"الصوت اليهودي" بألمانيا.. لماذا يكرهه أصدقاء إسرائيل؟

اودي راز
اودي راز
أودي راز: بدلا من الوقوف إلى جانبنا، يرسل لنا صناع القرار الشرطة الأكثر عنصرية في ألمانيا (الجزيرة)
أودي راز: بدلا من الوقوف إلى جانبنا، يرسل لنا صناع القرار الشرطة الأكثر عنصرية في ألمانيا (الجزيرة)

لم يفكر أودي راز طويلا عندما وصلنا إلى مرحلة تحديد المكان المناسب لإجراء المقابلة، ورد فورا "نجريها في ساحة الجمهورية، ففي الساحة التي تتوسط البرلمان الاتحادي الألماني (بوندستاغ) ومقر الحكومة (المستشارية الاتحادية) ننظم -رغم صقيع ليالي ديسمبر/كانون الأول- خيمة اعتصامية ضد الإبادة الجماعية في غزة، ويكون صوتنا أقرب إلى الحكومة الألمانية وسلطتها التشريعية الأولى".

كانت خيمة الاعتصام عادية جدا: أعلام ولافتات وكوفيّات باللونين وبالطبع أعداد كبيرة من عناصر الشرطة، وكان المشاركون متنوعين، وكل واحد منهم منشغل بمهامه، فبعضهم يشرح للمارة أسباب الاعتصام وجدوى التضامن مع المستضعفين وبعضهم الآخر يترجم للحضور أحد الأفلام الوثائقية إلى الألمانية عن سياسة إسرائيل الاستيطانية في القدس والضفة الغربية. وبين كل هؤلاء أودي راز، عضو المجلس الإداري في المنظمة اليهودية "الصوت اليهودي".

والتعرف على الشاب لم يكن صعبا، فقد تعودت الكاميرات منذ أكثر من عام على تقديمه للرأي العام الألماني، وهو يرتدي كوفيته السوداء وكيباه (قلنسوة) يهودية بألوان البطيخ. راقبته عن بعد كيف كان يتنقل بين الحضور وكأنه يعرف جميع المشاركين شخصيا، فتارة يعطي أوامر لأحد مساعديه ويبتعد، وتارة يجيب عن أسئلة أحد المستفسرين، ثم توجهت إليه وأديت التحية، فعرف فورا من أكون ورحب بحفاوة برغبتي في المعرفة أكثر عن منظمة (الصوت اليهودي) وعن أنشطتها، ولكن قبل كل شيء عن أسباب الحملة التي تتعرض لها ولماذا تُتهم بالعداء للسامية، رغم أنها منظمة يهودية خالصة لا تخرج في سياستها عن إطار المطالبة بإحلال السلام العادل في الشرق الأوسط.

بعد 7 أكتوبر

ما يميز "الصوت اليهودي" عن منظمات ألمانية أخرى تنشط في المجال السياسي هو أنها حسمت أمرها بسرعة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. ففي وقت كانت فيه ألمانيا بجميع مستوياتها تعيش "الصدمة" وتبحث عن محددات لسياستها تجاه ما حدث، لم تنتظر المنظمة طويلا، وعنونت موقفها من العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين بالخط العريض: "ليس باسمنا" لتتحول بذلك إلى جزء أصيل من الحركة الاحتجاجية على العدوان. فباشرت بدعوة أعضائها إلى المشاركة في المظاهرات التي عمّت المدن الألمانية، ولا تزال حتى اليوم مكونا أساسيا للحركة الاحتجاجية التي لم تشهدها ألمانيا بهذه الحدة منذ عقود.

وبهذا يبقى اتحاد "الصوت اليهودي" (EJJP) مخلصا لسياسة رافقته منذ التأسيس في عام 2003 ببرلين، وذلك في إطار الفرع الألماني لاتحاد "يهود أوروبيون من أجل السلام في الشرق الأوسط" الذي تأسس في أمستردام عام 2002.

ويعرف الاتحاد نفسه بالقول "الصوت اليهودي يدين الحرمان الممنهج للفلسطينيين من حقوقهم منذ عام 1948 واحتلال الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية منذ عام 1967، فضلا عن الحصار المفروض على قطاع غزة وفصله عن مناطق فلسطين الأخرى من قبل الدولة الإسرائيلية. وندين جميع هذه الممارسات باعتبارها انتهاكات غير مقبولة لحقوق الإنسان ولميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وجميع قرارات الأمم المتحدة (...) ونقف في وجه كل من يتجرأ على تبرير الفصل العنصري وعلى تجاهل حقوق الإنسان وشن الحروب وسرقة الأراضي والإبادة الجماعية باسم الديانة اليهودية".

ويستهدف الاتحاد من خلال نشاطه السياسي الرأي العام الألماني، ولكنه قبل كل شيء يهدف إلى إقناع الحكومة الألمانية باستخدام تأثيرها الاقتصادي والسياسي من أجل إحلال السلام العادل في الشرق الأوسط والمساهمة في عيش الجميع بسلام في المنطقة.


هذه المطالبات لم تتغير منذ التأسيس قبل قرابة عقدين، وبناء على هذه المطالبات التي لا تعجب كثيرين في ألمانيا، لم تتغير كذلك الاتهامات الموجهة للاتحاد وتحديدا تهمة "العداء للسامية".

فهذه التهمة الثقيلة بالمعيار الأوروبي تُوجه لـ"الصوت اليهودي" للمرة الثانية خلال أعوام قليلة، فكانت المرة الأولى عندما قررت لجنة تحكيم الجائزة الألمانية المرموقة (غوتنغن للسلام) عام 2019 منح جائزتها لـ"الصوت اليهودي" تشريفا لدوره في الدعوة لإحلال سلام عادل في الشرق الأوسط، في حينها قامت الدنيا في ألمانيا ولم تقعد: انسحابات من أحزاب سياسية وبنوك وجامعات من رعاية الجائزة، وشكاوى قضائية أمام المحاكم بتهم التشهير، وضرب تحت الحزام ومطالبات باستقالة رئيس لجنة تحكيم الجائزة في حينها، أندرياس تسوماخ، واللافت اتهام اتحاد يهودي بالعداء للسامية.

في ذلك الحين، اكتشف "أصدقاء إسرائيل" في ألمانيا خصما جديدا، فمجلس اليهود الأعلى -الذي يحاول دائما احتكار تمثيل يهود ألمانيا- رأى في "الصوت اليهودي" منافسا. أما مفوض الحكومة الألمانية لمحاربة العداء للسامية فيلكس كلاين، فرأى في النقاش الدائر فرصة للتشديد على سردية الحكومة الألمانية تجاه علاقتها مع اليهود وإسرائيل. أما اتحاد "الصوت اليهودي" نفسه، فقد أصبح بين ليلة وضحاها أشهر من نار على علم، وبات في الوقت ذاته "دمّل في عين أصدقاء إسرائيل" بحسب المثل الألماني الشائع وتوصيف الرئيس السابق للجنة التحكيم تسوماخ في حديث مع الجزيرة نت.

ورأى تسوماخ في منح الجائزة لـ"الصوت اليهودي" -بحسب قوله- "دعما لاتحاد يدعو إلى إحلال السلام العادل في الشرق وفرصة للقول أخيرا إن مجلس اليهود الأعلى لا يمثل جميع يهود ألمانيا (أقل من 50% من يهود ألمانيا ينضوون تحت مظلة المجلس)". أما رئيس مجلس اليهود الأعلى جوزيف شوستر ومفوض الحكومة الألمانية لمحاربة العداء للسامية كلاين فقد بررا معارضتهما لمنح الجائزة للاتحاد باتهام "الصوت اليهودي" بمعاداة السامية، وباعتباره جزءا من حملة ضد إسرائيل تقودها "حركة مقاطعة إسرائيل- بي دي إس" (BDS) التي صنفها البرلمان الألماني في مايو/أيار 2019 بأغلبية ساحقة حركة "معادية للسامية".

A general view of the Germany's lower house of parliament, the Bundestag, as it is expected to ratify Finland's and Sweden's NATO membership, in Berlin, Germany July 7, 2022. REUTERS/Michele Tantussi
البوندستاغ صنف حركة مقاطعة إسرائيل "بي دي إس" معادية للسامية (رويترز)

في حينها، هجا المؤرخ الألماني-الإسرائيلي المعروف، موشي تسُكّرمان، حملة التحريض ضد "الصوت اليهودي" في مناظرة مع مفوض الحكومة الألمانية فيلكس كلاين في الصحيفة اليسارية "تاتس" متسائلا "ألا يُعتبر عمدة مدينة غوتنغن ورئيسة جامعة غيورغ أوغوست نفسهما معاديين للسامية عندما يعارضان منح الجائزة لمنظمة يهودية، لأنها تدعم حركة مقاطعة إسرائيل "بي دي إس" التي يُدّعى بالتعريف فقط أنها معادية للسامية؟ (...) أصدقاء إسرائيل في غوتنغن الذين يستخدمون هراوة العداء للسامية من أجل مهاجمة يهود بسبب خلافات في الرأي ليسوا حالة فردية (...) يكفي أن تتهم أحدا بالتعاون مع حركة المقاطعة من أجل تجريمه وإسكاته. فخلف هذه الإستراتيجية تقف الحكومة الإسرائيلية (...) رهائن السياسة الإسرائيلية، أي يهود الـ"دياسبورا" يتجاوبون في معظمهم مع هذه السياسة، والسياسيون الألمان يتعاونون".

هذا السجال الذي خاضته النخب الألمانية واليهودية وتصدر افتتاحيات الصحف تخلله انسحاب عمدة مدينة غوتنغن وجامعة غيورغ أوغوست وبنك (شباركاسه) من رعاية الجائزة. رغم ذلك، أصرت لجنة التحكيم وعلى رأسها تسوماخ على تكريم "الصوت اليهودي" ومنحه جائزتها لعام 2019.

من اليمين إلى اليسار: نيريت زومرفيلد، إيريس هيفنر من اتحاد (الصوت اليهودي) وعضو لجنة التحكيم أندرياس تسوماخ أثناء تسليم جائزة غوتنغن للسلام للعام 2019 المصدر: dpa picture alliance / Alamy Stock
من اليمين إلى اليسار: نيريت زومرفيلد، إيريس هيفنر من اتحاد (الصوت اليهودي) وعضو لجنة التحكيم أندرياس تسوماخ أثناء تسليم جائزة غوتنغن للسلام للعام 2019 المصدر: dpa picture alliance / Alamy Stock
من اليمين: نيريت زومرفيلد، إيريس هيفنر من اتحاد "الصوت اليهودي" وعضو لجنة التحكيم أندرياس تسوماخ أثناء تسليم جائزة غوتنغن للسلام للعام 2019 (وكالة الأنباء الألمانية)
على يمين الصورة: نيريت زومرفيلد، إيريس هيفنر من اتحاد (الصوت اليهودي) وعضو لجنة التحكيم أندرياس تسوماخ أثناء تسليم جائزة غوتنغن للسلام لعام 2019 (وكالة الأنباء الألمانية)

"ليس باسمنا"

وفور انطلاق الحركة الاحتجاجية على العدوان الإسرائيلي، لم يكتف "الصوت اليهودي" بعنونة صفحته الرئيسية بشعار "ليس باسمنا"، بل واظب من أكثر من عام على تنظيم الفعاليات التضامنية مع الفلسطينيين، ولا يزال حتى اليوم جزءا من الحركة الاحتجاجية.

بهذا عاد "الصوت اليهودي" من جديد إلى مقارعة "أصدقاء إسرائيل" رغم أن عودته هذه المرة لا تشبه سابقتها. فقصة "الصوت اليهودي" في عام 2019 تختلف عن قصته بعد عام 2023 إلا في شيئين: الأول وصمه بالتهمة الجاهزة العداء للسامية والثاني محاولة مجلس اليهود الأعلى حرمانه من تمثيل يهود ألمانيا، وذلك كله في ظل سياسة ألمانية حكومية ممنهجة لإنكار "تنوع وتعدد" اليهود الألمان كشريحة اجتماعية، بحسب أودي راز.

إضافة إلى هذا الإنكار ومحاولات الحرمان من تمثيل يهود ألمانيا، يبدو عدم انسجام السلطات الألمانية مع اتحاد يهودي مثل "الصوت اليهودي" أمرا غريبا ويثير الفضول. وعضو الهيئة الإدارية في الاتحاد راز لديه تفسير يخلط بين علاقة الدولة الألمانية مع اليهود من جهة وعلاقة هذه الدولة مع المسلمين من جهة أخرى.

ويقول راز إن فهم ذلك يتطلب منا أن نعرف أن ألمانيا "تستثمر منذ أجيال، وتحاول صياغة وعيها الجمعي من خلال نظرتها إلى الإسلام والمسلمين" مضيفا أن السياسيين الألمان "يزعمون دائما أن المسلمين ليسوا جزءا من المجتمع الألماني، ويطالبونهم بالاندماج في المجتمع مرات ومرات ولا يترددون في اتهام المسلمين بأنهم يشكلون خطرا تارة على النساء وتارة على الطبيعة، وعلى المتحولين وحتى على الحيوانات والآن نسمع منهم أن المسلمين يشكلون خطرا على اليهود".

ودحض راز هذه النظرة بالقول "نعرف أن ذلك ليس صحيحا، ونعرف أيضا أن ألمانيا لا تهتم باليهود كيهود، بل فقط باليهود المستعدين لاستنساخ العنصرية ضد المسلمين والعرب، وقبل كل شيء ضد الفلسطينيين، أي بكلمات أخرى النخب السياسية الألمانية تهتم فقط باليهود الصهاينة".


وتقدر أعداد اليهود في ألمانيا بحوالي 225 ألف شخص لتأتي ألمانيا بعد فرنسا وبريطانيا في المرتبة الثالثة في أوروبا من ناحية حجم الجالية اليهودية. وتشير أرقام اتحاد الجمعيات الخيرية اليهودية "زد دبليو إس تي" (ZWST) إلى أن 91 ألف شخص منهم منظمون على شكل أعضاء في 105 جاليات يهودية تابعة لمجلس اليهود الأعلى في ألمانيا أكبرها في برلين وميونخ وفرانكفورت، مما يعني أن المجلس يمثل أقل من 50% من يهود ألمانيا.

ترهيب

ويتهم راز السلطات الألمانية باللجوء إلى أساليب أخطرها "ترهيب" أعضاء الاتحاد وملاحقتهم، لأنهم "يدافعون عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والقانون الدولي". ومن بين هذه الأساليب ـبحسب رازـ "تنفيذ مداهمات ضد أعضاء الاتحاد وتفتيش مرافقهم الخاصة وتجميد الحساب البنكي للاتحاد، لأننا نظمنا مع جمعيات فلسطينية ومنظمات أخرى ما يعرف بمؤتمر فلسطين". وعن هذا المؤتمر، يضيف راز أنه "بدلا من دعمنا، قامت السلطات باستخدام العنف المفرط ضدنا، واقتحمت المؤتمر واعتقلت عدة أشخاص".


الجيد والشرير

ولا يُتهم مجلس اليهود الأعلى بمحاولات احتكار تمثيل يهود ألمانيا فحسب، بل أيضا بسعيه إلى تسييس الحياة اليهودية والأخطر من ذلك "شق الجالية اليهودية وتقسيمها إلى يهود جيدين أي يهود صهاينة وآخرين شريرين، لأنهم ينتقدون الدولة الإسرائيلية والصهيونية" بحسب وصف الناشط اليهودي والمصور الفوتوغرافي المعروف آدم برومبرغ في حديث مع الجزيرة نت.

والكاتب والشاعر اليهودي تومان دوتان دريفوس لا يبتعد في رأيه كثيرا عن برومبرغ، ويقول إن الفكر اليهودي في ألمانيا "مضبوط على مستويين الأول رسمي من خلال مجلس اليهود الأعلى والثاني غير رسمي غالبا من خلال غير اليهود". فعلى المستوى الرسمي -يقول دريفوس- "أصبح مجلس اليهود الأعلى الذي مرّ في الأعوام الماضية بمرحلة من التسييس يدلو بدلوه في القضايا السياسية، كمطالبته في عام 2015 بوضع حد سنوي أعلى لأعداد اللاجئين الراغبين في القدوم إلى ألمانيا، الأمر الذي أثار استغراب يهود كثيرين كان آباؤهم أو أجدادهم أنفسهم لاجئين". ومثال آخر ساقه دريفوس هو مطالبة رئيس المجلس في فبراير/شباط الماضي بحذف مصطلح "العرق" من القانون الأساسي الألماني (الدستور)، عازيا ذلك بالقول إن هذا المصطلح "يذكّر بإبادة ملايين اليهود".

أما مهمة التسييس على المستوى غير الرسمي، فيأخذها على عاتقه غالبا "أشخاص غير يهود". إذ يشعر سياسيون وصحفيون وآخرون بالتزامهم بمصطلح أسست له المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، وبات في الأعوام الماضية المحدد الأساسي لعلاقة ألمانيا مع إسرائيل. إنه مصطلح "المصلحة الوطنية" (بالألمانية Staatsräson) الذي رسّخته ميركل في العقل السياسي الألماني في خطاب ألقته في عام 2007 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكررته في عام 2008 أمام الكنيست واستخدمت فيه هذا المصطلح الذي نقل العلاقات بين بلادها وإسرائيل إلى مرحلة غير مسبوقة في تاريخ هذه العلاقات التي تأسست رسميا في مايو/أيار 1965.

هنا يأتي دور السياسيين الألمان "المتعاونين" بحسب وصف المؤرخ موشي تسُكّرمان في بداية التقرير والحديث هنا عن السلطة التشريعية الأولى في ألمانيا البرلمان (بوندستاغ) الذي اتخذ قبل أسابيع قرارا مثيرا للجدل لم يجرؤ أي برلمان قبله على اتخاذه، وينص على حماية الحياة اليهودية حتى في مجالات الفن والثقافة والإعلام.

وتكمن خطورة هذا القرار -بحسب آدم بورمبرغ- في فرض إجراءات رقابة غير مسبوقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتخلص ألمانيا من النازية، وفي التمهيد لاتخاذ مزيد من هذه الإجراءات في المدارس والمرافق الثقافية والتعليمية، الأمر الذي يتناقض مع وظيفة ودور هذه المرافق الذي يضمن حرية التعبير والرأي.

ويصف برومبرغ دور الإعلام في تمرير كل ذلك بـ"المحوري"، قائلا إن وسائل الإعلام الألمانية قادرة على ممارسة الضغوطات على المرجعيات الثقافية، وعلى ثنيها عن رأيها، مما يقوّض الحرية الأكاديمية في نهاية المطاف.

ولا تخلو تحذيرات برومبرغ من دق ناقوس الخطر من انقسام المجتمع الألماني الذي يشهد حالة استقطاب سياسي كبير، ويقول إن مجرد تضامن شخص مع الفلسطينيين في وسائل التواصل الاجتماعي يكفي لتجريم هذا الشخص، مما سيزيد حالة الاستقطاب والتوتر والانقسام في المجتمع.

العنصرية ضد العرب

ولكن الشيء الأخطر من تسييس الحياة اليهودية في ألمانيا -كما يقول عضو الهيئة الإدارية في "الصوت اليهودي" أودي راز- هو استغلال اليهود من أجل إعادة إنتاج العنصرية ضد العرب والمسلمين.

ويتهم راز البرلمان الألماني بالفشل في حماية حياة اليهود في ألمانيا بالقول إن البرلمان "يفشل في كل مرة في حماية حياة اليهود. ولكن ليس فقط هذا، بل إن البرلمان (بوندستاغ) يستغلنا من أجل استنساخ العنصرية ضد المسلمين والعرب والفلسطينيين والتقليل من أهمية ما يحدث الآن في غزة والضفة الغربية وفي كل مكان بين نهر الأردن والبحر المتوسط، وفي الوقت الحاضر في لبنان. فالناس هناك يدفعون ثمن ذلك".

ورغم جميع محاولات السلطات الألمانية تسييس حياة اليهود، يقول عضو الهيئة الإدارية في "الصوت اليهودي" إنه متفائل بمستقبل التعايش السلمي بين المسلمين واليهود في ألمانيا، متهما كل من يحاول ذلك بالعداء للإسلام ولليهود في آن واحد.

ووفق راز، فإن منظمة "الصوت اليهودي" تزداد أهمية كل يوم، وازدياد أعداد المنتسبين إليها يشير إلى قدرتها على إقناع الرأي العام في ألمانيا بمعارضة سياسة الحكومة الألمانية تجاه الصراع في الشرق الأوسط، وبالخروج إلى الشارع من أجل التظاهر ضد هذه السياسة.

إضافة إلى ذلك، يتهم راز البرلمان الألماني بالفشل في حماية حياة اليهود في ألمانيا، والأخطر من ذلك باستغلال اليهود من أجل استنساخ العنصرية ضد المسلمين والعرب والفلسطينيين، والتقليل من أهمية الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في كل مكان بين النهر والبحر.

ورغم ذلك، يبدو أن راز متفائل بالتعايش السلمي بين اليهود والمسلمين في ألمانيا، وذلك كله رغم المضايقات التي يتعرض لها "الصوت اليهودي" ورغم جميع المحاولات الرامية إلى تجريده من حقه في تمثيل جزء من اليهود في ألمانيا، وإلى وصم كل من ينتقد سياسة الحكومة الإسرائيلية بالتهمة الجاهزة، العداء للسامية.



المصدر : الجزيرة