2.5 مليون مُريد.. أي تأثير للطرق الصوفية على انتخابات الرئاسة الجزائرية؟
الجزائر- لأسباب تاريخية، تشتهر الجزائر بالانتشار اللافت للطرق الصوفية في كل محافظاتها، حيث يتجاوز عددها 30 طريقة على الأقل، وإن كان أغلبها متفرعًا عن الطرق الكبرى في البلاد، وهي الرحمانية والتيجانية والقادرية والبلقايدية والشاذلية والعلاوية.
وإن كانت أنشطة الطرق الصوفية تربوية وتعليمية واجتماعية بالأساس، موجهة لأتباعها عبر أكثر من 1600 زاوية في ربوع الوطن، وفق تقديرات غير رسمية، إلا أن مشايخها على علاقة وثيقة برجالات الدولة والسلطة، إذ انتقلوا بوظائفها من الديني إلى الدنيوي، ومن المقدس إلى السياسي.
كذلك يرتبط كثير من المسؤولين الرسميين في الجزائر بأعيان الصوفية، سواء لقناعات اعتقادية أو طلبا لتزكية دينية، من أجل تثبيت مواقعهم الحكومية، بالنظر إلى نفوذ الزوايا الكبرى لدى سلطة القرار، خاصة خلال العقود الأخيرة.
وأتاح هذا التشابك الصوفي بأجهزة الدولة حضورًا سياسيًّا ونفوذًا إداريًّا، من خلال تسمية منتسبيها وأصدقائها لعضوية الهيئات الوطنية ذات الصلة بالفضاء الديني، على غرار وزارة الشؤون الدينية و"المجلس الإسلامي الأعلى" و"عمادة جامع الجزائر" التي يرأسها حاليا شيخ زاوية برتبة وزير.
دور سياسي خفي
تبرز أهمية النفوذ الصوفي داخل مؤسسات الدولة من خلال تخصيص مستشار لدى رئاسة الجمهورية مكلف بالزوايا والمدارس القرآنية، فضلا عن تدخلها في تعيين شخصيات مقربة منها ضمن الطواقم الحكومية والوظائف العليا.
ويقدر الباحث الأكاديمي محمد بن بريكة أنصار الطرق الصوفية في الجزائر بـ2.5 مليون شخص على الأقل، وفق مؤشرات انتهت إليها موسوعته الدولية الشهيرة في 21 جزءا، وذلك يجعل تأثيرها وازنًا في المنافسات الانتخابية.
وبهذا الصدد، دعت الخلافة العامة للطريقة التيجانية -إحدى أكبر الطرق انتشارا في البلاد- الجزائريين إلى المشاركة بقوة في رئاسيات 7 سبتمبر/أيلول القادم، والالتفاف حول "مشروع الجزائر الجديدة"، حسب بيان وقعه الخليفة العام الشيخ علي بلعرابي التيجاني.
ومن جهتها، أكدت أيضا الطريقة الطيبية التهامية الجزائرية التي تتركز في غرب البلاد مساندتها للرئيس عبد المجيد تبون. وفي وقت سابق، أعلنت المشيخة العامة للطريقة القادرية بالجزائر وعموم أفريقيا انخراطها في "مساعي الرئيس الرامية إلى لمّ الشمل ورصّ الصفوف، والجامعة لكل أبناء الجزائر".
وعن قدرة الزوايا وأعيانها في التأثير على الرأي العام الانتخابي وتوجيهه لمصلحة المرشحين، يقول الباحث في علم الاجتماع السياسي فيصل إزدارن إن الطرق الصوفية "مؤسسات دينية تربوية دعوية، وفي مجملها إصلاحية، ليس لديها مشروع سياسي، أو حتى خطاب سياسي، ولا تستطيع بلورة ذلك، لكنها تتمتع بسلطة دينية وبشحنة رمزية تؤثر بها على متابعيها".
ويؤكد المحلل -للجزيرة نت- أن للطرق الصوفية دورا "من وراء الستار" في هيكلة المشهد السياسي الجزائري، موضحًا أن "السلطة استعانت بها منذ تسعينيات القرن العشرين في التصدّي لتيارات إسلامية تستلهم أفكارها من خارج الحدود، لكبح جماحها في اكتساح الفضاء الاجتماعي بكل تضاريسه"، على حد تعبيره.
وأردف إزدارن أن الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة كان من مريدي الزاوية البلقايدية، وعرفت فترة حكمه دورًا فعالا للطرق الصوفية في حشد الولاءات للسلطة السياسية. كما أن الرئيس عبد المجيد تبون أثنى مرارًا على أهمية الزوايا في الحياة الاجتماعية، مُرجعًا لها الفضل في الحفاظ على الهوية الثقافية والدينية للجزائريين، والإسهام في مكافحة التشدد والانحراف.
ولذلك، يرى المحلل أن الطرق الصوفية لديها سلطة معنوية ورمزية، تمكّنها من منح صكوك الرضا للمتنافسين، وما على المُريدين إلا اتباع خيار الزاوية أو الطريقة. غير أن تأثيرها يبقى خاضعًا لاعتبارات جغرافية وعمرانية، "إذ نجد لها نفوذًا في المدن الداخلية بالغرب الجزائري، والهضاب العليا والمناطق الصحراوية، بفعل هيكلة تنظيمية محكمة وموارد مادية ومعنوية معتبرة، بعكس الأحواض الحضرية".
علاقة تاريخية
وبخصوص المرشح الأكثر حظّا للاستفادة من الوعاء الشعبي الصوفي في الانتخابات الرئاسية القادمة، أكد الباحث في الأدوار السياسية للطرق الصوفية بالساحل الأفريقي بوحنية قوي أن خيارات الزوايا الجزائرية منضبطة ومرتبطة بمتغيريْن:
- أولهما هو رؤية شيخ الطريقة وإستراتيجيته التي تقترب من المؤسسات الهراركية (الجهاز الإداري التراتبي)، إذ تتقيد بتعليمات القيادة.
- أما المتغير الثاني الذي لا تحيد عنه الزوايا المحلية، فهو رؤية الدولة الرسمية، ممثلة في الاحتكام إلى قيادتها العليا والسياسات العمومية، حيث تكون في المواعيد الانتخابية أقرب إلى منظور الأمة تجاه ولي الأمر، لكن وفق تقدير سياسي ينزع إلى صوابية رؤية النظام وأفضل الخيارات الضامنة للاستقرار والاستمرارية، على حد وصف الباحث.
وأوضح بوحنية في السياق نفسه أن العلاقة التاريخية بين النظام السياسي والزوايا مستقرة وخالية تقريبًا من الصدام، خاصة خلال العقدين الأخيريْن، مع تنامي ظهور إعلامي لافت لكبرى الطرق الصوفية في البلاد، وصولا إلى إسناد رئاسة "مؤسسة جامع الجزائر" إلى شيخ الزاوية الرحمانية برتبة وزير، في إشارة إلى الشيخ محمد المأمون القاسمي الحسني.
وأبرز المحلل فكرته بالقول إن الخطاب الصوفي في الجزائر كان متصالحًا دائما مع الإدارة السياسية منذ عام 1962، كما أنه يميل إلى الهدوء وعدم الثورية، ولذلك لم يتوافق مع مشروع "الإسلام السياسي". وعليه، فإن الزوايا في الجزائر لا يمكن أن تصطف إلا مع الخيارات الوطنية، "حتى تضمن عدم المجازفة في دعم تيارات إسلامية كانت على غير ودّ معها طوال عقود".
أما منطقة القبائل التي تحتضن كثيرا من الزوايا التاريخية، ولها أثر كبير في الضمير الجمعي الجزائري، فإن ابنها المترشح يوسف أوشيش لم يغازلها في خطاباته، ولم يتناول الشأن الديني إلا بشكل عابر في حديثه عن "إسلام شمال أفريقيا"، مثلما يصرح به المحلل نفسه.
ولذلك لا يتوقع الخبير أن تدعم زوايا القبائل مترشح جبهة القوى الاشتراكية بشكل مؤثر، خاصة أن عبد المجيد تبون أدى حديثا زيارة تاريخية إلى محافظة تيزي وزو.
المستفيد الأول
بالمقابل، يجزم بوحنية قُوي أن الرئيس المترشح سيكون المستفيد الأول من الوعاء الانتخابي للزوايا الصوفية لاعتبارات متعددة، فقد سبق لتبون أن قالها بوضوح "أنا أدعم الزوايا"، بينما "لم نسمع أي مرشح آخر حتى الساعة تحدث بهذه اللغة" كما يقول الباحث، معتبرا موقف الرئيس المترشح رسالة ثقة وطمأنة، ستقابله الزوايا بسلوك تصويتي.
وأضاف أن تبون يحتفظ بعلاقات خاصة مع الزوايا الصوفية، لانحداره الجنوبي من محافظة النعامة وامتداداتها الجغرافية في الصحراء الكبرى، فضلا عن أنه هو نفسه ابن زاوية عريقة تمتد إلى بن سمغون.
وقد عزز تبون ارتباطه بأعيان الطرق الصوفية خلال سنوات عمله، فقد استحضر المحلل بوحنية مبادرة تبون لرعاية أول مؤتمر دولي أفريقي جامع باسم العلامة الصوفي عبد الكريم المغيلي، وهي إشارة مهمة وذات بُعد إستراتيجي، من وجهة نظره.
كل تلك العوامل تدفع الزوايا المتجذرة في الجزائر إلى الاصطفاف حول الرئيس تبون بشكل صريح، ومن دون مداراة، وهو ما يُلاحظ حاليًّا في التجمعات الانتخابية، قبل ترجمته عبر صناديق الاقتراع السبت المقبل، وفق توقعات المحلل.