في مقر للرصد وتحليل المعلومات أواخر ديسمبر/كانون الأول 2004، كان العشرات من خبراء جهاز الموساد وضباط الوحدة 8200، يعيدون لساعات طويلة مشاهدة فيلم قصير أعده حزب الله داخليا عن ذكرى اغتيال القائد غالب عوالي (اغتيل في يوليو/تموز 2004)، يظهر فيه الأمين العام للحزب حسن نصر الله وقلة من الأشخاص. صرخ أحد الضباط "هذا هو.. هذا هو موريس".
لم يكن "موريس"، هذا الذي ظهر وجهه لأجزاء من الثانية في الفيلم سوى الاسم الرمزي الذي يطلقه الموساد على عماد مغنية القائد العسكري في حزب الله الذي حيّر أجهزة الأمن الإسرائيلية لسنوات طويلة، ولا يملكون له سوى صورة وحيدة وهو في بيروت بعمر 22 عاما.
بدا لضباط الموساد في الغرفة أنهم عثروا على كنز عظيم في لقطة لأجزاء من الثانية في الفيلم. كان مغنية بالنسبة لهم مجرد شبح لا يمكن العثور عليه. وساد اعتقاد لديهم أنه أجرى عمليّات لتغيير ملامح وجهه كي لا تتمّكن الموساد وأجهزة الاستخبارات من التعرّف إليه.
مثل كل عملياتها لم تعترف إسرائيل رسميا باغتيال مغنية، -وكذلك الولايات المتحدة-، جاءت السردية الإسرائيلية أقرب إلى تسريبات استخباراتية في كتاب الصحفي الإسرائيلي رونين بيرغمان "انهض واقتل أولا، التاريخ السري لعمليات الاغتيال الإسرائيلية المستهدفة" الصادر عام 2018 مشوبة بمبالغات كثيرة ومعطيات غير مقنعة أحيانا، لكنها تتقارب مع معلومات أخرى وردت في مجلة نيوزويك وصحيفة واشنطن بوست الأميركيتين عام 2015 بناء على مقابلات مع مسؤولين في "سي آي إيه " خططوا لعملية الاغتيال أو شاركوا فيها.
البحث عن شبح
بالنسبة للموساد، كان ملف عماد مغنية الضخم يفتقر لمعلومات مهمة ويخلو من خيوط تقود إلى معرفته. تعقبوا آثاره طويلا دون جدوى. تصفه تقاريرهم بأنه رجل شبح، شديد الذكاء، شديد الحرص ذو عقل منظم ومرتب، موهوب بالفطرة ويتمتع بقدرات عسكرية وأمنية عالية، ويملك قدرة على التخطيط والضبط والربط. بدت تلك الصورة الغائمة في الفيلم لرجل ملتح يلبس نظارة وفي منتصف الثلاثينات من عمره مفتاحا أوليا لحل الطلسم.
لم يكن بمقدور أحد أن يجده، حسب رونين بيرغمان كان "مغنية عبارة عن شبح. فهو يدرك أن وكالات الاستخبارات الغربية تستثمر موارد هائلة لتحديد مكانه، لذلك، كرّس جهوداً ضخمة لتفادي الاعتقال، فضلا عن اتباع تدابير قصوى لضمان أمن اتصالاته".
بدا الأمر في لانغلي مقر الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) أكثر حرجا. كان ضباطها وعملاؤها يبحثون دون هوادة عن أي أثر لعماد مغنية، المصنف في أعلى قوائم الإرهاب الأميركية.
خلت ملفاتهم عنه أيضا من أي معلومات مفيدة أو جديدة، سوى صورة قديمة لمن يفترض أنه هو، وقائمة اتهامات كثيرة مزعومة على رأسها تفجير مبنى السفارة الأميركية ببيروت في 18 أبريل/نيسان 1983، الذي قتل فيه 63 شخصا، بينهم "روبرت أميس"، أحد أهم وأكبر ضباط "سي آي إيه" في الشرق الأوسط، وكان مقتله ضربة موجعة "للسي آي إيه".
نُسبت لمغنية أيضا عملية اختطاف وقتل رئيس محطة "سي آي إيه" في بيروت ضابط المخابرات المخضرم ويليام باكلي- الذي توفي لاحقا في السجن-، بالإضافة إلى تفجير مقر مشاة البحرية الأميركية والجنود الفرنسيين ببيروت في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 1983 وقتل فيها 241 جنديا من المارينز و58 جنديا فرنسيا، وكذلك اختطاف طائرة الخطوط الجوية الأميركية "تي دبليو أي" عام 1985.
لم تعثر وكالة المخابرات المركزية ولا مكتب التحقيقات الفدرالي على أي خيط يقود إلى مغنية أو زميله فؤاد شكر، كانت هناك أيضا قيود ومحاذير قانونية تتعلق بتنفيذ الاغتيالات، فمنذ عام 1975 حظرت الولايات المتحدة عمليات الاغتيال السياسي بعد أن أصدر الرئيس جيرالد فورد (1974-1977) أمرا تنفيذيا "لا يجوز بموجبه لأي موظف حكومي أميركي الانخراط في الاغتيالات السياسية أو المشاركة في التخطيط لها" والذي وسعه الرئيس السابق رونالد ريغان (1981-1989) بالأمر رقم 12333 ليشمل الحظر كل عمليات الاغتيال.
في عام 2007، وافق الرئيس جورج بوش الابن (2001-2009)، بعد أن أقنعه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "إيهود أولمرت"(2006-2009) على توسيع نطاق التعاون بين "سي آي إيه" والموساد في تنفيذ عمليات اغتيال مستهدفة، تبقى في النهاية سرية، ولا يعلن عنها، وبذلك دخلت الولايات المتحدة في دائرة الاغتيالات وحرب الأشباح التي كانت اختصاصا أثيرا للموساد.
لم تكن هناك أي ضوابط بالنسبة للموساد، فقد كانت الاغتيالات "المستهدفة" عقيدة أمنية إسرائيلية وصهيونية منذ اغتيال الوسيط الأممي في فلسطين فولك برنادوت عام 1948. ونشطت لاحقا حرب الاغتيالات ضد الناشطين وقادة حركات المقاومة الفلسطينية- وحتى العلماء والمفكرين والأدباء – خصوصا بعد أن أمرت غولدا مائير (رئيسة الوزراء بين 1969 و1974) عام 1972 بتنفيذ عملية "غضب الرب" وإنشاء فرقة كيدون (الرمح) لتصفية قادة منظمة أيلول الأسود الفلسطينية والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ردا على عملية ميونيخ، وطالت التصفيات لاحقا كل من يعمل ضد إسرائيل.
نفذت الموساد عمليات اغتيال كثيرة، وفشلت مرات كثيرة، كان الهدف القضاء على إرادة المقاومة عبر القتل المستهدف لزعمائها ورموزها وقادتها الألمعيين من كل الفصائل والاتجاهات. وكان القائد العسكري لحزب الله الراحل عماد مغنية لسنوات طويلة منذ أوائل الثمانينيات في أعلى لائحة المطلوب تصفيتهم.
نسبت إليه عمليات موجعة ضد إسرائيل بينها خطف جنديين عام 2006، ومزاعم بتنفيذ تفجيرات ضد مصالح إسرائيلية في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس عام 1985. كان عماد مغنية هدفا أعجز الموساد لسنوات، وأصبح قضية شخصية لرئيس الموساد مائير داغان (1945-2016) بعد أن عينه رئيس الوزراء أرييل شارون (بين2001 و2006) مديرا لجهاز الموساد. يقول الكاتب رونين بيرغمان في كتابه " انهض واقتل أولا" إنه: "منذ اللحظة التي تولى فيها مائير داغان قيادة جهاز الموساد (من 2002 إلى 2011) وضع على رأس سلم أولوياته قتل رئيس أركان حزب الله عماد مغنية، ولم يكن ذلك هدفا حصريا لداغان بل لكل المؤسسات العسكرية والأمنية الإسرائيلية على مدى أكثر من ثلاثين عاماً".
بدأت الموساد حملة واسعة للعثور على عماد مغنية وتصفيته، كان الرجل بالنسبة لهم عقلية أمنية وعسكرية فذة، حيث قام ببناء قوة عسكرية كبيرة لحزب الله، الذي استوعبت كتائبه أسلحة أكثر تطورا، واعتمدت تكتيكات قتالية وقدرات كانت فارقة في تكبيد الإسرائيليين خسائر كبيرة في حرب يوليو/ تموز2006.
سعت إسرائيل إلى اغتيال مغنيّة مرات عدة، منها عام 1994 عندما اغتالت شقيقه فؤاد لإجباره على المشاركة في الجنازة ومن ثم اغتياله فيها -حسب ما أورده بيرغمان في كتابه- ولم يحضر مغنية الجنازة، وقد يكون حضر دون أن يتم التعرف عليه.
سجال في لانغلي
في الطابق السابع من مبنى وكالة الاستخبارات المركزية في لانغلي بولاية فرجينيا، كان هناك سجال حاد واجتماعات دورية بين مجموعة من الضباط الكبار والتنفيذيين حول عملية ممكنة لاغتيال عماد مغنية وطريقة تنفيذها.
تكشف مجلة نيوزويك الأميركية (عدد 31 يناير/كانون الثاني 2015) عن مسؤولين سابقين في الاستخبارات الأميركية أن عملية اغتيال مغنية نفذتها "سي آي إيه" تحت الإشراف المباشر لمديرها آنذاك مايكل هايدن (2006-2009) ومجموعة صغيرة للغاية من كبار مسؤولي الوكالة وأقرها الرئيس جورج بوش الابن شخصيا".
وتنقل المجلة في تقريرها عن مسؤول رفيع في الوكالة شارك في العملية قوله: "لقد أخبرنا الإسرائيليون بمكانه في دمشق وقدّموا لنا المساعدة اللوجستية. لكننا نحن من صمّم القنبلة التي قتلته وأشرفنا على العملية".
وقال مصدر آخر للمجلة، وهو عميل سابق رفيع المستوى في الوكالة: "كانت عملية إسرائيلية أميركية والجميع يعلمون أن وكالة الاستخبارات المركزية هي التي نفذت العملية، الجميع في الشرق الأوسط على أي حال"، مشيرا إلى أن حكم الاغتيال ربما صدر منذ عهد إدارة ريغان، في "أمر رئاسي" لكن العملاء الأميركيين لم يعثروا له على أثر حتى عام 2007، حين أبلغهم رئيس الموساد آنذاك، مائير داغان عن مكان وجوده في دمشق.
وتؤكد صحيفة واشنطن بوست الأميركية أيضا (عدد 30 يناير/كانون الثاني 2015) عن 5 مسؤولين في المخابرات المركزية ضلوع الجهاز في اغتيال مغنية، الذي وافق عليه الرئيس جورج بوش والمدعي العام ومدير الاستخبارات الوطنية ومستشار الأمن القومي ومكتب المستشار القانوني بوزارة العدل.
تذكر نيوزويك أيضا أن مدير الجهاز آنذاك مايكل هايدن عقد اجتماعا سريا شمل نائبه ستيف كابس، ومايكل سوليك رئيس مديرية الخدمات السرية (جهاز التجسس التابع للوكالة)، ومايك ووكر، رئيس قسم الشرق الأدنى، مع عدد قليل من المساعدين، وتم إقرار عملية الاغتيال نهائيا إثر زيارة أولى لهايدن ونائبه للرئيس بوش الذي أمره بالتنفيذ مشترطا ألا يُقتل في العملية إلا مغنية نفسه.
تشير المجلة في تقريرها إلى أن التخطيط بدأ قبل ذلك بأشهر، وطرحت سيناريوهات مختلفة للاغتيال تتضمن استخدام السم أو القنص، لكنها استبعدت نظرا لصعوبتها أو خطورتها على المنفذين لدى انسحابهم "في مكان كدمشق الخاضعة لسيطرة مشددة من قبل الشرطة السرية للرئيس بشار الأسد".
وتم الاستقرار أخيرا على وضع قنبلة يتم صنعها خصيصا وتزرع في الإطار الخلفي لسيارة "ميتسوبيشي باجيرو" فضية كان مغنية يقود مثلها في دمشق، وجرت تبعا لذلك 25 تجربة على نماذج أولية منها في منشأة سرية في هارفي بوينت بولاية كارولينا الشمالية.
وافق هايدن على البدء بتنفيذ العملية بعد عودته من لقاء مع الرئيس بوش وعقده اجتماعا بمقر وكالة الاستخبارات المركزية منتصف نهار يوم 24 ديسمبر/كانون الأول خصص لمراجعة الخطة والترتيبات النهائية.
وتنقل نيوزويك عن أحد المشاركين في التخطيط أن نموذجا للقنبلة وُضِع أمام هايدن، أما القنبلة الحقيقية فقد نُقلت جوا إلى الأردن، ووصلت في اليوم التالي إلى دمشق، وتسلمها عميل من عملاء "سي آي إيه" في دمشق، وركبها على عجلة احتياطية لسيارة رياضية متعددة الاستخدامات حصل عليها محليا، ثم بدأ الانتظار مرة أخرى، كما يقول المسؤول.
خيوط بين بغداد وطهران
كانت إسرائيل قد فقدت الكثير من قوة الردع بُعيد حرب 2006 ضد حزب الله، إذ خسرت نحو 50 دبابة و121 جنديا، وفوجئت بتطور قدرات حزب الله العسكرية وتكتيكاته الحربية، تستوجب ردا قد يتحقق باغتيال قادة عسكريين كبار لحزب الله.
وحسب بيرغمان، توصلت تقييمات الموساد إلى أن جبهة واسعة من تنظيمات وفصائل معادية لإسرائيل بدأت تتشكل انطلاقا من الضاحية الجنوبية في بيروت مرورا بالعراق وإيران وسوريا ويلعب عماد مغنية دورا رئيسيا فيها بالاشتراك مع ضابط -لم يكن معروفا آنذاك- في الحرس الثوري يدعى قاسم سليماني ومستشار الرئيس بشار الأسد للشؤون الأمنية محمد سليمان، فنقلت انتباهها ونشاطها إلى هذا الخط بحثا عن ثغرة.
كانت "سي آي إيه" أيضا قد رصدت نشاطا متزايدا ضد الجيش الأميركي في العراق والتقطت إشارات عن دور ما لعماد مغنية في تأجيج العمليات هناك، واعتبرته "يشكل تهديدا مستمرا ووشيكا"، وكان هذا الأساس القانوني ليسمح لوكالة الاستخبارات المركزية بتصفية مغنية وتجنب انتهاك الحظر الشامل على الاغتيالات الذي فرضه الأمر التنفيذي رقم 12333 لعام 1981.
ويزعم كتاب "انهض واقتل أولا" أن الموساد تمكنت من الحصول على صورة حديثة لعماد مغنية عن طريق أحد العملاء في لبنان، كما تمكنت بفضل نظام عمليات مشترك مع المخابرات العسكرية (أمان) والوحدة 8200 أطلق عليه اسم "هاغينت" -وهو مزيج من الاستخبارات البشرية واستخبارات سلاح الإشارة والتنصت- من اختراق أقسام أنظمة الاتصال للحكومة الإيرانية، مما مكنها "من اختراق شبكة الاتصالات الهاتفية والإلكترونية المشفرة بين قادة "جبهة التشدد"، وتوفير المزيد من المعلومات والأدلة عن عماد مغنية، التي أثبتت تردده بشكل مستمر على دمشق إلى حد الإقامة فيها، واعتياده مقابلة القيادي في الحرس الثوري قاسم سليماني والمسؤول الأمني السوري محمد سليمان في شقّة بكفر سوسة الواقعة في ريف دمشق.
وينقل رونين بيرغمان عن مائير داغان قوله: "إنه على الرغم من أن الحماية التي كان يوفرها جيش الظل الذي يقوده الجنرال السوري محمد سليمان لمغنية، فإن الأخير لم يصبح أقل حذرا في دمشق، لكننا عرفنا في دمشق معلومات أكثر عن مغنية من تلك التي كنا نعرفها عنه في بيروت".
وفقا لبيرغمان، فقد استغلت أيضا موارد وإمكانيات محطة "سي آي إيه" في دمشق، وينقل عن أحد قادة عملية تعقب واغتيال مغنية قوله: "كانت هذه عملية ضخمة ومتعددة القوات مع موارد هائلة استثمرها كلا البلدين وبحسب علمي كانت هذه العملية الأكثر استثمارا لقتل فرد واحد".
تضارب سرديات القتل
تختلف الرواية بين الموساد والمخابرات المركزية في تفاصيل أساسية أهمها تصنيع القنبلة. فحسب نيوزويك وواشنطن بوست تولت "سي آي إيه" تصنيع القنبلة واختبارها لأشهر ثم إرسالها إلى الأردن ثم دمشق وتركيبها في سيارة تشبه التي يستعملها عماد مغنية، بينما يغفل بيرغمان في كتابه هذه التفصيلة، مشيرا إلى فكرة القنبلة التي يتم التحكم فيها عن بعد كانت لأحد خبراء الموساد، يدعى "كسار الجوز"، وحصل تعاون مع واشنطن في إيصالها إلى دمشق عبر الأردن وفق روايته.
استبعدت خطة "كسار الجوز" -حسب زعم الكتاب- خيارات كثيرة بينها تفخيخ الهاتف المحمول بالطريقة التي اغتيل بها القيادي في كتائب عزالدين القسام يحيى عياش عام 1996، على اعتبار أن عماد مغنية كان يغير هواتفه بشكل دائم، واستقروا على وضعها في الإطار الاحتياطي لسيارته من نوع جيب "ميتسوبيتشي باجيرو" فضية اللون التي واظب على استخدامها.
ومن خلال عمليات المراقبة، استنتج عملاء الموساد أن مغنية كانوا حذرين للغاية ويفحصون السيارة بشكل دائم من الداخل ومن الأسفل، إلا غطاء العجلة الاحتياطية الملصقة بالباب الخلفي مثل كل سيارات الميتسوبيتشي من ذلك النوع، فاستقروا على وضعها هناك وبدأت عمليات تتبع "الهدف" وتجهيز العملية والميدان وانتظار اللحظة المناسبة.
كان الإطار الاحتياطي الذي يحتوي القنبلة قد وصل عبر "سي آي إيه" وبات جاهزا، وجاءت الفرصة في يناير/كانون الثاني 2008 حين تمكن عملاء "الموساد" من الوصول إلى سيارة الجيب المركونة بينما كان مغنية يقوم بزيارة ليلية دون مرافقة فقاموا باستبدال غطاء العجلة بالغطاء الجديد الملغوم، وزرعوا أيضا كاميرات للمراقبة مع جهاز إرسال بحيث يتمكن عملاء الموساد في دمشق من معرفة ما يجري في السيارة، حسب رواية بيرغمان.
يضيف بيرغمان أن فريق الاغتيال طارد عماد مغنية على مدى 6 أسابيع، وكانت الفرصة سانحة لتفجير القنبلة 32 مرة، بتوفر شرط أن تكون سيارة مغنية مركونة بين سيارتين، وألغيت عملية التفجير في آخر لحظة، بناء على تعهد أولمرت لجورج بوش الابن بأن يطال الاغتيال مغنية فحسب.
ويزعم بيرغمان -بما يشبه الفانتازيا- أنه صبيحة يوم 12 فبراير/شباط عام 2008، كان عملاء الموساد يراقبون عماد مغنية وهو يقترب من السيارة الملغومة مع رجل آخر اتضح أنه قاسم سليماني –يروي الصحفي يوسي ميلمان في كتابه أن محمد سليمان كان معهما- وتطلب الأمر إذنا خاصا من رئيس الوزراء إيهود أولمرت الذي اتصل بدوره بواشنطن، وتم إلغاء العملية، فقد طلب بوش أن يقتصر الاغتيال على عماد مغنية.
في اليوم نفسه، وعند الساعة الثامنة والنصف مساء، وصل مغنية إلى منزل آمن في حي كفر سوسة في دمشق لعقد اجتماع أمني -حسب كتاب بيرغمان- وعند الساعة 10:45 مساء غادر الاجتماع وحيدا، واقترب من سيارته المركونة في المرآب وقبل أن يفتح الباب أعطي الأمر بالتنفيذ وانفجرت العبوة وقتل عماد مغنية بعد نحو 30 سنة من التعقب.
في تضارب الروايات الإسرائيلية والأميركية، ينسب بيرغمان في كتابه معظم عملية الاغتيال تخطيطا وتنفيذا لجهاز الموساد الذي تعاون في بعض المراحل مع المخابرات المركزية، لكن روايات الشهود والمشاركين لنيوزويك وواشنطن بوست تشير إلى أن العملية كانت أميركية بدءا من صناعة القنبلة واختبارها وتهريبها إلى سوريا وحتى التنفيذ في دمشق.
يذكر أحد المشاركين لواشنطن بوست أن "ضباطا من وكالة الاستخبارات المركزية ممن يتمتعون بخبرة واسعة في العمل السري تمكن من تأمين منزل آمن في مبنى قريب من شقته (مغنية) في دمشق وكانوا يراقبون هذا الأمر طوال الوقت تقريبا ويتناوبون على العمل، وكان ضابط من الموساد موجودًا فقط للتأكد من أن الرجل هو بالفعل".
ويضيف أيضا أنه "بموجب الخطة، كان عميل الموساد سيحدد هوية مغنية، بينما يضغط رجل وكالة المخابرات المركزية على جهاز التحكم عن بعد".
وسط صراع السرديات بتناقضاته وتطابقاته، من الثابت أن عملية الاغتيال أو القتل المستهدف، كانت تتم بتنسيق كبير بين واشنطن وتل أبيب، التي اغتالت لاحقا المسؤول الأمني السوري محمد سليمان بمنزله في طرطوس يوم 2 أغسطس/آب 2008، ينما اغتالت الولايات المتحدة قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في غارة جوية ببغداد يوم 3 يناير/كانون الثاني 2020.
تواصلت حرب الأشباح و"حسابات الدم المفتوحة" بين حزب الله وإسرائيل وحركات المقاومة الفلسطينية باغتيالات كثيرة، طالت آخرها في بيروت المسؤول العسكري لحزب الله فؤاد شكر يوم 30 يوليو/تموز 2024 وبعدها بيوم في طهران رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية.