في ظل الاختراق الروسي والصيني.. هل تنجح إستراتيجية ماكرون في استعادة نفوذ فرنسا في أفريقيا؟

رأى سياسيون وخبراء -في حديثهم لبرنامج "سيناريوهات" (2023/3/16)- أن فرنسا تواجه معضلة في إثبات صدق نواياها لاعتماد إستراتيجية جديدة في العلاقة مع الدول الأفريقية، وتأكيد أنها تؤسس لشكل جديد من العلاقة، لا تسعى من خلاله لاستعادة وصايتها على القارة السمراء، خاصة مع الاختراق الاقتصادي الصيني، والعسكري الروسي.

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زار مطلع الشهر الجاري 4 دول أفريقية، وذلك بعد يومين من خطاب مطوّل ألقاه في الإليزيه، كشف فيه إستراتيجيته الجديدة لما أسماه: علاقة أكثر توازنا وانسجاما مع احتياجات وأولويات الدول الأفريقية. فما ملامح تلك الإستراتيجية، وهل تعكس تغيرا حقيقيا في شكل العلاقة؟

ويريد الرئيس ماكرون، بحسب مراقبين، طي صفحة الماضي والانتكاسات التي عانت منها بلاده في منطقة الساحل الأفريقي، معتمدا في ذلك على القوة الناعمة لإصلاح صورة بلاده الآخذة في التدهور، ولا سيما في أوساط الجيل الجديد من ساسة القارة الأفريقية وشبابها.

إعادة هيكلة

وعن مدى قدرة فرنسا على استرجاع نفوذها في القارة السمراء، يرى عضو البرلمان التشادي وبرلمان عموم أفريقيا البروفيسور محمد النظيف يوسف، أنه لا بد من هيكلة جديدة للعلاقات بين فرنسا وأفريقيا، في ظل إتجاه حقيقي من باريس لتقلص نفوذها الذي يرجع لعدم تناسب شكل الهيمنة الفرنسية السابقة مع المتغيرات والمستجدات هذه الأيام.

وأرجع ضرورة ذلك إلى أن أفريقيا باتت تقوم على أجيال جديدة لا تملك الارتباط الوجداني والثقافي مع فرنسا، كما كان عليه الحال مع الأجيال التي عاشت فترة الاستعمار، في ظل الانفتاح مع الثقافات الأخرى الموجودة في العالم.

وشدد على ضرورة أن إعادة الهيكلة المطلوبة لعلاقات الطرفين لا بد أن تكون مبنية على الندية، لافتا في ذات الوقت إلى أن الانفكاك الاقتصادي يحتاج إلى ترتيبات قوية وجاهزية حقيقية من الدول الأفريقية لذلك، كما أنه لا بد لفرنسا من الحرص على اكتساب نخب جديدة تمثل الأجيال الجديدة في القارة.

نظرة متغيرة

بدوره، يرى الكاتب الصحفي منصف السليمي أن المعضلة التي تواجهها فرنسا في محاولة استعادة نفوذها بدول أفريقيا، تتمثل في تغير نظرة ساسة تلك الدول لفرنسا، والذي جاء نتاج ما يحدث فيها من تطور على مختلف المستويات، وكذلك حضور نفوذ دول أخرى منافسا للنفوذ الفرنسي.

ورأى أن هناك فجوة كبيرة بين تطلعات فرنسا وواقع الأمر الذي يعكس في عمقه معركة وجود تخوضها باريس من أجل بقائها في القارة، مستبعدا قدرة فرنسا على استعادة نفوذها، كونها لم تقم بنقد عميق لسياساتها السابقة، يتضمن اعتذارا عن الفترات الاستعمارية التي مضت، وهو الأمر الذي لم يشعر معه الأفارقة بحدوث تغيير عميق في نظرة فرنسا لهم.

وأشار إلى أن عددا من الدول الأفريقية بدأت تتمرد على النفوذ الفرنسي من الناحية العسكرية والاقتصادية، وهو مؤشر غير إيجابي يتعين معه البحث عن صيغ جديدة للعلاقة دون القفز للأمام.

مرحلة جديدة

في المقابل، يؤكد رئيس لجنة الدفاع في البرلمان الفرنسي توما غازيو أن خطاب ماكرون الذي ألقاه في الإليزيه ينطلق من رغبة في مرحلة جديدة، تقوم على إصلاح الشراكة مع دول أفريقيا، وتغيير موقفها السابق بالانسحاب من الخطوط الأمامية، والاستجابة لطلبات تلك الدول.

وقال إن هناك عملا كبيرا يتم بين فرنسا ودول أفريقية، وسعي صادق من باريس بدأ منذ عام 2017، بدأت تظهر آثاره وإن لم تتحقق جميع نتائجه المرغوبة، مشيرا في هذا السياق إلى ما تم من مراجعات مع الجزائر وروندا، أدت إلى اعتراف عادل بمسؤولية كل طرف عما هو مسؤول عنه في علاقاتهما السابقة.

جدير بالذكر أن ماكرون شرع مع بدء فترة ولايته الثانية في إعادة ترتيب أوراق سياساته الخارجية، ومن ذلك العلاقات مع البلدان الأفريقية، وأعلن ملامح رؤيته الجديدة التي يمكن تلخصيها في نقاط منها تقليص عدد القواعد العسكرية الفرنسية، وتحويل بعضها إلى أكاديميات عسكرية لتدريب الجنود الأفارقة، وخفض عدد الجنود الفرنسيين في عدد من دول القارة، وتقوية الروابط الاقتصادية والثقافية.

المصدر : الجزيرة