كتاب ألفته - مقتنيات وسط البلد - صورة عامة
كتاب قرأته/كتاب ألفته

مقتنيات وسط البلد لمكاوي سعيد

تتناول الحلقة كتاب “مقتنيات وسط البلد” للروائي المصري مكاوي سعيد، هو كتاب يعبر عن حالة أدبية خاصة جدا تنقسم إلى قسمين: الأول عن البشر والثاني عن المكان.

– رواية عن وسط القاهرة.. أهلها وأماكنها
– الرواية التأريخ.. الرواية المرآة

رواية عن وسط القاهرة.. أهلها وأماكنها

عمار علي حسن
عمار علي حسن

عمار علي حسن: كتاب "مقتنيات وسط البلد" للروائي المصري مكاوي سعيد الصادر عن دار الشروق سنة 2010، هو كتاب يعبر عن حالة خاصة جدا هي ليست قصصا بالمعنى التقليدي وليست رواية كاملة ولا يمكن في الوقت نفسه أن نطلق عليه بورتريهات، لكنه هو حالة أدبية خاصة تنقسم إلى قسمين الأول عن البشر والثاني عن المكان، يؤرخ في هاتين الحالتين مكاوي سعيد لوسط القاهرة أو قلب العاصمة المصرية هذا القلب التاريخي الذي حمل الثقافة المصرية الفن المصري إلى مقاهي القاهرة ومنتدياتها ومسارحها هو محور اهتمام مكاوي سعيد باعتباره أحد الكائنات التي تتحرك في هذا الحيز الجغرافي المهم جدا. مكاوي سعيد في روايته "تغريدة البجعة" التي وصلت إلى القائمة القصيرة للبوكر في دورتها الأولى كان عالمه يدور أيضا في وسط القاهرة، لكن في كتاب "مقتنيات وسط البلد" ينحو نحوا خاصا جدا فهو يتحدث عن بشر من المهمشين في الثقافة المصرية ممن كانوا يرتادون المقاهي يجالسون من بعيد نجيب محفوظ ويوسف إدريس ويحيى الطاهر عبد الله وأحمد فؤاد نجم، لا أحد يجرؤ أن يقترب منهم والبعض يجرؤ ويحاول أن يقتحم عالم هؤلاء الأدباء العظام من أدباء المهمشين غير متحققين. مكاوي سعيد يرصد في نحو 41 شخصية في هذا الكتاب قصصا من قصص مهمشي الثقافة المصرية الذين عبروا بسلام عن الحالة الثقافية ولم يتركوا علامات كبيرة أو مضيئة، بعضهم تغير تغيرا كاملا بعضهم حافظ على سمته وحافظ على وجوده وحافظ على حياته وطقوسه حتى النهاية، وبذلك نستدل من هذا الكتاب على أن البشر قابلون للتغير، البعض يبدأ مناضلا وينتهي عميلا، البعض يبدأ خانعا وينتهي مقاوما، البعض يبدأ شرسا في مواجهة السلطة وينتهي منكسرا أمامها انكسارا كاملا، هؤلاء جميعا يرصدهم مكاوي سعيد بعضهم مصريون بعضهم عرب بعضهم قادم من الريف بعضهم ابن المدينة لكن ما يجمعهم هو الجلوس في مقاهي وسط القاهرة بارات وسط القاهرة مسارح وسط القاهرة وسينمات وسط القاهرة، هذا عن البشر في هذا الكتاب. أما عن الأماكن فهو يتبع طريقة جديدة في رصد الأماكن يؤرخ للشوارع للميادين للمقاهي للحارات للبارات للسينمات للمسارح للمطاعم لكل هذا ويكتب عن كل منها نبذة هذه النبذة مكتوبة بشكل قصصي أدبي فياض يثبت بدليل واضح أن الأدب هو تاريخ من لا تاريخ له، فإذا كان المؤرخون يكتبون تاريخ السلاطين فإن الأدباء يسجلون تاريخ الناس البشر الآدميين المتعبين الذين يدبون في الشوارع الخلفية ويصنعون الحياة، هؤلاء هم الذين التقطهم مكاوي سعيد بنظرة فنان ثاقبة وقلم رشيق جدا وسجل كل هؤلاء بعضهم بأسماء مستعارة بعضهم أصر أن يكتب اسمه الحقيقي لكن في النهاية جميعا هم بشر حقيقيون، ربما من خيال الأديب أضاف بعض الحبكة القصصية على هذه الشخصيات أو تلك البورتريهات لكن لها ظل كبير في الواقع بما يثبت أيضا أن الأدب مرآة تعكس واقعا وتضيف إليه وتخلق أيضا عالما موازيا.

الرواية التأريخ.. الرواية المرآة


عمار علي حسن: مكاوي سعيد يقول إنه قد التقط ستين شخصية وكان من الممكن أن يضيف أيضا إليها إضافات أخرى ولكنه اكتفى في هذا الكتاب -الذي نفدت طبعته الأولى بسرعة شديدة- بـ 41 شخصية ربما يعود كما قال في بعض حواراته -كما قال لي أنا شخصيا- إلى إضافة لشخصيات أخرى وإلى إضافة لأماكن أخرى الكنائس المساجد دور العبادة المعابد اليهودية حتى في وسط القاهرة حتى يصبح هذا الكتاب هو تأريخ لوسط القاهرة هذا الوسط الذي أبهج أديبا مثل علاء الأسواني فأنتج رواية "عمارة يعقوبيان" تلك العمارة أيضا التي لفتت إلى معمار القاهرة هذا المعمار الذي يراد الآن تشويهه يراد جرحه يراد الجور عليه من قبل طبقة جديدة رأسمالية متحكمة تريد أن تسيطر على هذا المكان بأموالها وتغير معالمه، وهنا تصبح مهمة كتاب مكاوي سعيد أنه يحافظ لنا على هذه المعالم القديمة حتى تصبح ليست فقط أثرا لكنها أمام رؤية العين تخلق رغبة عارمة لدى الناس بأن تحافظ على هذه القاهرة التي كانت لها طقوس جميلة وكانت حتى العقود التي تبرم بين المؤجرين وبين أصحاب العمارات تفرض على الساكنين سلوكا معينا، لا يشغل البيانو مثلا في وقت القيلولة لا يضع ملابسه في الشرفة ولا يضع زهريات الورد أيضا في الشرفة لا يجلس عاريا أو شبه عار في.. هذه الطقوس الجميلة التي كانت تحكم علاقة السكان في القاهرة والتي انتهت الآن.


المعلق: يتحدث مكاوي سعيد عن مقهى الحرية الذي "أنشئ عام 1936 على أنقاض منزل الزعيم أحمد عرابي باشا في ميدان باب اللوق (الفلكي سابقا)، وتم تسميته بمقهى الحرية لدلالة ذلك الاسم في عام 1936 وشجنه المخضب بدماء الشهداء وأصوات ملايين الرجال والشيوخ والنساء الذين هتفوا طويلا للحرية، والمكان لا يزال يفوح به أريج التاريخ فورثته لم يضيفوا إليه جديدا ولا تزال مرايا المقهى عليها إعلانات المياه الغازية التي كانت تباع في الأربعينيات، وقد حمى هذا المكان من استيلاء الرأسماليين الجدد عليه أن عدد الورثة كبير جدا يصل إلى 52 والملايين الكثيرة التي ستدفع مقابله بعد تقسيمها عليهم ستصل إليهم بضعة ألوف بينما ما يحصلون عليه يوميا يرضيهم"


عمار علي حسن: مكاوي سعيد من الروائيين الذين يجلسون في صمت ويراقبون الناس فهو التقط الشخصيات التي يعرفها عن كثب والتي يستطيع أن يرسم معالمها باقتدار فمن الطبيعي أن تكون هذه الاختيارات انتقائية اختيارات تخصه، أما الأماكن فهو حاول بقدر الإمكان أن يؤرخ لجميع الأماكن سواء تلك التي كان يرتادها أو التي لم يذهب إليها قط.


المعلق: تحدث المؤلف عن "شارع قصر النيل وهو من أقدم وأعرق شوارع وسط المدينة وقد تم إنشاؤه بتكليف من الخديوي إسماعيل عام 1882 وقد احتفظ شارع قصر النيل باسمه دون تغير منذ تاريخ إنشائه حتى اليوم، وجاء اسم قصر النيل لكل من الشارع والكوبري الذي بني عام 1872 على اسم السرايا التي بناها محمد علي باشا لابنته نازلي هانم على ساحل النيل ثم هدمها سعيد باشا ليبني محلها ثكنات الجيش المصري التي استخدمها فيما بعد جيش الاحتلال البريطاني، وفي عام 1950 تم إزالتها وبناء مبنى جامعة الدول العربية ثم فندق هلتون ومبنى الاتحاد الاشتراكي الحزب الوطني حاليا في موقعها".