بصمات بن غفير وسجّانيه حملها بدر ومعزز

بن غفير وحرب غزة.. ظروف" جهنمية" للأسرى والموقوفين ميدجيرني - الجزيرة
بن غفير وحرب غزة.. ظروف" جهنمية" للأسرى والموقوفين ميدجيرني - الجزيرة
بن غفير وحرب غزة.. ظروف" جهنمية" للأسرى والموقوفين - الجزيرة
بن غفير وحرب غزة.. ظروف" جهنمية" للأسرى والموقوفين - الجزيرة

" لسوء حظي ودهشتي اضطررت خلال الأيام القليلة الماضية للتعامل مع أسئلة من قبيل ما إذا كان لدى الأسرى ( الفلسطينيين) سلة فواكه. وأنا أقول يجب إطلاق النار على رؤوسهم بدلا من أعطائهم الطعام ، وتمرير قانون "العظمة اليهودية"، بالقراءة الثالثة. وحتى إقرار قانون الإعدام، يجب إعطاؤهم أقل القليل كي يعيشوا".

هذا التصريح الموثق بالصوت والصورة على مواقع التواصل لوزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، لم يكن عند إدلائه به يوم 30 يونيو/حزيران الماضي، أكثر من قمة جبل الجليد لملفه الحقوقي الذي تضخم بعد الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 .

فالرجل المعروف بتسليح المستوطنين، وتكرار زياراته الاستفزازية لباحة المسجد الأقصى، وزاد عليها مطالبته بإقامة كنيس يهودي فيه، ثم كرر مطالبته بتجويع الفلسطينيين، مما الذي دعا وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي لدراسة فرض عقوبات عليه وعلى زميله بلتسئيل سموترتريتش وزير الأمن القومي في حكومة نتنياهو. أما موضوع  التنكيل بالأسرى الفلسطينيين ، فوضعته منظمة بيتسيلم الحقوقية الإسرائيلية تحت مجهرها بناء على التوجيهات والأوامر التي يصدرها لمرؤوسيه، بوصفه رئيسا لمصلحة السجون، لتخلص في تقرير صدر في أغسطس /آب الماضي إلى أنه تحول إلى " منهجية".

Israel's Ultranationalist Ben Gvir Campaigns Ahead Of Legislative Elections
بن غفير : أقل القليل يجب إعطاؤه للأسرى الفلسطينيين( غيتي)

ما الذي تغير في القوانين والممارسات الإسرائيلية خلال تولي بن غفير وزارة الأمن القومي وإدارة مصلحة السجون الإسرائيلية تاليا ؟ وما الذي تراكم خلال الفترة اللاحقة على انطلاق حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة وامتداداتها في الضفة الغربية والقدس؟

إعدام الأسرى

بدأت القصة مع مبادرة حزب العظمة اليهودية " بزعامة بن غفير في مارس/آذار  2023 أي بعد 3 أشهر من تشكيل حكومة بنيامين نتنياهو الحالية باقتراح  مشروع قانون أيده نتنياهو، يتيح إعدام الأسرى الفلسطينيين. وبعد 43 يوما من الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة أعاد بن غفير إحياءه ، ليحصل على مصادقة لجنة شؤون الأمن القومي بالكنيست في 22 أبريل/نيسان الماضي . وينص القانون على "فرض عقوبة الإعدام على من يرتكب أي عمليات قتل لإسرائيليين لدوافع قومية، ومخالفات تهدف للمساس بإسرائيل، وحق الشعب اليهودي في أرضه". ويشمل القانون "كل من يثبت ضلوعه بالمخالفات أو التخطيط لها أو دفَع أشخاص لارتكابها". علما أن إسرائيل لا تطبق عقوبة الإعدام مهما كانت التهمة . وتكتفي بالسجن لفترات طويلة قد تصل إلى مئات السنين.

سموتريتش وبن غفير يتداولان خلال واحدة من جلسات الكنيست ( الأوروبية)

وسبق مبادرة بن غفير وحزبه، إدخال الحكومة الإسرائيلية تعديلات جديدة على قانون احتجاز المقاتلين غير الشرعيين القائم منذ سنة 2002، وذلك لتشريع اعتقال آلاف الفلسطينيين من داخل قطاع غزة، كجزء من أنظمة طوارئ تم تفعيلها مع إعلان حالة الحرب ، حسب ورقة بحثية نشرتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية في أغسطس/آب الماضي. وجرت هذه التعديلات على 3 مراحل، آخرها دخل حيز التنفيذ مع بداية شهر آب/أغسطس، ويسري مفعوله حتى نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2024 ويشير مصطلح المقاتل غير الشرعي- (unlawful combatant)  إلى شخص ينتمي إلى جماعة مسلحة، لا يعتبره الطرف الآخر مقاتلاً شرعياً، وبالتالي، فإنه عند اعتقال الفرد وأسرته، لا تسري عليه اتفاقية جنيف، ويُعتبر أفراد الجماعة خطراً على أمن الدولة، إذ يشرع اعتقالهم واحتجازهم إلى أجل غير مسمى، كما هو الحال مع آلاف الذين اعتقلتهم إسرائيل من داخل قطاع غزة.

ورفع التصنيف الجديد وحملة الاعتقالات التي شهدها قطاع غزة والضفة الغربية والقدس المحتلة خلال الحرب، عدد الأسرى الفلسطينيين المعترف بهم في سجون إسرائيل إلى 9900 بعد أن كان عددهم 5250  قبلها. وبلغ عدد من صنفتهم إدارة سجون الاحتلال من معتقلي غزة "بالمقاتلين غير شرعيين" الذين اعترفت بهم إدارة سجون الاحتلال (1584) حسب نادي الأسير الفلسطيني، علما أن هذا المعطى لا يشمل كافة معتقلي غزة وتحديدا من هم في المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال.

الحد الأدنى

أما داخل السجون نفسها  فكان لبن غفير بصمته الخاصة. ففور توليه منصب وزير الأمن القومي في حكومة بنيامين نتنياهو التي تشكلت في أواخر ديسمبر/كانون الأول وضع بن غفير سياسة جديدة قوامها " تقليص كميات الغذاء للأسرى الفلسطينيين" حسبما أفادت منظمة بيتسيلم في تغطية نشرت في أغسطس /آب الماضي .وأشارت إلى أن أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول كانت "هي الذريعة اللازمة لوضع خطته المنظمة موضع التنفيذ". وتفاخر  الوزير نفسه بأنه أمر مصلحة السجون بعدم تزويد الأسرى الفلسطينيين بالغذاء بالحد الأدنى المطلوب وتزويدهم بمقدار ونوعية مختلفين عما يحصل عليه السجناء الجنائيون.

f/Blindfolded Palestinian detainees are lead out of the Gaza Strip, near Netiv Haasara, by Israeli soldiers of the Golani infantry unit after an operation in the territory, 08 November 2007.
جنود إسرائيليون يقتادون أسرى فلسطينيين عام 2007 بعد توغلهم في قطاع غزة(الفرنسية-أرشيف)

في حقبة بن غفير سجلت آثار غير مسبوقة للتعذيب الجسدي والنفسي على الموقوفين والمعتقلين الفلسطينيين وخصوصا أولئك الذين اعتقلوا بعد حرب غزة.  ففي 22 يونيو / حزيران الماضي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر شاباً فلسطينياً يُدعى بدر دحلان تظهر عليه آثار الاضراب النفسي بعد أفراج الجيش الإسرائيلي عنه ضمن فوج من 33 معتقلاً من قطاع غزة عبر معبر كيسوفيم (القرارة) العسكري شرق قطاع غزة. وبدا دحلان وهو متزوج وأب لفتاة صغيرة مذهولا وجاحظ العينين .  وأفاد طبيب في مستشفى شهداء الأقصى بأن بدر يعاني من اضطراب نفسي ناتج عن التعذيب والظروف القاسية التي تعرض لها خلال الاعتقال

أهلا بكم في جهنم

swearing-in ceremony for the new Israeli parliament the 25th Knesset
swearing-in ceremony for the new Israeli parliament the 25th Knesset
بن غفير ونتنياهو بعد أداء وزراء حكومة نتنياهو اليمين ( رويترز)
بن غفير ونتنياهو بعد أداء وزراء حكومة نتنياهو اليمين( رويترز)

وفي 9 يوليو/تموز انتشرت صور ومقاطع فيديو مروّعة لمعزّز عبيات، الثلاثينيّ الفلسطيني، الذي أُفرج عنه من سجن النقب جنوبي إسرائيل، بعد قضاء 9 أشهر رهن الاعتقال الإداري. وقال معزز في أحد مقاطع الفيديو: "إخواني يموتون في سجن النقب. 3 آلاف سجين. كل ليلة يضربوننا. لا يطعموننا. لا مياه. لا استحمام. كل شيء لا يتصوره العقل". وأكد أن بن غفير نفسه شارك في تعذيبه  وأنه داس على جسده في 4 ديسمبر/كانون الأول عندما كان قابعا في سجن عوفر.


الأسرى الشهداء

ويقول نادي الأسير الفلسطيني إن ما لا يقل عن 22 أسيرًا استشهدوا في سجون الاحتلال بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، ممن تم الكشف عن هوياتهم وأعلن عنهم ، بالإضافة إلى العشرات من معتقلي غزة الذين استشهدوا في السّجون والمعسكرات ولم يفصح الاحتلال عن هوياتهم وظروف استشهادهم، إلى جانب العشرات الذين تعرضوا لعمليات إعدام ميداني. علمًا أنّ الاحتلال اعترف بأنه اعتقل نحو 4 آلاف مواطن من غزة، أفرج عن المئات منهم، مع الإشارة إلى أنّ الاحتلال اعتقل المئات من عمال غزة في الضّفة، إضافة إلى مواطنين من غزة كانوا متواجدين في الضّفة بهدف العلاج.

حملات الاعتقال في الضفة - المصدر:نادي الأسير الفلسطيني
حملات الاعتقال في الضفة - المصدر: نادي الأسير الفلسطيني

ونشر جنود إسرائيليون في أوقات سابقة عشرات مقاطع الفيديو والصور التي تظهر وحشية وتعاملا قاسيا وغير مبرر منهم مع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال اعتقالهم، ودفعهم لشتم قيادات المقاومة وإهانتهم ومنع المياه والطعام عنهم وضربهم بأعقاب البنادق أو بالأحذية العسكرية، وكان يتم وضع أسلحة ومعدات عسكرية أمام المعتقلين في بعض الأحيان لإظهار أنهم ينتمون لفصائل المقاومة والقول في بعض الأحيان إنهم مسلحون فلسطينيون استسلموا للقوات الإسرائيلية.

من جانبه وثق "مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة " المعروف اختصارا بـ"بيتسليم" في أغسطس/آب الماضي تحول السجون الإسرائيلية إلى شبكة معسكرات تعذيب. فتحت عنوان "أهلا بكم في جهنم" وثق المركز إفادات 55 فلسطينيا وفلسطينية بشأن معاملتهم وتوقيفهم في ظروف غير إنسانية بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. بينهم 30 من سكان الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية و21 من سكان قطاع غزة.


وتراوحت ممارسات السجانين الإسرائيليين -حسب الإفادات- بين العنف المتكرر والتعسفي، والاعتداء الجنسي، والإهانة والتحقير، والتجويع المتعمد، والحرمان من النوم، ومنع ممارسة العبادة ،والحرمان من العلاج الطبي.

في إفادة رشدي ظاظا(30 عاما) وهو أب لطفلين من سكان حي الزيتون في مدينة غزة الذي اعتقل في سجن النقب كتسيعون وفي مركز اعتقال آخر لم يستطع تحديده يقول "خلال التعذيب أثناء التحقيق كانوا يسألوني: "أين السنوار؟" فأجيبهم بأني لا أعلم . قال لي الجندي  " اعترف لكي تستطيع العودة إلى البيت". ويضيف " الجندية التي كانت تقف خلفي وضعت جهازا كهربائيا على رقبتي، فتلقيت صعقة كهربائية دفعتني مترين إلى أمام".

أما ص ب من سكان القدس الشرقية فيقول ما نصه:" قبل 7 أكتوبر/تشرين الأوّل كان في كلّ جناح مطبخ، وكان بإمكاننا شراء العديد من المنتجات من "الكانتينة": لحوم، دجاج، خضراوات، فواكه، ملح، بهارات، سكّر وأرزّ. كنّا نحن نطبخ حينها، لذا كان الأكل لذيذًا ولم نعدمه. لكن بعد 7 تشرين الأوّل أُلغِي "الكانتينة"، كما قلتُ، وصادروا أيضًا كلّ الأكل الذي كنّا قد اشتريناه سابقًا. كنّا معتمدين بشكل كامل على الطعام الذي وفّرته لنا إدارة السجن، وكان شعورنا بأنّهم يحاولون تجويعنا عقابًا على ما حدث في غلاف غزّة".

أما فؤاد حسن (45 عامًا) وهو متزوّج وأب لـ5 أبناء، من سكّان قصرة في محافظة نابلس لكنه يعمل في منطقة أريحا في قطف التمر، فيقول في وصف ما تعرض له: «نقلونا إلى مجيدو وعندما نزلنا من الحافلة، قال لنا أحد السجانين: أهلًا بكم في جهنم».

تصميم : قسم الوسائط

المصدر : الجزيرة