدمة فيها أيضاً، ونرى كيف أنها انقرضت أو تكاد بسبب الصناعات الحديثة.

أهلاً بكم إلى أولى فقرات هذه الحلقة.

طبيعة ظاهرة التطرف في المغرب

لا يخلو مجتمع من ظاهرة التطرف في عصرنا هذا، ولكنها تتفاوت من مجتمع إلى آخر بالحجم والتأثير والطبيعة، يحاول معنيون التركيز على أن الفقر يولِّد العنف ويجدون كثيراً من التأييد فيما يذهبون إليه، لكن آخرين يؤكدون أن التطرف لا يتعلق بالضرورة بالفقر والحرمان، بل بقضايا حقيقية تمس حياة الأفراد والجماعات، لكنها لا تجد عملاً مخلصاً لحلها حتى يصل المرء إلى حالة من اليأس والإحباط والسخط تصل به إلى حالة الانفجار.

وفي تحليل قريب مما سلف لا يستبعد آخرون العوامل النفسية في موضوع التطرف، هذا في الوقت الذي يجتهد فيه باحثون في دراسة هذه الظاهرة، التي شهدت تنامياً ملحوظاً خلال السنوات الماضية.

مئات المتهمين بالسلفية الجهادية تم اعتقالهم وتقديمهم للمحاكمات في المغرب، الأمر الذي أثار جدلاً في البلاد حول طبيعة ظاهرة التطرف وسياسة البلاد الأمنية بعد تفجيرات الدار البيضاء.

تقرير عبد السلام رزاق من هناك، كمثال فقط على هذه الظاهرة في مجتمعات عربية وغير عربية.

تقرير/ عبد السلام رزاق: من هنا كانت البداية بحي (سيدي مؤمن) أحد الأحياء الشعبية الأكثر فقراً في مدينة الدار البيضاء، وفي أحد بيوته المنزوية وسط أحزمة البؤس والتهميش الموزَّعة في أكثر من مدينة حزم أربعة عشر شاباً أمرهم سراً، وتحولوا تحت جنح الظلام إلى قنابل بشرية، انفجرت في قلب الدار البيضاء ليُسمع صداها في كافة أرجاء العالم.

الداخل إلى عوالم حي سيدي مؤمن عبر أرزقته الضيقة وبيوته التي تفتقر لشروط العيش الكريم، من ماء وكهرباء ومجاري الصرف الصحي تستوقفه حالة التعايش الجلي بين القبول بمظاهر الفقر، والتدين العميق، غالبية شباب الحي يمتهنون حرفاً بسيطة وغير مستقرة، مستواهم التعليمي توقف عند المراحل الابتدائية، لكن شهاداتهم تؤكد أنهم استعاضوا عن كل شيء بالصلاة والأمل في أن يأتي المستقبل بالحل لأزمتهم.

عمر الشرفي (مواطن مغربي): أتمنى يكون -إن شاء الله- يكون المستقبل زوين، ويكون كل شيء للشباب يخدم، وكل شيء بيه خير.

والله أطلب من الله يا ربي أنا أبغي (…) لكل شيء.. كل شيء يخدم، هذا الشيء اللي أطلبه من الله.

حسن الطويل (مواطن مغربي): أنا كمان أتمنى صحاب الشواهد يخدموه (..) والمغربي يزدهر إلى قدام إن شاء الله.

عبد السلام رزاق: على بعد أميال من حي سيدي مؤمن وفي مواقع التفجيرات وسط الدار البيضاء تواجه بشباب من عالم آخر، ينتمون إلى مغرب مغاير كله ترف وإقبال على الحياة ورفاهيتها، ورغم أن غالبية هؤلاء يعيشون خارج التقرير السياسي والحزبي فإن التدين قلما يشكل ملاذ للكثيرين منهم، عكس شباب حي سيدي مؤمن.

د. عبد الوهاب الرامي (أستاذ علم الاجتماع الإعلامي): هناك ما يسمى بالقيمة الملجأ والتي يبحث عنها الشباب الآن، وهذه القيمة تتجسد أساساً هو نكوص إلى الدين، إلى الذات الحقيقية التي تتجلى في الكيان الديني برمته، وطبعاً هناك كذلك فشل المشاريع السياسية الاجتماعية التي تعتمد على.. أو تسعى إلى الرفاه على المستوى الفردي وليس إلى ما يسمى بالرفاه الصوري المتعلق بالأمجاد، وبالتالي هناك إحساس لدى الفرد أو لدى المواطن على أنه هذه المشاريع السياسية فاشلة، ولم تحقق له شيئاً ما، وبالتالي هناك نكوص إلى القيمة الملجأ التي تتجلى كقيمة مثلى.

عبد السلام رزاق: خلال السنوات القليلة الماضية كان المغرب يشكل لدى غالبية شبابه وحتى بالنسبة للأجانب بلداً آمناً، إلى أن فاجأهم هول التفجيرات، فالحدث كسر الاستثناء، وأضحت البلد مستهدفة، والأمر يقتضي كثيراً من الحزم.

جاءت مظاهر الإدانة شاملة وأخذت شكل مسيرة وطنية شاركت فيها كافة المكونات السياسية والمدنية، وفي مقدمتهم كان الشباب، لكن ذلك لم يحل دون إقرار المراقبين بوجود شرخ عميق في خاصرة وحدة المجتمع.

سميرة العدناني (حزب البديل الحضاري الإسلامي – المغرب): حينما وقعت أحداث 16 مايو، كان المعني بالأمر أو أيادي الاتهام وُجِّهت إلى الحركات الإسلامية، وجعلتها كلها في خندق واحد، وهذا مسار خطير حاول أن يخلق بؤرة صراع داخل المجتمع المغربي، مما أدى إلى خلق مجتمعين داخل مجتمع واحد، وهو الصراع المجتمع علماني حداثي وكذلك مجتمع إسلامي.

محمد اليازغي (وزير التعمير والبيئة المغربي – الحزب الاشتراكي): المشكل أيديولوجي، لأن الظاهرة ديال الصفيح مثل الفقر مثل الاقصاء موجودة في كل الأقطار، وبالتالي لم يظهر العنف بهذا الشكل إلا بسبب أطروحات أيديولوجية معينة، لأن مواجهة مشاكل الفقر والسكن غير اللائق لها (مستوياتها) ولها وسائلها.

عبد السلام رزاق: الحاجة إلى معرفة الجهة التي سعت إلى تنفيذ العمليات وتفاصيل التخطيط لها كان سبباً كافياً لتأجيج حدة الخلاف بين الإسلاميين، خاصة حزب العدالة والتنمية والأحزاب اليسارية، بل إن مصادقة البرلمان بالإجماع على قانون مكافحة الإرهاب في ظروف استثنائية شكَّل صدمة بالنسبة للكثيرين، لكن تم التكتم عليها خوفاً من الإدانة، بالرغم من أن جميع الفرقاء السياسيين وحركات المجتمع المدني كانوا يقرون في السابق بأن هذا القانون سالبٌ للكثير من الحقوق السياسية والمدنية للمواطن المغربي المثقف منه قبل البسيط.

د. عبد الوهاب الرامي: يجب أن نعرف بأن المثقف يشتغل بشكل مكتنز قبيل الأزمات وبعيد الأزمات، لكنه لا ينخرط فيها، وبالتالي على اعتبار أن المثقف كما نفهم في المغرب ليس مثقفاً عضوياً، عرفنا نوع من المثقفين الذين لهم هذا الانتماء، ولكن باقتران مع الهاجس الحزبي أساساً أو السياسي، لكن المثقف المرتبط فقط بمشروعه الثقافي الذي يتلمس خطوات عبر.. عبر مسار المجتمع، هذا في اعتباري أنه غير موجود.

عبد السلام رزاق: تقديم قرابة ألف وخمسمائة من النشطاء الإسلاميين أغلبهم من الشباب للمحاكمة بتهمة الانتماء لتيار السلفية الجهادية وتهديد النظام والمؤسسات، كل ذلك زاد من حدة الانتقادات بعدم نجاعة السياسة الأمنية المعتمدة وسياسة التطهير التي تمت في حق هؤلاء.

سعد العلمي (وزير الشؤون البرلمانية المغربي): هذه هي قناعة معظم المغاربة بأن.. بأنه ينبغي تبني مقاربة شمولية لمعالجة الأوضاع، مقاربة لا تقتصر فقط على الجانب الأمني وعلى الجانب القضائي، فذلك كان ضرورياً أن يُعتمد، ولكنه لا يحل المشكل.

عبد السلام رزاق: محاكمات الشباب ما يعرف بتيار السلفية الجهادية تحولت إلى مسلسل طويل امتد ليالٍ وليالٍ طوال، توزعت خلالها أحكام بالإعدام لم يعرف المغرب في السابق لها حالة شبيهة، وإن ظلت النخبة السياسية والحقوقية ترى عكس ما كان يراه أهل القضاء.

محمد يتيم (حزب العدالة والتنمية الإسلامي المغربي): فلو قمنا نحن جميعاً.. جميعاً حركات إسلامية ومؤسسات علمية ومساجد وعلماء وأحزاب سياسية، لو قمنا بما يلزم من التأثير الثقافي والتأثير الفكري والتأثير السياسي والتأثير الديني، لا أتصور أن مسلماً مغربياً متشبعاً بالأصول المذهبية للمذهب المالكي وللإسلامي المغربي سواء في بعده العقدي أو في بعده الاجتماعي أو التاريخي، لا أتصور أن مسلماً أو حركياً إسلامياً يفهم معطيات الواقع المغربي يمكن أن يسقط بسهولة في.. في فخاخ ما يسمى بمثل هذه العمليات الإرهابية أو الانتحارية.

عبد السلام رزاق: لم تقف الأمور عند هذا الحد، فحالة التأرجح بين التدين والتطرف بعثر أوراق الجميع من حاكمين ومحكومين مما زاد في تأجيج جذوة الصراع بين ما يعرف بأنصار المجتمع الديمقراطي الحداثي من جهة والإسلامي من جهة ثانية، والذين تلقوا الضربات تلو الضربات واتُّهموا بالمسؤولية المعنوية عن التفجيرات واحتوائهم السابق للعلماء والمنظرين المسؤولين عما حدث.

خديجة الركاني (مناضلة حقوقية مغربية): مسؤولية مشتركة ما بين الدولة وما بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني أيضاً، وأيضاً كان استغلال.. استغلال لهذه المسؤولية من طرف القوى الأخرى، هي بالطبع (…) قوى، نحن لا ننكر الحقيقة، هي أصبحت قوة في المجتمع المغربي، ولكن استغلال ظروف.. ظروف معينة.

عبد السلام رزاق: حالات التنصُّل من المسؤولية وهروب كل طرف من الأمام زادت من تأزيم وعي الشباب المغربي بهويته الإسلامية، رغم إقرار الجميع على أن المذهب المالكي شكَّل ولقرون طويلة مكوناً حاسماً لتقوية لُحمة المجتمع المغربي بعيداً عن التشيع المذهبي أو السياسي.

محمد اليازغي: المغرب ما فيهش أحزاب إسلامية وأحزاب غير إسلامية، صحيح كل الأحزاب هي أحزاب سياسية، وبالتالي الخلافات بينها هي خلافات متعلقة بكيفية تنظيم البلاد، كيفية بناء المؤسسات، كيفية التعامل مع القضايا الاقتصادية والاجتماعية، ما هو غير مقبول هو استعمال الدين في الخلافات السياسية.

عبد السلام رزاق: تنامي وتعدد مظاهر التيه الذي يعيشه هؤلاء بين التدين والتطرف، والتي مازالت أمراً قائماً دعا بعض المراقبين إلى التأكيد على وجود أزمة هوية لدى الشباب المغربي، ساهم فيها أيضاً وسائل الإعلام التي دخلت كطرف في هذه المعادلة العصيبة، ونصَّبت نفسها حكماً أدانهم قبل مثولهم أمام المحكمة مما اعتُبر برأي المراقبين إجهازاً على المكاسب الديمقراطية التي يحققها المغرب، وإن بصورة بطيئة.

محمد يتيم: الخطاب الذي ساد بعد أحداث 16 مايو لدى شريحة معينة نسميهم نحن بالاتجاه أو التيار الاستئصالي داخل بعض الأوساط الإعلامية، وحتى السياسية، لا شك أن هذه اتهامات كانت مغرضة، واتهامات فيها حسابات سياسية أكثر منها حسابات تستحضر المصلحة العليا للوطن، إذا جاز أن نتحدث عن المسؤولية المعنوية أو المباشرة لمثل هذه العمليات، ينبغي أن توُجَّه مثل هذه المسؤولية لمن يتحمل المسؤولية المباشرة والمسؤولية التنفيذية.

عبد السلام رزاق: ولأن ذاكرة المغاربة كما يقولون هم أنفسهم تنسى سريعاً الأحداث الأليمة وتتوق للجديد، توالت الدعوات من هنا وهناك لطي صفحة دامية من ماضي المغرب القريب عُرفت بتفجيرات السادس عشر من أيار/ مايو، والخوض في حوار وطني شامل لبناء غدٍ بدون عنف.

من حق جميع المغاربة أن ينعموا بغدٍ خال من لغة العنف ودوي انفجارات، ومن حق الفقراء من شباب المغرب أن ينعموا بغدٍ فيه خبز وماء وكثير من رعاية الدولة، لكن يبدو أن تجفيف منابع العنف والتصدي للزوابع الخارجية أمر يحتاج إلى حوار وطني ومصالحة طويلة النَفَسْ بعيدة كل البعد عن الإقصاء المبدئي أو القبول القسري.

عبد السلام رزاق -لبرنامج (مراسلو الجزيرة)- الدار البيضاء.

صناعة الصابون في لبنان

محمد خير البوريني: حرفة الآباء والأجداد التي انقرضت أو تكاد، صناعة الصابون في لبنان التي تعود إلى مئات السنين، والتي يتم إنتاجها من خلال استعمال زيت الزيتون، يُرجع الباحثون تاريخ هذه الحرفة إلى مدينة نابلس في فلسطين قبل أن تنتشر إلى المناطق المجاورة، ولكن ما الذي حلَّ ويحل بصناعة الصابون التقليدية في عصرنا الحاضر؟

تقرير/ بشرى عبد الصمد – لبنان: لم يكن لبدر حسون أن يسترجع مهنة أجداده في صناعة الصابون لولا سرقة محله لبيع الذهب عام 1980، فأيام ازدهار هذه الحرفة ولَّت منذ زمن، وهذا ما دفع بوالد بدر إلى تحول من سوق الصابون إلى سوق الذهب الملاصق.

بدر حسون (صاحب المصنع): الجيل اللي قبل جيل بيي كانوا يقولوا لها الحرفة هاي مصلحة الفقر والتقطير، كانوا هيك يسموها إنه نحس، مع إنه هي خيرات البلد كلها كانت من ورائها، بس وصلوا لمرحلة ما بقت تطعميهم، وصار فيه ماكينات، صار فيه مصانع ضخمة جداً فبلشوا يدوسوا وينزلوا واحد ورا واحد لدرجة إنه ما بقى فيه حدا بقى يصنِّع البضاعة نهائياً، بس الحلو إنه أنا.. أهل البيت الختيارية في البيت كانوا كليتهم بيعملوا صابون، فأنا فهمان القصة تمام، بس فهمانها بس ما جه ببالي إني أنا أشتغل فيها.

بشرى عبد الصمد: ديب وأولاده العشرة الذين يعاونونه في العمل هم آخر من تبقى في سوق الصابون الذي كان فيما مضى يعج بأصحاب الحرفة، بينما لم يتبقَ في مدينة طرابلس اللبنانية سوى ثلاثة ممن احترفوا هذه الصنعة، واستمروا بها حتى أيامنا هذه.

د. عمر تدمري (مؤرخ لبناني): صناعة الصابون كانت صناعة كثير مزدهرة، باعتبار وجود سهل الزيتون الممتد من نواحي القرى إلى أقاصي بلاد عكار، نعم هذه الصناعة حتى من العصر البيزنطي، نعم تمتد إلى عصور يعني قديمة، إلى حوالي ألفين سنة، واستمرت عبر التاريخ الإسلامي حتى عهد قريب، وهذه الصناعة اشتهرت في العصر العثماني أيضاً بوجود عدد كبير من الخانات والأسواق المتخصصة في مدينة طرابلس فقد أحصينا من خلال الوثائق العثمانية الموجودة في اسطنبول، ومن خلال وثائق سجلات المحكمة الشرعية بطرابلس، أنه كان في المدينة حوالي 45 خان مثل هذا الخان الذي نتحدث منه الآن، يعني فيه هناك 45 خان منها ما هو مغلق، ومنها ما هو مفتوح، وهذه الخانات كانت متخصصة ببعض الحرف والصناعات المحلية.

بشرى عبد الصمد: اشتهر ساحل حوض البحر المتوسط في صناعة الصابون البلدي المستخرج من زيت الزيتون وزيت الغار وامتدت هذه الصناعة من مدينة نابلس الفلسطينية إلى طرابلس وصيدا في لبنان، ثم إلى مدينة حلب السورية، ووصلت حتى اليونان، لكن طرابلس اشتهرت بالصابون المطيَّب أو المعطر.

بدر حسون: نحنا كان فيه عندنا.. كان فيه عندنا بطرابلس شيء اسمه سوق العطارين، هذا الصابون الطرابلسي المطيب، شكله ما بيوحي. بس فعلاً هائل جداً، فها الصابونة هذه انعملت بخبرة معلمين الصابون.

بشرى عبد الصمد: انخلطت مع العطارين..

بدر حسون: والكيميائيين كانوا يقولوا الله عطر يرد الروح..

د. عمر تدمري: في بعض الإحصائيات أنه كان بطرابلس 24 مصبنة، منها أربعة مصابن كانت ضخمة مشهورة، وكل إيرادها الذي يعني تنتجه كان يذهب إلى والي طرابلس، باعتبار أن هايدي كانت صناعة يعني مزدهرة، وتدر أموالاً كثيرة، فكانت هي لمصلحة خزنة الوالي، هذه هي نفس (المرحلة) طبعاً هذا من العصر المملوكي، ثم حين أتى العثمانيون وفتحوا طرابلس وهب السلطان سليم الأول العثماني هذا الخان لزوجته، فهي أوقفته لمصلحة الحرمين الشريفين، يعني لمكة أو المدينة، فكل الذين كانوا يقطنون في هذا الخان من التجار، من أصحاب الصناعات والحرف كان كل الوارد الذي يتقاضاه متولي هذا الخان يذهب لمصلحة الحرمين الشريفين فكان التجار يتنافسون على الإقامة بهذا الخان، لأنهم لا يدفعون الضريبة ولا المكوس كما كان يُسمى في العصر العثماني.

بشرى عبد الصمد: دأب ديب على تطوير حرفة صناعة الصابون مع الحفاظ على المواد الطبيعية التي تتكون إضافة إلى زيت الزيتون من مادتي القطرون وزيت أوراق الغار أحياناً، لكن أنواع الصابون الطبيعي تشعبت إلى أربعمائة، يختصرها بدر لأربعة فقط، تبدأ بالطرابلسي المطيب بالعسل.

بدر حسون: الصابون الملكي -يا ست بشرى- هو ها اللي شفتيه بأيدي، كله حفر إيد، كان.. كان قديم كل الصابون طبيعي، ما فيه صابون تجاري، وصابون ما هو تجاري، كان كله طبيعي، وبصابون السوق، يعني كان صابون زيت الزيتون الطبيعي، بس كانت الناس نوعين، كان فيه الغني وكان فيه الفقير، فدائماً الغني كان يميز حاله عن الفقير، ولم يزل لحد هلا الصابون الثالث اللي هو العرايسي، ابتكروا شغلة هو الصابون بطبيعته رمز الطهارة، بيرمز للطهارة، فشو عملوا (..) المعلمين اللي يطلعون الصابون؟ عملوا صابون خصوصي لليلة العرس، يطلع مع العروس بجهازها، الصابون الرابع هو صابون الأعشاب، صابون الأعشاب هو تقريباً شي 200 نوع، هايدا نوع منه، هايدا بالنعنع، بورق النعنع، فيه بورق الغار، فيه بورق البيبونج، فيه بالمريامية، فيه يعني فيه تقريباً شي 200 نوع أعشاب.

بشرى عبد الصمد: مراحل عدة تمر بها صناعة الصابون، أقدمها وأسهلها، صابون زيت الزيتون القديم.

بدر حسون: هايدي هون هلا حاطين زيت كوستيك وزيت زيتون، هذا هون هلا عم نخلطهم ببعضهم، بس زيت كوستيك وزيت زيتون، وأوقات ما ندخل ميه لحتى ندوبه أول شيء زيت كوستيك مع المية، وبعدين ما بندخله على الصابون على.. على مراحل، يعني كل شوي..

بشرى عبد الصمد: هذا بس زيت زيتون..

بدر حسون: زيت كوستيك وبس..

بشرى عبد الصمد: وقد أيه بيظلوا عم ينغلى؟

بدر حسون: هلا حسب ساعتين، ثلاث ساعات، 5 ساعات، حسب كيف تطلع الطبخة من المحمي، كان الطبخ على البارد هايدي.. هايدي مركبة من 4 زيوت، هلا الطبخ على الحامي بيكون مركب من زيت واحد، يعني هايدا من 4 زيوت، و4 زيوت هم جوز الهند والبلح، وزيت زيتون مع جلسرين، هايدي لتنشف بدها يومين، ولتقطع بدها يومين، هايدي خلطة يدوية، نكون الخلطة تبعتها معمولة لنوع صابون طبي، بيكون يا كبريت، يا.. يا نخالة، يا شيء هيك، بننزله من المحمي ونخلطه، من المختبر نكون عاملين الخلطة، وعاملين على صابون كمان مرمري بس فوق، نرجعوا اللي نخلطه لنطبقه على الشيء اللي بدنا نعمله.

بشرى عبد الصمد: لكل نوع دور أو مهمة، فمنه ما يريح الأعصاب، ومنه ما ينقي البشرة والجسم، بينما يعالج البعض الآخر أنواعاً من الالتهابات والحساسيات الجلدية، ورغم المنافع المعروفة يسعى الحرفي في هذه الأيام إلى تجميل سلعته لبيعها، فالتسويق أصبح عنصراً أساسياً في أيامنا هذه، خاصة وأن تكلفة إنتاج الصابون البلدي تفوق بكثير الصابون الممزوج بدهن حيواني، لم تنجُ هذه الحرفة من الثورة الصناعية، فمدينة صيدا شهدت بدورها انتعاشاً لصناعة الصابون، اشتهرت بها ثلاثة مصابن، لم يبقَ منها اليوم سوى مصبنة واحدة، تحولت بدورها إلى متحف.

كارولين عازر (مديرة متحف عودة في مدينة صيدا): نحن اليوم بمنزل العائلة السيد ريمون عودة، المنزل كان اشتروا بيت عودة بأواخر القرن التاسع عشر، وعاشوا فيه، وكانت المصبنة تنتج الصابون البلدي، زيت زيتون صافي 100%، بيتسوق بلبنان، ظلت المصبنة بتشتغل لـ75، لأوائل الحرب اتسكرت، هلا بالـ96 استرد السيد ريمون عودة المبنى، وبلش ينظفه، وحوَّل المصبنة إلى متحف.

بشرى عبد الصمد: لم يعد عودة يُصنِّع الصابون بكميات كبيرة، لذا بدأ يستعين بمصانع من طرابلس وبيروت، ومن صيدا، والشكوى على الدوام في حالة كهذه تبقى تنصب حول غياب رعاية الدولة لهذه الصناعة الوطنية والتقليدية، وحمايتها من المنافسة الخارجية.

وجيه كالو (مدير مصنع للصابون في مدينة صيدا): المصانع الكبيرة، أو إذا فتنا على العولمة، بينتج بالنهار 600 طن..، ممكن إنه مشترياته تكون أرخص كتير منا تاني، ثالثة لما بيفوت على قطاع الشحن، اللي هو 80% من أساس الصابون، يعطونا نقول 300 دولار، أنا عم بأصرف 600، ما.. ما توفي معانا، الرابعة: إنه مدعوم.

الخامسة ببلدي أنا بأدفع ضريبة، هو بضاعته تطلع بلا ضريبة، مصر، تركيا، سوريا، بيفوتوا بلا ضريبة، الصابون المصري بيفوت لإلنا بدون ضريبة، أنا بأدفع 28% إذا كان جبت، صابون للتصنيع.

بشرى عبد الصمد: بشيء من الأسف تغادر خان أو مصنع الصابون التقليدي، الذي لم يكن يعرف اللبنانيون أو الأجداد سوى منتجات كمنتجاته، قبل أن تغزو منتجات الدول المتقدمة أسواق بلداننا، بعد أن تشكلت خريطة منطقتنا قبل نحو خمسة عقود، شيئاً فشيئاً تحولت الصناعات اليدوية القديمة إلى سلع مكلفة، زبائنها من الطبقات الميسورة بعد أن كانت تتوافر في كل بيت، كما بدأت ثقافة بكاملها تتحول نحو الابتعاد عن المواد الطبيعية، والتوجه نحو كل ما هو مُصنَّع ومستورد، بينما بدأ القديم يأخذ طريقه إلى المتاحف، أو بات مجرد ذكرى يتحدث الكبار عنها للصغار.

من طرابلس إلى صيدا معالم تنطق بتاريخ مضى، وحرف تحمل في ثناياها حكايات وتقاليد، تبقى استمراريتها رهن بعض المبادرات الفردية، في زمن لم يبقَ فيه مكان إلاَّ للآلة على حساب الإنسان والحرفة.

بشرى عبد الصمد -لبرنامج (مراسلو الجزيرة)- من منطقة صيدا- جنوب لبنان.

[فاصل إعلاني]

محمد خير البوريني: ونعرض مشاهدينا في سياق هذه الحلقة مجموعة من رسائلكم، نبدأ برسالة بعثها المشاهد فتَّاح إسكندر شلال، وهو مواطن عراقي يعيش في كندا، يطلب المشاهد تسليط الضوء على المسيحيين في الشرق الأوسط والعراق، وتحديداً في محافظة نينوى، أو الموصل في شمالي العراق، ويذكر أسماء عدد من القرى المسيحية في المحافظات العراقية المذكورة، التي يرغب أن نقوم بزيارتها، كما يطلب تقريراً عن الأديرة والكنائس، وحياة الناس هناك، وعن اللغة الكلدانية القديمة، التي لا تزال متداولة هناك، وعن هجرة أهل تلك المناطق من المسيحيين.

شكراً للمشاهد وسوف نعمل على تلبية طلبك في أقرب وقت ممكن.

والمشاهد إمام مالك من الجماهيرية الليبية يتحدث إمام بنفس سياق الرسالة السابقة حول العراق، ويطلب تقريراً يتم فيه تسليط الضوء على محافظة ذي قار العراقية من حيث الظروف الاقتصادية والاجتماعية، ومدى تعايش المواطنين هناك مع هذه الظروف، كما يطلب تقريراً آخر حول الحركة البريدية من وإلى العراق في الظروف الراهنة، وشبكة الإنترنت في عدد من المناطق العراقية، وهناك موضوع آخر يطلبه المشاهد وهو بيان الأوضاع في منطقة تكريت والأحياء القريبة من الجوامع والمساجد الأثرية.

نجيب المشاهد بالنسبة لطلبه الأول المتعلق بالظروف الاقتصادية والاجتماعية في محافظة ذي قار العراقية بالقول: إن العراق يخضع للظروف الصعبة ذاتها إلى درجة كبيرة بجميع محافظاته، ولا نرى سبباً للحديث عن محافظات عراقية دون أخرى، وقد سبق وعرضنا موضوعات حول الوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب الذي يعيشه العراقيون، وكان آخرها تقريراً أعدته الزميلة أطوار بهجت بهذا الشأن، على أي حال سوف تشاهد موضوعات مماثلة في حلقات مقبلة، ونتمنى أن تزول هذه الظروف الصعبة عن الشعب العراقي في أقرب وقت ممكن، بالنسبة للموضوعات الأخرى فإننا نشكرك عليها، وسوف نقوم بمتابعتها.

ومن السعودية بعث محمد عبد الكريم النعيمي، بعث رسالة جاء فيها: تعتلي قناة (الجزيرة) في عيون مشاهديها كل يوم، وتبدو جزءاً من حياتهم، ويمسي القائمون عليها أقرباء يتحتم السؤال عنهم والاطمئنان عليهم، يطلب المشاهد من البرنامج، ومني شخصياً عرض تقرير مفصَّل حول نشأة قناة (الجزيرة) من مرحلة التفكير بتأسيسها إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه، ولقاء مسؤوليها والقائمين عليها والعاملين فيها، وإظهار مبنى القناة وأقسامها المختلفة.

نشكر المشاهد الكريم على مشاعره الصادقة والطيبة، ولكن نقول سبق ونوهنا في مناسبات عدة لمشاهدينا الكرام بأننا نفضل أن نترك شاشة (الجزيرة) وما تعرضه يتحدث عنها وعن العاملين فيها وجهودهم جميعاً، حيث نرى أن ذلك يكون أفضل بكثير من حديث (الجزيرة) عن نفسها، نقول هذا علماً بأننا سبق وعرضنا تقريراً يتحدث عن (الجزيرة) في الذكرى الخامسة لتأسيسها كما كان الزميل غسان بن جدو قد قدَّم حلقة كاملة من برنامج (حوار مفتوح) حول قناة (الجزيرة) في ذكرى تأسيس (الجزيرة) في الأول من شهر نوفمبر الماضي.

مشاهدينا الكرام، نكتفي بهذا القدر من الردود على رسائلكم في حلقة هذا الأسبوع، ونتابع معكم ما تبقى منها.

رجل صدام حسين في إسرائيل منير فتحي

رجل صدام حسين في إسرائيل، هكذا وصفته الصحافة الإسرائيلية، إنه الفلسطيني منير فتحي بسيس من فلسطينيي نكبة عام 48، الشاب الذي عمل لصالح المخابرات العراقية لمدة تسع سنوات وفشلت أجهزة المخابرات الإسرائيلية في اكتشافه خلالها. كان منير قد تطوع لتفجير نفسه في عملية فدائية بعد أن قرر العمل مع المخابرات العراقية انتقاماً -حسب قوله- لكرامة الأمة العربية بعد ضرب إسرائيل لمفاعل تموز العراقي عام 81، تمكن منير من إيصال معلومات مهمة لأجهزة الاستخبارات العراقية المعنية في حينه، كما تمكن من تصوير مفاعل ديمونة الإسرائيلي والحصول على معلومات تتعلق بمواقع عسكرية إسرائيلية وصواريخ ومطارات، على الرغم من سنوات سجنه لا يبدي منير ندماً أو آسفاً، ويبدو متمسكاً ومدافعاً عن كل ما قام به، خدمة لكل ما يؤمن به، تقرير إلياس كرام.

تقرير/ إلياس كرام – الناصرة: هذا هو رجل صدام حسين في إسرائيل كما وصفته الصحافة الإسرائيلية، منير فتحي بسيس ابن العائلة المتواضعة من الناصرة داخل الخط الأخضر، كان يوم السابع من حزيران عام 1981 اليوم الذي غيرَّ مجرى حياته، وقلبه رأساً على عقب، ففي هذا اليوم شن الطيران الحربي الإسرائيلي غارة جوية على مفاعل تموز العراقي، كان منير حينها في ربيعه الواحد والعشرين، عندما قرر -كما يقول- أن ينتقم لكرامة الأمة العربية، التي رأى أنها انتُهكت، وهكذا بدأ التجسس لصالح المخابرات العراقية حتى العام 89، إلى أن ألقت المخابرات الإسرائيلية القبض عليه وزُج به بالسجن ثلاثة عشر عاماً.

منير فتحي بسيس: لما إسرائيل قامت في ضرب الفرن الذري في الـ81، وشعرت بأنه هي أمست بشرف الأمة العربية والإسلامية، فقررت إني أنا أقوم في عمل له، وأساعد إخوتي في العراق، يعني وعلى هذا الأساس يعني أنا قمت يعني قمت في واجب يعني اللي أنا يعني ربنا أمرني إنه أقوم فيه.

نعيمة بسيس (والدة منير): أنا ما كنتش أعرف إنه يعني منير كان يتجسس للعراق بالمرة يعني، ويعني تفاجأنا إحنا ما كناش يعني نفكر إنه ولا إشي يعني، إنه يشتغل ويأخد شغيلة ويرجع، ما فيش منه هذا الإشي.

منير فتحي بسيس: السلام بده توازن عسكري، بدون توازن عسكري ما بيحصلش سلام، ويعني لو العرب امتلك القنبلة النووية لإسرائيل غيرت من مواقفها كثير، يعني بسبب العرب إنه لا تمتلك القوة النووية، فإسرائيل يعني متعنتة ورافضة السلام.

إلياس كرام: استطاع منير وبحكم عمله بالقرب من المواقع الاستراتيجية الحساسة تصوير المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونة، وجمع معلومات عن مواقع عسكرية أخرى.

منير الذي لم يكلفه أحد بذلك اخترق أمن المطارات وتوجَّه إلى السفارة العراقية في لندن لنقل ما جمعه من معلومات إلى السفير، بل وأكثر من ذلك.

منير فتحي بسيس: أنا لما كنت يعني أخطط يعني إنه أنا اليوم بدي أصوِّر مواقع عسكرية، طبعاً كنت يعني أدرس أيش السلبيات يعني، وحتى يعني أتغلب على هاي السلبيات كنت آخذ احتياطي يعني، فأنا كنت يعني مرات أستأجر يعني سيارة سياحية، وطبعاً كنت يعني أعمل طرقي إني أنا ما انكشفش يعني، وكنت يعني -الحمد لله- كنت يعني أنجح في التقاط هاي القواعد العسكرية وشبكات الصواريخ، والدفاع الجوي يعني، حتى المطارات يعني الموجودة بإسرائيل، أنا كنت يعني لما أدخِّل الكاميرا بعلبة الفاين هاي علبة الورق المحارم، يعني أنا كنت يعني أخرج ورقة أو منديل من العلبة هاي، وأكون ألتقط صور أنا، يعني ما كانوش إنه يخطر ببالهم إنه أنا عم بأصوَّر إشي يعني، والحمد لله يعني فشلت المخابرات الإسرائيلية يعني إنه إنسان يعني على مدار تسع سنين يعني ما قدرتش تلقي القبض عليه، يعني فيه شغلات اللي يعني كانوا يطلبون الخط الطول والعرض يعني عن فلسطين، فيعني القواعد العسكرية قد أيش تبعد عن البحر وقد أيش بتبعد عن نهر الأردن يعني، فكنت أنطيهم يعني هاي المقاييس يعني حتى يستفيدوا منها.

إلياس كرام: كيف كنت بتقيسها؟

منير فتحي بسيس: والله يعني.. يعني فيه عندي كنت أقدر يعني تقريباً حسب (الإسبيدومتر) تبع السيارة يعني.

إلياس كرام: في المرة الأولى التي يعني التقيت فيها بالسفير العراقي في لندن كيف كان الاستقبال؟ كيف كان شعوره تجاهك؟

منير فتحي بسيس: اجتمعت أنا مع السفير ورجال السفارة وسلمتهم هاي المعلومات، وطبعاً هاي المعلومات يعني ودوها نقلوها لبغداد، وطبعاً أنطيت تقارير عن كل هاي الصور والمعلومات، وبعت لي السيد الرئيس يعني صدام حسين بعت لي رسالة شكر، وشكر الشعب الفلسطيني، وطلب مني إني أستمر.. أخدم يعني أخدم أمتي.

إلياس كرام: وعندما اقترحت عليه قضية أن تفجر نفسك وأن تقوم بعملية انتحارية، كيف رد عليك؟

منير فتحي بسيس: هو قال إنه إحنا هنبعت كتاب للرئيس وبعتوا كتاب يعني على هذا الموضوع، ورد عليه، وحكى وياي يعني إنه إحنا لسه مشغولين في الحرب مع إيران، وإحنا مش هننسى ضربتنا وهنضرب إسرائيل في الوقت المناسب.

إلياس كرام: حب العراق كان مغروساً في منير حتى النخاع، ولم يفكر بالتراجع أبداً، فأثار اهتمام الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي كان متابعاً عن كثب ومهتماً جداً بالمعلومات التي زوَّد بها منير المخابرات العراقية، ما دفعه إلى إيفاد أخيه برزان التكريتي للقاء منير في لندن سراً، لتبدأ بعدها رحلة التنقل بين سفارات العراق في العالم.

منير فتحي بسيس: أول ما سألني سألني عن حركة الفرن الذري في الليل، وأنا جاوبته بأنه ها الفرن الذري إسرائيل ممنوع يعني تشعل أي نور أو أي ضوء، كان مطفي لفترة طويلة يعني خوفاً من القصف يعني من طائرات تيجي من العراق تقصف، وبدا يسألني عن علماء الذرة لمعهد (فايتسمان) للعلوم النووية (بيرحوفر)، وقال لي أنا بدي يعني تجيب لي معلومات عن معهد فايتسمان، وعن علماء الذرة اللي موجودين يعني في معهد فايتسمان وين بيسكنوا وكيف بيتحركوا.

إلياس كرام: كانت ليلة التاسع عشر من كانون الثاني عام 89 الليلة التي انتهت فيها حياة منير كجاسوس لتبدأ رحلة العذاب داخل سراديب المخابرات الإسرائيلية التي ذاق فيها منير أبشع صنوف التعذيب، وحُكم عليه بالسجن ثلاثة عشر عاماً، كانت ذروتها حين بدأت الصواريخ العراقية تسقط على إسرائيل عام 91.

منير فتحي بسيس: يعني أنا بأشك في السفير العراقي اللي اسمه إبراهيم الشاوي بأنه هذا الإنسان هو اللي يعني بالـ 89 وصل عني للمخابرات البريطانية والمخابرات البريطانية وصلت لإسرائيل، فعلى هذا الأساس إسرائيل إجت ألقت القبض عليَّ.

نعيمة بسيس: أنا يعني ليلة ما أخدوه يعني طول الليل يعني واقفة يعني بره، ويعني مش عارفة أنام يعني بتعرف.

منير فتحي بسيس: طبعاً يعني التحقيق الأمني في إسرائيل يعني تحقيق صعب، فيه التعذيب النفسي يعني، التعذيب النفسي وفيه استعمال الضرب، وأجهزة ويعني.. يعني تعذيب يعني حقير يعني، بأصوات ومسجِّلات، وطبعاً يعني كانوا يحطوا الكيس في رأسي والكلابشات ورا ظهري وينيموني على ظهري هيك، ويجيبوا كلاب يعني، كانوا يجيبوا يعني كلاب ويحطوها على صدري، ويقعدوها 4، 5 ساعات، يعني الكلب يعني هذا حتى أنهار يعني، تعذيب نفسي هذا، ويهددوني يعني يقولوا لي صرنا نجيب يعني أمك وأختك ونغتصبهم، أنا موجود بسجن يعني، والعراق بدأ يطلق صواريخ على إسرائيل، كان عندي نوع من الفرح والخوف، يعني ممزوج الفرح والخوف مع بعض، خوف من إنهم ممكن يعملوا فيَّ إشي، وفرحان بإنه يعني المهمة اللي أنا قمت فيها يعني نجحت.

إلياس كرام: منير وإن كان يتوق للحرية من خلف قضبان زنزانته، إلا أنه رفض عرضاً مغرياً للحكومة الإسرائيلية لتبديله بالمواطن الإسرائيلي عزام عزام الذي اتهمته السلطات المصرية بالتجسس لصالح إسرائيل.

منير فتحي بسيس: إسرائيل يعني كانت تستغل كل قضية يعني لسجين أمني، حتى يعني سجناء فلسطينيين يعني، حاولوا إنه يستغلوا إنه يعني يطلعوا مقابل عزام يعني، فأنا بالنسبة إلي يعني هذا بيظل يعني قرار العراقية يعني ما بأقدرش إنه أنا يعني آجي أفرض عليهم شغلات يعني.

إلياس كرام: وبعد خروجه من السجن بقيت القضية العراقية شغل منير الشاغل، وتزامنت الحرب الأخيرة على العراق مع ولادة ابنه البكر الذي أسماه عُدِّي نسبة إلى اسم نجل الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وهو بانتظار مولوده الثاني الذي سيسميه صدام، ويتمنى أن يرزقه الله بطفلة ليطلق عليها اسم بغداد العاصمة، التي وهب نفسه وحريته من أجلها.

منير فتحي بسيس: أكيد أنا طبعاً أنا مش نادم، يعني واحد بيخدم أمته وعقيدته بيندم؟! يعني مش هيك، بالعكس أنا فخور بإني أنا خدمت العقيدة وخدمت الأمة، وخدمت الإسلام والعرب، لا مش نادم لأ.

إلياس كرام: وسواء كانت الغيرة القومية لمنير هي التي دفعته للتجسس لصالح المخابرات العراقية، أم أنه وجد نفسه عالقاً بذلك بمحض إرادته أو رغما عنه، فإن ذلك أصبح جزءاً من تاريخه، وهو الذي يعيش بين مليون عربي في إسرائيل، التي لا تتردد بملاحقة هؤلاء لمجرد الوشاية، وتتعالى فيها أصوات تصفهم بالقنبلة الموقوتة، وأخرى لا تتردد بالدعوة إلى طردهم.

إلياس كرام – لـ(مراسلو الجزيرة) – من الناصرة.

محمد خير البوريني: بهذا نأتي –مشاهدينا- إلى نهاية هذه الحلقة من البرنامج، يمكن لجميع المشاهدين الكرام أن يتابعوا تفاصيلها بالصوت والنص من خلال موقع (الجزيرة) على شبكة الإنترنت والصورة عند البث، كما يمكن مراسلة البرنامج عبر البريد الإلكتروني، على العنوان التالي:

reporters@aljazeera.net

أو من خلال العنوان البريدي على صندوق بريد رقم (23123) الدوحة – قطر، وكذلك من خلال الفاكس.

في ختام هذه الحلقة، هذه تحية من مخرجها صبري الرماحي وفريق العمل، وتحية أخرى مني.. محمد خير البوريني، إلى اللقاء.