ما خيارات حزب الله بعد التصعيد الإسرائيلي؟ خبراء يجيبون
بيروت- في تطور خطير يعكس تفاقم المواجهة، شنت إسرائيل، مساء أمس الجمعة، غارة جوية واغتالت القائد الكبير لحزب الله إبراهيم عقيل (الحاج عبد القادر) والقائد أحمد وهبي الذي تولى مسؤولية قوة الرضوان حتى مطلع 2024، مع 15 مقاتلا آخرين، في أثناء اجتماعهم في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت.
هذه العملية جاءت بعد سلسلة من الضربات الإسرائيلية ضد الحزب خلال الأيام القليلة الماضية، بدءا من تفجيرات أجهزة "البيجر" و"ووكي توكي"، وصولا إلى اغتيال قياديين ومقاتلي من قوة الرضوان.
ويشير هذا التصعيد بوضوح إلى دخول المواجهة مرحلة جديدة قد تدفع المنطقة نحو حرب مفتوحة، خاصة في ظل تزايد التهديدات المتبادلة واستعداد الطرفين للرد.
أيام حاسمة
وتزداد الأسئلة في لبنان عن تداعيات رفع إسرائيل وتيرة الاغتيالات، وتوسيع نطاق عملياتها العسكرية في الجنوب، مما يؤكد أنها انتقلت إلى مرحلة جديدة من الحرب ضد حزب الله، لا سيما بعد استهداف عمق الضاحية، وهي حاضنة الحزب الأمنية والسياسية والشعبية.
من جهة أخرى، كان رد الحزب محط الأنظار خلال الأيام الماضية لمعرفة آفاق المرحلة المقبلة، وقد أدخل أهدافا جديدة واستهدف قاعدة العلّيقة للمرة الأولى شمال كتسرين في الجولان السوري المحتل، وتبعد عن الحدود اللبنانية الفلسطينية نحو 20 كيلومترا. كما كثف من إطلاق الصواريخ في فترة زمنية قصيرة.
وفقا لتحليلات المراقبين للجزيرة نت، فإن هذه الاستهدافات الإسرائيلية تهدف بشكل أساسي إلى إضعاف حزب الله وفك ارتباطه مع المقاومة في غزة. ومع ذلك، يبقى الحزب مصمما على إبقاء جبهة الجنوب مساندة لغزة، بالإضافة إلى استعداده للرد القوي المرتقب على التفجيرات والاغتيالات، إذ ستكون الأيام المقبلة حاسمة في رسم مسار التصعيد والمواجهة العسكرية بين الطرفين.
من جانبه، يرى الباحث السياسي المتخصص في العلاقات والنزاعات الدولية علي حمادة أن استهداف الضاحية وعمليات الاغتيال تأتي في سياق الحرب المستمرة بين إسرائيل وحزب الله.
وأشار إلى أن الحزب فتح جبهة إسناد في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتطورت لتصبح نوعا من حرب الاستنزاف بالنسبة للإسرائيليين، إذ يواجهون ضغطا سياسيا نتيجة نزوح عشرات الآلاف منهم من الشمال. ويعتقد أن المعادلة واضحة، فما دامت الحرب في غزة، فإن الحزب الله لن يغير قراره بالإسناد. بينما ترى إسرائيل أن حزب الله قد بادر بتحريك الجبهة الشمالية، مما أدى إلى تصاعد المواجهات بين الطرفين.
تصعيد مستمر
وقد شهدت المنطقة تطورا تصاعديا في المواجهة حتى وصلت الأمور إلى نقطة مفصلية بين احتمالين، إما توقف الحرب أو استمرارها كحرب إسناد، أو تصعيد كبير من قبل إسرائيل، كما يقول علي حمادة للجزيرة نت.
وأشار الباحث إلى الأحداث الأخيرة، بدءا من اغتيال القائد العسكري فؤاد شكر، مرورا بعملية تفجير أجهزة "البيجر" و"ووكي توكي"، وصولا إلى قصف واغتيال مجموعة من ضباط وحدة الرضوان. وبرأيه، فهي تعكس تصعيدا مستمرا خاصة مع وضع الحكومة الإسرائيلية إعادة سكان الشمال إلى منازلهم كإحدى أولويات الحرب، وهو ما يعكس تحول الأمور نحو مستويات أعلى من المواجهة.
من جهة أخرى، ووفق حمادة، حاول حزب الله، طوال الأشهر الماضية، الحفاظ على نطاق ضيق من المواجهات، بحيث تكون حرب استنزاف متوسطة الوتيرة تجنبا لمواجهة كبيرة، لكنه أشار إلى أن ذلك يتطلب قبول الطرفين. وقد اعتبر الطرف الإسرائيلي -بعد استنفاد جميع الوسائل الدبلوماسية الأميركية، ومن بينها زيارة الموفد الأميركي والفرنسيين والبريطانيين إلى لبنان مرارا- أن المعادلة قد تغيرت وتوجهت نحو المواجهة الأمنية والعسكرية.
ولفت إلى الخسائر التي تكبدها حزب الله مما يجعل الكرة في ملعبه، ويطرح تساؤلات حول رد فعله، وإذا ما كان سيحافظ على قواعد الاشتباك التي فرضها سابقا.
وحسب حمادة، لا يوجد حاليا توازن ردعي، إذ إن الاستهدافات الإسرائيلية كانت شديدة، ويتعين على الحزب التشاور مع حلفائه الإقليميين، مثل إيران، قبل اتخاذ أي قرار بشأن التصعيد، لأن قرار الحرب المحدودة أو المضبوطة الإيقاع "يتجاوز لبنان".
استعداد
في المقابل، يعتقد الأستاذ في العلاقات الدولية والمحلل السياسي علي مطر أن حزب الله لا يسعى للحرب، ولكنه مستعد لها إذا فرضتها عليه الظروف، حيث تبقى كل الخيارات مفتوحة. وقد يكون الرد المحتمل هذه المرة أكثر قوة وجرأة مما سبق. وإذا دفع الإسرائيليون الأمور نحو الحرب، فإن الحزب جاهز بقوته العسكرية وبنيته التحتية المتينة.
ويؤكد مطر أهمية التفريق بين عدم الرد وضرورته، فجيش الاحتلال يمتلك إمكانيات كبيرة وقد يعود لاستهداف الضاحية. لذلك، من الضروري إظهار إرادة القتال والاستعداد لأي مواجهة، إذ إن حزب الله يمتلك القدرة على رسم قواعد جديدة وامتلاك زمام المبادرة.
كما يوضح للجزيرة نت أن الإسرائيليين يحاولون عزل حزب الله عن جبهة غزة، ولكنه لن يتخلى عن دعمه لها مهما كانت التضحيات، مما يُعد -برأيه- ردا قويا في حد ذاته، ورغم قدرة إسرائيل على استهداف الضاحية، فإن الرد سيأتي في كل مرة مختلفا والحزب مستعد لأي تصعيد.
وحسب المحلل مطر، عندما رد حزب الله على اغتيال نائب رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الشهيد صالح العاروري واستهداف "الشهيد الحاج فؤاد شكر"، اختار أهدافا نوعية مثل قاعدتي ميرون والوحدة 8200، موجها ضربات دقيقة دون تصعيد نحو حرب شاملة.
وختم بأن حزب الله يتابع التطورات الإقليمية والدولية، ولا يرغب في الدخول في حرب في توقيت يخدم إسرائيل أو يجلب الولايات المتحدة إلى الساحة. ولكنه، في الوقت نفسه، غير مكبل بفكرة الحرب الشاملة، وسيظل مستعدا إذا فُرضت عليه الحرب.