"فزعة الجرافات" تعكس فشل ضرب الحاضنة الشعبية في جنين

فزعة اعادة اعمار جنين التطوعية من قرى غرب وجنوب جنين
أعداد كبيرة من المتطوعين جاؤوا بجرافاتهم لإزالة آثار العملية العسكرية على مدينة ومخيم جنين (مواقع التواصل)

جنين– أسفر انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من مدينة ومخيم جنين شمالي الضفة الغربية عن دمار هائل في البنى التحتية والممتلكات العامة والخاصة في المدينة، كما كشف أيضا -على جانب آخر- عن صورة تكافل كبيرة ولافتة بين المواطنين والأهالي.

فمنذ الساعات الأولى لسحب الجيش الإسرائيلي آلياته من شوارع المدينة، كانت مجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي، تدعو للتوجه إلى جنين، ومساعدة الأهالي المنكوبين، وسط دعوات شبابية لإعانة من تضررت منازلهم وإعادة الحياة للمدينة والمخيم.

على الأرض كان مركز المدينة يزدحم بالجرافات والجرارات الزراعية والشاحنات التي قدمت من قرى المحافظة كاملة، لبدء العمل على ترميم الشوارع وإزالة أكوام الركام المتكدسة أمام أبواب المحال التجارية وعلى جوانب الطرق.

مبادرة شخصية

وعلى مداخل المدينة، كانت الآليات التابعة للمواطنين من قرى جنوب وغرب جنين تشكل طوابير مزدحمة، تنتظر دورها للوصول وبدء العمل في وسط وأحياء المدينة.

ولاقت المبادرة تفاعلًا في الشارع الفلسطيني وترحيبًا واسعًا، وضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بصور وفيديوهات الجرافات التي تقدم "الفزعة" لجنين، وسماها البعض "فزعة الجرافات".

وكانت "جبع" أولى البلدات التي شاركت في المبادرة، وخرج منها عدد من الشبان برفقة جرافاتهم الخاصة. وقال رباح أبو عون منسق المبادرة "منذ صباح الجمعة، تجمّع شبان البلدة مع مركباتهم، وجئنا بـ5 جرافات، و13 جرارًا زراعيًا، إضافة لصهاريج مياه".

بدأ أبو عون، ومجموعته، بأعمال الإغاثة على دوار السينما وسط مدينة جنين، وهو أحد أكثر الميادين التي تعرضت للتدمير الإسرائيلي، فيما انتقل قسم آخر من المجموعة إلى داخل مخيم جنين الذي شهد معارك واسعة، لمحاولة نقل ركام المنازل التي فجّرها الاحتلال ولا سيما في حارات "الحواشين" و"الدمج".

يقول أبو عون للجزيرة نت، إن "الفكرة كانت مبادرة منّا أصحاب الجرافات، والشاحنات، بدافع شخصي وبهدف الوقوف مع أهالي جنين، لأن الضرر كان كبيرًا. وهذه ليست المرة الأولى، فقد نزلت في الاقتحامات السابقة مع صديقين لي، وعملنا في ساحة المخيم وحي الزهراء المحاذي لمدخل المخيم، بجرافاتنا الخاصة، وبدون أي تنسيق مع أية جهة مسؤولة".

ويرى أن حجم الضرر في هذا الاجتياح كان أكبر واستدعى تدخلًا أوسع، وهو ما أدى لاندفاع الناس للمشاركة وتقديم المساعدة والدعم اللوجستي والمعنوي والمادي في بعض الأحيان.

"10 أيام دمرت فيها جرافات الاحتلال كل ما مرّت به، ناهيك عن تفجير المنازل، وأعمدة الكهرباء، كنا نرى ما تفعله جرافات الاحتلال، ونشعر بألم حقيقي. هذه المدينة جمعت ذكرياتنا في مراحل حياتنا المختلفة؛ أسواقها وشوارعها ومحالها، كل ذلك يعنينا" يقول أبو عون.

ويضيف "خلال فترة الاجتياح، كان الوضع في بلدتي (جبع) كئيبًا جدًا، الناس كانت في هم وضيق شديدين، في النهاية نحن شعب واحد، وأبناء محافظة واحدة، وكل ما يحدث في المدينة يصيبنا بشكل أو بآخر".

عوائق تمدد الفزعة

ويقول المشاركون في هذه "الفزعة" "لو كانت الإمكانيات متاحة لوصلنا مدينة طولكرم أيضًا، ولانتقلت الجرافات والشاحنات لإزالة الركام من مخيمي نور شمس وطولكرم، ولترميم شوارعها التي طالها ما طال جنين أيضًا، لكن الوضع الأمني المحيط بمحافظات شمال الضفة، أعاق الشباب المبادرين، عن الوصول إلى هناك".

يقول أبو عون إن "هدف الاحتلال هو ضرب التلاحم الشعبي، والحاضنة في كل المدن، يريدون تفرقتنا، وأن نتحول إلى مناطق معزولة، يفكر كل واحد منا في مصلحته الشخصية فقط، لكنهم لن يفلحوا في ذلك".

أما عضو بلدية جبع عباس غنام، فقال "رأينا حماس الشباب للمشاركة في أعمال الإغاثة الميدانية وترميم الشوارع، وإزالة الركام، حاولنا تنسيق الجهود خاصة مع وجود عدد كبير من المتطوعين، وحتى لا يحدث ازدحام وتضارب في العمل، تحدثنا مع الدفاع المدني بالمدينة ومع بلدية جنين، وأطلعناهم على عدد الآليات التي تحرّكت من البلدة باتجاه المدينة".

ترحيب أهل جنين

يقول محسن حثناوي، أحد سكان الحي الشرقي الذي طاله تدمير إسرائيلي واسع، إنه فوجئ بجرافة تطوّع صاحبها لإزالة الركام في محيط منزله وقد جاء من قرية اليامون غربي المحافظة. والسائق شاب يبلغ من العمر 22 عامًا، قال الحثناوي إن أحدًا لم يطلب منه القدوم للحي الشرقي، أو المشاركة في إزالة الدمار من جنين، وإنه جاء بدافع داخلي.

أما المواطن عماد زايد، فيقول إن مشهد ازدحام الجرافات والآليات المتطوعة القادمة من القرى والبلدات المحيطة بجنين، أعطى انطباعا لأهالي المدينة ومخيمها بأن الاحتلال فشل في تحقيق هدفه بترك جنين مدمرة، غير صالحة للعيش، وأن إسرائيل فشلت في كسرها، وتركها في حاله صعبة.

كانت الصورة صعبة جدًا في جنين بعد انسحاب الاحتلال، لكنها انقلبت إلى مشهد جميل مع تجمع مئات الشبان والفتية أيضا للمشاركة بأنفسهم في إزاحة الأذى عنها، وإعادتها لحالتها السابقة، تضج بالحياة والحركة.

عماد زايد، من سكان جنين؛ عاش الحصار لمدة 10 أيام، وانقطعت الكهرباء عن منزله خلال الاجتياح العسكري بفعل تدمير البنية التحتية، يرى أن جنين تختلف عن باقي المناطق لأن طبيعة المدينة قريبة جدًا من الريف، وأهلها متشابهون في لهجتهم وطريقة عيشهم، ولا يوجد إحساس بالفرق بين المدينة وقراها وبلداتها المحيطة، "وهذا ما خلق التعاضد الذي رأيناه في هذه الفزعة من القرى والأرياف".

ويشدد زايد على أن "ما رأيناه من طوابير الجرافات في الشارع، يؤكد لإسرائيل أن جنين لن يكسرها التدمير ولن يتحقق هدفه في كسر الحاضنة الشعبية للمقاومة، وهو ما تحاول فعله من خلال تحويل جنين إلى خراب".

وبحسب بلدية جنين، فإن الاحتلال دمر 70% من شوارع المدينة خلال الحملة العسكرية الأعنف عليها في الأيام العشرة الماضية، حيث جرى تجريف 20 كيلومترا من الشوارع، كما أحرقت إسرائيل 10 منازل في المخيم بشكل كامل، جراء استهدافها بقذائف "الأنيرجا".

وأكدت البلدية، في بيان لها، أن طواقمها لا تستطيع وحدها إزالة الركام وإصلاح ما دمره الاحتلال، مما يتطلب مساعدة الدفاع المدني ووزارة الأشغال العامة.

المصدر : الجزيرة

إعلان