د. نبيل إسماعيل
ضيف الحلقة: | نبيل إسماعيل: عميد كلية هندسة الحاسوب في جامعة كونكورديا |
تاريخ الحلقة: | 17/05/2002 |
– جزيرة مونتريال.. اللغة والمكانة
– د.نبيل إسماعيل من النشأة إلى التطور
– د.نبيل إسماعيل يتفوق فنيا
– أبحاث إنتاج الورق.. نقطة تحول في حياة د.نبيل إسماعيل
– لماذا تخلى د.نبيل إسماعيل عن حلم الطيران
جزيرة مونتريال.. اللغة والمكانة
المعلقة: جزيرة (مونتريال) عاصمة مقاطعة (كيبك) الفرنسية كانت في السابق عاصمة كندا السياسية قبل انتقالها إلى (أتاوا)، كما كانت أيضاً العاصمة الاقتصادية لكندا، تلك المدينة مزيج ما بين العراقة والحداثة، يتكلم أهلها الفرنسية كلغة أساسية إلى جانب الإنجليزية، تشتهر باستادها الأولمبي الشهير الذي استضاف دورة الألعاب الأولمبية سنة 1976. الدكتور نبيل إسماعيل من أصل مصري يحمل الجنسية الكندية، ويتكلم أربع لغات: العربية طبعاً، الروسية، الإنجليزية والفرنسية.
تخرج من جامعة موسكو حاملاً شهادة الدكتوراه في الرياضيات التطبيقية.
درس في وطنه الأم مصر وفي جامعات عريقة في كندا من غربها إلى شرقها.
اختير لعمادة كلية هندسة الحاسوب في جامعة (كونكورويا) في (مونتريال) منذ 5 سنوات، وقررت إدارة الجامعة تمديد عمادته إلى 5 سنوات أخرى لما حققه من منجزات لهذه الجامعة.
د. نبيل إسماعيل من المنشأ إلى التطور
د.نبيل إسماعيل: أنا نشأت في أسرة بسيطة مصرية تقدر تقول إنها من الـ.. أسرة من الـ.. متوسطة، والدي –الله يرحمه- كان مدرس لغة إنجليزية، ووالدتي كانت من بلد بور سعيد، أنا أتولدت في بور سعيد في سنة 42 وكانت بور سعيد بالنسبة ليَّ مكان اللي هو بأعتبره المكان بتاعي، مع إني أنا كنت عايش باستمرار في القاهرة، ولكن كل سنة كانت الأسرة تروح 4 شهور في بور سعيد، وكان البلاج بتاع بور سعيد والموج، والبحر الأبيض المتوسط والسمك، واللعب هو ده كان المجال اللي نشأت فيه لما كنت في طفولتي في بور سعيد، في القاهرة كنا عايشين، كنت في حي العباسية من القاهرة، وكنت بأروح للمدارس اللي هي مدرسة العباسية، المدارس العمومية، وكانت منطقة متوسطة برضو، كان.. جارنا كان نجيب محفوظ، كان تملي الأستاذ نجيب محفوظ يعدي من الشارع وكنت أتمتع وأنا طفل صغير بإن أنا أشوفه وهو بيتمشى وكان في إيده باستمرار ِمنَشَّية، وكنت سعيد جداً إن أنا أشوف نجيب محفوظ، وكان برضو في نفس الوقت في أوائل الخمسنيات، أو في آواخر الأربعنيات كان الأستاذ محمد عبد الوهاب كان ساكن هناك، ففي هذا المجال أنا نشأت والحمد لله كانت تربية أنا فخور بيها، مصر وقعت اتفاقية ثقافية مع الاتحاد السوفيتي، والاتحاد السوفيتي طلب إن في الاتفاقية ديَّة يبعتوا 30طالب مصري من خريجي المدارس حتى إن هم يتعلموا تعليم أساسي على الطريقة اللي في الجامعات الروسية، وكنت أحد الناجحين اللي اختيروا للبعثة ديَّة، رُحت جامعة موسكو وصلت في ديسمبر سنة 58، كانت –وصولي نفسه كان له قصة، القصة إن هو كان أقسى فصل شتاء في تاريخ روسيا يمكن في 30 سنة، وكانت أول مرة أشوف الثلج، شوفته في درجة حرارة ناقص 35، ما كانش معانا بلاطي، كانت تجربة قاسية جداً، ولكن كان عندي شعور إن أنا عايز أتعلم، وذي ما قلت الشباب في الوقت دوَّة كانت عندنا آمال عريضة نتيجة النهضة بتاعة الثورة المصرية والآمال فالحمد لله ربنا وفقني ودخلت جامعة موسكو، جامعة موسكو أعظم جامعة في الاتحاد السوفيتي وفي روسيا دلوقتي، وفي الواقع باعتراف الخبراء الأميركان الأوروبيين جامعة موسكو من أعظم المستويات في العالم، بيقولوا عليها إن هي (يل) بتاعة.. بتاعة روسيا، ربنا الحمد لله وفقني إن أنا دخلت جامعة موسكو كنت أحد طلابها وتعلمت تعليم أساسي، قوي جداً، والحمد لله إتخرَّجت سنة 65 بشهادة ماجستير من جامعة موسكو، في علوم هندسة الطيران، كان في وقت الدراسة كان ليَّ نشاطات مختلفة، أحد النشاطات ديَّة كان نشاط رياضي طبيعي نتيجة الشباب، وكان فيه نشاط مسرحي كنت انجذبت إلى التمثيل في المسرح، وبرضو كان فيه نشاط سياسي، حيث إن أنا كنت طالب يعني صغير ما كنتش طالب دراسات عليا، لما دخلت ساعتها لاتحاد الطلبة المصريين عملوني سكرتير الاتحاد، ولكن كان ليَّ نزعات سياسية قوية جداً، وكنت مستمر في.. في النشاط دوَّة، كلنا لما روحنا روسيا في الأول يعني في السنتين الأولنيين ابتدينا نقرأ عن الشيوعية، وابتدينا نفهم أية بالضبط اللي الروس كانوا بيعملوه، وبصراحة النظرية الشيوعية في حد ذاتها جاذبة جداً بالنسبة للمفكرين والمثقفين، فالمرحلة الأولى أعتقد إن كلنا تقريباً انجذبنا إلى القراءات عن المجتمع الشيوعي اللي هو مجتمع فيه كل الخيرات وفيه كل الوسائل لكل المواطنين، وفيه سلام وفيه..، ولكن بالنسبة ليَّ شخصياً أنا الممارسة في موسكو اللي هي ممارسة المجتمع الروسي عملت اختراق ما بين النظرية والحقيقة، ففي ظرف سنة ونص تقريباً بعد القراءات دية كنت ابتدأت إن أنا أفقد الثقة في.. الـ.. في.. في الـ.. جدية هذه التجربة في الحقيقة.
د.نبيل إسماعيل يتفوق فنياً
المعلِّقة: بعد حصوله على شهادة الماجستير رجع إلى مصر وتعين معيداً في الكلية الفنية العسكرية، ثم معيداً بكلية الهندسة في جامعة عين شمس، وبعد سنة تقريباً رجع إلى روسيا لدراسة الدكتوراه في ديناميكية الطيران من ناحية المعادلة الرياضية وحل مشاكل تصميم الطائرات. إلى جانب تفوقه ونبوغه العلمي فكان لميوله الفني نصيب.
د. نبيل إسماعيل: في نفس الوقت اللي كنت بأعمل فيه الدكتوراه استمرت حياتي الفنية، بس ارتفعت طبعاً على مستوى أعلى من المستوى الأول، فوجئت سنة 68 بأنهم ندهوا لي من (موسفلم) اللي هي شركة موسكو بتاعة الأفلام، وقالوا لي عاوزينك تشتغل في دور، الدور دوَّة كان دور بتاع سفير مصر في الكونغو، الفيلم كان فيلم عن (بتريس لومومبا) والسفير المصري كان المفروض يروح ويقابل (بتريس لومومبا) ويقول له إن مصر عرفت بالمؤامرة اللي عملها الغرب عشان يقتل (بتريس لومومبا) وعايزين نهربه نوديه مصر، فالروس دهنوا وشي أسود عشان أظهر إن أنا مصري، فأنا استعجبت، قلت لهم: طب ما أنا مصري، أنا مش محتاج حد يدهن لي وشي أسود، ما قدرتش أقنعهم إن هم يغيروا رأيهم وطبعاً ظهروني إن أنا كنت أكبر من سني بكتير، كان دور لطيف إنما الحمد لله يعني كسبت منه حوالي 150 دولار ساعتها وبعدين حصلت تاني سنة 70، سنة 70 ندهوا لي تاني وقالوا لي فيه فيلم غرامي وعايزين سفير مصري تاني، الفيلم دوَّة كان عن قصة حب البطل بتاع الفيلم كان مهندس في السد العالي وبعدين أمه بتتوفى فطبعاً لأن هو كان رجل عظيم بيعمل.. بيخدم مصر، فلما أمه توفت فالسفير المصري جه علشان يعزيه في وفاة والدته، فطبعاً ده فتح لي باب العمل تاني وندهوا لي في.. قالوا لي السفير المصري لازم يجي ويخش الجنازة ديَّة، أنا طبعاً بطبيعتي العربية المصرية فاكر إن أنا رايح أشرب قهوة سادة ولا حاجة زي كده، لقيتهم حاطين طاولة طعام كبيرة جداً استعجبت، عزيت الراجل وبعدين فجأة دخلوا كل صحابه وكتير منهم كانوا بنات وقالوا لي لازم أبوس أيدهم فبوست أيد كل البنات ورحت جنازة بالصورة الروسية وأكلت من الأكل معاهم، كانت.. كان دور شيِّق وأجين الحمد لله يعني كان ناجح وكسبت حوالي 150 دولار تانيين.
أبحاث إنتاج الورق.. نقطة تحول في حياة د.نبيل إسماعيل
المعلقة: وفي سنة 1973 حيث انتقل (لتورنتو) وتغير مسار أبحاثه تبعاً للوظيفة التي تسلم مهامها، والتي كانت في إطار الصناعات الكيميائية وابتعد عن دارسة هندسة الطيران حيث تم تبادل الخبرات بين جامعة (تورنتو) وشركة (كوداك) للتصوير وتمت الدراسة والبحوث حول استخدام الحاسوب في تصميم وتطوير ورق التصوير والأفلام. وفي سنة 1976 تسلم مهامه كأستاذ في قسم الهندسة الكيميائية في جامعة (سيسكتش1) غربي كندا، ولابتعاده عن شرق الولايات المتحدة وحيث تتواجد شركات التصوير ولقربه من شركات النفط والبترول الموجودة في كندا كان له الأثر الكبير بتحويل اهتمامه عن تلك الأبحاث إلى الأبحاث المتعلقة بعملية تسهيل ضخ البترول في مراحله الثانية والثالثة، وكنتيجة طبيعية لركود سوق النفط في كندا تغير مسار أبحاثه مرة أخرى، حيث اتجهت لتطوير صناعة الورق في معهد بحوث الأوراق الكندية (بابريكان) واستمر في أبحاثه لخدمة شركات الورق إلى جانب عمادته لكلية الهندسة.
د. نبيل إسماعيل: أخذت هذا المنصب منذ عام 1997، والمنصب دوَّة طبعاً منصب معقد، لأنه منصب قيادي من الناحية الأكاديمية، ومنصب إداري من الناحية.. من ناحية القيادة الأكاديمية يهمنا جداً إن إحنا نتطور مع تطور المهنة الهندسية ومع تطور مهنة المعلومات، في سبيل ذلك طبعاً يهمنا جداً إن إحنا نشكِّل البرامج الدراسية الجديدة التي تلائم العصر الحالي، تلائم طلب الطلاب والشركات من ناحية الهندسة ومن ناحية المعلومات، وفي هذا المجال يهمنا طبعاً إن إحنا نتوسع ونقبل أعداد أكبر من الطلاب، نتيجة الإقبال على هذه الدراسات اللي طبعاً معروف في جميع أنحاء العالم إن هو إقبال شديد جداً، فبالنسبة دوّة بياخد من وقتي يعني كمية كبيرة جداً من الوقت في محاولة إن أنا أنظم الجهود بتاعة الأساتذة بتوعنا علشان خاطر يقوموا بالمهام الأكاديمية بتاعتهم، وفي نفس الوقت الأعمال الإدارية اللي في المكتب بتاعي اللي هي طبعاً متشعبة جداً، يعني أعمال إدارية بتخص بشؤون الأساتذة وشؤون الطلبة وشؤون العاملين، بالإضافة إلى الأعمال الإدارية العادية كالميزانية والخدمات وخلافه، وكل ما يتعلق بإدارة الكلية، في نفس الوقت طبعاً أنا أستاذ ويهمني طبعاً إن أنا أستمر في مهنتي كأستاذ،ولذلك كان يهمني جداً إن أنا أمارس أو أستمر في ممارسة التدريس والأبحاث، في واقع الأمر أنا كنت ناوي إن أنا أستمر في التدريس، ولكن حتى الآن منذ يعني بداية هذا المنصب مادرستش لغاية دلوقتي، لكن الشيء المهم إن أنا نجحت في استمرار مشاريع الأبحاث بتاعتي أنا مشاريع الأبحاث بتاعتي في خلال الـ 15 سنة الأخيرة كانت كلها متعلقة بأبحاث لإنتاج الورق وتحسين نوعية الورق اللي هي بتنتجها كندا.
طبعاً من المعروف إن كندا من أكبر البلاد المنتجة للأوراق والإنتاج بتاعها عادة بيكون من الأوراق اللي هي بتنتج من التفتيت الميكانيكي، دي أوراق بتستعمل في جميع أنحاء العالم في ورق الصحف و.. وخلافه على هذا المستوى، الاتجاه في الاقتصاد الكندي دلوقتي إن إحنا نحاول إن إحنا نعلِّي مستوى الورق اللي هو بيطلع من التفتيت الميكانيكي، وبتيجي خبرتي أنا هنا هوة في هذا الموضوع في إن أنا بأحاول إن أنا أساعد الشركات الكندية في عملية إن هم يحسنوا نوعية الأوراق اللي ممكن إنتاجها من.. من الورق الكندي، في هذا الموضوع بالذات أخيراً أنا كنت متصل بأبحاث تتعلق بمشروع شيق جداً اللي هو معروف عن الأوراق إن هي لما بتعيش مدة معينة بتصفر بالذات الأوراق اللي هي بتستعمل في الصحف وخلافه، وفي الـ.. يعني الوثائق المهمة جداً لما بتصفر طبعاً بتكون النتيجة إن نوعية الورق بتتدهور، فالمشروع اللي إحنا بنشتغل فيه إن إحنا تمكنا من الحصول على مادة كيميائية، المادة الكيميائية دية لو عالجنا الورق الخام بيها تكون النتيجة إن هي الأوراق ديَّة ممكن تستمر على نوعيتها الراقية لسنين طويلة جداً بدون أن يحدث اصفرار للأوراق ديَّة، هو دا المشروع بتاعنا الحالي، وعندي في هذا المشروع طالبة اللي هي طبعاً بتشتغل معايا في دراسة الدكتوراه، والمشروع طبعاً كان مهم جداً بالنسبة لشركات الورق الكندية وبالذات لمعهد بحوث الأوراق الكندية اللي هو إحنا فيه دلوقتي، ودا من أكبر معاهد بحوث الأوراق في العالم كله.
المعلقة: ما الفرق بين حياة المهاجر وحياة إنسان عادي يقطن وطنه؟ ما علاقة الوطن بالمهاجر؟ وما العوامل المساعدة للاستفادة من المهاجر العربي؟ كلها أسئلة لم تغب عن ذهن الدكتور نبيل إسماعيل والذي اعتبر نفسه من ناحية فلسفية كشجرة اقتلعت من وطنها الأصلي وزرعت في مكان آخر، وهو الذي يعتبر نفسه كندياً وجزءاً لا يتجزأ من الحياة الكندية، مع عدم تنكره لوطنه ولأصوله ومعتقداته، ولكن للعملة الواحدة وجهان، حيث أن نظرة الوطن الأم للمهاجر من وجهة نظره قائمة على أسس غير عادلة، في حين ينظر الغرب للمهاجر العربي كمشروع استثماري. ما هو تقييم المهاجر للغرب؟ وما هو تقييمه للمهاجر العربي؟
نبيل إسماعيل: المجتمع الكندي بالذات زي مجتمعات غربية كتيرة مجتمع متقدم، مجتمع متقدم الناس اللي فيه وصلوا لدرجة رخاء عالية جداً بالنسبة للمجتمعات الأخرى اللي هي لازالت نامية، في المجتمع اللي الإنسان فيه بيصل لهذه الدرجة من الرخاء الإنسان نفسه بيصبح بيطلع من.. من قلبه أحسن صورة، بيبقى إنسان خير، بيبقى إنسان.. الإنسان الشبعان، الإنسان المبسوط بيحاول.. بيحب العالم، بيحب الناس الأخرى، فبتلاحظ إن المجتمع الكندي سعيد إن هو بيستقبل المهاجرين هنا هوَّة، المجتمع الكندي عارف كويس جداً إن المهاجرين دول هم بسبب الدافع اللي هو بيدفع الاقتصاد الكندي، اللي هو بيجيبوا أحسن الخبرات من العالم، بيجيبوا ناس اللي هم بيساعدوا المجتمع على الرخاء، فالمجتمع الكندي يُقيم المهاجرين عموماً، ويقيم المهاجرين العرب بالذات لأن من المعروف في كندا إن العاملين العرب، العاملين المصريين من أكثر العاملين الأجانب في الخبرة وبالذات في الوظائف اللي هي الأساسية اللي هي في الجامعات وفي الدكاترة وفي الشؤون التكنيكية وهكذا، بنجد إن الواحد لما بيبص للعالم العربي ولمصر بنجد إن إحنا متأخرين وليس أمامنا أي وسيلة حالية إن إحنا نلحق بالعالم الحضاري الغربي، العالم الآسيوي.. الشعوب الآسيوية تمكنت في السنوات الأخيرة من إن هي تحقق خطوات جديَّة في اتجاه التقدم الحضاري، في اتجاه إن هُمَّ يلحقوا بالغرب، ولكن هل ممكن حدوث هذا في العالم العربي؟ إذا كان العالم العربي ومصر سيتقدموا في المسار الحضاري لمحاولة اللحاق بالتقدم الغربي اللي موجود في المجتمع لابد من حدوث تغيير جذري في التفكير وفي الأعمال، تغيير مماثل للتغيير اللي حصل على سبيل المثال في الصين، تغيير زي (ماوتي تونج) لما جه وغير مسار التاريخ بتاع الشعب الصيني، أو كمال أتاتورك في تركيا اللي جه وحاول إن هو يعمل تغيير جذري، التغيير البطيء، أو التغيير اللي هو لا يمس الجذور بتاع الحالة الاجتماعية أو الحالة الاقتصادية، أو الحالة الثقافية في العالم العربي ومصر لن يؤدي إلى أي خطوات جدية ناحية الحضارة، في رأيي إن المهاجرين العرب في الغرب يستطيعوا أن يلعبوا دوراً مهماً في هذه الحركة، المهاجرين العرب عندهم خبرات وعندهم تفهُّم عمقي للحضارة الغربية ويستطيعوا أن يؤدوا باستشارات، يستطيعوا إن هم يوجِّهوا الطريق، ولكن لابد إن أولاً تقوم مجموعات من الوطن العربي من الشباب، أنا كل أملي في الشباب، لأن الأجيال الكبيرة استريحت في الأوضاع الحالية ولا يمكن أن نتوقع منهم إن هم يقدموا أكثر مما قدموا، ولكن الشباب يجب أن ينظر إلى الحالة الحالية ويجب أن يأمل إن العالم العربي وإن مصر يستطيعوا إن هم يلحقوا بالمسار الحضاري العالمي.
المعلقة: حياة سهلة بسيطة ومتواضعة قد يحلم بها الكثير، ولكن قد يملها الكثير، وهل يُغني ما نحققه من منجزات فعلية عن تحقيق أحلام الصغر؟ ففي الصغر يُحلق الخيال، يجمع الحلم ويستطيل، وترى العالم بعين أجمل، لأننا نقبض عليه ونحقق ما نريد ونعيشه حلماً يرفرف فينا فوق المستحيل، ولكن تكبر فينا المتعاكسات في أرض الواقع، ويظل للحلم ذكرياته، تُرى هل كبرت المتعاكسات في حياة الدكتور نبيل إسماعيل؟ وما مدى تحقيقه لحلم طفولته؟
لماذا تخلى د.نبيل إسماعيل عن حلم الطيران
نبيل إسماعيل: حلم الطفولة بتاعتي لسبب ما أعرفوش بالظبط كان إن أنا أصبح طياراً، أقود طائرات، ولما تخرجت من التوجيهية، لما خلصت المدرسة في مصر استعلمت عن إمكانية دخولي لكلية الطيران حتى أصبح ظابط طيران في الجيش المصري، فاتضح لي إن أنا في هذا الوقت كنت غير مناسب لهذه المهمة، لأن أنا كنت طويل زي ما أنا دلوقتي، حوالي 186 سنتي، وفي اعتقادي إن الجواب اللي جالي إن الميج 15 و17 اللي هي كانت الطيارات المستعملة في هذا الوقت في الجيش المصري (الكوكبت) بتاعها كان صغير وكان فيه حدود على طول الطيار اللي هو ممكن يخش في (الكوكبت) فصرفت نظر عن العملية ديَّة وأصبحت.. دخلت الهندسة عشان أعمل مهندس طيران، هل أنا هأفكر إن أنا أحيي هذا الحلم؟ مش على ذهني على الإطلاق، يعني أنا في رأيي إن خلاص حياتي تحددت في هذا الاتجاه وما تعلمتش قيادة الطيران ومش شايف إن هيكون فيه يعني مبرر إن أنا أغير هذا الموقف.
المعلقة: فلم نفوت الفرصة وقمنا باصطحاب ضيفنا إلى نادي (مونتريال) للطيران، وفاجأناه بدرس تدريبي مدته نصف ساعة لقيادة طائرة ذات محرك واحد، وها هو يخطو خطواته الواثقة نحو الطائرة وهنا يستمع للتعليمات النهائية، وقد حان الوقت وبدأ العد التنازلي للطيران.
نبيل إسماعيل: يعني شعور متضارب، أولاً طبعاً عندي شعور بالسعادة، وشعور بالفرحة، وفي نفس الوقت شعور بالقلق لأن أول مرة، وبعدين المفاجأة، يعني المفاجأة كانت طبعاً حادة بالنسبة ليَّ.
أنت اثبت لي إن الحلم ممكن يكون حقيقة فقبل ما أشوفك كنت خلاص فقدت الأمل أو على الأقل كنت وضعت هذا الحلم في خزانة الزمن، ولكن أنت فتحت الخزانة وخرج الحلم ودلوقتي أصبحت أؤمن بإن الحياة فيها مفاجآت وفيها حاجات كتيرة جداً الواحد ما يتوقعهاش.