بنغلاديش تعيد رسم سياساتها الخارجية ووعد أميركي بإعانتها
داكا- اختتم مسؤولون أميركيون، الأحد الماضي، زيارة هي الأولى لوفد أجنبي رفيع المستوى للعاصمة داكا بعد 5 أسابيع من سقوط حكومة الشيخة حسينة واجد وتولي محمد يونس منصب رئاسة الحكومة المؤقتة.
وعبّر الوفد عن تعهد واشنطن بالعمل مع الحكومة المؤقتة في بنغلاديش، والسعي لإعادة بناء البلاد وتحقيق الإصلاحات واستعادة الأموال التي هُرّبت للخارج، والتعاون في قضايا حقوق الإنسان والتغيرات والظواهر المناخية.
وكان يونس قد طلب المساعدة الأميركية -حسب وسائل إعلام بنغلاديشية- في ملفات إصلاحية ومالية، عندما التقى الوفد الذي ترأسه مساعد وزير الخزانة الأميركي برينت نيمان.
بداية جديدة
ووقّع الطرفان على اتفاقية تمنح فيها واشنطن 202.25 مليون دولار لداكا كدعم تنموي، حسب البيان الرسمي للجانب الأميركي. وسيكون هذا العون عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ضمن "اتفاقية منحة الأهداف التنموية"، والتي تغطي الفترة حتى عام 2026، ويصل تعهدها المالي إلى 954 مليون دولار، وقد منحت واشنطن سابقا 425 مليون دولار.
واعتبر محللون بنغلاديشيون ومسؤولون أن الزيارة بداية جديدة للعلاقات بين واشنطن وداكا، وأنها قد تعيد ضبط السياسات أو تجديد تركيزها، بعد توتر في ظل حكومة الشيخة حسينة خلال 16 عاما مضت، وكانت واشنطن قد فرضت عقوبات على "قوات التدخل السريع" البنغلاديشية وعلى من يسعى للنيل من الديمقراطية في البلاد.
وحسب بيان مكتبه، تحدث محمد يونس -خلال اللقاء- عن توجه 6 لجان باهتماماتها إلى مجالات إصلاح آليات الانتخابات، والمنظومة القضائية، والشرطة والإدارات المدنية، ووكالة مكافحة الفساد، وتعديل الدستور، واصفا "الثورة التي قادها الطلاب بلحظة تاريخية فارقة تمنح أملا بعهد جديد".
وقال سكرتير وزارة الخارجية البنغلاديشية جاسم الدين، للصحفيين إن الوفد الأميركي وضع الأولوية لمجال الإصلاح في القطاع المالي والموارد، وستقدم واشنطن دعما بخصوص استعادة الأموال التي هُرّبت ضمن شبكات غسيل الأموال، والتعاون في المجال التنموي.
كما ناقش الجانبان وضع اللاجئين من الروهينغا والتطورات في ميانمار، في ظل استمرار نزوح المزيد منهم باتجاه بنغلاديش خلال الشهور الماضية، حيث أكد المسؤولون البنغلاديشيون على ضرورة حل هذه الإشكالية.
وفي ظل تساؤلات حول توجهات السياسة الخارجية بعد الشيخة حسينة والعلاقات مع الولايات المتحدة، أوضح جاسم الدين أن المحادثات "بدأت للتو وقد تستغرق بعض الوقت حتى نصل إلى الصيغة النهائية، لكننا سنواصل التقدم في مختلف المستويات..".
وتُعد واشنطن أكبر مساهم بالاستثمارات الأجنبية المباشرة في بنغلاديش، وهي في مقدمة الدول التي تصدّر إليها داكا منتجاتها، ففي السنة المالية 2022-2023 كانت استثماراتها المباشرة 261 مليون دولار، كما صدّرت بنغلاديش لواشنطن 7.72 مليارات دولار واستوردت 2.04 مليار دولار.
مسارات الدعم
ويرى خبراء اقتصاد أن الدعم الأميركي لبنغلاديش -بعد التغيير السياسي- يمكن أن يكون عبر مسارات مختلفة منها تقديم معاملة تفضيلية للمنتجات البنغلاديشية، والإصلاح المالي، والاستثمار في مشاريع جديدة في البلاد.
وأدى سقوط حكومة الشيخة حسينة إلى إعادة فتح ملفات كثيرة ومنها السياسة الخارجية. ويقول الصحفي البنغلاديشي تحسين مهدي "للأسف ورغم مرور 53 عاما على استقلالنا فإننا لم نستطع تقديم سياسة خارجية واضحة وشاملة، رغم أن إدارة هذه السياسة هي واحدة من أهم العوامل في التنمية". ودعا الدولة إلى توضيح موقفها من الدول في ظل توتر قائم بينها.
وأضاف "ليس من المهم أن نميل إلى التكتل الغربي أو مع واشنطن، بل أن نستفيد من آليات ووسائل السياسة الخارجية لحل الإشكالات فيما يصب في مصلحة بلدنا، وإلا سنضيع فرصا كثيرة، والأفضل أن نظل محايدين".
وجاءت زيارة الوفد الأميركي بعد أيام من تصريحات عديدة لمسؤولي الحكومة الانتقالية بشأن بعض الملفات مع الهند، ومنها ما قاله محمد يونس عن سعي بلاده إلى علاقات جيدة مع نيودلهي ودول الجوار الأخرى، تكون مبنية على العدالة والمساواة.
وأشار إلى بدء مناقشات معها بشأن الفيضانات. وتُعتبر بنغلاديش دولة مصب، وأثار تنفيس الهند لسدودها، وهي دولة منبع بالنسبة لأقاليم بنغلاديش السهلية، انتقادات واسعة في داكا.
وتتشعب علاقاتهما الثنائية في مجالات عدة، ابتداء من اتفاقيات الشراكة في إدارة عشرات الأنهار المشتركة، والسدود الهندية، ومشروع سكة القطار الذي يربط بين ولايات الهند النائية عبر الأراضي البنغلاديشية. يُضاف إلى ذلك ما تقوله منظمة "آينو ساليش كِيندرا" الحقوقية البنغلاديشية عن مصرع 591 بنغلاديشيا بين عامي 2009 و2023 عند الحدود مع الهند.
واعتبر وزير الخارجية محمد توحيد حسين، ذلك "حاجزا" أمام تحسين العلاقات بين البلدين، داعيا إلى علاقات مبنية على المساواة، وذلك تعليقا على مقتل فتى (14 عاما) الأسبوع الماضي عند الحدود حسب تقارير للشرطة البنغلاديشية، وتطالب داكا نيودلهي بتحقيق شامل في كل تلك الحوادث.
في الأثناء، قال وزير الخارجية الهندي جايشانكار -في تصريح أمس الثلاثاء- إن ما حدث في بنغلاديش "شأن داخلي وليس مناسبا التعليق عليه"، وأضاف أن بلاده تريد الحفاظ على علاقات مستقرة ومتقدمة مع من يحكم في بنغلاديش، مشيرا إلى العلاقات التجارية البينية والروابط بين الشعبين.
تحول كبير
في المقابل، نشرت صحيفة "ذا إكسبرس تريبيون" الباكستانية تقريرا، أول أمس الاثنين، توقعت فيه "تحولا كبيرا في العلاقات بين باكستان وبنغلاديش في الأفق".
وقالت إن إسلام آباد وداكا "تعملان بهدوء" لإعادة ضبط علاقاتهما الثنائية التي ظلت متوقفة طوال حكم الشيخة حسينة، وإن التغيير السياسي الذي حصل في بنغلاديش يفتح الباب أمام باكستان لإصلاح علاقاتها معها.
وحسب الصحيفة، فإنه بعد الاتصال الهاتفي بين رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف وكبير مستشاري الحكومة البنغلاديشية محمد يونس، فربما يلتقيان خلال مشاركتهما في قمة الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد أيام في نيويورك، في أول لقاء بين رئيسي حكومتي البلدين منذ ما قبل وصول الشيخة حسينة إلى سدة الحكم. وتحدثت عن سعي باكستان إلى إعادة فتح خطوط الطيران المباشر بين البلدين تعزيزا للتواصل بين الشعبين.
وفي مقال له، يرى محمد طريق الإسلام، أستاذ الحكم والعلوم السياسية في جامعة جهانغير ناغار في داكا، أنه من الضروري تفعيل منظومة رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي (سارك)، التي كانت من أفكار الرئيس البنغلاديشي السابق ضياء الرحمن عام 1980، وعقدت أولى قممها في داكا عام 1985.
لكن كثيرا ما عرقلت التوترات الإقليمية تقدم هذه الرابطة، حسب قوله، وتضم الهند وباكستان وبنغلاديش وأفغانستان وسريلانكا ونيبال وبوتان والمالديف. وكانت آخر قممها قبل 10 سنوات في العاصمة النيبالية كاتماندو.
وأشار إلى رأي محللين كُثر بأن الرابطة لم تقدم تجربة فعالة وصالحة رغم الفرص والإمكانات التعاونية إقليميا، داعيا إلى إعادة تفعيل آلياتها الإقليمية لمواجهة التحديات والإشكالات العابرة للحدود والتعاون في ملفات اقتصادية وتعزيز الثقة مما يصب في صالح الاستقرار الإقليمي، و"هو توجه محمد يونس كما جاء في تصريحات له".
أما الصين، فليست بغائبة عن المشهد البنغلاديشي، فقبل وصول الوفد الأميركي بيومين أبلغ السفير الصيني لدى داكا، ياو وين، مسؤولين في الخارجية البنغلاديشية قرار حكومته إعفاء جميع المنتجات البنغلاديشية من كل الرسوم الجمركية باعتبارها من الدول الأقل نموا.
وكانت بكين تفرض رسوما جمركية على أقل من 3% من المنتجات البنغلاديشية منذ عام 2020. وتعد أكبر شريك تجاري لداكا، حيث بلغت صادراتها لها في السنة المالية 2022-2023 أكثر من 18.6 مليار دولار، بينما بلغت صادرات بنغلاديش إليها 676 مليون دولار.
وبدأت بنغلاديش تتطلع لتوسعة العلاقات باتجاه الجنوب الشرقي لآسيا تتجاوز فرص العمالة البنغلاديشية في تلك الدول، حيث تسعى إلى أن تكون شريك حوار بشأن بعض القطاعات مع دول رابطة (آسيان)، وهو ما لاقى ترحيبا ووعدا دبلوماسيا ماليزيا بالسعي لتحقيقه عندما تتسلم ماليزيا رئاسة الرابطة العام المقبل.