زلزال تركيا وسوريا.. جهود إنقاذ بطولية تصارع الوقت والمناخ

يكافح ضحايا زلزال تركيا وسوريا من أجل البقاء على قيد الحياة حيث تعيق الظروف الجوية القاسية جهود الإنقاذ، رغم الجهود البطولية لفرق الإغاثة.

(الجزيرة)

يسابق رجال الإنقاذ الزمن في تركيا وسوريا، ويعملون في أجواء شديدة البرودة وصلت أحيانا إلى 8 درجات مئوية تحت الصفر، ووسط تساقط للأمطار والثلوج، للتنقيب في بقايا المباني التي دمرتها الزلازل، أملا في العثور عن ناجين وانتشال الجثث العالقة تحت ركام الأبينة المنهارة.

ويؤدي سوء الأحوال الجوية بالمنطقة إلى إعاقة عمليات الإنقاذ والإغاثة. كما أسهمت المباني المنهارة والطرق المدمرة في صعوبة تحديد أماكن الناجين وإيصال المساعدات الأساسية إلى المناطق المتضررة.

وقع مركز الزلزال الأول على بعد حوالي 33 كيلومترا من مدينة غازي عنتاب، وهي مدينة رئيسية وعاصمة إقليمية في جنوبي شرقي تركيا، وهي ملاذ أيضا لملايين اللاجئين السوريين الذين يعيشون في جنوبي تركيا. وبقي الآلاف من السكان بعد الزلزال دون مأوى في أجواء شديدة البرودة. وحذرت منظمة الصحة العالمية من أن أكثر من 23 مليون شخص قد يتضررون من الزلزالين اللذين ضربا جنوبي تركيا وشمالي سوريا.

وتزداد درجات الحرارة انخفاضا في الليل في المناطق المتضررة، ويتسبب الطقس البارد في وفاة العديد من الضحايا العالقين، إضافة إلى أنه يعقّد عمليات الإنقاذ والاستجابة السريعة خصوصا أثناء الليل.

وبعد مرور أسبوع على حدوث زلزال كهرمان مرعش، تجاوزت حصيلة قتلى الزلزال 34 ألفا (29 ألفا و605 قتلى في تركيا، ونحو 4500 في سوريا) إثر انتشال المزيد من الجثث من تحت أنقاض المباني المدمرة في البلدين، مع استمرار العثور على ناجين رغم مرور أسبوع على الكارثة.

ورغم الصعوبات واستمرار الهزات الارتدادية التي تراوحت بين 3 و4.7 درجات، فإن فرق البحث والإنقاذ تمكنت بعد جهود جبارة من انتشال العديد من العالقين تحت الأنقاض في مدن تركية عدة، لكن الآمال في العثور على المزيد من الناجين تتراجع تدريجيا، وفي المقابل أعلن الدفاع المدني في الشمال السوري (الخوذ البيضاء) انتهاء عمليات الإنقاذ.

كثافة سكانية عالية

وفي تركيا، أعلنت حالة الطوارئ في 10 محافظات على طول حدودها الجنوبية مع سوريا، والمحافظات المنكوبة هي: قهرمان مرعش، وأضنة، وأديامان، وعثمانية، وهاتاي، وكيليس، وملاطية، وشانلي أورفا، وديار بكر، وغازي عنتاب. وتبلغ مساحتها مجتمعة نحو 100 ألف كيلومتر مربع.

يعيش حوالي 15 مليون شخص في هذه المحافظات العشر، بينهم أكثر من 1.7 مليون لاجئ سوري، وفقا لمنظمة الأمم المتحدة. وفي سوريا، يقدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" (OCHA) تضرر 10.9 ملايين شخص في محافظات حماة واللاذقية وإدلب وحلب وطرطوس.

وتبعا للعدد الهائل من المباني المدمرة، من الصعب قياس عدد الأشخاص الذين قد لا يزالون محاصرين تحت الأنقاض. ويحاول رجال الإنقاذ التقاط أي صوت خافت قد يشير إلى الحياة بين الحطام وركام الأبينة. وتتميز معظم المدن التي ضربها الزلزال بكثافة سكانية عالية، تسهم في زيادة عدد الضحايا، ويظهر الإنفوغراف التالي عدد السكان في تلك المناطق.

وتضررت آلاف المباني، بما في ذلك المدارس والمستشفيات، في تركيا وسوريا. وانهار ما يقدر بنحو 6 آلاف إلى 7 آلاف مبنى في تركيا. وفي بعض المناطق القريبة من مركز الزلزال، تمت تسوية أحياء بأكملها بالأرض. وفي سوريا، تم تدمير أكثر من 400 مبنى بالكامل، ولحقت أضرار جسيمة بأكثر من 1300 مبنى، وتضررت آلاف المباني الأخرى في شمالي غربي سوريا.

وأدى أكثر من عقد من الحرب في سوريا إلى تدهور البنية التحتية بالفعل في المنطقة. ودمر الزلزال بالكامل المجمعات السكنية التي تم بناؤها لاستيعاب العديد من النازحين في الشمال الغربي. كما دمرت أحياء سكنية قديمة في سلقين وحارم بمحافظة إدلب، والأتارب وجندريس في حلب، حيث يعتمد أكثر من 90% من سكان هذه المناطق على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية.

(الجزيرة)

العيش على خط الصدع

تقع المنطقة التي ضربها الزلزال بالقرب من العديد من خطوط الصدع الرئيسية. وتقع معظم تركيا على صفيحة الأناضول، وتحيط بها الصفائح الأوراسية والأفريقية والعربية. وحدث الزلزالان على طول منطقة صدع شرق الأناضول بسبب الحركة بين الصفائح العربية والأناضولية. وصنف زلزالا السادس من فبراير/شباط الجاري بأنهما "قويان للغاية"، إذ زادت قوتهما عن 7 درجات على مقياس ريختر، كما أنهما يدرجان ضمن ما تعرف بـ"الزلازل الضحلة".

وتعد الزلازل الضحلة أكثر تدميرا عامة، حيث يكون الاهتزاز أكثر شدة في الزلازل التي تضرب بالقرب من السطح. ففي الزلازل العميقة، تفقد الموجات الزلزالية طاقتها لأنها تنتقل لمسافة أبعد إلى السطح.

تصنف هيئة المسح الجيولوجي الأميركية "يو إس جي إس" (USGS) الزلازل الضحلة بأنها تلك الواقعة على عمق يتراوح بين صفر و70 كيلومترا. وضرب الزلزالان في قهرمان مرعش على عمق 18 كيلومترا و10 كيلومترات، وشعر الملايين من الناس بالهزات في جميع أنحاء المنطقة على بعد ألف كيلومتر.

ويظهر الإنفوغراف الصدوع والفوالق الرئيسية في المنطقة، والتي تشير إلى أن تركيا تقع في مركز نشاط زلزالي. وشهدت تركيا تاريخيا العديد من الزلازل الكبيرة. وكان زلزال أرزنجان (1939) من أكثرها تدميرا، وبلغت قوته 7.8 درجات، وأودى بحياة نحو 33 ألف شخص، وزلزال إزميت عام 1999، والذي بلغت قوته 7.6 درجات وقتل فيه حوالي 18 ألف شخص.

إلى جانب كونها معرضة للزلازل، تعد تركيا من بين الدول التي شهدت أكبر عدد من الوفيات بسبب الزلازل، وفقا لقاعدة بيانات الكوارث الدولية "إي إم- دي إيه تي" (EM-DAT)، فقد تسببت الزلازل في البلاد في مقتل أكثر من 80 ألف شخص خلال القرن الماضي، دون حساب ضحايا الزلزالين الأخيرين.

دور أنظمة البناء

في أعقاب زلزال عام 1999، تم تطوير قانون بناء جديد في تركيا لضمان استيفاء الهياكل المبنية لمعايير أمان أكثر صرامة. وقال سنان تركان، مهندس مدني ورئيس جمعية تعديل الزلازل التركية، لقناة الجزيرة "على الورق، يتوافق كود التصميم الزلزالي التركي مع المعايير العالمية. إنه في الواقع أفضل من معظمه". لكن من الناحية العملية، فإن الوضع مختلف تماما.

في عام 2017، حذر اتحاد غرف المهندسين والمعماريين الأتراك من أن ما ييبغ 7 ملايين مبنى من إجمالي 20 مليون مبنى في جميع أنحاء البلاد معرضة لخطر الانهيار في حالة حدوث زلزال.

من جهته، يعتقد البروفيسور أوكان تويسوز، مهندس جيولوجي من جامعة إسطنبول التقنية، أن حجم الضرر الناجم عن الزلزال نتج عن مجموعة من العوامل "بما في ذلك الإهمال، والمباني التي لا ترقى إلى المعايير، والقوة الهائلة للزلازل".

يشير تركان من جهته أيضا إلى أن "الزلازل لم تكن شديدة القوة فحسب، بل ضربت أيضا في تتابع سريع، وتضررت المباني بشكل خفيف ومتوسط في الزلزال الأول، لكنها انهارت بعد الزلزال الثاني". ومع ذلك، أكد الخبراء أن مأساة بهذا الحجم لا يمكن تجنبها.

ويضيف "مهما كانت قوتها، لم يكن من الممكن أن يتسبب أي زلزال في هذا القدر الكبير من الضرر إذا كانت جميع المباني على مستوى المعايير".

وأصدرت السلطات التركية أوامر باعتقال العشرات من المقاولين يُزعم أنهم متورطون في تشييد المباني غير المتينة. وقال فؤاد أوقطاي نائب الرئيس التركي السبت الماضي إنه تم إصدار أوامر باحتجاز 131 شخصا يشتبه في مسؤوليتهم عن المباني المنهارة. وأعلنت وزارة العدل التركية -من جهتها- عن التخطيط لإنشاء مكاتب "للتحقيق في جرائم الزلازل".

إعداد: محمد الحداد وفريق AJLabs
ترجمة وتحرير: زهير حمداني
تصاميم: قسم الوسائط

المصدر: الجزيرة