الكتاب خير جليس

التخلف الآخر.. أزمات الهويات الثقافية في العالم الثالث

حقيقة مفهوم التخلف الآخر والجديد في الكتاب، نظرة المؤلف لطبيعة استفادة الضعيف من القوي على المستوى الثقافي، هوية العالم الثالث والغزو الثقافي، توطين اللغة العربية والتعريب في الدول المغاربية، انعكاس الضغوط الاجتماعية على اللغة العربية والفرنسية في الدول المغاربية.

مقدم الحلقة:

خالد الحروب

ضيوف الحلقة:

البروفيسور محمود الذوادي: مؤلف الكتاب
د. محمد بن مريخي: باحث أكاديمي

تاريخ الحلقة:

20/05/2003

– حقيقة مفهوم التخلف الآخر والجديد في الكتاب
– نظرة المؤلف لطبيعة استفادة الضعيف من القوي على المستوى الثقافي

– هوية العالم الثالث والغزو الثقافي

– توطين اللغة العربية والتعريب في الدول المغاربية

– انعكاس الضغوط الاجتماعية على اللغة العربية والفرنسية في الدول المغاربية


undefinedخالد الحروب: أعزائي المشاهدين، أهلاً وسهلاً بكم إلى هذه الحلقة من برنامج (الكتاب خير جليس)، نقدمها لكم من لندن.

جليسنا هذا اليوم كتاب يطرح مفهوماً يسميه المؤلف "التخلف الآخر"، وهو مفهوم يعكس الأزمات والتوترات التي تتعرض لها الهويات الثقافية في العالم الثالث مع التركيز على حالات الدول المغاربية وخاصة تونس والجزائر.

عنوان الكتاب "التخلف الآخر.. أزمات الهويات الثقافية في العالم الثالث" يبدأ في المقدمة والفصل الأول بتعريف معنى التخلف الآخر ويحدده بأنه التخلف اللغوي والثقافي والنفسي، ويرى بأنه نظام نفسي وثقافي تتداخل في تشكيله مجموعة من العوامل منها ما هو ماضوي، ومنها ما يعكس عقدة نقص، وبعضٌ آخر منها متعلق بالضغوط والتأثيرات الغربية والمركزية المعرفية المرافقة لها.

في الفصل الثاني يتوقف المؤلف عند أثر الرأسمالية في التخلف الثقافي وتطور الدولة التنموية في العالم الثالث واحتوائها على عناصر وبذور ذلك التخلف.

أما في الفصل الثالث فينتقل إلى الحديث عن مسألة توطين اللغة والتعريب في الجزائر وتونس على وجه التحديد، وهنا يجادل المؤلف بأن الخلفيات الثقافية والتعليمية والسياسية على وجه التحديد لصُنَّاع القرار في هذا الشأن تلعب دوراً حاسماً في تحديد جدية وعمق الاهتمام بالتعريب.

أما الفصل الرابع فيتوسع المؤلف فيه باتجاه نقاش بعض الحالات الآسيوية ومسألة توطين اللغات المحلية فيها، مركزاً على حالة ماليزيا.

في الفصلين الخامس والأخير يستعرض الكتاب مسألة انعكاس الضغوط الاجتماعية على اللغة العربية والفرنسية الخليطة التي تتحدث بها النساء التونسيات، والجذور النفسية والاجتماعية لانتشار اللهجة الباريسية الفرنسية عندهن.

أعزائي المشاهدين، ضيفانا اليوم لمناقشة الكتاب هما: البروفيسور محمود الذوادي (أستاذ علم الاجتماع في.. في الجامعة التونسية ومؤلف الكتاب) والأستاذ محمد بن.. بن مريخي (الباحث والجامعي الجزائري المقيم في بريطانيا)، فأهلاً وسهلاً بهما. بروفيسور محمود إذا بدأنا معاك بالسؤال الابتدائي والتقليدي ما هو الجديد في هذا الكتاب؟ وما الذي تريد أن تقوله؟

حقيقة مفهوم التخلف الآخر والجديد في الكتاب

محمود الذوادي: نعم هو بالنسبة لعنوان الكتاب، يعني هو عنوان الكتاب "التخلف الآخر" وطبعاً السؤال هنا: لماذا هذا الاسم التخلف الآخر، يعني من أين تأتَّى؟ فالواضح أنه عندما نفحص يعني ما كُتب عن التخلف والتنمية أنه عادة نَصِف مجتمعات العالم الثالث بأنها متخلفة أو هي نامية في مجالات التصنيع وفي مجالات الاقتصاد، أي أنها متخلفة يعني على هذين المستويين، لكن في الحقيقة التخلف هو عبارة عن ظاهرة ذات رؤوس عديدة أنا أسميها بما فيها جانب ثقافي لغوي نفسي أشرت إليه أنت، وهو الجانب الذي وقع إهماله بطريقة شبه كاملة فيما يسمى بأدبيات التنمية والتخلف، إذن فالكتاب هو يدرس نوعاً من التخلف الموجود في مجتمعات العالم الثالث طبعاً بدرجات مختلفة، لكنه موجود وله مؤشراته التي سمحت لي في الحقيقة بالكتابة عنه وهذا الكتاب هو عبارة عن خلاصة عن هذه الأفكار المطروحة بالنسبة لهذا النوع من التخلف.

خالد الحروب: إذن أنت تضيف إلى التخلف الذي نعاني منه يعني أقصد التخلف الاقتصادي والتكنولوجي الذي نعاني منه تخلف لغوي ونفسي و.. وثقافي، ما رأي الأستاذ محمد في هذه الأطروحة، ما رأيك في الكتاب بشكل عام؟ ما هو الجديد الذي استفزك ورأيت نفسك ملتقياً معه أو ضده؟

د. محمد بن مريخي: والله، نعم.. ما يثير الاهتمام في الكتاب بعد ما درست الكتاب هو أظن كي نكون منصفين مع المشاهد يجب أن نذكر أن الكتاب، نحن نناقش الكتاب من وجهة نظرنا وكُتِب باللغة الإنجليزية أنه كما أشرتم بالرغم من كل التخلف الذي نعاني منه الاقتصادي والفكري و.. والثقافي أضاف الدكتور ذوادي نظرية التخلف النفسي، ما يثير الاهتمام هو الطريقة التي عرَّف بها التخلف النفسي، هي حقيقة تعريف نظرية تحطم معنويات الفرد الذي ينتمي إلى العالم الثالث في بداية الأمر، ثم يحللها بعد ذلك بطريقة.. بطريقة طرح وقائع تاريخية و.. وسياسية، ويتمثل ذلك في القيادات التي تعاقبت على بعض دول العالم الثالث، وكيف كانت سياستها تعليمية في ترسيخ الهوية عن طريق استعمال اللغة أو عن طريق تعميم استعمال اللغة، أنا لا أرى يعني الفرق.. أنا أرى الفرق يعني بوضوح أنه كلمة تعميم وكلمة تأميم تختلفتان جذرياً وعضوياً ومعنوياً، لذلك أرى أنه.. أنه الحقيقة يثير الكثير من التساؤلات التي..

خالد الحروب [مقاطعاً]: سوف نأتي عليها تساؤلاً تساؤلاً، لكن دعني أسأل البروفيسور محمود، يعني من ناحية نظرية وفكرية صرفة مفهوم التخلف هو مفهوم طبعاً كما لا يخفى عليك مركب ومعقد، تخلف عن ماذا؟ عندما تقول أن هناك مثلاً تخلف اقتصادي أو تخلف ثقافي أو تخلف لغوي، تخلف عن أي تقدم؟ يعني هل هناك طريق حتمي للتقدم للحاق به ونحن متأخرون.. متخلفون عنه؟ هناك فيه فرضية ضمنية في هذا الكلام كأن هناك ضرورة للحاق بنموذج ما متقدم، وهذه يعني حتمية أحياناً، يعني ربما كانت حتمية بحثية أو حتمية في طريقة التحليل. ما رأيك؟

محمود الذوادي: نعم، هو.. هو بالنسبة لقضية مفهوم التخلف الآخر و.. وما هي علاقته طبعاً في الطرح الذي نناقشه بالنسبة للتقدم، لأنه أنا في الحقيقة انطلقت من أن التنمية كعملية مجتمعية لدول المجتمعات النامية بصفة عامة هي ينبغي أو يجب أن تكون تنمية شاملة لكل مكونات المجتمع، بمعنى أنه إذا كان اللغة هي مكون أساسي وأنا أسميها في الحقيقة في تحليلي للرموز الثقافية بأنها هي.. بأن اللغة هي أم الرموز الثقافية جميعاً، طبعاً إحنا عندما نذهب إلى المجتمعات المتقدمة نجد أن اللغة الوطنية دائماً هي لغة يعني أولاً مستعملة بالكامل في كل قطاعات هذه المجتمعات، ثم أن الفرد.. ها.. الفرد المتقدم.. الإنسان المتقدم هو يعتز باستعمال لغته، ويدافع عنها، وبالتالي هو ينميها، لأن نحن.. نحن نعرف أن اللغة. كعنصر أساسي إن لم تستعمل في المجتمع.. في مجتمعها فهي تتأخر، يعني تعريفياً تتأخر، ومن هنا إذن عندما نقول: ما هي العلاقة بالتقدم؟ يعني إحنا أولاً نقول أن التنمية هي عملية شاملة، بحيث عندما تتقدم اللغة.. استعمال اللغة الوطنية في مجتمعات العالم الثالث بأن تصبح لغة الاستعمال لكل الناس في هذا المجتمع فهي بطبيعتها تتقدم، وفي الحقيقة.. لكن هي عندما تُهمَّش أو.. أو تترك جانباً هي بتتأخر، بتصبح.. فالمجتمع إذن أحياناً.. يعني هذا المجتمع يعني النامي ربما أحياناً يتقدم في المستوى الاقتصادي والمستوى الصناعي، لكن عندما ننظر إلى الجانب الثقافي، إلى الجانب اللغوي نجد أنه متأخر طبعاً بالتعريف الذي يعني أطرحه هنا لمعنى التخلف والتقدم بالنسبة للغة في هذه الحالة.

خالد الحروب: قد يتبادر للذهن إنه.. إن هناك نوع من المبالغة، هناك تخلف أو هناك تردي حتى لا.. لا.. لا نقع أسرى لمفهوم التخلف والتقدم بحسب النموذج الغربي، على سبيل المثال نقول هناك مثلاً تردي اقتصادي، تردي اقتصادي، تردي اجتماعي، تردي تكنولوجي نعيش فيه، وهذا هو أس التردي هذا هو الجذر له الآن.. قد يقول قائل أن ما تقوله في هذا الكتاب من.. من.. من تخلف، التخلف الآخر الثقافي اللغوي النفسي هو تخلف تابع وليس تخلف آخر، التخلف الجوهري هو تخلف مثلاً اقتصادي واجتماعي يتبعه أو يتفرع عنه أنواع أخرى من التخلف تلحق به، ولكنها لا تساويه ولا تناظره أهمية، ما رأي محمد يعني لو.. بـ.. بمركزية التخلف الآخر هل له.. هل له نفس الأهمية والمركزية؟

د. محمد بن مريخي: والله، نعم.. هي كادت أنه تكون أطروحة فلسفية معقدة، لكن.. لكن نحصر المفهوم تخلف ونُعرِّفه تعريفاً واضحاً كان أظن.. كان.. كان.. كاد أن يكون من الإنصاف من ناحية الكاتب أنه يعرف التقدم بالمفهوم الاجتماعي، لأن.. هناك تخلف.. لأن هناك.. هناك تقدم، هناك تراجع لأن فيه لأن هناك تقدم، لذا فظاهرة التخلف لم توجد من العدم، وإنما هي ناتجة لمقارنة مع التقدم، ولهذا أظن إن تعريف تخلف الآخر منحصر في مفهوم ضيق.

خالد الحروب: ماذا ترد يا بروفيسور محمود على هذا النقد، أنك بالغت في الموضوع، وهذا التخلف.. التخلف الآخر مجرد تخلف لاحق وليس تخلفاً جديداً، تخلفاً آخر؟

محمود الذوادي: هو يعني بالنسبة لهذا طبعاً يعني أنا ردي من الكتاب هو أنه يعني إن فهمنا يعني.. يعني إن فهمنا أهمية العناصر التي يحتوي عليها مفهوم التخلف الآخر أو التردي الآخر، يعني إن فهمنا مثلاً أن اللغة في المجتمعات المتقدمة هي يعني شيء شبه مقدس في هذه المجتمعات معناها تُصان وتُنمَّى، إن فهمنا أنه يعني أن ثقافة المجتمع هي أيضاً محترمة، يعني إن فهمنا أيضاً أن لأنه أنا من.. من أجزاء تعريف التخلف الآخر أن إنسان العالم الثالث كما رأيته أنا هو يشكو من.. طبعاً من.. من مركب نقص إزاء الآخر اللي هو يعني الذي هو يمثل الغرب أساساً.

خالد الحروب: وهل هذا الذي تفترض أنه جوهر التخلف النفسي الذي سميته في الكتاب تخلف نفسي هل عقدة النقص تجاه الآخر خاصة تجاه الغرب المتفوق مثلاً حضارياً وتكنولوجياً وغيره، هل عقدة النقص هذه هي تشكل جوهر التخلف الذي أسميته تخلف نفسي؟

محمود الذوادي: هي.. يعني هي جزء كثير، لأن الإنسان يعني المحبط نفسياً أو المجتمع المحبط نفسياً، المجتمع الذي لا يحترم مهلاً.. لا يحترم العناصر الأساسية في ذاتيته، طبعاً إحنا لابد أن نرجع إلى علم النفس هنا لكي.. لكي نرى ما هي انعكاسات الإنسان -نوعاً ما- المهزوم نفسياً أو على الأقل الذي لا ينظر إلى نفسه باعتزاز، إحنا نعرفه مثلاً من.. من ناحية الدوافع التي تحفزنا للعمل أن الذخيرة النفسية، أن الثقة بالنفس بعبارة أخرى تصبح عامل أساسي لتحقيق مجالات التنمية الأخرى، ومن هنا إذن فالتخلف الآخر يعني على المستوى الثقافي يعني مثلما رأينا أنه يعني ذو ظلال مهمة، وعندما يقترن وهو يقترن دائماً بهذا الجانب النفساني يعني يصبح إذن.. يصبح حالة في الحقيقة بتتصف بها يعني معظم مجتمعات العالم الثالث، لكن بدرجات، لكنه هو.. هو يعني ذو أهمية يعني لا في الحقيقة على مستوى.. على مستوى ربما إنساني هي أكثر أهمية من التقدم اقتصادياً في نظري أنا.


نظرة المؤلف لطبيعة استفادة الضعيف من القوي على المستوى الثقافي

خالد الحروب: أي نعم، طيب محمد يعني أليس هذا من طبائع الأشياء أنه الطرف الضعيف في نهاية المطاف ينظر إلى الطرف المتفوق وباصطلاح.. باستخدام مصطلحات ابن خلدون الطرف المغلوب ينظر إلى الطرف الغالب نظرة فيها.. فيها نقص، يعني بالتعريف يعني لا تتوقع من الطرف الضعيف أن ينظر إلى الطرف القوي نظرة فيها تفوق أو حتى فيها تكافؤ، فلذلك عملياً نحن نعيش.. نعيش لحظتنا التاريخية ولا.. لا يفترض أن نجلد أنفسنا زيادة عن اللزوم، ما هي إذن طبيعة إذا.. إذا لم نرد أن نشعر بعقدة نقص تجاه الغرب ما هي.. ما هي العلاقة الصحية وخاصة أننا نحن الطرف الضعيف، أين تقف هذه العقدة النفسية التي يتحدث عنها الدكتور الذوادي؟

د. محمد بن مريخي: والله عقدة النقص التي ذكرها الدكتور.. الدكتور اللي هي.. اللي هي جزء من تعريفه للتخلف النفسي ذكر كذلك أنه ينتج عن ذلك الإحساس بالتهميش و.. وارتفاع تفشي.. تفشي العنف والجريمة وكل ذلك، أظن أن الطريقة التي عُرِّف.. عُرَّفت بها تلك الظاهرة اللي هي اعتبرها ظاهرة تخلف فيها الكثير من الإيجابيات، يعني إذا نظرت إليها.. إذا أخذنا بعين الاعتبار مثلاً التقليد، التقليد…

خالد الحروب: تقليد يعني تقليد العالم الثالث؟

د. محمد بن مريخي: تقليد الآخر، تقليد.. تقليد الفرد الذي ينتمي إلى العالم الثالث وإلى المجتمع الثالث إلى.. إلى غيره، إلى مثلاً جزائري أو تونسي يُقلِّد الفرنسي نظراً للتبعية والخلفية الاستعمارية المعتبرة، هو ركز كثيراً مثلاً على ازدواجية اللغة في شمال إفريقيا و(..) ذلك من مقومات النظرية التي هو يرمي إليها، لكن من وجهة نظر إيجابية إذا أنا قلدت الآخر فذلك.. ذلك يعود علي بالمنفعة، لأنني إذا.. قبل أن أقلد الآخر يجب أن أتعلم لغته، إذن إذا تعلمت لغة الآخر وكان مستوى معرفتي يكمن في صياغ معين فإن بعد.. بعد تقليدي للآخر يرتفع مستوى معرفتي أستطيع أن أترجمه للآخر والذي هو في ميداني الاجتماعي المباشر بطريقة تعود عليه بالمنفعة، فلهذا فإذا أخذنا التقليد كجزء من أو كـ(syndrome) أو للحالة النفسية فإنه شيء إيجابي ليس بالشيء الذي..

خالد الحروب [مقاطعاً]: هذا.. هذا الموضوع.. هذا.. هذا.. هذا ما سوف نسمع رد الدكتور يعني التقليد شيء إيجابي، تقليد المغلوب للغالب شيء إيجابي، يعني كما يقول محمد مرعي في هذا أولاً، هذا (أ).

(ب): وتطرح في الكتاب في أكثر من موضع موضوعة الغزو الثقافي وتقول إنه هذا يعني من.. يتردد هنا وهناك أن هذا من أخطر أنواع الغزو، لأنه يضرب في.. في صميم منظومات القيم و.. والأسس البنيوية التي تقوم عليها المجتمعات.

محمود الذوادي: نعم، بالنسبة يعني لمسألة التقليد، يعني أنا في الحقيقة لست ضد التقليد، وإنما يعني للتقليد بعض.. يعني المعايير، يعني الشخص مثلاً الذي..

خالد الحروب [مقاطعاً]: يعني لو اقترحنا لفظة الاقتباس ربما يعني التقليد يعني فيها ظلال سلبية كأنه تقليد أعمى أو كذا، لو قلنا الاقتباس لأنه يعني على الأقل تملك قرارا الانتقاء والاختيار، ما رأيك؟ هذا مجرد..؟

محمود الذوادي: نعم، يعني هو الاقتباس أو التقليد يعني بالنسبة لإنسان المجتمع النامي الذي تحدث عنه هذا.. هذا الكتاب، يعني لا بأس بالنسبة أن هناك تقليد، لكن انطلاقاً إذن من.. من أرضية أساسية التي لا تجعل الشخص فقط مقلداً من أجل التقليد، وإنما هو يعني أنا أسميه مقلداً بطريقة متفتحة، وطبعاً هذا لا.. هذا لا يحصل إن لم يكن للشخص أرضية معناها في لغته مثلاً وفي ثقافته تؤهله في الحقيقة لكي يستطلع ما هو عند.. يعني ما هو موجود عند الآخرين.. الآخرين ويقتبس منه أو يقلده، فعلى هذا الأساس بينما مسألة التخلف الآخر -مع الأسف- لا تسمح بهذا التأهل، التأهل لكي نقلد بطريقة يعني تخدم مصالحنا في المقام الأول وليس لها انعكاسات علينا ربما تكون سلبية في الكثير من الحالات، بالنسبة للنقطة الثانية التي أشرت إليها.


هوية العالم الثالث والغزو الثقافي

خالد الحروب: الغزو الثقافي.

محمود الذوادي: ويبدو لي أنها مهمة جداً، لأنه في نظري أنا أن الكتاب يطرح يعني رؤية فكرية يعني تقول باختصار أن من.. يعني ما نسميه من لغة وفكر وعلم ومعرفة وثقافة عند البشر هي في الحقيقة بيت القصيد، يعني في تكوين الشخص في تكوين المجتمع، لماذا هي بيت القصيد؟ لأن .. يعني أنا في تحليلي وجدت أن الإنسان.. الإنسان يعني هو الوحيد الذي له اللغة والفكر والمعرفة والعلم والدين والقوانين، ok، وبالتالي يعني إن هوجمت هذه الأشياء التي هي المؤسسة يعني لكون.. لكينونة الإنسان أو لهوية الإنسان يعني إن وقع غزوها يعني غيرنا أو أبدلنا لغة.. اللغة الوطنية بلغة أجنبية وأبدلنا الفكر الوطني بفكر أجنبي فإن يعني هذا الغزو الثقافي يعني يكون قد أصاب يعني أهم ما هو موجود في الإنسان، ومن هنا يعني عندما أقول أنا أن الغزو الثقافي اللغوي الثقافي هو أخطر أنواع الغزو جميعاً، هو.. هذا ليس كلام أجوف، وإنما لأن هو معناها يرتبط كثيراً بـ.. في الحقيقة معناها بأن المكونات الأساسية لهوية الإنسان هوية العالم الثالث هي يعني تتمثل في الأمور، يعني مثلاً ما سميته أنا بالرموز الثقافية أو اللغوية، وطبعاً حتى نبقى مع.. مع النقطة هذه إحنا.. نحن نرى مثلاً أن ما أشرت إليه اللي هي أنت في عنوان الكتاب قضية هويات، يعني مواطني العالم الثالث، يعني بالتأكيد إن كانت اللغة والفكر والثقافة هي ليست وطنية، يعني إن كان المواطنون غير متشبعين في الأساس الأول وهذا ما تفعله بين قوسين يعني المجتمعات المتقدمة، هي تعطي لأبنائها وبناتها -حتى الثانوية على الأقل- الزاد اللغوي والثقافي معناه الوطنيين، وبعد ذلك تتفتح يعني عن الثقافات واللغات الأخرى، ومن هنا في العالم الثالث، في الكثير من المجتمعات التي هي لا تقوم بهذا، يعني بكل تأكيد معناها في.. في دراسات علم الاجتماع أن الهويات الثقافية هي في الحقيقة ليست متينة، يعني هناك مشاكل مع الهويات الثقافية.

خالد الحروب: مازلنا في مسألة الغزو الثقافي أسأل محمد أيضاً، يعني هناك ماتزال إشكالية في التعريف وفي التوصيف لهذا بين قوسين الغزو الثقافي، لأن يفترض طبعاً الغزو الثقافي إرادة من طرف خارجي يقتحم عليك الفضاء المحلي، ثم يفرض مثلاً أجندة خارجية أو رموز ثقافية مستوردة إلى غير ذلك، لكن ما نراه في العالم الثالث لا ينطبق تماماً على هذا التوصيف، وبذلك يفقد المضمون تعريفه، نرى هناك عملية محلية ذاتية رغبة في استدعاء هذه العناصر الثقافية من الخارج، ليس هناك غزو بالمعنى الدقيق للكلمة، هناك أيضاً مجتمعات عالم ثالثية ضعيفة ربما هشَّة لأسباب مختلفة هي.. هي يعني تشرئب بأعناقها إلى الخارج هذا وتريد أن.. أن تحضره برموزه وثقافته و.. و.. وكل ما يرتبط به.

د. محمد بن مريخي: نعم، والله الدكتور يعني له الحق وأنا أتفق معاه أن الغزو الثقافي قد يكون خطيرا نوعاً ما، لأنه يؤثر سلبياً على الهوية المحلية لأي مجتمع أو دولة، لكن ليس من.. ليس من العيب أن نفتح نوافذ لثقافات أخرى، العيب هو أن نسمح لها أن تقتلعنا من جذورنا، فلذلك التركيز على الهوية إذا كانت الهوية مبنية على أسس تأخذ بعين الاعتبار القيم، وكذلك الوازع الدينى الذي هو مهم جداً، كنت أود أن أرى الدكتور يتكلم مثلاً في كتابه عن الوازع الديني في الجزائر أو في تونس، لأن مقارنةً بدول عالم ثالث أخرى هذا ما يميزها عن الدول الأخرى، لأن الدين مثلاً في.. لو أخذنا الجزائر كدولة سيطر عليها الاستعمار وحاول أن يمحو هويتها الدينية وكل مقومات هويتها، لو لم يكن الدين مثلاً هو المسيطر على الهوية الجزائرية لما استطاع الجزائريون أن.. أن.. أن مثلاً يتخلوا عن استعمارهم، ما تلا ذلك هو مثلاً نوع.. يعني لأن الاستعمار كان أعنف وأشرس في الجزائر من تونس مقارنة بتونس وأن الشعب الجزائري كان على دراية بأن هدف المستعمر هو محو تلك.. تلك الهوية بعد الاستقلال كل السياسات التي تعاقبت على حكم الجزائر أرادت.. كانت الإرادة قوية جداً لاسترجاع تلك الهوية بنفس العنف وبنفس الإرادة التى حاول المستعمرون أن يأخذونها.. أن يأخذونها منهم، فلذلك يعني أتفق مع الدكتور فيما قاله في..

خالد الحروب: هذه.. هذه النقطة محمد يعني تنقلنا الحقيقة بطريقة أيضاً.

د. محمد بن مريخي: برجماتية.


توطين اللغة العربية والتعريب في الدول المغاربية

خالد الحروب: بطريقة معقولة إلى الفصل الثالث الذي يتحدث عن التعريب في الجزائر وهي قضية مهمة جداً، التعريب في الجزائر وتونس والمقارنة بين الحالتين وصمود رموز الدين الإسلامي بينما مثلاً أكثر بكثير من رموز اللغة العربية، ذكرت في الكتاب أنه كانت الهوية الدينية حافظت على نفسها، فيما الهوية اللغوية تعرضت لنوع من.. لنوع من الارتجاج فلنقل يعني والضعف، كيف ترى عمليتي التعريب في البلدين؟

محمود الذوادي: هو.. هو طبعاً في الفصل يعني الذي ذكرته هو.. هي محاولة في الحقيقة لقراءة كما ذكرت أنت في.. في مطلع هذه المناقشة أنها كيف أن أصحاب القرار في هذين المجتمعين، يعني كيف أن تكوينهم الثقافي واللغوي أثَّر كثيراً في مسألة التعريب في الجزائر وتونس، وطبعاً أنا قمت بالمقارنة هنا في عهدين يعني محددين وهما عهدا بومدين وبورقيبة، فطبعاً نحن نعرف أن هواري بومدين كان تكوينه زيتونياً ودرس في الأزهر، وبالتالي كان متحمساً كثيراً إلى القيام بمشروع التعريب في الجزائر، بينما بالنسبة لبورقيبة كان الوضع أقل، يعني بالنسبة للتحمس وغيره، ومن هنا يعني نرى أن تجربتي إذن التعريب في.. معناها في كلٍ من هذين المجتمعين لم تكونا بنفس الطريقة، ومن هنا يعني السؤال هنا أنه.. أن يعني التكوين الثقافي مثلاً في.. بالنسبة للقيادة التونسية في عهد بورقيبة لم يسمح -في الحقيقة – بالقيام بتعريب شامل وحاسم وسريع، بينما في الجزائر يعني.. يعني سُمح بذلك ونظراً يعني مثلما قلنا لأن القيادة الجزائرية طبعاً برئاسة هواري بومدين كانت قادرة في الحقيقة أن.. أن تذهب في الحقيقة في معاكس التيار المفرنس الذي كانت عليه الجزائر في ذلك الوقت.

خالد الحروب: يناقش – محمد – أو يقول بعض معارضي التعريب خاصة في.. في الحالة الجزائرية وأنت من الجزائر أنه العملية كانت فيها.. فيها قدر من التعسف، فيها قدر من الانقطاع الفجائي عن الارتباط الوثيق والقسري شئنا أم أبينا كان هنالك ارتباط مع.. مع فرنسا علمياً وتكنولوجيا وثقافياً وغير ذلك، وأن ذلك الانقطاع القسري هذا أثّر أيضاً على الجزائر تنموياً وعلمياً ومدرسياً وتعليمياً، ففي ضوء اللي ذكره الدكتور الذوادي عن تجربة التعريب في الجزائر وأيضاً من التجربة الجزائرية بشكل عام، يعني كيف.. ما هي ملامح الاختلال، ملامح النجاح والاختلال في تلك التجربة؟

د. محمد بن مريخي: والله أنا.. أنا في اعتقادي إنه التعريب.. حملة التعريب وحملة تعميم استعمال اللغة العربية في الجزائر نجحت نوعاً ما، نجحت إلى حدٍ أكثر مما.. مما قد لا.. لا يوافقنى فيه الآخرون، لأن أولاً حملة التعريب كانت تدريجية، بدأت بتعريب المؤسسات التربوية تدريجياً من الابتدائي إلى المتوسط ثم إلى الثانوي، ثم بعد ذلك خلال فترة معينة من الزمن يعني لم تتم بين عشية وضحاها.. وضحاها، ثم عُرِّبت الإدارة وعُرِّبت كل مرافق الحياة، ما أراه مطروحاً..

خالد الحروب [مقاطعاً]: ما هي حتى.. حتى يعني نُفصِّل أكثر في الحديث، يعني ما هي الشرائح مثلاً التي كانت مندفعة تجاه التعريب، وما هي الشرائح الاجتماعية التي كانت متحفظة؟ يذكر الدكتور -على سبيل المثال- عنهم مؤسسة الجيش مثلاً لم تكن متحمسة للتعريب، بينما مثلاً مؤسسة العلماء، مؤسسة المثقفين التقليديين كانت أكثر اندفاعاً.

د. محمد بن مريخي: والله أنا أظن إنه ذكر في الكتاب إن الجيش والقيادة كانوا مستعربين، يعني معربين، أظنه ذكر العكس.

خالد الحروب: أعتقد ذكرت إنه مؤسسة الجيش في الجزائر لم تكن متحمسة للتعريب في مرحلة من المراحل.

محمود الذوادي: لأ هو.. هو هذا يعني بالنسبة لمرجع من المراجع هذا كاتب فرنسي الذي كان يقوم بالإحصائيات، وقال أن في البداية أن الجيش يعني إما أنه لم يكن متحمساً أو كان في الحقيقة كان يعني غير مهتم كثير بالقضية، لكن نحن نعرف مثلاً أن بقيادة بومدين العسكري أن الجيش -يبدو لي- في المراحل الأولى يعني المتقدمة من.. من الاستقلال أصبح هو طبعاً متأثراً بالموقف..

خالد الحروب [مقاطعاً]: لا.. هو.. قيادة بومدين هذه القيادة السياسية الآن أسألك عنها سؤال تحديداً، لكن مؤسسة الجيش البيروقراطية العسكرية الأدنى مستوىً من ذلك لم تكن بنفس الاندفاع والحماس، لكن النقطة الأساسية هنا ويعني وحتى نسلط عليها الضوء اللي هي موقف القيادة السياسية، إذا كانت القيادة السياسية ومثلاً ما يتفرع عنها مما له وثيق صلة بعملية التعريب مثل وزارة التربية ووزارة التعليم العالي، الوزارات هذه.. هذه إذا كان توجهها عروبي، إذا توجهها نحو التعريب فهناك.. فهناك أثر ملموس، وأريد منك أن تذكر التجربة التونسية على وجه التحديد أنه ذكرت هنا في.. في المرحلة البورقيبية، والآن ثم ذكرت في.. في.. في مرحلة لاحقة إنه الوضع اختلف، الوضع اختلف عندما القيادة السياسية قررت أن تأخذ موضوع التعريب بشكل جدي، ما الذي حدث؟

محمود الذوادي: نعم، هو يعني بالنسبة للمجتمع التونسي، يعني مثلما قلنا أن في العهد البورقيبي وقعت بعض المراحل، لكن لم يكن هناك يعني زخم التحمس للتعريب، فالحقيقة بالنسبة للإدارة التونسية أن هناك قرار رئاسي في 1999 هو الأول في الحقيقة في.. في تاريخ المجتمع التونسي المستقل الذي يُنادي ويجبر -في الحقيقة- أن كل المراسلات معناها في الدوائر الحكومية على الخصوص لابد أن تكون بالعربية، ومن هنا إذن يعني.. يعني.. ابتداءً من 99 هناك يعني تحقيق إنجاز كبير على مستوى تعريب.. يعني الإدارات التونسية وهذه طبعاً تختلف عن المواقف التي كانت في العهد البورقيبي التي لم تكن قادرة أن.. يعني أن.. أن تقوم بمثل هذا القرار الحاسم بالنسبة لتوطين اللغة العربية في المجتمع التونسي بصفة عامة.


انعكاس الضغوط الاجتماعية على اللغة العربية والفرنسية في الدول المغاربية

خالد الحروب: إذا انتقلنا للفصل الآخر، الفصل الخامس والسادس وهو.. هما فصلان مثيران حقاً يعني، يتحدث عن اللهجات وعلاقة هذه اللهجات بالطرف الخارجي والاستلاب الثقافي الذي قد يُفهم أن استخدامها يعنيه، محمد أيضاً في.. من تجربتك ومن قراءتك لكتاب الدكتور محمود، هناك اتهام يسوقه الدكتور محمود إلى الذين يتحدثون الفرنسية بلهجة باريسية وخاصة الإناث يعني سواء في تونس أو حتى الجزائر، والحديث أنه هذا استخدام اللهجة الباريسية تحديداً عنده مدلولات تعني الخضوع أو الانسياق أو محاولة تقليد فرنسا.

د. محمد بن مريخي: والله أظن أن ذلك له بُعد ثقافي ويكمن في طبيعة المجتمع وقيّمه الداخلية، هو تقريباً نفس ما يقوله عن تونس يتطابق مع ما.. ما.. ما حصل في الجزائر وما يحصل هو أن كون المجتمع مجتمع أبوي أولاً تاريخيا حاول.. سأتكلم عن الرجال ثم أطبق ذلك على النساء، لأنه الجنسين لا يتكلمان الفرنسية بنفس الطريقة، عادات وتقاليد مجتمعنا تجعله مجتمع أبوي، ولذلك فإن مثلاً قبل.. إبان الاستعمار لما كانت فرنسا في الجزائر وفي تونس كان مثلاً الفرد لما.. لو تكلم الفرد في المجتمع الحضري ليس في المجتمع البدوي يجب أن نفرق، كان في المجتمع الحضري الفرد الشمال إفريقي يحاول أن يفرق بينه.. بينه وبين.. بين المواطن الأوروبي، مثلاً استعمال الـR مثلاً يقول (باري) ما يقولش (باغي) وكان هذا عن..

خالد الحروب: طب (الغو).. الغو هذه اللهجة الباريسية مثلاً اللهجة الباريسية.

د. محمد بن مريخي: الغو، أيوه اللهجة الباريسية، وكان يلوي.. يلوي حرف.. حرف الراء لما يتكلم باللغة الفرنسية، لأن ذلك يجعله يختلف عن.

خالد الحروب: يشدِّد عليه.

د. محمد بن مريخي: يشدِّد عليه كأنه يريد أن يقول للآخر وهو الفرنسي المتمدن معه في نفس المجتمع الحضري أني أختلف عليك، بذلك اقتبس نوع من الهوية التي يستعمل فيها اللغة الفرنسية كوسيلة للتعبير، وليس.. لم يعتبرها أنها أثرت على تحصيله الثقافي ومقوِّمات الثقافية.

فيما يخص الإناث مثلاً نظراً لطبيعة المجتمع كانوا مثلاً الكثير من النساء في شمال إفريقيا في تونس أو في الجزائر يتكلمن الفرنسية بطريقة أحسن من الرجال، يعني تكون أقرب من اللهجة الباريسية من معظم الرجال، وذلك لأن الرجل يرى في أن.. في استعمال (الآغ) نوع من الأنوثة، وهذا واقع يعني ممكن أنه يدل على حالة نفسية.

خالد الحروب: ما رأيك دكتور محمود، يعني إذن يعني الفرق في.. بين اللهجة الباريسية الناعمة واللهجة المتميزة عن اللهجة الباريسية أنه ذكورة وأنوثة وليست علاقة استلاب بالغرب الفرنسي أو علاقة خضوع له.

محمود الذوادي: لأ، يعني هو لابد أن ننظر في الحقيقة إلى.. إلى هذا الاختلاف اللي هو ربما يبدو بسيط تافه عند بعض الناس، على أن له في الحقيقة مدلولات يعني نفسية واجتماعية، يعني في الحقيقة إحنا عندما ننظر إلى تعامل المرأة المغاربية، وربما يعني نقصر حديثنا هنا عن المرأة التونسية والجزائرية، أن نجد أن تعاملها مع اللغة الفرنسية فيه نوع من الجاذبية، فيه نوع من الرغبة الكبيرة هذا لا يقتصر فقط على استعمالL’ accent Parisian) )، النبرة الباريسية أنا أسميها النبرة الباريسية، وإنما حتى في استعمالها لما نسميه بالفرانكوأراب اللي هو في الفصل السابق عن هذا، بمعنى أن المرأة التونسية المتعلمة على الخصوص، نجدها أنها تستعمل كثير من الكلمات وحتى أحياناً الجمل الكاملة بالفرنسية وهي تتحدث بالدارجة التونسية أكثر من الرجال، وأيضاً نجد يعني من الحاجات من.. من الأشياء الغربية أن المرأة طبعاً تحتفل بعيد ميلادها أو عيد ميلاد أبنائها.. أبنائها، يعني أكثر من الرجل بكثير، إذن عندما نرى هذه الأشياء كباحثين اجتماعيين لابد أن نحاول أن نقرأ يعني ما الذي في الحقيقة يسبب هذه الأشياء، و.. وبالتأكيد معناها أن.. أن هناك أسباب بما فيها طبعاً الجانب يعني أنا سميتها هناك الجانب الاجتماعي في هذه المجتمعات، مجتمعاتنا من ناحية هي فيها يعني بها الكثير من الأشياء التقليدية، البنى التقليدية، التقاليد، ها.. ومن ناحية أخرى هناك بعض.. يعني هناك رغبة أيضاً في التحديث، ومن هنا المرأة تجد نفسها أحياناً لا تستطيع أن.. أن تعيش التجربة الحداثية مثل زميلها الرجل في هذا المجتمع، وبالتالي هي إذن يعني تذهب إلى الرموز الثقافية هذه هي الذي أنا يعني سميتها نوع من الاحتجاج السلمي، يعني هو عبارة عن احتجاج سلمي أمام الرجال باستعمال أكثر للكلمات الفرنسية (L’ accent Parisian) لأسباب أساساً اجتماعية ونفسية وتعيشها المرأة..

خالد الحروب [مقاطعاً]: يعني هي تتعرض لضغوط، ضغوط ذكورية، وضغوط اجتماعية وضغوط مختلفة، فاستخدام هذه اللهجة لهجة الآخر البعيد الذي تظن أنه مثلاً أكثر تفهماً لوضع المرأة، أكثر حباً لها، أكثر احتراماً لها، هو عملية غير مباشرة للانعتاق من هذا الوضع الضاغط الذي تعيش فيه، لا أدري شو.. هل هناك تعليق عند محمد حول هذه النقطة تحديداً يعني مازلنا فيها حتى نختم في هذا التعليق.

د. محمد بن مريخي: والله مو.. مو كاد أن يكون نوع من.. من الاستفزاز النفسي للرجل.

خالد الحروب: عفواً.

د. محمد بن مريخي: كاد أن يكون نوع من الاستفزاز النفسي للرجل، لأن المرأة تفرض.. تحاول في شمال إفريقيا ذات شخصية قوية حقيقة، وتحاول أن تفرض.. تفرض نفسها في جميع المجالات عن طريق ما تعتقده أنه تمدن، لكن في بعض الأحيان يختلط الحابل بالنابل وما أعتقد أنه تمدن أحياناً يثير بعضاً من الجدل من الناحية الأخلاقية، فيعني إذا كان ذلك يكمن في استعمال اللغة باللهجة الباريزية أو استعمال أكثر الفرنسية من العربية، فذلك لا.. لا يضر أحد يعني.

خالد الحروب: طب ماذا عن قصة استخدام الشتائم دكتور محمود؟

محمود الذوادي: الدعاء على الآخرين.

خالد الحروب: أيوه، يعني الدعاء على الآخرين والشتائم البذيئة، ذكرت هنا أيضاً يعني في.. في أحد فصول الكتاب في الفصل الخامس.

محمود الذوادي: نعم الفصل الخامس.

خالد الحروب: إنه يعني استخدامها مثلاً في سياقات شعبية وبطريقة أحياناً بذيئة عندها مدلولات اجتماعية و.. وترتبط أيضاً بمفهوم التخلف الآخر الذي هو الإطار التفسيري الكلي لكل هذه الأطروحة.

محمود الذوادي: نعم، لا هو يعني عندما نفحص.. نفحص في الحقيقة خطاب الدعاء، لأن هناك خطاب الدعاء أنه الدعاء عندما..

خالد الحروب: الدعاء يعني الدعاء على الفرد.

محمود الذوادي: أيه، الدعاء على الفرد يعني معناها بالشر عليه.

خالد الحروب: يعني أعطينا مثال حتى أيضاً المشاهدين يعني يتابعونا في .

محمود الذوادي: يعني عندما نقول مثلاً يعني في.. في مثال تونسي يقولوا: الله يهلكه، الله معناها يهلك هذا الشخص، هذا طبعاً نوع من الدعاء، طبعاً الملاحظة الأولى أن هذا النوع من.. من الخطاب الدعاوي هو أولاً ينتشر أكثر بين.. بين النساء، يعني هذه الملاحظة الأولى، لكن هناك يعني الحالة الاجتماعية عند النساء اللي هي تؤهلهن -معناها- أكثر للاندراج في هذا، لماذا؟ لأنه مثلاً أحياناً، يعني نجد مثلاً أن المرأة عندما لا تستطيع أن تغير الأشياء بأم يدها فهي تلوذ إلى بعض الأشباح الخيالية سواء كانت يعني غيبية أو غير غيبية..

خالد الحروب [مقاطعاً]: لكن ألا نفعل ذلك جميعاً يعني، سؤالي الحقيقة: كيف يرتبط.. كيف يرتبط هذا النمط الشتائمي وتبادل الشتائم، الدعاء أو غيره بمفهوم التخلف الآخر.. التخلف اللغوي والثقافي والنفسي؟ وقد يقول قائل إنه هذا مجرد ممارسة عادية موجودة عند كل شعوب الأرض المتقدم منها والمتحضر والمتخلف وغير المتخلف موجودة في بريطانيا، موجودة في أوروبا، موجودة في أميركا، الطريف في الموضوع أن هذه الشعوب بين قوسين ( المتقدمة) هي أكثر الشعوب بذاءة في الحديث اليومي.

محمود الذوادي: أيه.. لكن، لأ، هناك يعني هنا لابد أن نميز من حيث يعني استعمال الكلام البذيء، هذا موجود في.. لكن الكلام يعني الدعاوي، البذيء هو طريقة مختلفة، أنا مثلاً يعني لا في كندا ولا في أميركا رأيت هذه الظاهرة بين النساء أنه مثلاً نساء معناها يدعين يعني على أبنائهن بالشر، يعني لم أر هذه الظاهرة، شايف أم لأ؟ ومن هنا يعني الظاهرة يعني لابد..

خالد الحروب: إذن نحتاج إلى..

محمود الذوادي: أيه.. أن نرجعها إلى يعني الظروف الاجتماعية، وطبعاً في الفصل هذا الظروف الاجتماعية أنه فيه يعني وقت معناها، فيه.. فيه ظروف مثلاً الجهالة، والمرأة كانت متقوقعة في المنازل وليس لها في الحقيقة معرفة معناته.. كثيرة.

خالد الحروب: أي نعم، دكتور محمود خليك إذا سمحت لي تظل معنا دقيقة بس أسمع تعليق محمد على هذه النقطة، يعني نقطة هذا.. يعني المغزى.. مغزى الشتيمة في.. في هذه المجتمعات، وإلى أي مدى ممكن أن نفسره؟

د. محمد بن مريخي: والله أنا لا.. لم .. لم أكن على دراية بأنها ظاهرة في تونس كشخص نشأت وترعرعت في.. بين أحضان الجزائر، لاحظت أن ما يقوله الدكتور صحيح، لكن متواجد كثيراً في.. في الأسواق أو في مثلاً في.. في لما تكون حالة.. حالة.. حالة تضارب بين الأشخاص يلجأ الآخر إلى شتم الآخر بتلك الطريقة، لكن عادة الناس المتقدمين في السن هم الذين يلجئون لذلك يعني تلك الهيكلة في الكلام.

خالد الحروب: يا سيدي.

د. محمد بن مريخي: فحقيقة..

خالد الحروب: مع شديد الأسف انتهى وقت البرنامج وإلا كان هناك نقاط أخرى نود مناقشتها، وأعزائي المشاهدين، أشكركم على متابعتكم معنا جليس هذا اليوم الذي كان كتاب "التخلف الآخر وأزمات الهويات الثقافية في العالم الثالث" من تأليف البروفيسور محمود الذوادي ضيفنا وأستاذ علم الاجتماع والدراسات العليا في الجامعة التونسية، فشكراً له على تكرمه بالوجود معنا هنا، وأشكر كذلك الأستاذ محمد بن مريخي ( الباحث الجزائري المقيم في مانشيستر في بريطانيا)، وعلى أمل أن نجالسكم في الأسبوع المقبل مع جليس جديد هذه تحية من فريق البرنامج ومني خالد الحروب، ودمتم بألف خير.

المصدر : الجزيرة