صور عامة / موعد في المهجر - وليد نبهان / شاعر وكاتب - 20/01/2011
موعد في المهجر

وليد نبهان

يستضيف البرنامج الأديب والشاعر الفلسطيني الأردني وليد نبهان، الذي يعيش في جمهورية مالطة التي ترحب ترحيبا حارا بوفود الأجانب إليها سائحين ينفقون نقودهم فيها فيحركون عجلة اقتصادها الشحيح.

– ضحايا الماضي يشدون أزر ضحايا الحاضر
– كاتب عربي بطل في الأدب المالطي

ضحايا الماضي يشدون أزر ضحايا الحاضر

 

موعد في المهجر
موعد في المهجر

وليد نبهان: من هنا بدأت التجربة الاغتراب البحث عن الذات في مجتمع صغير يحدق إليك باستمرار ولا يراك أبدا، مالطة الصغيرة المتوحشة تحتضن أناسها برفق أثناء الليل ثم تلفظهم بقسوة في كل صباح، مالطة لها بحر يمتد حتى عكا أكاد أقسم أنني في كل صباح عندما أفتح نافذتي أستنشق رائحة برتقال يافا وغزة، ليكن جنونا ليكن وهما من نوع ما إذ لا بد من التكالب على شيء فلا بأس ولا أجمل من التكالب على رائحة وطن حتى ولو كان وطنا ضائعا.

المعلق: علاقة جمهورية مالطة بالأجانب يحكمها قانون صارم فهي ترحب ترحيبا حارا بوفودهم إليها سائحين ينفقون نقودهم فيها فيحركون عجلة اقتصادها الشحيح ولكنها تمتعض بخشونة إذا ما قرر أحد هؤلاء السائحين أن يقيم ليتنافس مع أهلها على فرص العمل النادرة مهددا بخطف اللقمة من أفواههم تلك اللقمة التي لا تتوفر إلا بشق الأنفس، "زر وخفف" إنه الشعار المالطي إذاً الشعار الذي لم يلق إليه بالا الأديب الفلسطيني الأردني وليد نبهان فمنذ اللحظة الأولى له في مالطة قبل حوالي عشرين سنة تعامل النبهان دون اكتراث مع مقاومة المجتمع المالطي للمهاجرين، كان حين ذاك يسير في شوارع العاصمة فاليتا بذات الألفة التي يسير فيها الآن مرددا لنفسه بابتسامة تختلط فيها الحكمة بالسخرية، إن الكائنات البشرية كلها متشابهة أكثر مما تتصور هي نفسها.

وليد نبهان: من المحطات المهمة في حياتي في الأردن الخدمة العسكرية أو التجنيد الإجباري مثلما كان يسمى في الفترة هذه، ليش بأعتبرها محطة؟ طبعا اكتشفت لاحقا أنها محطة في غاية الأهمية لأنه في الجيش أنت مضطر للتعامل مع المثقف ومع الطبيب ومع البلطجي ومع اللص، أيضا فترة الخدمة العسكرية أتاحت لي الالتقاء والاحتكاك مع الشباب المتعلمين القادمين من الخارج كلامهم عن جامعات بره عن الدراسة بره الحياة بره إمكانية تحقيق الذات بره فكل هذه العوامل يعني ساهمت إلى حد كبير في التفكير بالدراسة يعني أنا السبب الرئيسي اللي أني سافرت هو الدراسة، ما كنت مفكرا بالاستقرار في الخارج. ليش مالطة بالتحديد؟ يعني صحيح ما حدا يعني لم ألتق بأحد كان يفكر أو يخطط أن يذهب للدراسة في مالطة، السبب وراء مجيئي إلى مالطة أن أخي كان موظفا في السفارة هنا في مالطة فحضرت بمعيته يعني في البداية حضرت بمعيته، بعد عدة شهور من قدومنا إلى هنا هو انتقل إلى مكان آخر وأنا تابعت مشواري الدراسي في مالطة. في مالطة من عام 1990 لعام 1993 درست المختبرات الطبية وحصلت على دبلوما فيلت لمدة ثلاث سنوات في المختبرات الطبية. بداية كانت جدا صعبة أتذكر أنه كان عنا بروفسور تشيكي بمادة الكمياء الحيوية فهذا كان كل يوم الصبح لما يدخل على المحاضرة كان يحكي لنا طلعوا ورقة ويعمل لنا فحصا سريعا، أول مرة جبت صفر ثاني مرة جبت صفر ثالث مرة شي خمس ست مرات أجيب صفر في المادة هذه، طبعا إحنا درسنا بعض الكيمياء الحيوية في الأردن لكن مش بالتفاصيل لكن يبدو إنه كان لسه عندي مشكلة لغة عندي مشكلة في اللغة فصارت تحد بالنسبة لي يعني مادة الكيمياء العضوية صارت بالنسبة زي نوع من الهاجس إنه لمتى رح أظل أجيب صفر أجيب صفر بالامتحانات اليومية هذه؟ فقررت أني أدرسها وأتعمق في دراستها أنا بشكل شخصي لدرجة أنه في الامتحان الفصلي قبل ظهور النتائج بعث ورائي البروفسور التشيكي وقال لي اقعد، قعدت، أعطاني سؤالا شفهيا جاوبته أعطاني كمان سؤال جاوبته ثالث سؤال جاوبته يعني بلشت أنا هيك مش يعني أتضايق شوي قال لي بتعرف ليش أنا عم أسألك؟ قلت له لا، قال لي لأنه جبت الأول في الامتحان في المادة اللي كان عندي ست أصفار فيها. ففي الحقيقة يعني ما فيش شيء صعب إذا الإنسان أمام تصميم الإنسان وإرادته. بعد ذلك طبعا بعد ما تخرجت بعد ثلاث سنوات ما كان هون في جامعة مالطة ما كان يدرس هذا الكورس على مستوى البكالوريوس ففكرت أن أتابع الدراسة في نفس الحقل في الخارج، عملت لفترة أربع سنوات تمكنت من أن أجمع بعض النقود اللي لاحقا دفعتها كلها على رسوم في جامعة برستول في بريطانيا تم قبولي هناك ابتداء من السنة الثالثة يعني الثلاث سنوات اللي درستهم هون حسبوا سنتين هناك وكملت سنتين أخريين هناك وتخرجت من كلية العلوم البيولوجية جامعة برستول بكالوريوس بتقدير امتياز. بعد عودتي إلى مالطة حصلت على هذه الوظيفة الحالية اللي عندي الآن من خلال جريدة يعني كان إعلانا بالجريدة المحلية يمكن ما تقل وظيفتي حاليا يعني ما كانت موجودة بالفترة هذه كهذا المختبر الخاص بالبكتيريا استحدث مؤخرا يعني أنا كنت من الناس اللي أشرفوا على بناء هذا المختبر، وظيفتي في هذه الشركة اللي هي الشركة الوحيدة اللي بتنتج الحليب والألبان والأجبان ومشتقاتها يعني وظيفتي باختصار أنها التأكد أن المنتوجات اللي تخرج إلى السوق هي خالية من الجراثيم المسببة للأمراض يعني بإمكاننا أن نقول إن سكان الجزيرة عهدة بين يدي.

المعلق: في تاريخ مالطة ما يقربها منا كثيرا فالدولة الصغيرة التي تقع في موقع حاكم في قلب البحر المتوسط لطالما كانت مطمعا للإمبراطوريات المجاورة احتلها الفينيقيون ثم الرومان وعقبهم الفاطميون الذين طردهم الصقليون وفرسان القديس يوحنا وفي الزمن الحديث تناوب عليها الفرنسيون والإنجليز ولم تنل مالطة استقلالها عن المملكة المتحدة إلا عام 1964 من القرن العشرين. لهذا يتعاطف المالطيون بقوة مع فلسطين والعراق، والسياسة الخارجية المالطية تكاد مواقفها المعلنة تتطابق مع المواقف العربية، إنهم ضحايا الماضي يشدون أزر ضحايا الحاضر كما يقول وليد نبهان في إحدى قصائده.

وليد نبهان: في مالطة بحكم دراستي وبحكم الانقطاع عن اللغة العربية بدأ اهتمامي باللغة المالطية اللي هي لا تبعد كثيرا يعني بمفرداتها عن اللغة العربية وحتى في جوهرها لا تبعد عن اللغة العربية، فكانت الترجمة محطة الحقيقة مهمة في مشواري حيث قمت بترجمة بعض الأعمال المهمة لغسان كنفاني ومحمود درويش. طبعا الوسط الثقافي في مالطة كلهم طبعا سامعين في محمود درويش ولكن من خلال اللغة الإنجليزية، فأنا عندما ترجمت بعض نصوص محمود درويش من اللغة العربية إلى المالطية مباشرة حقيقة البعض منهم ذهل لأن النص باللغة الإنجليزية ما كان بنفس القوة اللي خرج فيه النص باللغة المالطية لأن ترجمة الشعر حقيقة مسألة مش سهلة أبدا وهذا الشعر وكأنه مخلوق حي يتنفس، بحاجة لما يترجم إلى لغة أخرى بحاجة للكثير من الفيتامينات أو للهرمونات حتى يعيش في هذه اللغة ويترك إيقاعا في هذه اللغة الجميلة، فعلى الفور على الفور ما قمت بترجمته لمحمود درويش تبناه الشاعر ماريو أزوباردي اللي هو كمان أيضا مدير مدرسة الفنون في مالطة واشتغلنا سوا وحولت هذه القصائد إلى مسرحية على المسرح القومي.

[فاصل إعلاني]

كاتب عربي بطل في الأدب المالطي

ماريو أزوباردي/ مدير مركز الدراما بمالطة: تقوم سياسة مركز مالطة للدراما على تكوين شبكة من العلاقات ووجهات الاتصال مع الوكالات الأجنبية والمؤسسات الثقافية وبالطبع مع مؤسسات الدراما، كما أننا نشعر بأن من واجبنا العقائدي الوقوف مع القضايا العادلة والجديرة بالتقدير والمساندة، ونحن نعتقد بأن القضية الفلسطينية قضية جديرة بالتقدير والمساندة ولهذا فقد كونا شبكة علاقات جيدة وكانت البداية مع شاعر فلسطيني يعيش في مالطة منذ 17 عاما هو وليد نبهان وهو صديق عزيز علينا. وليد شاعر ناضج كما أنه نشر قصصا قصيرة باللغة المالطية ويسرني أنني كتبت الكلمة الافتتاحية لمجموعته الأدبية الأخيرة، وليد يساعدنا كثيرا في احتفالاتنا التي نحيي فيها بعض المناسبات كذكرى الانتفاضة وذكرى رحيل محمود درويش وفي مثل هذه المناسبات يغدو وليد مستشارنا الأمين والموثوق.

وليد نبهان: من أحد الأخطاء الجسيمة اللي يقع فيها الإنسان المغترب -خلينا نقل- أنه دائما يعتبر نفسه موجودا مؤقتا، هو موجود بشكل طارئ فتقريبا بيعيش حياته على الهامش فأنا حقيقة ما بدي أعيش على الهامش فبعد القصيدة اللي لاقت نجاح تجرأت أكثر على اللغة وكتبت مسرحية كاملة باللغة المالطية كان اسمها "العرض السخي" اللي هو العرض اللي قدم للزعيم الراحل الفلسطيني ياسر عرفات ورفضه لأنه كتبت هذه المسرحية لأنه في الفترة هذيك كان الإعلام يلوم الفلسطينيين لرفضهم 90% طبعا ولما قامت الآلة الإعلامية الأميركية والإسرائيلية قاموا بتصوير إنه إحنا العقبة وإنه إحنا رفضنا 90% من أراضي فلسطين وكأنه هون كان الشعور العام أن الفلسطينيين رفضوا 90% من أراضي فلسطين فكانت المسألة مش واضحة فلما كتبت هذه المسرحية وأوضحنا لهم أن الـ 90% من 22% يعني هذا قد يصل إلى أقل من 17% من أرض فلسطين التاريخية، المسرحية عرضت على مسرح الجامعة أيضا عرضت على مسرح مدرسة الفنون وأيضا لاقت نجاحا كبيرا جدا. بعد ذلك نشرت العديد من القصص القصيرة في دوريات مختلفة ومجلات مختلفة والعديد من القصائد هنا وهناك يعني ظلت مبعثرة فترة إلى أن نبهني أحد الأصدقاء أنه لازم تكون موجودة في كتاب فقمت بطبع أول مجموعة قصصية باللغة المالطية تحت عنوان "العودة إلى الدار" أو إلى الوطن وفوجئت أن الكتاب تقريبا نفذ من الأسواق وكتب الكثير عن هذا الكتاب كتب أكثر ما كتب حول التركيب أو تركيب الجمل طبعا لكونه أنا جاي من خلفية عربية واللغة المالطية يعني تلتقي مع اللغة العربية في مرحلة ما فكان شيئا يعني جديدا في الأدب المالطي حسبما قال بعض النقاد إن هذا أسلوب جديد لدرجة أن أحد النقاد وصف الكتاب بأنه نقطة تحول في تاريخ الأدب المالطي المعاصر.

أدريان غريما/ دكتور بجامعة مالطة: وليد نبهان واحد من ألمع كتاب الجيل الجديد فهو يكتب النثر والشعر كما أنه مترجم يترجم الأدب المالطي إلى العربية والأدب العربي إلى المالطية، والواقع أن هذا كان سبب لقائي به المرة الأولى حيث كان يترجم قصص غسان كنفاني إلى اللغة المالطية، لقد كان مشروعا مثيرا للاهتمام لأنه مكن الأدب المالطي من النمو والامتداد إلى الآداب الآخرى، كما أعتقد بأن هذه فرصة عظيمة أن يكون لدينا كاتب عربي وهذا الكاتب لم يعد يكتب من الخارج بل يكتب من الداخل لذلك فهو كاتب عربي أصبح الآن بطلا في الأدب المالطي وهكذا فنحن لم نتحدث عن العرب بل أصبح العرب يتحدثون عنا بصورة أو بأخرى. يتميز شعر وليد بالزخم العاطفي والزخم المجازي وهذه باعتقادي سمة جديدة من الأدب المالطي، هناك حس قوي بالمفارقة -ليست السخرية بل المفارقة- إنها مفارقة ذكية جدا مفارقة قوية جدا إنها مفارقة حول الثقافة المالطية حول الأسلوب المالطي في الحياة وحول ما جرى ويجري في فلسطين أيضا لكنها مفارقة تؤكد بأن وليد يشعر بالفعل بما يقوله. أعتقد أن قصصه تجد صدى عميقا لدى الطلاب المالطيين هنا في الجامعة لدى الطلاب الذين أدرسهم والطلاب الذين يقرؤون أعماله، لقد نشر مجموعة قصصية رائعة باللغة المالطية بعنوان "العودة إلى الوطن" وهي قصص من وحي الخيال، يضم الكتاب مجموعة من القصص التي تمنح الطلاب رؤى حول الحياة ليست متاحة لديهم في الأدب المالطي الذي كتبه كتابنا المحليون.

وليد نبهان: القصة الأهم في أول كتاب اللي طبعته المجموعة القصصية تتناول شابا عربيا مغربيا مقيما في مالطة فعاد إلى وطنه في المغرب وتم احتجازه في المطار وبعد ذلك اتهم بانتمائه للقاعدة على ضوء وجود شبه ما بينه وبين أحد مرافقي ابن لادن، طبعا القصة من وحي الخيال ولكن أردت إني أقول للمجتمع المالطي اللي أنا حاليا جزء منه طبعا إنه في عندهم تشوش في التمثيل يعني إحنا لا نشعر أن تنظيم القاعدة بيمثلنا إحنا كعرب ومسلمين هنا.

المعلق: والحقيقة، الحقيقة المطلقة أن كل واحد يمثل نفسه وعلى أوروبا كلها من مالطة وحتى الدنمارك أن تتعلم هذه الحقيقة الإنسانية الصائغة، العرب ليسوا بن لادن كما أن الغرب ليس زعماء الأحزاب اليمينية الفاشستية المتطرفة فيه، هذه هي الحكمة التي ما ينفك يؤذن بها في مالطة ابن قضاء الخليل وليد نبهان الذي حصل قبل شهور على الجنسية المالطية ليكون واحدا من قلة نادرة من المتجنسين في تاريخ الجزيرة. الآن يتبقى أن ندهشكم قليلا، لكم أن تعرفوا أن وليد نبهان المعدود الآن من بين صفوة الكتاب باللغة المالطية لم يتلق تعليما نظاميا قط في هذه اللغة وإنه علمها لنفسه بنفسه، ولكم أن تعلموا أيضا أنه وهو الهارب من جهامة الواقع العربي المنكسر ما يزال يشم رائحة برتقال فلسطين كلما فتح نافذته المالطية في الصباح.

وليد نبهان: طبعا أنا في عندي قضية في الكتابة وتقريبا غالبية كتاباتي مسيسة بل حتى يمكن أقول إن الجزء الأكبر من كتاباتي مسيس، واحد لأن السياسة تدخل في كل شيء في الحياة يعني كل شيء في الحياة بطريقة أو بأخرى مرتبط بالسياسة، ثانيا لأني إنسان صاحب قضية يعني سواء كانت قضية عامة القضية العربية عامة أو قضية خاصة اللي هي القضية الفلسطينية لأنه أنا أنتمي إلى شعب سرق وطنه تم السطو على مستقبله على قوته على حياته فأنا بأحاول يعني ما أحاول أن أعمله من خلال الكتابة أن أقدم للقارئ المالطي نسخة مغايرة عما قدم له في السابق والمقصود بمغايرة هو إظهار الصورة الحقيقة للغير يعني ليست الصورة المشوهة. أنا أؤمن أن كل فلسطيني مهما كان موقعه ومهما كان مكان تواجده فلديه الكثير مما يقدمه لقضيته الفلسطينية حتى وإن كان هذا الشيء يعني مجرد أن يكون إنسانا ناجحا وجيدا فهذا أيضا يصب في دعم القضية الفلسطينية، ربما علي الآن أن أعترف وأبوح بأنني رغم هذه السنين الطويلة إلا أنني ما زلت أكابد حالة من فوضى المشاعر الدافقة التي غالبا ما تجرفني وتزج بي على حافة الضعف الوشيك فيتنامى في داخلي شوق لا مثيل له فتجدني أتمتم "لو أن لي وطنا".