ليلى بندقجي
| |
ضيف الحلقة: | ليلى بندقجي: المديرة التنفيذية لمركز الجالية العربية – تورنتو |
تاريخ الحلقة: | 22/08/2003 |
– ذكرياتها في الأردن وهجرتها إلى كندا
– دراستها وحياتها العملية في الأردن وكندا
– الهجرة ومعاناة المهاجر العربي في بلاد المهجر
– تنازع الحنين إلى الوطن وحب بلاد المهجر عند ليلى بندقجي
– إنجازات ليلى بندقجي في كندا
ليلى بندقجي: أنا ليلى بندقجي (المديرة التنفيذية لمركز الجالية العربية في تورنتو)، المركز الذي يقوم بمساعدة المهاجرين والعرب القادمين الجدد إلى كندا، ومركز الجالية العربية ممول من الدولة الكندية طبعاً على جميع مستوياتها خاصة دائرة الهجرة الكندية اللي بتمول المركز بكل خدماته، طبعاً أنا حضرت من.. من عمان أو من الأردن مدينة.. مدينة السبع جبال و.. وبلد اللي ثلاث أرباعها صحراء إلى كندا في عام 1970، أي منذ 33 سنة إلى كندا، كندا بلد الفسيفساء، بلد البساط الأخضر الكندي، بلد المياه الكثيرة، اللي.. اللي أشعر بأنني واحدة من.. من طبعاً من الموجودين هون في كندا ولم أشعر بالفرق طبعاً لأني أنا متعودة أعيش في بلد فيها كمان خليط من الجاليات العربية زي ما ذكرت بالأول، كندا يعني بالفعل أنا بأشعر إنه الوطن الثاني خاصة بجمال طبيعته، وجمال الفصول، يعني فصول أربعة متكاملة في يوم واحد وأكيد في خلال ها اللقاء هذا راح تشهدوا على جمال كندا وجمال طبيعة كندا وأهلاً وسهلاً.
ذكرياتها في الأردن وهجرتها إلى كندا
المعلق: من مطار عمان الدولي حيث كانت تعمل غادرت الأردن صبية في ربيع العمر، لملمت أحلامها وسافرت إلى تورنتو بكندا، حيث كان زوجها يدرس الطيران هناك، وبعد عشرة أعوام رزقت خلالها ثلاثة أبناء تفرغت لرعايتهم تفرغاً كاملاً حتى التحق أصغرهم بالمدرسة لتلتحق بعد ذلك بالعمل سكرتيرة متدربة بمركز الجالية العربية بتورنتو لتبدأ منه مشوار كفاحها لتحقيق طموحها الشخصي وأهدافها الإنسانية النبيلة في مد العون للعرب المهاجرين إلى مدينة تورنتو حيث كان لقاؤنا بها لنتصفح معها سجل هجرتها التي امتدت صفحاته لثلاث وثلاثة سنة من الكفاح خدمة لذاتها ولمن حولها ممن سخرت كل خبراتها في تقديم العون لهم من العرب المهاجرين.
ليلى بندقجي: والله انخلقت في الأردن مدينة عمان بالذات جنب المدرج الروماني، يعني مدينة أثرية عمان معروفة في الآثارات الرومانية القديمة اللي موجود فيها، فأنا بالضبط انخلقت جنب.. بجانب المنطقة الرومانية القديمة اللي هي كانوا يسموها (فلادلفيا) أو المدرج الروماني، المهم طبعاً أنا انخلقت لعائلة شركسية محافظة جداً والشراكسة يعني موجودين في.. في الأردن من.. من أواخر Century الـ18، 1800 وأشي يعني ما بأتذكر بالضبط، بس يعني بأواخر القرن، طبعاً يعني.. من.. من الأشياء اللي أنا طبعاً ما بأتذكرها أبداً اللي هو محبة والدي الشديدة لإلي، واللي هي طبعاً أثرت في حياتي كتير وجعلت مني شخصية من حتى ومن أنا صغيرة، والدي كان.. كانت أمنيته يعني بغير عمل الطريقة العربية أو حتى طريقة العالم كله إنه بيحبوا أول ولد يكون ولد، بعكس والدي اللي كان دائماً يتمنى يكون فيه عنده بنت، وبنت ويسميها ليلى، مع إنه والدي تزوج صغير و.. واضطر إنه يزوجوه صغير لأنه هو إيجى بعد 13 طفل وكلهم ماتوا، فما صدقوا هو يكبر يصير عمره 19 سنة وزوجوه بهذيك الفترة، فطبعاً هاي كلايتها أحاديث بينقلوا لي إياها اللي.. اللي عاصروه وحضروا حياته، وطبعاً من أمي كنت أسمع قصص كثيرة عن.. عن حياته وعن محبته لإلي بالذات اللي هي ليلى، الاستقبال اللي استقبلني إياه كان قوي جداً بحفلات ومناسبات فرحة يعني والعائلة كلها كانت فرحانة لفرحته طبعاً، اللي طبعاً يعني مأساة أنا بأعتبرها بحياتي إنه هو توفى صغير بعد ما أنجب كمان بنت و.. وولد توفى وهو صغير يعني كان بحدود الخمسة وعشرين سنة لما توفى، في عز شبابه وعز عطائه، أنا بأتذكر من والدي بس الخيال طبعاً وكلمات.. مرات كان يحكي لي إياها يقول لي: أنا بأعرف إنه أنت راح تنجحي في حياتك، يعني كلمات لسه بترن في أذني بمنظر خيالي يعني بأتذكره كخيال، وطبعاً كانوا يرددوها كتير ويقولوا لي والدك كان دايماً يقول أنت راح تنجحي، أنا بأعرف إنه أنت راح تنجحي، بس أمنيتي أشوفك ماسكة الكتب ورايحة على المدرسة. طبعاً هاي الأمنية ما تحققت لإله، لأنه توفى قبل أنا أدخل المدرسة، بعدين يعني والدتي -الله يرحمها- كمان ما قصرت أبداً في تربيتنا، ربتنا بأحسن تربية وحاولت جهدها في إنها ما تشعرنا بإنه فيه في حياتنا نقص لا أنا ولا إخواتي.
المعلق: منذ نعومة أظافرها كان النجاح هاجسها الأكبر الذي لم يفارقها مقروناً بكفاح جدي ومثابرة أساسُها الفهم الواعي لتحمل المسؤولية والاستفادة من ثمار التجربة في تخطي الصعوبات التي واجهتها وهي في سن الطفولة، ففقدانها لوالدها وهي في سن الخامسة كان دافعها الأول لتركز كل اهتمامها على رعاية أطفالها الثلاثة وتعويض ذلك الفقد الذي عاشته وحرصت على تنشئتهم نشأة عربية خالصة في مهجر أكبر التحديات فيه هو التربية الصالحة في ظل مجتمع خليط تتعدد فيه الملل والنِحل والثقافات من الصعب فيه الحفاظ على الموروث الثقافي والديني واللُّحمة الأسرية.
ليلى بندقجي: اللي بأحب أركز عليه إنه في الستينات يعني ما كانش فيه خيار للمرأة في إنها تحدد مصيرها، هل تقدر تكمل؟ هل تقدر تنتقي المادة اللي بدها تدرسها؟ هل تقدر تطلع خارج الأردن في إنها تكمل؟ فكانت هاي العقبات طبعاً بتواجه المرأة في.. في الأردن بالذات طبعاً والدول العربية يعني كان نفس.. نفس المصير للمرأة، فالحلو يعني في حياتي أنا يعني ما كانتش هاي عقبة يعني في حياتي، بالعكس يعني فيه كان عندي خاصة الوالدة -الله يرحمها- يعني كانت على طول مشجعة للدراسة، هي غير متعلمة والدتي كانت، بس بتحب التعليم وبتحب الدراسة وكانت دائماً بتشجع وأعطتني الخيارات بس طبعاً بقية الأهل شوية كانوا يتضايقوا في.. في الموضوع على أساس إنه لأ ما عندنا بنت تطلع بره، ما عندنا.. فالمرحلة الثانوية كانت مرحلة صراع أنا بأقدر أحكي، تخطيت كل ها الصعاب تخطيتها في إني أثبت لهم يعني إنه أنا بأقدر عندي.. عندي المقومات في إني حتى أطلع خارج الأردن وأدرس، يعني انتهينا من.. من فترة الثانوية، بس يعني أنا كمان هاي تركت بصمة حزينة في حياتي اللي هو السنة اللي أنا تخرجت فيها ونحنا بنقدم للامتحانات الثانوية حصل حرب الـ67، وكانت خسارة فادحة للدول العربية، طبعاً اللي خلت التفكير العربي يتوقف، ويشعر في إنه خلاص الحياة انتهت بالنسبة للأمة العربية، يعني خسارة الأردن بالذات وخسارة الضفة الغربية يعني كانت مأساة كبيرة، يعني وخاصة إنه نحنا عايشين مع.. مع في بوتقة واحدة إحنا والفلسطينيين في الأردن، فآلامهم وأحزانهم كانت آلامي وأحزاني، فيعني كانت أنا بالنسبة إلي مع فرحتي في إني خلصت المدرسة واتخرجت بس فيه عندي ألم ما.. ما عم بأقدر أتخلص منه، إحنا كانت خسارتنا فادحة هذيك السنة، خسرنا وطن عزيز والأمة العربية وصلت لمرحلة.. مرحلة انحطاط كان صعب إنه الواحد يرد يتخلص منها ويقدر يوقف على رجليه، فلحد الآن هاي بتؤثر عليَّ إذ بأشعر بخيبة أمل، ومع إني كنت صغيرة يعني بس خيبة أمل قوية جداً كانت، وكانت من المحطات اللي بالفعل أنا ما بأحب أتذكرها ولا بأحب إني أرجع بمخيلتي وأتكلم فيها.
دراستها وحياتها العملية في الأردن وكندا
المعلق: ابتدأت حياتها العملية بعد إتمامها للثانوية إذ التحقت بالعمل في مطار عمان الدولي مسؤولة عن إعداد الترتيبات لاستقبال كبار الزوار، وإلى جانب ذلك واصلت دراستها في كلية الآداب بالجامعة العربية ببيروت، وفي كندا كان أول عملها بمركز الجالية العربية الذي تولت فيه مهام الإدارة التنفيذية لأربعة أعوام انتقلت بعدها للعمل في وزارة المواطنة بوظيفة مساعد خاص للوزير، ثم انتقلت للعمل في التليفزيون الكندي منسقة للبرامج ومقدمة لنشرة الأخبار لتعود مدفوعة بعاطفة قوية لإدارتها لمركز الجالية العربية مرة أخرى.
ليلى بندقجي: الحياة العملية بدأت معاي بعد ما أولادي كلهم راحوا على المدرسة، 11 سنة ما اشتغلت أبداً، درست في (هامبركوليدج) بس الحياة العملية ما بلشت إلا بعد ما الأولاد راحوا على المدرسة، لأنه كان أنا هدفي التفرغ للأولاد لحد ما يكبروا بعدين أنا أروح أعمل، الحياة العملية بلشت في العمل بمركز الجالية العربية اللي أنا هلا طبعاً بأشتغل فيه كمديرة تنفيذية، طبعاً أنا ابتدأت من سنة 1981 أعمل في مركز الجامعة العربية، والله فيه ناس كثير يعني بيسألوني ليه أنت اخترت مركز الجالية العربية بالذات، طبعاً أنا درست لغة عربية قبلها كان يعني مع.. مع (education…) الكندي، بس أنا اهتماماتي كانت قوية جداً في إن.. أحاول أولاً أنظِّف الصورة الغربية عن العرب، وبنفس الوقت إني أساعد هادول الأشخاص اللي بيجوا يعني لكندا وبيحضروا لكندا، بيهاجروا لكندا في إنهم يتغلبوا على المصاعب لأنه أنا.. أنا عانيت من.. من بعض هذه المصاعب، فحاولت إني أخلِّص هادول الأشخاص من المعاناة اللي إحنا عانيناها طبعاً الهجرة بلشت تكثر ومشاكل الناس كمان أكثر كانت، فلقيت نفسي أنا في ها العمل هاد.. في مساعدة الناس في إنهم ما يقعوا بالمشاكل، ما.. ما.. ما يحاولوا إنه مثلاً يوقعوا حالهم في.. في متاهات همَّ بغنى عنها، فابتدأت العمل بالـ81 بالفعل بالأول كسكرتيرة لثلاث أشهر، وبعديها عينوني مديرة تنفيذية للمركز، من الـ81 للـ85 طبعاً مآسي العرب مآسي كثيرة يعني مآسيهم ليه، يعني فيه ناس بيسألوا طب ليه ما هم جايين المثقفين العرب بيوصلوا لهون هم حاملين ثقافات متعددة، وبالعلوم والتكنولوجيا يعني متطورين، ليه بيتغلبوا أو بيواجهوا مصاعب في كندا، بيواجهوا مصاعب كثيرة لأنهم الحياة جديدة، ويعني هم فقدوا كل (Support) أو كل العائلة والأصحاب والوطن، ونحنا طبعاً العرب بطبيعتنا.. يعني بنحب أوطاننا، وكثير الحنين يعني عندنا مشتعل على طول، فالعربي بس يجي هون طبعاً بده يتغلب أولاً: بيشعر بأنه وحيد، معزول، ماحدش مهتم فيه، فبدهم يعني يحاولوا إنه على القليلة يحكي قدامه كلمة عربية ويرحب فيه، لأنه الترحيب بيخفف من آلام والمعاناة اللي بيكون هو Already ابتدأ فيها أو بيشعر إن هو بالفعل معاناته ابتدأت ok، لأن الهجرة مؤامرة، الهجرة مش سهلة أبداً، خاصة بالأيام الماضية هلا طبعاً اتطورت الأيام والسفر صار أهون، بس بالفترات هذه كان السفر أصعب والمعاناة كانت أقوى، من الـ81 للـ85 تحديت عدة مشاكل ok، بجانب الترجمة للأوراق وبجانب إنا نروح نترجم بالدوائر الرسمية ونحاول إنه نعلمهم كيف يربوا أطفالهم في.. في بلد الاغتراب، بس فيه ناس كثير يعني عانوا معاناة أخرى.
الهجرة ومعاناة المهاجر العربي في بلاد المهجر
المعلق: مهما تعددت أسبابها واختلفت فيها أو عليها الدوافع فإن الهجرة هي الهجرة، مصطلح مطاط لا ثبات لشكله، مغامرة أو هروب من واقع يعوق الطموح أو يفوق حدود احتمال النفس، يحيل فساحة الوطن إلى بقعة لا تتسع إلا لقرار أخير، طمعاً لدنيا أو إرضاءً لنفس أو فراراً بها لبقية من كرامة لا تكتمل إلا بالرحيل عن الوطن، وجوه عدة للهجرة وتفاصيل لا تشبه أختها في حكايا المهاجر، ولكنها في النهاية تبقى الهجرة هي الهجرة قدر مكتوب وخطىً رسمتها الأقدار للنفوس من قبل أن تُبرأ، قد تكون الخطى سعياً لبداية أخرى أو اقتراباً من نهاية يُسعى إليها.
ليلى بندقجي: قصة أديب الذي حضر من لبنان وهو من أصل فلسطيني، القصة المأساوية قابلت أنا أديب في.. في سنة 1991 بعد ما خسر القضية الأولى من اللجوء، حضر كلاجئ، حاولنا نشتغل على أوراقه في الاستئناف وطبعاً خسر الاستئناف وخسر الطلب Humanitarian and compassionate ومع إنه بهذيك الفترة يعني كان الحكومة الكندية كانت تمول أديب في اللوازم أو الحياة البدائية أو المصاريف البدائية من حياته، ومع هذا كان فيه ألم، خاصة إنه هو فقد ابنه وفقد مرته في لبنان، فكانت.. كانت تجربته في كندا مأساة.. مأساة كبيرة، وإحنا طبعاً من.. من خلال تجربتنا حاولنا نقدر نساعده بقدر الاستطاعة، بس هي كانت خارجة عن نطاق عملنا نحنا، بعدها بفترة طبعاً أديب تحول لشخص ولا.. ولا بلد بالعالم بدها إياه، كندا ما بدها إياه، طلع (deportation of …..) في إنه يطلعوه من البلد، ولا دولة عربية قبلت تستقبل أديب، ولا حتى البلد اللي هو تربَّى فيها وترعرع فيها، فصارت الوطن تبعه هو المركز العربي، الوطن اللي ممكن يمسح دموعه وآلامه كان المركز العربي، فأديب انتهى بالسنوات الأخيرة من التسعينات وبأوائل الـ2001 و2002، منتهي.. ينام في الـbox في.. من منطقة لمنطقة يروح يلم الأكل من القمامات ويحاول إنه يأكل أو يجي على المركز العربي، يعني لحد الآن ما بأنسى كلماته. مدام ليلى، شو في عندكم أكل آكل اليوم، مدام ليلى أعطيني بشكير ما عندي بشكير، مدام ليلى.. مدام، يعني الإنسان هذا قصته أثرت فينا كثير، أثرت في كل إنسان اشتغل بمركز الجالية العربية وحتى الأشخاص اللي كانوا يزوروا المركز لما يشوفوه كانوا يأسفوا لحياته، ما فيه بلد، ما فيه وطن، ما فيه حياة، وبعدين انقطعت عنه المعونات المادية كمان كانت مأساة ثانية لأديب، أديب بالنهاية قرر إنه ينهي حياته بحياته، لأنه أيام البرد القارصة في تورنتو يعني حتى الحيوانات صعب إنها تعيش خارج المنازل، فأديب كان يروح ينام في الـpark وآخر أيامه كان ينام فيها في الـpark اللي إحنا فيه طبعاً تحت البنش اللي وراي خلفي تماماً، البنش اللي هون، ففي يوم من الأيام إحنا فقدنا أديب ما كان فيه إله حس ولا (نس).. ما نسمع منه، فأنا استغربت صرت أسأل عن ها الشخص هذا ،أخيراً .. ما حدش كان يعرف أيه اللي حصل لأديب، بعد فترة بسيطة أنا عرفت من أحد الأشخاص المقربين إله إنه أديب مات مفرز في.. تحت هذا البنش وهذه مأساة، مأساة إنسان حاول الهجرة حتى إنه يصلح أموره، حتى إنه يعني يعيش حياة أفضل، بس قصة المهاجر العربي هذا انتهت بمأساة، اللي بالفعل إحنا لحد الآن ما قادرين ننساها، وبأتمنى إنه كل عربي ياخد عبرة من إنه أولادنا والمهاجرين العرب، مش في كل بلد بيروحوا عليها بيتوفقوا، فهذه مأساة أديب.
تنازع الحنين إلى الوطن وحب بلاد المهجر عند ليلى بندقجي
المعلق: مهما طال به السفر، وبَعُدَت بينه وبين الوطن المسافة، يبقى العربي المغترب غريباً عن كل ما حوله، في تلفُّته ومشيته، أو ما يسترعى انتباهه، فتراه في كل ما حوله يفتش عن شبيه للذي خلفه في الوطن، أرضا كانت أو حبة برتقال، أو مدخل شارع، يحيله للبعيد من الذكريات، عن نخلة أو صفصافة لازلت تحت ظلالها الذكريات الأول، تنعم بفيئها الدافئ القرب من القلب، كائن من خلق الله، غربته في روحه، وغرابة تحكمه كقدر ملازم، كونه عربي الجِلد والجَلد.
ليلى بندقجي: الهجرة لكندا ما كانتش سهلة أبداً، خاصة من 33 سنة، الهجرة بنظري كانت شوي صعبة خاصة بالنسبة لصبية في مقتبل العمر، تترك بلدها وأهلها وأصدقاءها والنشأة اللي نشأتها، وتيجي على بلد ما بتعرف عنها ولا إشي، طبعاً أنا كندا ما كنتش أعرف عنها ولا إشي، إلا إنها في أقاصي أقاصي العالم، فحضرت أنا على كندا طبعاً وكلي فرحة طبعاً لأني أنا طالعة مع زوجي ومبسوطة إنه أنا طالعة مع زوجي، بس الألم كان موجود على أساس ما فيش حد حوالي، لأن الزوج مرات مش كل.. مش كل إشيء، فلما حضرت هلا إلى كندا هون طبعاً واجهتني المصاعب، المصاعب كانت، يعني أنا في نظري بهاذيك الأيام كانت مصاعب قوية جداً يعني، وحدة، غربة، أسواق ما بأعرفها، لو بدي حتى بالإنجليزي لما نحكي نحن اللغة الإنجليزية اللي تعلمناها بالمدارس أو حتى بالجامعة، مو نفس اللغة اللي بيتكلموها هون في الشارع، فكنت مرات أواجه صعوبة في إني حتى أني أحكي مع الناس اللي حوالي، وحتى لما أجاوب التليفون إذا حكوا بسرعة، كنت أستغرب، يعني شو لازم أنا أرد عليهم، فما كانت سهلة أبداً التجربة كانت شوية صعبة في البداية، بس طموحاتي أنا كانت قوية، في أني أرجع أتعلم، أروح على المدرسة، في إني أشتغل، هاي كمان حزت بنفسي إني ما قدرت أتوصل للي بدي إياه.. أول ما وصلت، لأنه كان فيه خوف، فيه خوف من المجهول، اللي هل أنا بأقدر أمشي أو لأ؟ مع أنه كان فيه زوجي يعني على طول يحاول إنه يساعدني، ويحاول إنه يسهل الطرق.. الطرق أمامي، على أساس إنه انفتح أكثر على ها البلد الغريبة، لأنه هو كان موجود قبلي طبعاً هو بيعرف الـSystem، وبيعرف بالبلد أكتر مني، فكان دايماً يشجعني، ويوقف جنبي، ويحاول إنه يخليني أحكي وأتناقش مع الناس، مش بس أحكي معاهم، أتناقش ولو بيخربط الواحد لازم يتناقش حتى إنه يقدر يقوي لغته، يقوي شخصيته كمان قدام المجتمع الغربي، طبعاً هاي.. هاي أنا بأعتبرها مشاكل كانت في تلك الأيام، مع أنها مشاكل بسيطة.
والمشاكل الثانية هي الوحدة، الغربة، أنا في بلد ما بأعرف ولا حد فيها، لو.. لو حتى مرضت ما فيه حداً يسأل عني، لو أيش ما صار ما حداً يسأل عني، فهاي شغلات كانت أنا بالنسبة إلي كانت مشاكل، بس اللي بيحز بنفسي إنه 33 سنة هادول قسموا قلبي إلى حبين، خاصة لما تجي للوطن، حب الوطن الأم، وحب كندا، لأنه كندا كمان بنحبها، 33 سنة أجمل أيام عمرنا قضيناها في كندا، وبنتمنى نرجع لبلادنا، بس كمان حب كندا ما.. ما بينتزع برجعتنا لبلادنا، وحنيننا لبلادنا العربية راح يستمر ويستمر ويستمر، ولا ممكن يوقف عند حد معين، فأنا اللي بأحب إنه أحكي وأركز عليه، إنه الغربة والهجرة ما بتنسي الإنسان وطنه، ولا بتنسيه أهله، ولا بتنسيه أحبابه، بالعكس مرات الهجرة والغربة بتعلم الإنسان في إنه يحب بلده أكثر، ويحن لها أكثر، فمهما.. مهما قعد الإنسان في بلاد الغربة، إلاَّ في.. في يوم من الأيام يحن ويرجع، فأنا بأحب الدول العربية، بأحب وطني الأردن، وبأحب كندا بنفس الوقت، والله يديم لنا إياهم كلهم في سعادة، ويخلي الدول العربية تكون في سلام، لأنه سلام الأمة العربية سلام لإلنا كلايتنا، وبيدفعنا لأنه بالفعل نرجع لبلادنا، ونخدم بلادنا، ونهتم في مصلحة بلادنا، اللي بالفعل هي بحاجة لها النخبة الطيبة اللي تركتها، وهذا بيحز بنفسي كمان إنه بلادنا اللي تركوها من النخبات القوية وبالمجتمع اللي بالفعل يتأسف عليه الإنسان.
إنجازات ليلى بندقجي في كندا
المعلق: من هذا البناء المتواضع، وعلى مدى عشرين عاماً من العمل الدؤوب في إدارة مركز الجالية العربية، والذي من خلاله نجحت السيدة ليلى بندقجي -وبإسهام كبير وجهد خيِّر- أن تقدم الكثير من العون لتذليل الصعوبات للعرب المهاجرين إلى كندا، هرباً من صعوبات الحياة، ليجدوا في هذا المكان متسعاً رحباً من التفهم والإرشاد والتبصير، لمن يعينهم على سهولة التكيف مع واقع المغترب بكندا، وعلى مر تلك الأعوام حازت السيدة ليلى خلالها العديد من جوائز التقدير عن كفاءتها، وعلى الرغم من ذلك كان جوابها لدى سؤالها عما تفخر به من إنجاز خلال رحلة هجرتها التي امتدت لـ33 عاماً في المغترب، جواب أفصحت كلماته عن وفاق مع الذات، ووئام مع النفس، ركزت من خلاله على أهم إنجاز حققته كأم تفخر بدورها الفطري.
ليلى بندقجي: خلاصة 33 سنة، هل كانت سهلة؟ طبعاً ما كانتش سهلة، وما كانتش كلها ورود، فيه ورود وأشواك، بس هل حققت الأماني؟ حققت بعض الأماني، ووصلت لمرحلة الحمد لله أنا بأتباهى فيها، في إني ساعدت، وحاولت إني أخلص كثير من أبناء جلدتي من الجالية العربية، في إنهم ما يقعوا في مشاكل، ويتخطوا الصعاب اللي ممكن يواجهوها، الأمنية الكبيرة اللي حققتها في ها البلد هي أمنية إني أنا ربيت 3 أولاد، أولاد صالحين على الطريقة العربية، ومفتخرين في قوميتهم، في بلدهم، وفي.. في شعبهم العربي، هل العربي ممكن يظله بالمغترب بدون ما يحن لوطنه؟ لأ الحنين موجود على طول، العربي مهما قعد في المغترب إلاَّ ما فيه يوم من الأيام يحن يرجع لبلاده، فممكن إنه نرجع لبلادنا هاي أمنية إنا نرجع ونفيد أوطاننا بالمستقبل القريب -إن شاء الله- وبأتمنى لكل المقيمين هنا ألف سلامة.