موعد في المهجر / سعيد المساري - فنان تشكيلي
موعد في المهجر

سعيد المساري

تستضيف الحلقة الفنان التشكيلي سعيد المساري والذي تلقى تعليما فنيا أكاديميا رفيع المستوى في كل من المغرب وإسبانيا ليتحدث عن غربة ثلاثين سنة في إسبانيا.

– الدمج بين العربية والإسبانية في الفنون التشكيلية
– وطن ممتد وحزمة من الفنون

سعيد المساري

الدمج بين العربية والإسبانية في الفنون التشكيلية

سعيد المساري: إحنا الآن موجودون في وسط مدريد، هنا على اليسار نشوف مثلا سيفيليس هو تمثال رمزي للبلد، عندما مثلا ريال مدريد تربح في كرة القدم كل الهواة يأتون إلى ساحة سيفيليس لكي يحتفلوا بالفوز، وهنا مثلا شوفوا مثلا شارع غرامبيا هذا هو شارع غرامبيا يعني الشارع الكبير غرامبيا وهو من الشوارع الرئيسية لمدريد.


المعلق: يتفنن أهل مدريد في وصفها فهي المتحف المفتوح وعاصمة المتوسط وحاضنة الآداب والفنون في العالم الناطق بالإسبانية، ومدريد الملكية تبدو بالفعل كأنها عمل فني موزع على امتدادها كله، يعود تاريخ أغلبها إلى العهد الاستعماري قبل قرنين حينما كانت إسبانيا تبسط سلطانها بقوة سيوف فاتحيها المغاوير على ثلث الأرض، مدريد هذه أصابت بالخرس ابن تطوان المغربي الصغير الواعد سعيد المساري حينما وصلها قبل ثلاثين سنة شابا في يفاعته الأولى غير مسلح إلا بموهبته اللافتة وبانفتاح قلبه على الناس والتجارب الجديدة.

سعيد المساري: فن الحفر هو فن حفر على الزنك أو على النحاس خاص بالطبعة الفنية يعني مش بالطبعة التجارية يعني نقوم بابتكار أعمال فنية عبر الطبع، لمدة طويلة كنا نستعمل الأسيد الحمضي لكي نحفر على الزنك أو على النحاس، وهذا الأسيد الحمضي هو مادة سامة يعني الفنان يتأثر بها يعني كلما استعمل هذا الأسيد الحمضي، أنا حأصف مادة واحدة فقط أستعملها لمدة 15 سنة هي سولفاتد دوكويفغ هو نوع من الملح النحاسي وهذا النوع من الملح النحاسي هو عبارة عن مادة نخلط طبعا مع الملح العادي ونقوم بها بالحفر، هنا العملية تكون أقل سموما، في الواقع هي مادة غير سامة يمكن أن نستعمل بها جميع التقنيات الفنية حول الحفر على النحاس. أحيانا تكون تشخيصية وأحيانا تكون تجريدية، ما بعد هذه المرحلة لازم نقوم بدراسة الألوان، والآن سنقوم بمثال لندرس الألوان ونطبعها فوق الورق، نقوم بتبليل الورق بالماء ونتركه مدة لكي الورق يشرب الماء، اللون لازم يدخل يوحي الرسم يعني بالنسبة للوحة الزيتية نرسم بالفرشاة وبالنسبة للجرافيك نوزعه بهذا الطرف من كاووتشو نسميها الراسكيتا، نوزع هذا يعوض الفرشاة. الرسم يكون نسخة واحدة فقط أما بالطريقة التقنية بالحفر كنا نقوم بطبع نسخ أكثر، بأعتقد في هذه التجربة يعني الطبعة هي تقريبا كلها نفس الألوان موجودة في نفس المكان إذا كان هناك اختلاف حيكون اختلافا ضئيلا وصغيرا وقليلا، مثلا هنا مثلا لون يكون مفتوحا وهنا غامق.


المعلق: رغم أن سعيد المساري تلقى تعليما فنيا أكاديميا رفيع المستوى في كل من المغرب وإسبانيا إلا أنه ما زال وفيا لتقاليد الصناع اليدويين المغاربة الضاربة بجذورها في التاريخ ألف سنة على الأقل، الصبر والدقة سلاحاه وبيده يصنع كل التفاصيل المنمنمة لعمله الإبداعي الذي يحفره أولا على لوح مسطح من النحاس ثم يعجن الألوان في الأخاديد المتداخلة قبل أن يطبعه على الورق، ولكن مساري بارع أيضا في استخدام أحدث تقنيات العصر.

سعيد المساري: حاولت في المرحلة التشكيلية أن أدخل إلى عالم الكمبيوتر وإن كان يعني هناك مجموعات كبيرة من الفنانين لا يحتملون الكمبيوتر، يظنون أن التكنولوجيا بعيدة كل البعد عن الفن التشكيلي، ولهذا إحنا نعيش في عصر مختلف في عصر ديال التطورات التكنولوجية وهناك الفنون لازم يعني تلاحق التطور التكنولوجي، ولهذا ما دام أنا كفنان تشكيلي استغليت هذه الوضعية لكي أبحث في إطار الفن التشكيلي عبر الكمبيوتر كذلك، فالكمبيوتر بالنسبة لي (كلمات أجنبية) الاستعلاماتية، اشتغل بها كمهني يعني أقوم (كلمات أجنبية) والمجلات و(كلمات أجنبية) ملصقات وأنا في اختصاصي وهو عندي كأصلي عربي أريد أن أشتغل فقط يعني باللغة العربية لأن السوق هو السوق ديال design هنا سوق مستغل كثيرا ولهذا لم يكن عندي هناك سوق فالسوق ديال الـ design بالنسبة لي هو العالم العربي والعالم العربي ولكن داخل إسبانيا يعني قمت باختصاص بتصميم الكتب بالعربية أو bilingual  يعني بالعربية والإسبانية.

فيكتور ديل كامبو/ مدير عام مؤسسة تماس دي أرته: أستطيع القول إنني محظوظ بالتعرف إلى شخص مثل سعيد المساري من خلال عملي مديرا سابقا للمهرجان الدولي للنقش والطباعة وذلك منذ أكثر من عشر سنوات، أريد أن أقول إنه ليس نقاشا فحسب بل هو رسام ونحات وفنان متعدد المواهب أيضا، إنه نقاش بارع جدا ومتميز وقد مضى وقت طويل على تعارفنا لذا أوجه له بداية الشكر والتحية على هذا التواصل، سعيد أصبح شخصية مهمة، من خلال مساهمتي كمرشد في هذا المهرجان الدولي للنقش والذي يعد الأهم في أوروبا ويعود له الفضل بأننا استطعنا بدء بعض المشاريع المتعلقة بالمغرب بالاشتراك مع فنانين مغربيين عن طريق الجناح المغربي الموجود في المهرجان وهذا ساهم في إقامة علاقة متينة لفترة طويلة معه فضلا عن أنه بات من أهم الفنانين في هذا المجال، نحن نعتبره فنانا ورساما كبيرا لذا فإن العبارة المثلى التي ينبغي استخدامها في التعريف عنه هي أنه فنان كريم وشخص كريم وصديق كريم وفي الحقيقة مهما وصف المرء محاسنه فلن يفيه حقه.

سعيد المساري: أنا عندي اسم مركب يعني سعيد عبد الكريم، أمي كانت تريد سعيد وأبي كان يسميني عبد الكريم ولكن في أعمالي الأخيرة أنا إمضائي هو سعيد عبد الكريم، وجدت في تطوان من مواليد 1956 هو تاريخ استقلال المغرب، وأسرتنا كانت تتكون يعني ما بين أبي وأمي وعندي أخت معلمة وأخ صحفي، تطوان بالنسبة لي طفولة هي البراءة اللهو والبحث عن التكوين، درست البداية دراسة الابتدائية بتطوان ثم ذهبت إلى فاس درست هناك التكوين المهني ومن بعد رجعت إلى تطوان بدأت أهتم بالرسم ودخلت مدرسة الفنون الجميلة بتطوان. اهتمامي بإسبانيا كنا من الفوج خريجي مدرسة الفنون الجميلة كنا ثلاثة أصدقاء طارق البنظيم وبشير الحفصي وأنا قررنا المجيء إلى إسبانيا من ناحية أنا كوني مثلا بصفتي الخاصة أخي كان دائما يرشدنا إلى الثقافة الإسبانية بكونه أنه هو إسبانيستا يعني متكلم بالإسبانية ومهتم بالثقافة الإسبانية، خصوصا بمدينة تطوان نشاهد التلفزة الإسبانية ونحس قريبين إلى إسبانيا، زيادة على ذلك أن الوضعية المعيشية حينذاك كانت وضعية رخيصة جدا، يعني أتكلم في سنوات الثمانينات يعني في السنوات إسبانيا (كلمات أجنبية) ولهذا هناك تغيرات كثيرة من آنذاك إلى حد الآن.

[فاصل إعلاني]

وطن ممتد وحزمة من الفنون

المعلق: لو أنك سألت سعيد المساري عن متاعب الغربة ومشكلات العيش في المهجر فهو على الأغلب لن يفهم ما تقول فروح الفنان التي تسكنه لا تعترف إلا بالعالم كله موطنا وبالبشر جميعا بتجاربهم وثقافاتهم رفقاء في رحلة الحياة والإبداع، وإن شئت الدقة والتحديد فسوف يخبرك أن البحر الأبيض المتوسط بضفتيه هي وطنه، وأن تنقله الدائب مع زوجته الإيطالية مدن المتوسط نثرت الذكريات والألفة في شوارع تمتد من روما إلى مدريد مرورا بتطوان.

سعيد المساري: زوجتي هي جوفانا جوفينيزو هي إيطالية وتعرفنا هنا بمدريد، هي باحثة علمية تشتغل بقسم أبحاث (كلمات أجنبية) وتعرفت عليها تقريبا هذه أكثر من 15 سنة ونعيش ما بين مدريد روما والرباط، وإن كان هناك اختلافات من ناحية التربية نجد أحيانا أن الأرضية التربوية تقريبا إنسانية يعني كلنا نعيش تقريبا نفس الإحساسات أن هي والبحر الأبيض المتوسط يربط هناك الثقافة المتوسطية ولهذا وإن كان أنا أستفيد من زيارتي إلى إيطاليا وهي تستفيد من زيارتها إلى المغرب بكوني مغربيا وكونها إيطالية وفي نفس الوقت ما دام المغرب قريبا وأزور المغرب تقريبا سنويا مرتين أو ثلاث مرات وأظن يعني القرب الجغرافي بالنسبة لي لا يفرض علي هذه الغربة البعيدة. علاقتي بتوليدو في البداية كانت علاقة سياحية ومن جانب آخر علاقتي بدأت تأخذ قوة مع توليدو على الصعيد المهني ابتداء من 1995 وهو افتتاح مدرسة للمترجمين بتوليدو وعندما افتتحت هذه المدرسة وأنا أشتغل معهم في مجموعة كبيرة من المشاريع خصوصا مشاريع فنية منها معارض ومنها تصميمات كتب ملصقات، وطلبوا مني أن نفتح هناك قسما خاصا بفن الخط العربي، من ناحية نقوم بإعطاء دروس حول الخط العربي لكي التلاميذ والطلبة يتعلمون كتابة الخط العربي الشخصي، نقوم هناك بكثير من التمرينات وفي نفس الوقت نجعل يعني كل سنة هناك ورشة لفن الخط العربي ولهذا تمتاز هذه الورشة بالإبداع في الخط العربي، نعطي هناك بعض الأمثلة للخط الكوفي للخط التولو للخط النسخي للخط المغربي وفي نفس الوقت نقوم بتطبيقات، تطبيقات يعني فنية خصوصا نهتم كثيرا بالخط الكوفي لأن هو سهل بحيث أن الخط الكوفي هو خط موجود كثيرا بمدينة طليطلة وبقصر الحمراء بغرناطة وموجود كثيرا يعني هو خط جاء من المشرق وتطور في الأندلس آنذاك.

لوريس ميغال كانيادا/ مدير مؤسسة طليطلة للمترجمين: عندما التحقت بمدرسة طليلطة للمترجمين قبل 12 سنة كان سعيد المساري يتعاون مع المدرسة بشكل معتاد، في يومنا هذا وكصفتي مدير المدرسة أنا لا أتصور نشاطاتنا دون مساعدته ودون تعاونه أقصد تعاونه كأستاذ الخط العربي ومصمم منشوراتنا ولافتات البرامج برامج المدرسة وإلى آخره. كلما تكلمت معه أحسست بأنه صديق من أصدقاء طفولتي وكأنه وأحسست بأنه شخص من أشخاص حارتي أو من أشخاص زنقتي بالمفهوم المغربي، لو استحضرنا مقولة أبي الطيب المتنبي لوصفنا هذه العلاقة ببيته الشهير "ليس عنه مغن ولا منه بديل".

سعيد المساري: بالستينات السبعينات الثمانينات هناك تطور كبير في الفن التشكيلي المغربي توصل الفن المغربي كالفن العربي بصفة عامة إلى البحث عن شخصيته وذاته ولهذا أبقى دائما هناك تأثيرات عندنا نحن كمغاربة أو كعرب من الفن الغربي وإن كانت المواضيع تختلف وعندما تختلف المواضيع نجد أن المواضيع هي مواضيع تبحث عن ذاتها عن شخصيتها عن تاريخها ولهذا المبدع العربي الحديث والمعاصر دائما يبحث بتقنية غربية عن ذاته وشخصيته. أنا كوجودي مثلا هنا في أوروبا أنظر أين هو المسلك للفنون التشكيلية المعاصرة نجد أن كل الفنانين الطلائعيين الغربيين دائما يبحثون عن الجديد وهو التجديد في التجديد ولهذا مثلا أنا استفدت من هذه الفلسفة وفي هذه السنوات الأخيرة أحاول ألا أستنسخ بل أن أبتكر فبالنسبة لي الفن المعاصر هو البحث المستمر. الفيديودار إذا ترجمناه يعني من الناحية الحرفية سيكون فن الفيديو هو فن تشكيلي ولكن مش فيلما سينمائيا يعني لا نقوم بإخراج وسيناريو وبتقنيات الفن السابع وهو فقط التماسات للفنان التشكيلي يريد أن عبر آلة الفيديو يستعملها كتقنية يعمل بها بعض الارتسامات اللي هو كل شيء يرسمها فوق اللوحة مثلا أو على التمثال ويمكن تكون اللوحة أو التمثال هو الموضوع يعني فن الفيديو هو مبادرة أقول تشكيلية سينمائية.


المعلق: لسعيد المساري ثلاث تجارب سينمائية يجمع بها الفن السابع إلى حزمة الفنون المتعددة التي يمارسها في إسبانيا كالحفر و الرسم والخط العربي وتصميم الكتب والملصقات، وأفلامه كلها تمزج بين روح التشكيلية والوثائقية لتعبر عن هاجس واحد يكاد لا يفارقه ليل نهار. ما الذي يدفع بعض العرب لركوب زوارق الموت سعيا للهجرة إلى أوروبا، هل هو الفرق والحاجة أم انعدام الشعور بالمواطنة في الوطن وغياب الاحساس بالمشاركة في صنع القرار السياسي واختيار الحكام؟ ولماذا قدر لشمال المتوسط أن يكون حلما نسعى إليه وقدر على جنوبه أن يكون كابوسا نفر منه؟ يصنع سعيد المساري أفلامه بل ويرسم لوحاته ويحفرها ليرسخ تلك الأسئلة وأشباهها في العقول علنا يوما نجد الطريق للإجابات الشافية.