"أهنئ خيراردو فيرثين بتعيينه وزيرا لخارجية الأرجنتين. لقد تأثرت بشدة لرؤية الرئيس خافيير ميلي وهو يقرأ جزءا من التوراة، ويحمل واحدة من لفافاته عند أدائه اليمين أثناء حفل تنصيبه. كانت لفتة مؤثرة، تعكس ارتباطه العميق والحقيقي بالشعب اليهودي ودولة إسرائيل". هذه مقدمة لتغريدة نشرها يسرائيل كاتس على منصة إكس في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني، عند مغادرته منصب وزير خارجية إسرائيل إلى منصب وزير الحرب في حكومة بنيامين نتنياهو السادسة. فكانت -من حيث لا يقصد- شاهدا على سجله في التعامل مع العالم على أنه منقسم إلى جبهتين: جبهة أصدقاء تضم دولا وهيئات وشخصيات شديدة الولاء لإسرائيل، مهما بلغت درجة ارتكاباتها، وجبهة أعداء تضم كل من لا يتفق مع سياسات يمينها المتطرف بغض النظر عن دوافعه.
فمنذ ما قبل تعيينه رسميا وزيرا للخارجية في يناير/ كانون الثاني الماضي، التزم إثارة العواصف مع من يراهم خصوما لإسرائيل. فبعد توليه في فبراير/ شباط 2019 ولفترة قصيرة منصب وزير الخارجية بالوكالة، أشعل أزمة مع بولندا بعد إجهاض رئيس حكومتها عقد قمة في تل أبيب لدول معاهدة فشغراد الأوروبية الأربع (بولندا والتشيك والمجر وسلوفاكيا) كان من شأنها تعزيز موقف نتنياهو الانتخابي. فقال إن "البولنديين يرضعون معاداة السامية مع حليب أمهاتهم". ورفض بشدة لاحقا الاعتذار عن التصريح الذي أثار حفيظة البولنديين.
أما عندما أصبح وزير خارجية بالأصالة، بموجب اتفاقية تناوب داخل الليكود خلفا لإيلي كوهين، التزم كاتس سياسة تثبت أن منصب رأس الدبلوماسية يمكن أن يستخدم في الوقت ذاته في نقيضها، خصوصا مع تزامن ولايته مع حرب الإبادة الإسرائيلية المتوالية فصولا في غزة، واتساعها لاحقا لتشمل لبنان.
يكفي استعراض موقع كاتس على منصة إكس لتكوين فكرة كيف حوله هذا السياسي الليكودي، إلى منصة للتجريم والتشهير والإرهاب الفكري الموجّه لمؤسسات وحكومات وشخصيات ومنظمات دولية، آخرها الأمين العام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
ففي 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 أي في الشهر الثاني لحرب غزة زار رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز ونظيره البلجيكي معبر رفح وأعلنا من هناك أن "قتل المدنيين الأبرياء من دون تمييز (في قطاع غزة) غير مقبول على الإطلاق". ردة فعل كاتس على التصريح كانت باستدعائه سفيري إسبانيا وبلجيكا بتل أبيب في سياق احتجاج رسمي، واتهمهما بـ"دعم الإرهاب".
وفي 28 مايو/أيار 2024 أعلن بيدرو سانشيز رئيس وزراء إسبانيا اعتراف بلاده بدولة فلسطينية، فاتخذها كاتس فرصة للهجوم عليه وعلى نائبته يولاندا دياز بعد ترديدها شعار "فلسطين حرة من النهر إلى البحر". فاتهمه "بالتواطؤ في التحريض على إبادة اليهود وارتكاب جرائم بحقهم". وبعد هزيمة حزبيهما في الانتخابات في العاشر من يونيو/ حزيران سخر كاتس منهما وغرد قائلا "لقد عاقب الشعب الإسباني ائتلاف سانشيز ويولاندا دياز بهزيمة مدوية في الانتخابات"، وأرفق التغريدة بصورة تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي، تظهر السياسيين اليساريين مع بيض مكسور فوق رأسيهما.
وطالت حملات كاتس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فقال في تغريدة بذكرى مرور عام على هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إن ما أسماه "العالم الحر" يدين "مجرمي حماس، بينما يمتدحهم الديكتاتور أردوغان: "إنهم مقاتلون من أجل الحرية يقاتلون من أجل تركيا" حرية الاغتصاب، حرية القتل، حرية تدنيس الجثث وحرق الأطفال".
وبعد يوم من الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل مطلع أكتوبر/ تشرين الأول منع كاتس الأمين العام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من دخول إسرائيل بدعوى عدم إدانته الهجوم، وقال في بيان على منصة "إكس" إن "أي شخص لا يمكنه إدانة الهجوم الإيراني الشنيع على إسرائيل لا يستحق أن يُسمح بأن تطأ قدماه التراب الإسرائيلي. هذا أمين عام معاد لإسرائيل يدعم الإرهابيين والمغتصبين والقتلة".
وبعد مقتل 4 تايلنديين وإسرائيلي في هجوم صاروخي لحزب الله على مستوطنة المطلة في 31 أكتوبر/ تشرين الأول نشر كاتس على صفحته صورة مركبة تظهر غوتيريش جاثيا أمام الزعيم الإيراني علي خامنئي. وأرفقها بتعليق يقول: "الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لم يكلف نفسه عناء إدانة حزب الله أو الدعوة إلى فرض عقوبات عليه، فهو مشغول فقط بمهاجمة إسرائيل واسترضاء المنظمات الإرهابية ومحور الشر الإيراني الذي يدعو إلى تدميرها".
بعد إقالة نتنياهو ليوآف غالانت في الخامس من نوفمبر/ تشرين الأول على خلفية خلافهما على كيفية إدارة الحرب، أسند الأول لكاتس المولود عام 1955 لأبوين من يهود رومانيا، منصب وزير الدفاع رغم تواضع خلفيته العسكرية قياسا بمن سبقوه في المنصب. فقد التحق -كما توضح سيرته المنشورة- بالجيش عام 1973، لكن علاقته مع المؤسسة العسكرية توقفت عند عام 1977، إذ خدم في صفوف قوات المظلات قبل هذا التاريخ بـ4 سنوات، ثم تطوّع في لواء المظليين وتدرّج في المناصب العسكرية ليصبح ضابط مشاة في عام 1976، قبل أن يترك الخدمة عام 1977. ثم خدم ضابط احتياط في حرب لبنان الأولى (يونيو/ حزيران 1982-سبتمبر/أيلول 1982).
لم تغب هذه الملاحظة عن المحللين الإسرائيليين عند تناولهم اختيار رجل ذي خلفية عسكرية متواضعة لقيادة جيش يخوض حربا متعددة الجبهات.
فقال المحلل السياسي أفيف بوشينسكي، مدير مكتب نتنياهو السابق، في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، إن كاتس "أكثر انسجاما مع رئيس الوزراء من سلفه غالانت"، وأضاف "لا أستطيع أن أتذكر حادثة واحدة كان فيها يسرائيل كاتس معارضا لنتنياهو في أي شيء".
أما نتنياهو نفسه فنقلت عنه يديعوت أحرونوت أنه "أظهر ثقة في خبرة كاتس الواسعة وقيادته"، قائلا إنه "مجهز جيدا لقيادة الجهود الدفاعية خلال هذه الفترة الحرجة".
غير أن وقائع سيرة كاتس السياسية والأمنية قبل وصوله إلى أعلى منصب عسكري كشفت أنه -مع ولائه لنتنياهو- كان من فئة الليكوديين المتشددين منذ انضمامه لعضوية الكنيست عام 1998. فهو إلى جانب توليه مناصب وزارية عدة خلال العقدين الماضيين، منها وزير الزراعة، والنقل، والمخابرات، والمالية والطاقة، كان صاحب "خطة" زيادة عدد المستوطنين في مرتفعات الجولان بشكل كبير، التي قدّمها للكنيست في يناير/كانون الثاني 2004. وفي مارس/آذار من العام ذاته لوّح بالاستقالة من حكومة رئيس الوزراء السابق آرييل شارون احتجاجا على خطتها للانسحاب من قطاع غزة من طرف واحد. فعل ذلك رغم أنه - حسب متخصص في الشأن الإسرائيلي - كان يعتبر شارون وقتها مثاله الأعلى.
غير أن تعامل كاتس مع القوانين المحلية كان يسير باتجاه آخر، فقد أظهرت معلومات نشرتها وكالة أنباء الأناضول، أن له ماضيا جنائيا طمسه توليه تباعا مناصب عليا في الدولة، فأفادت أنه حوكم بالاحتيال وخيانة الأمانة بعد تعرضه لحادث سير عندما كان لا يزال نائب مدير وزارة الصناعة والتجارة في عهد الوزير آنذاك أرييل شارون أواخر الثمانينيات. في ذلك الوقت، حاول إقناع سائق في المكتب بالإدلاء بشهادته كما لو كان هو الذي يجلس خلف عجلة القيادة. وبعد صفقة إقرار بالذنب، أدين كاتس، لكن تم حذف جريمة الاحتيال وخيانة الأمانة من سجله العدلي.
وفي العام 2009، قرر المستشار القضائي للحكومة آنذاك ماني مزوز، إغلاق ملف التحقيق ضد كاتس بسبب تعيينات سياسية بوزارة الزراعة عندما كان على رأسها (2003-2006) رغم توصية الشرطة بتقديم لائحة اتهام ضده بتهمة الاحتيال وخيانة الأمانة، وفي مارس/آذار 2007 لاحقته تهم الاحتيال وخيانة الأمانة، بعدما أقدم على تعيينات في وزارة الزراعة بُنيت على محاباة سياسية وعائلية.
أما بشأن علاقته بالفلسطينيين فعُرف كاتس المولود في عسقلان بشخصيته الصدامية منذ وقت مبكّر، حين أُوقف عن رئاسة الاتحاد في الجامعة العبرية في القدس لمدة سنة في مارس/آذار 1981، إثر مشاركته في أنشطة عنيفة احتجاجا على وجود طلاب من فلسطينيي 48 بالحرم الجامعي. وفي الشهر الرابع لحرب غزة، اقترح إنشاء "جزيرة صناعية" قبالة سواحلها لنقل السكان الفلسطينيين إليها، وإحلال مستوطنين يهود بدلا منهم، وهي الفكرة التي طرحها خلال اجتماعه مع نظرائه الأوروبيين، لكن الخارجية الإسرائيلية نفت ذلك لاحقا، وقالت "إن ما عرضه الوزير هو بناء ميناء لغزة على جزيرة صناعية".
أما في أغسطس/ آب 2024 فدعا إلى "إجلاء الفلسطينيين من مدن الضفة ومخيماتها، كما يتم إخلاء مخيمات قطاع غزة"، مبررا ذلك بالقول إن "هذه حرب على كل شيء، وعلينا أن ننتصر فيها"، لذا لم تترد الصحافة الإسرائيلية عند اختيار كاتس المقيم في مستوطنة كفار أحيم لمنصبه الجديد عن تسميته "الجرافة". في حين رأى المعلقون الإسرائيليون فيه مجرد " مقاول فرعي" يتلخص طموحه بإرضاء سيده.