في نهاية أبريل/نيسان الماضي، كان الألمان ينتظرون من المستشار أولاف شولتس خطابا أكاديميا. فالمناسبة لا تحتمل أكثر من كلام دافئ يُعدد فيه رئيس حكومة ألمانيا مناقب عَلَم كبير يعد واحدا من أبرز فلاسفة عصر التنوير في أوروبا: إمانويل كانت في يوبيله الـ300. ولكن كانت مقارنة مع مفكرين ألمان آخرين لم يكن فيلسوفا عاديا. فهو أولا، ولد ومات في كالينينغراد (بالألمانية كونِغسبرغ Königsberg) التي كانت حينها عاصمة المملكة الألمانية بروسيا الشرقية، ولكنها تُشكل منذ عام 1946 جيبا روسيًّا في وسط أوروبا( بين بولندا ولتوانيا) والأهم من ذلك، أن إمانويل كانت هو الفيلسوف المحبب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
شغف بوتين بكانت والخصوصية الروسية للفيلسوف وقبلهما التناقض الصارخ بين أفكار صاحب كتاب (السلام الدائم zum Ewigen Frieden) من جهة والسياسة الحالية لروسيا وحربها على أوكرانيا من جهة أخرى مثلت بالنسبة للمستشار الألماني فرصة لا تُعوض من أجل محاسبة بوتين بلهجة غير مسبوقة ومواصلة عسكرة الخطاب السياسي في ألمانيا التي أصبحت تجهر على لسان مسؤولين فيها من الصف الأول بسعيها إلى الاستعداد للحرب.
الأمر وصل بالمستشار الألماني إلى مطالبة بوتين في هذا الخطاب بالكف عن الاستشهاد والإشادة بالفيلسوف الألماني قائلا: "أفكار كانت بخصوص حقوق الإنسان وكرامته تتسق مع أفكاره بخصوص الحرب والسلام، وهنا أيضا ليس لبوتين أدنى حق في الاستشهاد بكانت (...) على العكس تماما. فمن الواضح جدا أن التنوير والحروب العدوانية نقيضان".
"كانت كان معارضا باتًّا لحل الخلافات بين الدول بالحرب. ونحن نحاول الالتزام بهذا التعليم. أعتقد أن جيلنا يستطيع ويجب عليه تحقيق الرؤية التي وضعها كانت". (بوتين في عام 2005)
شولتس ذكّر الحضور أيضا بهذه الكلمات التي قالها بوتين عندما زار في عام 2005 ضريح إمانويل كانت قائلا إن "الفرق بين كلمات بوتين وواقع سياسته لا يمكن أن يكون أشد تناقضا".
هذا الخلاف الألماني الروسي حول مؤسس من طراز كانت قد يختلف فيه المراقبون، ولكنه يضاف إلى أمثلة كثيرة تبين بوضوح أن حدة الخطاب السياسي في ألمانيا آخذة كل يوم في التصاعد وأن ارتفاع أو انخفاض منسوبها يعتمد بشكل أساسي على مجريات الحرب الروسية الأوكرانية التي كانت بعد ثلاثة أيام من اندلاعها سببا في إلقاء شولتس ما يعرف بـ"خطاب التحول التاريخي".
هذا الخطاب الذي أعلن فيه شولتس تعزيز قدرات بلاده الدفاعية بمبلغ فلكي (100 مليار يورو) وإيفاء ألمانيا صاحبة الناتج القومي المحلي الضخم بما يعرف بنسبة 2% من الناتج القومي على شكل استثمارات في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، هذا كله تبعه عودة مصطلح حضر وغاب في ثقافة إدارة الدولة الألمانية في القرنين الماضيين بحسب خطورة الوضع الأمني المحيط بألمانيا. إنه مصطلح "العسكرة" (Militarisierung) الذي أصبح يتسلل إلى الخطاب السياسي وينعكس على الرأي العام وعلى لهجة الإعلام وقبل ذلك على قطاع صناعة الأسلحة وحالة الجيش.
التوجهات الجديدة
قلب هذه التحولات التاريخية هو التوجهات الجديدة التي أعلنها وزير الدفاع الاشتراكي الديمقراطي، بوريس بِستوريوس في نهاية العام الماضي وتلتها في أبريل/نيسان إصلاحات جذرية جاءت في صلب "خطاب التحول التاريخي".
" بشنّ بوتين هجومه الوحشي على أوكرانيا، عادت الحرب إلى أوروبا. بهذا (الهجوم الوحشي)، يكون خطر التهديد قد تغير. ألمانيا، صاحبة أكبر عدد سكان وقوة اقتصادية في وسط أوروبا يجب أن تكون العمود الفقري لقوة الردع والدفاع الأوروبي المشترك. لهذا، تعتبر التوجهات الدفاعية الجديدة والأولى من نوعها منذ أكثر من عقد الإجابة الصحيحة عن هذا الواقع".
"يجب أن نكون مستعدين للحرب. يجب أن نكون مسلحين ويجب على الجيش والمجتمع الاستعداد لذلك". (وزير الدفاع الألماني بوريس بستوريوس 4/4/ 2024)
وغلّف وزير الدفاع هذه الإصلاحات والتوجهات بمصطلح جديد أثار نقاشا وتخوفا واسعين في الرأي العام وارتقى بـ"عسكرة الخطاب السياسي" إلى مستوى متقدم وهو أن ألمانيا يجب أن تكون "مستعدة للحرب" (Kriegstüchtig). بستوريوس استخدم كلمة ألمانية قديمة ومركبة من (Krieg) أي حرب و(Tüchtig) التي لا تعني مجرد "الاستعداد" بل "الاستعداد بمقدرة واجتهاد"، بحسب قاموس دودن (Duden) الذي يعد من أهم مرجعيات اللغة الألمانية. وفي أحيان أقل استخدم وزير الدفاع مصطلح (Kriegstauglich) أي "مؤهل للحرب".
وكرر بستوريوس مصطلح "الاستعداد للحرب بمقدرة واجتهاد" ست مرات في الورقة التي قدمت التوجهات الدفاعية الجديدة للرأي العام. ومن خلال قراءة هذه التوجهات، يلاحظ المراقب ارتفاعا واضحا في حدة لهجة الحكومة الألمانية التي قالت على لسان وزير دفاعها أثناء تقديم هذه التوجهات إن "الفيدرالية الروسية تشكل الخطر الدائم والأكبر على الأمن والسلام في المنطقة الأوروبية".
عسكرة الخطاب
ولكن كيف نفهم دعوة وزير الدفاع الألماني إلى "الاستعداد للحرب" أو التأهل لها؟
هذا المصطلح اختلف فيه المراقبون في ألمانيا. فبينما يرى بعضهم أنه من الضروري عدم قياسه بـ"ميزان من ذهب" كما يقول كبير الباحثين في معهد لايبنِتس لبحوث السلام والصراعات (PRIF) ماتياس ديمبينسكي، يشير الصحفي والكتاب فلوريان فارفِغ إلى أن استخدام وزير الدفاع لمصطلح اختفى في العقود الماضية من قاموس الرأي العام الألماني واستُخدم آخر مرة في السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الثانية أمر "مقلق" و"حساس" ويؤشر إلى اتخاذ ألمانيا استعدادات فعلية لحرب محتملة.
وقال فارفِغ في حديث مع الجزيرة "خطابيا، تتسلح ألمانيا بشكل هائل سواء تعلق الأمر بالحكومة أو بالإعلام"، مؤكدا أن وزير الدفاع يستخدم توصيفات تثير قلق الرأي العام واستُخدمت في ألمانيا في أوقات الحروب وأن مصطلح "الاستعداد للحرب" (Kriegstüchtig) "يُعدّ مصطلحا حساسا كان مؤثرا في الرأي العام الألماني في الأعوام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، واختفى بعد ذلك (...). استعادة هذا المصطلح دون إخضاعه للنقاش النقدي أمر مقلق ولو تم استخدامه قبل عامين لحدثت فضيحة؛ وذلك بسبب مسؤولية ألمانيا عن الحرب العالمية الثانية، ولكن قبل كل شيء وزير الدفاع يقول إن ألمانيا يجب أن تكون مستعدة للحرب (Kriegstüchtig) أو (Kriegstauglich) وليس مستعدة للدفاع عن نفسها وهذا حق جميع الدول ولكن المطالبة بالاستعداد للحرب وفي هذه الحال الحرب ضد روسيا أمر مثير ومسؤولية ألمانيا إزاء التسبب في قتل 20 مليون روسي أثناء الحرب العالمية الثانية تتطلب من ألمانيا الرجوع إلى الذات والتفكير مليا في الأمر".
ديمبينسكي من طرفه يعتبر في حديث مع الجزيرة فهم خلفيات هذا المصطلح أمرا مهما لتفسيره ويقول إن استخدام هذا المصطلح يأتي في وقت تترك ألمانيا فيه خلفها عقودا من سياسة تفكيك الأسلحة واقتناعا بأنها قوة سلمية خالصة لدرجة أن الجيش لم يكن يضطلع بأي دور، وذلك كله حتى بدء "الحرب العدوانية" الروسية على أوكرانيا. ويضيف أن هذه الحرب كانت بمثابة "كسر ثقافي" و"صدمة كبيرة" بالنسبة للحكومة والمجتمع ولجميع الطبقة السياسية، مشيرا إلى أن ألمانيا "رأت بأم عينها كيف يخرق عضو دائم في مجلس الأمن القانون الدولي بشكل صارخ، الأمر الذي دمر فعليا ما بقي من الثقة بين ألمانيا وبوتين الذي قد يكون فكر قبل الحرب أو يفكر أو سيفكر في الذهاب إلى أبعد من أوكرانيا (....). روسيا أصبحت من جديد تشكل تهديدا ليس فقط على النظام المعياري العالمي، بل أيضا بشكل مباشر على الأمن في أوروبا".
اللافت أيضا أن وزير الدفاع يريد تحويل ألمانيا من خلال التوجيهات الجديدة إلى "عمود فقري للأمن في أوروبا" وإلى "رأس حربة موثوق به على المدى الطويل على صعيد القدرات الدفاعية المشتركة لأوروبا (...). مواطنونا ولكن أيضا حلفاؤنا في أوروبا وأمريكا الشمالية والعالم ينتظرون منا تحمل هذه المسؤوليات"، الأمر الذي يتناسب -بحسب الوزير- مع الوزن السكاني والاقتصادي لألمانيا.
وبحسب التوجهات الجديدة، تسعى ألمانيا إلى جعل جيشها "أنحف وأسرع" الأمر الذي يتطلب توحيد القيادة وإعداد الخطط اللازمة لعودة التجنيد الإجباري وإعادة هيكلة الجيش بحيث يضاف إلى الأسلحة الثلاثة الجو والبر والبحر قسم رابع سيعرف باسم قسم الدفاع السيبراني.
بستوريوس برر هذه التغييرات الطموحة بقوله إن "الوضع الأمني في أوروبا استفحل، الأمر الذي يتطلب من الجميع أن يفهم أننا سندافع عن أنفسنا وعن حلفائنا وسنقف في وجه التحديات الناجمة عن هذا الاستفحال، الأمر الذي يتطلب منا إصلاح الجيش وتجهيزه بشكل مثالي ليكون مستعدا للدفاع (...). ليكن واضحا للجميع أننا ندافع عن بلدنا وعن حلفائنا ولن نسمح لأحد بمجرد التفكير في مهاجمتنا".
التجنيد الإجباري
وتعد خطط عودة التجنيد الإجباري (ألمانيا ألغت التجنيد الإجباري عام 2011) من أكثر الإصلاحات إثارة للجدل، إذ إن الجيش الذي يبلغ عدد جنوده في الوقت الراهن 181 ألف جندي ما زال بعيدا عن الخطط الرامية إلى زيادة هذا العدد إلى 203 آلاف جندي بحلول عام 2031.
هذا الإقبال الضعيف والسمعة السيئة للجيش لدى الرأي العام كانا سببا في لجوئه إلى خفض سنّ التجنيد من 18 عاما إلى 17 عاما لتكون ألمانيا بذلك من الدول القليلة التي تجند في هذه السنّ المبكّرة.
فوفقًا لأرقام وزارة الدفاع الألمانية فإنه تم في عام 2023 تجنيد 1996 قاصرا وقاصرة في سنّ 17 عاما، وهو ما دفع مؤخرا آلاف المواطنين والمنظمات والكنائس والنقابات والمشاهير وحتى نواب البرلمان (البوندستاغ) إلى توجيه رسالة مفتوحة إلى وزارة الدفاع يناشدونها فيها رفع سنّ التجنيد إلى 18 عاما.
وعزّزت مبادرة "لا للتجنيد تحت سنّ الـ18" طلبها بخروق حقوق الأطفال والقاصرين والاعتداءات الجنسية والعنف والحوادث التي يشهدها الجيش وبخرق ألمانيا اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأطفال، قائلة إن ألمانيا نفسها طالبت ثلاث مرات (2008 و2014و2022) بإلحاح بضرورة رفع سنّ التجنيد الإجباري إلى 18 عاما.
قطاع صناعة الأسلحة
هذه التوجهات الجديدة والإصلاحات لا يمكن تمريرها دون تنشيط قطاع صناعة الأسلحة الذي فقد في العقود الماضية بحسب دراسة لمؤسسة "فريدريش إيبرت" المقربة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي أكثر من 60 بالمئة من قوته. ففور إلقاء شولتس "خطاب التحول التاريخي" ودعم هذا الخطاب بمبلغ مالي (100 مليار يورو) ضخم، سال لعاب شركات صناعة الأسلحة الألمانية وبدأت "تشعر بالحماس وبالتفاؤل بقدرتها على توسيع جاهزيتها لتلبية طلبات عريضة" على حد قول هانس كريستوف أتسبودين، رئيس اتحاد الصناعات الأمنية والدفاعية "بي دي إس في" BDSV)) في أبريل/نيسان من عام 2022 لوكالة الأنباء الألمانية، أي بعد أسابيع فقط من خطاب المستشار الألماني.
شركات أخرى أبرزها راينميتال انطلقت بحسب تقديرات رئيسها أرمين بابرغر من أنها ستكون قادرة على توظيف 3 آلاف موظف جديد من أجل تلبية طلبات الجيش الألماني. هذا التفاؤل شمل كذلك شركة صناعة الأسلحة الخفيفة "هيكلر آند كوخ" ونظيرتها لصناعة الإلكترونيات العسكرية هينزولت وتيل لقطع غيار الطائرات وغيرها من الشركات.
ورغم هذا التفاؤل، تبقى شركات صناعة الأسلحة الأميركية المستفيد الأكبر من هذا المبلغ الضخم. ففي الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الدفاع الألماني، بوريس بستوريوس في بداية مايو/أيار الماضي للولايات المتحدة، أعلن الوزير من مصنع بوينغ في فيلاديلفيا شراء 60 قطعة من الجيل الجديد من طائرات النقل "سي إتش ـ 47 شينوك" بقيمة 8 مليارات يورو.
ولم تقتصر "زيارة التبضع" التي قام بها الوزير للولايات المتحدة على شراء هذا النوع من الطائرات، بل شملت أيضا إعلانه توقيع 380 عقدا لشراء أسلحة أميركية بقيمة 23 مليار يورو، أي ربع مبلغ الـ100 مليار يورو.
"معظم الحروب تبدأ بالكلمات"
ولأن "معظم الحروب تبدأ بالكلمات" على رأي الحكّاء الألماني فيرنر براون، أي قبل إطلاق الرصاصة الأولى، تشير تغطيات معظم وسائل الإعلام الألمانية منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا إلى بدء هذه الوسائل قرعَ طبول الحرب وإلى تبنيها السردية الحكومية سواء كانت هذه الوسائل محسوبة على اليسار الليبرالي (مجلة دير شبيغل، صحيفة زود دويتشه تسايتونغ على سبيل المثال لا الحصر) أو محافظة (فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ أو دي فليت).
فارفِغ ينتقد أيضا أداء الإعلام الألماني: "ما يميز الإعلام المؤثر قبل كل شيء هو أن هذا الإعلام يسبق الحكومة الألمانية بخصوص عسكرة الرأي العام، وذلك بدلا من ممارسة الضغوط لتزويد أوكرانيا بأسلحة أقل، والمطالبة بتغليب الحلول الدبلوماسية على الحرب (...). سردية الإعلام واضحة وبسيطة وهي أنه يجب هزيمة الروسي وإلا فسيأتي هذا الروسي إلينا وكلما زودنا أكرانيا بأسلحة أكثر كان ذلك أفضل".
ويجزم فارفِغ بأن جميع وسائل الإعلام الألمانية تسير على نفس النهج: "لا أرى حدودا للعسكرة في الإعلام الألماني ولا نظرة نقدية لهذه الحرب، فأنا لا أعرف أي صحيفة ألمانية كبيرة أو قناة تلفزيونية تقول دعونا نركز على الجهود الدبلوماسية بدلا من التركيز على لغة الحرب".
ومن خلال المرور على عناوين معظم وسائل الإعلام الألمانية، يمكن القول إن هذه الوسائل تتصرف وكأنها طرف في هذه الحرب.
ويعد نقاش تزويد القوات الأوكرانية بالصواريخ الألمانية الدقيقة (تاوروس) مثالا صارخا على تحول الإعلام الألماني إلى طرف في هذه الحرب. فمنذ صيف العام الماضي، تواظب معظم الصحف والمجلات الألمانية على توجيه انتقادات لاذعة لتردد شولتس في تقديم هذه الأسلحة التي يصل مداها إلى 500 كلم لأوكرانيا لدرجة أن أحد أبرز المعلقين في صحيفة (دي فيلت) -وهو ألين بوزِنر- عنون مقال رأي بالقول: "لماذا يجب على شولتس فعل ما يرفضه شعبه"، وذلك على خلفية نتائج جميع استطلاعات الرأي التي تؤكد منذ بداية هذا النقاش أن غالبية كبيرة من المواطنين الألمان ترفض تزويد بلادهم لأوكرانيا بهذه الصواريخ التي تستطيع القوات الأوكرانية استهداف موسكو بها.
:
صحيفة دي فيلت: "لو توفرت الإرادة للتصدير لتوفرت الحلول".
أو "لماذا يجب على أولاف شولتس فعل ما يرفضه شعبه".
مجلة فوكوس: "كيف يستغفلنا المستشار مرتين بخصوص صواريخ تاوروس".
ميركور: "نقاش تاوروس.. رفض شولتس لتزويد أوكرانيا بهذه الصواريخ يقابل بانتقادات لاذعة".
ولكن تجهيز الرأي العام لحرب محتملة لا يشمل "عسكرة" لهجة الإعلام فحسب، بل مرجعيات اللغة الألمانية أيضا. فمنذ عام 1971 تختار مؤسسة اللغة الألمانية (GfdS) ما يعرف بكلمة العام وهي "كلمة أو مصطلح أثر في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في ألمانيا"، بحسب وصف المؤسسة. وبعد أن اختارت هذه المؤسسة في عام 2022 مصطلح المستشار الألماني "التحول التاريخي" لتكون كلمة العام وجاء مصطلح "الحرب والسلام" في المركز الثاني، اختارت مصطلح "وضع الأزمة" في المركز الأول لعام 2023.
ومن خلال المرور بمعظم محددات قرار الحرب والسلام وتحديدا محدد الخطاب السياسي ولهجة الإعلام وقدرات الجيش وقطاع صناعة الأسلحة، يمكن القول إن معظم المختصين والزملاء الصحفيين الذين استُشرفت آراؤهم في الأسابيع الماضية من أجل صياغة هذا التقرير يجمعون على وجود نية ورغبة في أن تكون ألمانيا جاهزة لحرب محتملة ولكنهم يختلفون في الأدوات والقدرات: هل تتوفر لألمانيا بالفعل الأدوات والقدرات اللازمة؛ الجيش والسلاح والمال تحديدا؟ أو هل ألمانيا قادرة على توفيرها في الأعوام القليلة المقبلة؟ هنا كانت نقطة الاختلاف الوحيدة.
ولكن المراقبين يجمعون أيضا على شيء آخر وهو أن ألمانيا استطاعت في العقود السبعة الأخيرة المساهمة بشكل فعال في تحقيق هدفين وضعهما حلف شمال الأطلسي نصب عينيه في مرحلة التأسيس وإفشال -عن قصد أو غير قصدـ هدف ثالث. فعندما سألوا اللورد هايستينغز إسماي، أول أمين عام لحلف شمال الأطلسي خلال احتفال التأسيس في الرابع من أبريل/نيسان 1949 في واشنطن عن أهداف الحلف الدفاعي الجديد قال: "يجب على الناتو الإبقاء على الأميركيين في أوروبا وعلى السوفييت خارج أوروبا و ..... تصغير الألمان. هذا الهدف الثالث لم يتحقق بعد قرابة 7 عقود.