هل يشير سحب إسرائيل جل قواتها من غزة إلى تحول في الحرب؟
أكد خبراء أن سحب إسرائيل معظم قواتها العسكرية من قطاع غزة مع دخول الحرب شهرها السابع يحمل دلالات كبيرة، رغم تأكيدهم في الوقت عينه أن جيش الاحتلال سيواصل عمليات توغل محدودة وصفوها بالخاطفة والجراحية.
وفي هذا الإطار قال الباحث السياسي والإستراتيجي سعيد زياد، إن ما حدث يمكن وصفه بنقطة تحول بعدما بلغ الإنهاك مبلغه من جيش الاحتلال ودفعه بـ6 فرق عسكرية بشكل كامل داخل غزة قبل تقليصها تواليا.
وأوضح سعيد -خلال حديثه لبرنامج "غزة.. ماذا بعد؟"- أن حالة اليأس تسللت لقلوب قادة الفرق والألوية بجيش الاحتلال إذ لم تفضِ عملية خان يونس لأي انتصار حقيقي أو تكتيكي، ولم تقضِ على عدد كبير من المقاومين أو الأنفاق، مستدلا بالعمليتين الأخيرتين في حي الأمل والزنة، كما أن مواصلة إطلاق الصواريخ يحمل رسالة بالغة الدقة.
وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي يخشى أن يُجر إلى معركة استنزاف في خان يونس، متوقعا أنه لن يعيد الهجوم الواسع على المدينة بسبب خوفه من التورط بحرب استنزاف طويلة.
بدوره، يؤكد الخبير العسكري والإستراتيجي العميد المتقاعد إلياس حنا، أنه في كل حرب هناك نقطة ذروة تصل معها أي عملية عسكرية إلى مردود سيئ، مبينا أن التقليص المستمر لقوات الاحتلال داخل غزة لا يؤدي إلى نجاح إستراتيجي خاصة في ظل التضارب بين الشقين العسكري والسياسي في إسرائيل.
وشدد على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مأزق شديد بعدما شدد مرارا على أن استعادة الأسرى المحتجزين لن يتم سوى بالضغط العسكري.
ولم يغفل الخبير العسكري أسبابا أخرى مثل الرغبة في إراحة القوات، والانتباه إلى الضفة الغربية، والاستعداد لجبهة الشمال مع لبنان، إلى جانب تطورات اليمن والبحر الأحمر.
وقال حنا، إن انسحاب الفرقة 98 من دون أن تحقق أهدافها العسكرية يمكن وصفه بالأمر الكبير، "فلا يمكن قياس النجاح في الحرب مع فصائل مسلحة مثلما يحدث مع الجيوش النظامية"، واستدل بتصريحات الاحتلال بأنه تفاجأ بقدرات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وشبكة أنفاقها.
ولفت إلى أن انسحاب الاحتلال يعني أنه أصبحت للمقاومة القدرة على الحركة وبمساحة أكبر، إضافة إلى القدرة على إعادة التنظيم والتخطيط والاستطلاع، كما يمكنها أن تقدم على عمليات حتى داخل غلاف غزة.
تضارب في تسويق الانسحاب
من جانبه، سلط الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين الضوء على التضارب داخل إسرائيل في تسويق الانسحاب من خان يونس، مشيرا إلى وجود عدة معسكرات تدير هذه الحرب، وكل منها يفسر الانسحاب وفق نظريته وتطلعاته.
واستحضر جبارين نظرية الثمن والمردود؛ إذ بات واضحا أن وجود الاحتلال في غزة لا يعطي المردود المطلوب مقابل الثمن الذي يدفعه، مستحضرا أرقاما أعلنها وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت حول قتل أعداد كبيرة من مقاتلي حماس ثم اعتراف جيشه بأرقام أقل بعد شهرين ما يشير إلى حجم التضارب بالأرقام والمعطيات.
ولفت إلى أن جيش الاحتلال يحارب -منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول- من أجل بناء العقد الاجتماعي والسمعة التي هدمت في المنطقة، مؤكدا أنه يقاتل من أجل الانتقام ولا توجد لديه إستراتيجية "لذلك هناك حاجة ماسة للخروج وإعادة تنظيمه البنيوي وإستراتيجيته داخل الميدان".
ونبه إلى أنه قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول كانت هناك مخاوف جدية في الشارع الإسرائيلي تتعلق بكيفية إدارة تل أبيب أي حرب في ظل الانقسام السياسي الحاد وانعكاسه على الجيش.
وبحسب جبارين، فإن الدولة العميقة في إسرائيل التي تدير معركة الانتقام تعتقد أن الإطاحة بحماس لن تكتمل سوى بالإطاحة بنتنياهو، ومن ثم العودة لإتمام معالم الحرب في صورة نصر، وفق قوله.
شكل الحرب بعد الانسحاب؟
وحول المشهد الميداني المستقبلي، يرى حنا، أن الاحتلال سيعمد إلى تقطيع القطاع إلى 3 أقسام لمنع التواصل الجغرافي وعودة النازحين.
ولفت إلى أن الجيش سوف ينسحب إلى المنطقة العازلة وسيقوم بعمليات خاصة وخاطفة مثلما حدث في حي الزيتون شرقي غزة ومجمع الشفاء غربي المدينة، لكنه شدد على أن المقاومة باتت لها مساحة كبرى للقيام بعمليات خاصة.
بدوره، يعتقد الباحث سعيد زياد، أن عمليات الاحتلال الجراحية الميدانية سوف تستمر مع اختلاف شكلها، "لكن المستوى المنخفض من القتال لن يحقق أي شيء من أهداف الحرب، فما لم تحققه إسرائيل في ذروة هجومها وبطشها لن تحققه بهذه الوتيرة".
ومن المتوقع أن تعيد المقاومة صفوفها وقواتها بشكل عاجل وبقوة لخوض معارك أكثر قسوة، وكذلك على صعيد الكمائن والعمليات الهجومية ومديات الصواريخ حتى تل أبيب، وفق زياد.