مخيم اليرموك.. حيث لا يعرف العائد بيته

An aerial picture shows a view the destruction at the Yarmouk camp for Palestinian refugees and its cemetery, in the south of Damascus on December 14, 2024. - Islamist-led rebels took Damascus in a lightning offensive on December 8, ousting president Bashar al-Assad and ending five decades of Baath rule in Syria. (Photo by Aris MESSINIS / AFP)
مخيم اليرموك تحول إلى أثر بعد عين (الفرنسية)

دمشق- هبطت الطائرة في مطار دمشق، ولم يستطع سمير أن يتمالك مشاعره، وانهمرت الدموع من عينيه اللتين تحملان شوقا وفرحا، رغم ما كان يعتريه من قلق وترقب.

أقلته السيارة إلى دمشق، فقال للسائق: "إلى مخيم اليرموك"، فهو يريد أن يرى مخيمه، عاصمة الشتات الفلسطيني، قبل أن يصل إلى أهله الذين استقر بهم المقام مهجّرين في ضاحية قدسيا.

دخلت السيارة دمشق تمخر عباب مدينة منهكة حتى وصلت إلى دوار البطيخة الذي يطل على شارع اليرموك وشارع فلسطين وشارع الثلاثين، وهي محاور الدخول الثلاثة إلى "مخيم اليرموك"، المخيم الذي تأسس عام 1955 وأطلق عليه الزعيم الفلسطيني الحاج أمين الحسيني هذا الاسم عندما زاره وهو في طور التأسيس، وامتدت مساحته آنذاك إلى كيلومترين مربعين اثنين، بينما وصل عدد سكانه قبل انفجار الثورة السورية عام 2011 إلى قرابة 1.2 مليون نسمة، منهم نحو 160 ألف لاجئ فلسطيني.

بقي المخيم مختزنا فلسطين في أسماء شوارعه وأحيائه التي حملت أسماء مدن وقرى فلسطينية، مثل حيفا، ولوبيا، وصفد، والقدس، والمنصورة، وعكا؛ فكان ينبض بالحياة، يعج بالثورة، ويختزن الحنين.

لحظة الصدمة

دخلت السيارة مخيم اليرموك، فشعر سمير وكأنه يطفو في الهواء، ويلقي بنفسه في أحضان أمه التي غاب عنها طويلًا. غير أنه بعدما صار معلقا في الهواء، اكتشف أن يدي أمه مقطوعتان، فارتطم بالأرض، فلا هي استطاعت احتضانه أو الأخذ بيديه ليقوم من مكانه، ولا هو استطاع أن يقف على قدميه من جديد.

إعلان

أن يكون الأمر بهذه الصورة؛ إنها زلزلة الساعة أو أشبه بالقيامة التي دُكت الأرض فيها دكا دكا، ومن هول الدمار لم يستطع سمير أن يستبين شوارع أو معالم أو مواقع المخيم، وهو الذي كان يعرفه شبرا شبرا، أو "زاروبة زاروبة" كما يحلو لأهل المخيم التعبير عن أزقته الضيقة.

ومع ذلك، لم يستطع هذا العائد الذي كان المخيم ملعب طفولته، أن يعرف الطريق إلى بيته أو يكتشف حتى المعالم الكبيرة التي كانت في المخيم. سأل أحد المارة، وهم قلة نادرة في شوارع المخيم: "أين مستشفى فلسطين؟"، فأشار الرجل إلى كومة من الركام والدمار، وقال: "هذا هو!".

بصعوبة بالغة، استطاع سمير أن يصل إلى المربع الذي يقع فيه البناء الذي يحوي شقته، ليجد المربع السكني بأسره عبارة عن أكوام من الركام والحجارة.

دمار واسع

وعند السؤال عن الفترة التي دمر فيها النظام السوريّ مخيم اليرموك، هل كانت فترة وجود الفصائل المقاتلة التي دخلت المخيم عام 2012، أم عند دخول تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) إليه عام 2015؟ كانت المفاجأة أن فترة الاقتتال بين النظام السوري السابق والفصائل المسلحة، وكذلك القتال مع تنظيم الدولة، شهدت قصفا للمخيم بالهاون والطيران الحربي، لكنه لم يحدث إلا القليل من الدمار.

غير أن التدمير الواسع للمخيم كان قد وقع عقب خروج تنظيم الدولة (داعش) منه سنة 2018، حيث بدأت عمليات ما يعرف بالتعفيش (أي سرقة عفش البيت والأثاث والأدوات) والنهب الممنهج من قوات النظام، ثم تبعتها عمليات التدمير الواسع.

شهادة طبيب

عامر، طبيب من أهالي مخيم اليرموك، يقول: "عقب انسحاب داعش من مخيم اليرموك سنة 2018، رجعت إلى المخيم لأجد سيارة جيش كبيرة تقف أمام البناء الذي يضم بيتي وبيوت والدي وإخوتي. كان الجنود يفكون الأبواب والنوافذ وكل ما في المنزل من أشياء، بل إننا رأيناهم يسحبون الحديد من الإسمنت المسلح في السقوف".

يتابع عامر قائلا: "حاولت دخول بيتنا، فاعترضني جنود النظام المدججين بالسلاح قائلين لي: نحن الفرقة الرابعة، وممنوع أن تدخل. وأمرونا بالمغادرة على الفور وإلا ندمنا. ثم رجعت بعد عدة أشهر إلى بيتنا فوجدته وما حوله من الأبنية أثرا بعد عين".

إعلان

مشاهد الدمار والمحو وتوقيتها تؤكد أن سبب هذا الدمار لم يكن قتالًا بين النظام والفصائل المعارضة كما قد يظن البعض في البداية، بل إن سبب الدمار هو توجه ممنهج وسلوك منظم وعدوان عن سبق إصرار وترصد، يقصد منه محو مخيم اليرموك.

كان هذا الهدم نتيجة لأسباب نفسية ترجع إلى الحقد الأعمى على هذا المخيم الذي رفض أن يخضع للنظام، وأبى أن يكون جزءا من منظومة الإجرام فيه. كما له أسباب سياسية متعلقة بمغازلة الكيان الصهيوني، من خلال تدمير أكبر معقل للاجئين الفلسطينيين في الشتات، هذا المخيم الذي توعده شارون يوما بقوله: "لك يوم يا مخيم اليرموك"، فهل كان تنفيذ هذا الوعيد الشاروني على يد النظام الأسدي؟!

المصدر : الجزيرة

إعلان