موعد في المهجر

عيسى بلاطة

أديب وكاتب وعالم في اللسانيات اهتم بالدراسات القرآنية، فلسطيني مدرس في جامعة (ماك جيل) إحدى أبرز الجامعات في كندا. يستضيفه البرنامج في حلقة هذا الأسبوع ليتحدث عن حياته في المهجر.

ضيف الحلقة:

عيسى بلاطة: أديب وباحث في اللغة العربية

تاريخ الحلقة:

02/04/2004

– نشأة وسط أجواء متوترة
– الاستقرار في كندا وتنشئة الأبناء
– رحلة مع اللغة العربية وآدابها

[تعليق صوتي]


undefinedمع هبوب الرياح القطبية معلنة بداية فصل الشتاء الطويل بكندا يبدأ الثلج بفرد عباءته البيضاء على طول البلاد وعرضها وعلى الرغم من بعدها عن العالم قد أصبحت كندا وبحكم موقعها الجغرافي هي الجسر الذي يربط آسيا بأوروبا وبلدان قارة أميركا الجنوبية ومدنية مونتريال هي العاصمة الاقتصادية والمالية لكندا في هذه المدينة التجارية الصناعية يتمازج القديم بالجديد في تحديد هويتها ذات الثقافات المتعددة الأصول في ناسها وعمرانها وبأطرافها حيث الأحياء المبنية بيوتها بالطابوق الأحمر كنا على موعد مع الدكتور عيسى بلاطة.


نشأة وسط أجواء متوترة

عيسى بلاطة – أديب وباحث في اللغة العربية: أنا فلسطيني ولدت في القدس سنة 1929 عائلتي عائلة بلاطة يمكن من العائلات الصغيرة في القدس ولكنها من أقدم العائلات في القدس.


أكد له معلم اللغات السامية أن بلاطة اسم كنعاني ما يشير إلى أنه من أصل عربي كنعاني كان أجداده منذ القدم في القدس

في مرة سألت الأب أوغستين مارمرجي أستاذ اللغات السامية بيعلم في مدرسة الكتاب المقدس في القدس بيعرف اللغات القديمة لما تعرفت عليه وقلت له أنا بلاطة قال إيه هذا اسم كنعاني قلت له كيف كنعاني أنت بتعرفه يعني دائما من الاسم قال معلوم لو واحد اسمه سميث تعرفه إنه إنجليزي، لو واحد اسمه شميت بتعرفه ألماني، واحد فرجنوا مثلا فرنساوي بيطلع، واحد بلاطة هذا كنعاني فأنا انبسطت قلت له نحن أصل ضامن القدس من أيام الكنعانيين قبل ما يجوا اليهود لسه على القدس على فلسطين فأنا فلسطيني من أصل كنعاني قديم خالص وبعدين تنصرنا لما أجه المسيح ويمكن كانوا من عائلتي بعض تلاميذ المسيح الله أعلم ولما أجه الإسلام تعربنا وصرنا نحكي عربي وصرنا عرب واليوم نحن عرب أكحاح نعود إلى الأصل الكنعاني.

في الثلاثينات يعني أنا ولدت سنة 1929 في الثلاثينات كانت أحوال فلسطين أحوال مضطربة جدا دائما الاضطراب في فلسطين نطلع من البيت ما نعرفش إمتى ممكن نرجع ولا لا لأنه ممكن يكون فيه قنابل كانوا الإرهابيين اليهود يحطوها في الشوارع أو في الباصات وأذكر مرة في الباص كنت راكب في الباص في موقف الباصات عدة باصات جنب بعض وضعوا الإرهابيين اليهود يمكن هذه كانت سنة 1936 أو 1937 كان عمري ست سبع سنوات وضعوا قنبلة في الباص اللي بيروح على الخليل وجنبه فيه باص بيروح على بيت لحم وجنبه الباص تبعنا فرقع باص الخليل وجنبه طرمبة بنزين ولعت صارت نار وهربوا الباصات الثانية والباص اللي أنا كنت فيه كمان كان راح ينحرق ولكن مشينا فيه الله ستر فحياتي كلها في فلسطين في الثلاثينات.

وبعدين في الأربعينات لما صارت الصهيونية تزيد تشديدها على حكومة الانتداب الإنجليزي حتى تخرج الحكومة الإنجليزية كمان صار فيه نسف بيوت وقتل ناس ومن أشهر الحوادث اللي صارت وأنا كنت قريب منها نسف فندق الـ(King David) الملك داود اللي كانت فيه السكرتارية العامة تبع حكومة بريطانية العظمة مكتب المندوب الثاني والسكرتير تبعه فنزل قسم كامل من فندق الملك داود (King David) وإنقتل فيه أكثر من مائة شخص من موظفين الحكومة الكبار إنجليز وعرب في ذاك الوقت وأنا كنت قريب من هالمنطقة لما سمعت الانفجار ماكنتش عارف وبعدين رحنا شوفنا وإذا كانت الحرائق والناس بياخدوها على المستشفى هذه طفولتي، في القدس تعرفت على امرأة أميركية كانت جاي مع جماعة أميركان لزيارة الأرض المقدسة فتعرفنا عليها بصفتي كنت قريب من صديق أخدناهم على محلات في فلسطين يتعرفوا عليها ونتحدث معهم يعرفوا الشعب الفلسطيني عن قرب يعني مش بس جايين كزوار وسياح فبعد ما رجعوا على أميركا صارت مُكاتبات بيني وبين بعض هدول الأشخاص فيه منهم شباب وفيه منهم شابات وهذه البنت اللي اسمها ماريتا سورك كانت تخلص الدراسات الجامعية تبعها صار مكاتبات بيني وبينها وأدت إلى حب في الحقيقة وتقابلنا بعد سنتين من ما تقابلنا أول مرة في القدس إتقابلنا في أوروبا كمان مرة في سويسرا وفي جنيف خطبنا على بعض وانتقلنا بعدين على باريس هي رجعت على أميركا وأنا رجعت على القدس أكمل التعليم وبعد سنة لما أنهت دراستها الجامعية أجت هي مع عائلتها على القدس واحتفلنا بالعرس وتزوجنا وكنا مبسوطين لحد اليوم في حياة سعيدة نشكر الله، امرأتي ولدت أربعة أولاد ثلاثة صبيان وبنت فبدؤوا يكبروا شوي شوي وأنا شفت إنه إذا بدنا نظل عايشين تحت حكم إسرائيل بهالصورة هاي لا أنا ولا امرأتي ولا أولادي بيقدروا يجوا يعيشوا حياة كويسة عشان هيك تركت القدس وجيت على الولايات المتحدة.

[فاصل إعلاني]

الاستقرار في كندا وتنشئة الأبناء

[تعليق صوتي]


غادر القدس راحلا عنها وهو في مقتبل شبابه حاملا ذكريات أليمة، وطاف بالعديد من بلاد الدنيا حتى اختار كندا مهجرا ليقضي فيه خريفه المثمر برفقة زوجته

بهذه الذكريات الأليمة غادر القدس راحلا عنها وهو في مقتبل شبابه ومع أنه قد طائف بالعديد من بلاد الدنيا كفرنسا وألمانيا وتركيا وإيطاليا واليونان والعديد من الدول العربية وعاش في الولايات المتحدة لأعوام ليست بالقليلة حتى أختار كندا مهجرا ليقضي فيه خريفه المثمر برفقة زوجة رافقته العمر بعد أن كبر الأولاد وغادروا العش ليبدؤوا حياتهم ليتفرغ هو لتقليب أوراق حياته ومحطاتها الحافلة بالتجربة والذكريات.

عيسى بلاطة: طبعا غرباء منعرفش حد ولكن شوي شوي تعرفنا على بعض الجالية العربية الموجودة في هارتفورد صارت فيه حركة أكثر شيء كانت في الكنيسة لأنه الكنيسة بتحافظ على التقاليد القديمة دائما فكنا بالكنيسة نتعرف على الأشخاص اللي صاروا أصحابنا في المستقبل، أولادنا كلهم نشأوا يعني لما أجوا من هناك أصغر واحد كان لسه أقل من سنة عمره وأكبر واحد كان يمكن ست سنوات سبع سنوات فودناهم على المدارس شوي شوي بدوا يتعلموا الطرق الأميركانية وأنا بدي إياهم ينشأوا على الطرق العربية طبعا في البيت كنا نحكي معهم بالعربي وحتى جبت كتب باللغة العربية للمبتدئين حتى أعلمهم العربي بالأخر وجدت إنه بعد ما يجيوا من المدرسة ويكونوا تعبانين وهلاكنين بدي أشي أعلمها عربي صاروا يكرهوا العربي قلت يا ولد سيب هالمسألة خليهم ينشأوا على طبيعتهم والمستقبل شوي شوي بيتعلموا طبعا عاداتنا في البيت الاحترام الواحد للثاني للأهل العادات العربية في الأعياد في الزيارات كل هذه طبعا هم بيخدوها شوي شوي بيتعلموا، نشأوا في هالجو هذا يعرفوا المجتمع الأميركي وبذات الوقت يعرفوا إنه البيت شيء مختلف، الأكل طبعا في البيت كان دائما أكل عربي وكان في دكانة أو تنتين يبيعوا الأشياء العربية وكنا نشتري منهم وفي البيت الست تطبخ الأكل العربي نشأوا يحبوا الأكل العربي طبعا إذا عزموهم ناس لبيوتهم في أكل أميركاني يأكلوا أما دائما يحبوا الأكل العربي فهذه من الأشياء اللي ضلت تنشأ فيهم الروح العربية، سياسيا أنا ما كنت أحكي لهم بس كانوا يعرفوا إنه نحن أصلنا من القدس وهاجرنا لأنه اليهود أخذوا بلادنا فلما نيجي نسمع الأخبار الأخبار بالإنجليزي يشوفني إنه لما يطلع خبر مش عاجبني أصير زعلان يفهموا إيش اللي منيح وإيش العاطل شوي شوي صار يعرفوا أكثر عن البلاد العربية وخصوصا فلسطين ولما كبروا وصار بدهم يقرؤوا كتب يتعلموا عربي قراءة وكتابة فهذه الأشياء ساعدتني وساعدتهم على أنه يحافظوا على التقاليد العربية وعلى بعض العادات العربية وبذات الوقت يتأقلموا شوي شوي حتى ما يعيشوشي حياة غريبة طول حياتهم وفي الوقت نفسه الناس بيعرفوهم إنه هدول أصلهم عرب من فلسطين وهم لا ينكروا عروبتهم ولا أصلهم أبدا.

رحلة مع اللغة العربية وآدابها

[تعليق صوتي]

تلقى الدكتور عيسى بلاطة علومه الابتدائية والثانوية بكلية الفرير بالقدس ثم سافر إلى المملكة المتحدة ملتحقا بجامعة لندن ليدرس الاقتصاد والعلوم الاجتماعية وبعد حصوله على درجة الليسانس أستكمل دراساته العليا بذات الجامعة حتى حصوله على درجة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها وبعد ذلك سافر إلى الولايات المتحدة لتدريس اللغة العربية بمعهد هارتفورد للدراسات الدينية ولمدة سبعة أعوام انتقل بعدها إلى كندا للعمل في التدريس والإشراف على الدراسات العليا بمعهد الدراسات الإسلامية التابع لجامعة ميغيل بمونتريال.


الشعراء العرب بعد حرب فلسطين عام 1948 غيروا في أنظمة الشعر الكلاسيكي والأوزان المعروفة وصاروا يكتبون شعرا حرا له أوزان جديدة ويعالج مواضيع حديثة

عيسى بلاطة: معهد الدراسات الإسلامية هذا للدراسات العليا فقط يعني للطلاب اللي بياخدوا ماجستير وبعدين دكتوراه ولما جيت على هذا المعهد بديت التعليم سنة 1975 كنت أستاذ مشارك وحتى أترقى لازم أعمل بحوث ودراسات وأنشرها في المجلات العلمية المختصة أو كتب في الأبحاث اللي أنا بعملها، صدر لي يعني أشياء كثيرة من سنة الـ1975 لليوم.

موضوع كتاباتي كان عموما عن الأدب العربي وخصوصا الأدب العربي الحديث الشعر العربي خصوصا بعد حرب فلسطين سنة الـ1948 تغير تغيُر شامل ويمكن الصدمة اللي صدمت العرب فيها بفقدان قسم من فلسطين بعد تأسيس إسرائيل كان أيضا صدمة للشعر وللشعراء فغيروا أنظمة الشعر والأوزان المعروفة 16 بحر اللي كانت معروفة لكل الشعر العربي الكلاسيكي القديم كُتِب عليها تغيرت وصاروا يكتبوا شعر حر شعر إليه أوزان جديدة وإليه مواضيع جديدة فأنا اهتميت بهذه الحركة الشعرية وكتبت عنها وبعدين بعد حرب 1967 لما راحت كل فلسطين احتلال إسرائيل زاد الشعر اللي بنسميه قصيدة النثر صار الشعر بدون وزن معين الأوزان تبع الشعر الحر اهتميت بهذه الحركة وعلاقاتها بالمجتمع العربي والتغير العظيم اللي صار في المجتمع العربي كتبت عنها عدة مقالات، كتبت بعدين أشياء ثانية عن الرواية العربية لأنه في هذه الأثناء كمان الرواية العربية بدت تنشأ وتكبر وتتوسع طبعا كان فيه نجيب محفوظ معروف في مصر بالأربعينات كتب بعض الروايات التاريخية ولكن بعد الخمسينات هو نفسه تغير بعد حرب فلسطين هو نفسه تغير وكذلك الروائيين العرب من المغرب حتى الخليج العربي بدؤوا يكتبوا قصص قصيرة وروايات وصار عندي اهتمام في دراسة هذه الحركة أيضا بالشعر وبالنثر شو أثر التغيرات الاجتماعية والسياسية على نفسية الأدباء العرب بالشعر وبالنثر.

وبعدين اهتميت أيضا بالدراسات القرآنية لأنه أنا ولو أني مسيحي كمان أنا عربي وثقافتي عربية وأهم كتاب باللغة العربية أثر في اللغة العربية والحضارة العربية وغير العرب كلية كان هو القرآن الكريم بعد القرآن الكريم صارت اللغة العربية مختلفة لجمال الكتاب اللي أنتشر بالعالم مع الإسلام واتساع الحكم العربي من الأندلس حتى أواسط آسيا انتشرت اللغة العربية في هذه الأماكن كلها، اهتميت بدرجة خاصة لأني أنا أديب يهتم بالأدب اهتميت بالنواحي اللغوية والأدبية في القرآن وبصورة خاصة ما يسمى إعجاز القرآن الإعجاز يعني كون القرآن معجز لا يمكن أن يقلده أحد، حاول بعض الناس في الماضي تقليد الكتابة القرآنية ولكن فشلوا وظل القرآن الكريم كتاب معجز، درست أسلوب القرآن مواضيع القرآن وكيف أثر هذا الإعجاز على التفكير الديني عند المسلمين بحيث عُد القرآن هو العجيبة الوحيدة التي أثرت في العرب، القرآن يحتوي على معلومات عن عالم الغيب مثلا عن الله والملائكة والأديان اللي ما كان النبي محمد درسها في جامعة أو مدرسة ولكنها أُنزِلت إليه من الله فكل هذه الأسباب جعلت البقلاني وغيره من علماء الإسلام أن يطلقوا كلمة الإعجاز على القرآن لأنه فعلا كتاب معجز وأنا اهتميت بهالناحية هاي.

عبد القادر الجورجاني مثلا ركز على بلاغة القرآن أكثر فبواسطة دراسة القرآن بَيَّن الجورجاني علم البلاغة ولكن اهتميت أيضا في جامعة ميغيل بأشياء أخرى أيضا غير الأدب، الأدب مثلا ترجمت عدة أشياء للغة الإنجليزية ترجمت روايات مثلا رواية إيميلي نصر الله الإقلاع عكس الزمن ترجمتها ونُشِرت روايتين للأديب المغربي محمد براده الضوء الهارب مثلا وغيرها وترجمت كمان أشعار لشعراء عرب خصوصا من الشعر العربي الحديث ولكني أيضا ترجمت بعض الأشياء من الشعر العربي القديم أيضا نشرت في مجموعات كثيرة منها مجموعة الدكتورة سلمة الخضر الجيوسي وهي مجموعة بالإنجليزية وإن كانت مؤخرا تُرجِمت إلى العربية أيضا فهذه بعض اهتماماتي، أنا تقاعدت من جامعة ميغيل سنة 1999 ولكني لم أتقاعد عن العمل لأن التقاعد مش معناه القعود لذلك اتفقت مع الجامعة إنه أعلم بس موضوع واحد هو القرآن الكريم في الفصل الأول فقط لأن الفصل الأول مفيهوش ثلج ولا فيه جليد ولا أزال أُعلم واحتفظ بمكتبي وعلاقاتي مع الطلاب والأساتذة والإخوان في هذا المعهد وفي الجامعة، اعتقد إنه مواصلة العمل حتى لو كان الإنسان متقاعد تجعله قادر أكثر مما لو قعد في البيت بدون عمل وتنتهي حياته وهذا مش في بالي في الوقت الحاضر.

[تعليق صوتي]

امتدت رحلة الدكتور عيسى بلاطة مع اللغة العربية وآدابها لأكثر من أربعين عاما كان خلالها عالما ومتعلما ومؤلفا للعديد من الكتب النقدية والدراسات الأدبية التي رصدت التبدلات التي مر بها الأدب العربي خلال خمسين عاما هذا بالإضافة لتدريسها مدة خمسة وثلاثين عاما وهاهو اليوم بعد بلوغه الخامسة والسبعين من العمر لازال يصر على العطاء خدمة لهذه اللغة التي قاده الشغف في بيان لسانها وفصاحته أن يتتبع صور البلاغة ولمسات البيان في القرآن الكريم كهواية تتعلق بحبه للأدب واللغة جعلت من أمر التقاعد عن العمل فكرة غير واردة على باله.

المصدر : الجزيرة