ما مصير جبهة جنوب لبنان بعد اغتيال نصر الله؟
بيروت- في مرحلة فارقة، نعى حزب الله اللبناني، السبت، أمينه العام حسن نصر الله، الذي اغتيل في غارة إسرائيلية عنيفة استهدفت ضاحية بيروت الجنوبية يوم الجمعة، وبدأت التساؤلات تطرح حول مصير جبهة الجنوب بعدما كان نصر الله قد أعلن سابقا، رغم كل الخسائر البشرية والتضحيات الجسيمة، رفضه فك الارتباط بين الجبهتين، وتوعد بإفشال هدف إسرائيل في إعادة سكان المستوطنات إلى الشمال.
ويشهد لبنان منذ 23 سبتمبر/أيلول الجاري، "أعنف وأوسع" هجوم عسكري من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، والذي يعدّ تصعيدا غير مسبوق منذ بدء المواجهات مع حزب الله قبل نحو عام. حين أعلن نصر الله فتح جبهة الجنوب كإسناد لغزة وشعبها ومقاومتها.
وفيما أسفرت هذه الاعتداءات الاسرائيلية عن سقوط 1640 شهيدًا، بينهم 104 أطفال و194 امرأة، فضلًا عن إصابة 8408 آخرين، وفقًا لبيانات وزارة الصحة اللبنانية.
وفي بيان النعي الرسمي، قال حزب الله "لقد التحق سماحة السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله برفاقه الشهداء العظام الخالدين الذين قاد مسيرتهم نحوًا من ثلاثين عامًا، قادهم فيها من نصر إلى نصر مستخلفا سيد شهداء المقاومة الإسلامية عام 1992 حتى تحرير لبنان 2000 وإلى النصر الإلهي المؤزر 2006 وسائر معارك الشرف والفداء، وصولًا إلى معركة الإسناد والبطولة دعمًا لفلسطين وغزة والشعب الفلسطيني المظلوم".
وشدد البيان على أن "قيادة حزب الله تعاهد الشهيد الأسمى والأقدس والأغلى في مسيرتنا المليئة بالتضحيات والشهداء أن تواصل جهادها في مواجهة العدو وإسنادًا لغزة وفلسطين ودفاعًا عن لبنان وشعبه الصامد والشريف".
استمرار جبهة الإسناد
ويرى المنسق السابق للحكومة اللبنانية لدى اليونيفيل العميد منير شحادة للجزيرة نت، أن اغتيال حسن نصر الله يمثل ضربة قوية للمقاومة، تشبه الضربات السابقة التي تعرضت لها، مثل اغتيال قادة من قوة الرضوان وتفجيرات البيجر، هذه الهجمات تركت آثارًا كبيرة على المقاومة، لكنها أظهرت تماسكًا ملحوظًا، حيث استأنفت استهداف المواقع الإسرائيلية في الجنوب خلال ساعات قليلة بعد واقعة البيجر.
وأشار العميد شحادة إلى أن إسرائيل استطاعت إخراج 3200 مقاتل من المعركة في زمن قياسي لا يتجاوز 4 ثوانٍ، وهو ما يحمل دلالات كبيرة. ويتساءل، "لو افترضنا أن جيشًا آخر واجه الموقف نفسه، لكان من المحتمل أن يعلن استسلامه". هذه الملاحظة تعكس قوة المقاومة وقدرتها على استعادة توازنها سريعًا، وفقا لشحادة.
ورغم الظروف الصعبة، شدد شحادة على أن المقاومة لم تتوقف عن استهداف الكيان الإسرائيلي. وقال "لاحظنا بعد إعلان اغتيال نصر الله، زيادة عدد الصواريخ الموجهة للأراضي الإسرائيلية، بما في ذلك تل أبيب، مما يدل على استمرار قوة المقاومة وقدرتها على مواجهة العدو رغم الخسارة الكبيرة".
وفيما يتعلق بجبهة الجنوب، أكد شحادة أنها تواجه تحديات جدية، ويتوقع أن تستمر العمليات حتى انتهاء الحرب في غزة. وأشار إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى لإعادة سكان المستعمرات الشمالية إلى مناطقهم، ولكن إذا تمكنت المقاومة من الوصول إلى عمق 120 كيلومترًا نحو تل أبيب، فستتعرض جميع المناطق والمستعمرات لمخاطر النزوح، مما قد يحول هدف إعادة 120 إلى 130 ألف مستوطن إلى أكثر من مليون نازح.
كما يؤكد شحادة على عدم وجود فصل بين جبهة جنوب لبنان وجبهة غزة، مشيرًا إلى أن المقاومة لديها خيارات متعددة، خصوصًا بعد تجاوز إسرائيل للخطوط الحمراء وارتكاب المحرمات، مما يُطلق يد المقاومة للتحرك بحرية.
ويشير المتحدث ذاته أن عملية اغتيال نصرالله جاءت بعد إلقاء 84 قنبلة تزن كل واحدة منها ألفي رطل، مما أدى إلى دمار حي كامل واستشهاد المئات.
ويتابع شحادة موضحًا أن المقاومة زادت من وتيرة استهدافاتها باستخدام صواريخ متوسطة المدى وأسلحة جديدة، وإذا لجأت إسرائيل إلى عمل عسكري بري، فإن ذلك سيكون بمثابة هدية للمقاومة، حيث سيتوقف الدعم الجوي عندما تندلع الحرب على مسافة صفر.
ووفقا لشحادة، تمتلك المقاومة قدرات عالية في الحرب البرية، خاصة أن طبيعة الأرض في الجنوب تختلف كثيرًا عن تلك في غزة، التي تعتبر أكثر سهولة، فالأرض في الجنوب وعرة، تضم وديانًا وتلالًا وأحراشًا، بعرض 118 كيلومترًا وعمق 50 كيلومترًا، وهو ما يزيد عن المساحة في غزة.
وأشار إلى أن المقاومة تمتلك أنفاقًا مسلحة بكميات كبيرة من الأسلحة المضادة للدبابات مثل الكورنت و"ثأر الله"، مما يجعل دبابات العدو عرضة للتدمير قبل دخولها إلى ساحة المعركة.
استيعاب الصدمة
من جهته، يرى الكاتب والباحث السياسي الدكتور علي أحمد للجزيرة نت، أن استمرار جبهة الجنوب أمرٌ طبيعي، إذ ليس أمام المقاومة خيار سوى الاستمرار في مواجهة التحديات، فقد فتح الإسرائيلي جبهة جديدة وبدأ حربًا مفتوحة، وفي ظل هذا الوضع، يتعين على المقاومة أن تستمر في التصدي لهجمات العدو.
ويرى الباحث ذاته أن هذه الحرب يجب أن تنتهي بانتصار المقاومة.
ويشير أحمد إلى أن هذه الحرب تأتي مع خسائر وصعوبات كبيرة، لكن المقاومة بدأت تستوعب الصدمة تدريجيًا، ويفيد أن تاريخ المقاومة يوضح أنها دائمًا ما تتمكن من التعامل مع الصدمات في الأسابيع الأولى من أي مواجهة مع العدو الإسرائيلي مستشهدا بحرب يوليو/تموز، حين نفذ الإسرائيلي ضربات مؤلمة للغاية، ولكن المقاومة استطاعت استيعاب هذه الصدمة خلال الأسبوع الأول، مما ساعدها على تغيير مجريات المعركة فيما بعد.
ويقول المتحدث نفسه، إن الجبهة لا تزال قائمة والمقاومة قوية، وستلحق بالعدو خسائر كبيرة. الأمر يتعلق بالوقت فقط. فالعدو، الذي فشل في تحقيق أهدافه أو إنجازات في غزة على مدى عام، لن يتمكن من تحقيق أي إنجازات في لبنان أمام صمود المقاومة.