هل يشعل نتنياهو مواجهة شاملة مع حزب الله بإقالة غالانت؟

نتنياهو (يسار) يرى في غالانت تهديدا له بحزب الليكود ويعتبره "متعاونا" مع الإدارة الأميركية (رويترز)

القدس المحتلة- تعيش إسرائيل حالة من الغموض السياسي وسط ضبابية حيال سير الحرب متعددة الجبهات، والتي يخوضها الجيش الإسرائيلي منذ أكثر من 11 شهرا، وسط ترقب لتوسيع ائتلاف حكومة اليمين برئاسة بنيامين نتنياهو في حال إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت والاستعاضة عنه برئيس "اليمين الرسمي" غدعون ساعر.

وتعكس هذه التطورات عمق الشرخ في المجتمع الإسرائيلي والاستقطاب بالساحة السياسية والحزبية في الكنيست، مشيرة إلى احتدام الصراعات الداخلية في إسرائيل، إذ إن هذه هي الحالة الأولى التي تشهدها تل أبيب في تاريخ حروبها بأن يتوجه رئيس الوزراء إلى إقالة وزير الدفاع خلال الحرب.

وبينما يلتزم غالانت الصمت حيال ما تناقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية من تفاهمات شبه نهائية بينه وبين رئيس الوزراء نتنياهو توافقت قراءات المحللين على أن هذا الحراك السياسي والإقالات خلال فترة الحرب يضعف إسرائيل داخليا، ويظهرها للعالم أنها منقسمة على ذاتها وبدون إستراتيجية.

كما قدّرت قراءات المحللين أن غالانت يدأب على البقاء بإستراتيجية متناغمة مع واشنطن في كل ما يتعلق بسياستها الإقليمية مع حلفائها بالشرق الأوسط، وذلك خلافا لنتنياهو الذي اعتمد سياسة صدامية مع واشنطن وفق مبدأ الهروب إلى الأمام نحو حرب بلا نهاية.

وتتوافق التحليلات فيما بينها على أن غالانت الذي يعتبر "عراب المواجهة الشاملة مع حزب الله" ورغم أنه كان في صف الأقلية بالحكومة الإسرائيلية حين دعا إلى شن عملية عسكرية برية واسعة في جنوب لبنان عقب معركة "طوفان الأقصى"، لكن اليوم لديه قناعة بأن تل أبيب وبعد 11 شهرا من القتال ليست مستعدة وليس بمقدورها خوض حرب إقليمية دون شراكة مع أميركا.

جيش منهك

بدوره، يعتقد الكاتب والمحلل السياسي سهيل كيوان أن ما تشهده الساحة الإسرائيلية من صراعات داخلية تعد غير مسبوقة، وتعتبر الأولى من نوعها، إذ لم تكن في الماضي حالات خلافية من هذا القبيل في تاريخ الحروب التي خاضتها إسرائيل التي لطالما كانت موحدة خلال المعارك.

وعزا كيوان للجزيرة نت هذه الصراعات إلى الخلافات بين نتنياهو وغالانت، إذ يدفع الأخير نحو اعتماد إستراتيجية سياسية وعسكرية تتناغم مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، والتي تتلخص بإنجاز صفقة تبادل تضمن إعادة المحتجزين الإسرائيليين في غزة ووقف إطلاق النار، وهو ما ترفضه حكومة اليمين بقيادة نتنياهو.

ورجح أن غالانت اعتمد منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 سياسة توافقية وتناغمية مع واشنطن حالت دون الصدام مع البيت الأبيض، وكثيرا ما صرح بأنه يدعم صفقة التبادل ووقف القتال، وذلك بما يتناسب مع المقترحات الأميركية، خصوصا أنه على قناعة بأن الجيش الإسرائيلي "منهك ومستنزف وغير مستعد لحرب شاملة".

وشدد المحلل السياسي على أن غالانت لديه قناعات بأنه لولا الدعم الأميركي بالسلاح والمال لما كان في مقدور إسرائيل القتال أكثر من 11 شهرا، وعليه فهو لا يريد توريط واشنطن بحرب إقليمية من شأنها أن تهدد مصالحها، وربما تتسبب بانهيار بعض الأنظمة العربية التي تعتبر حليفة إستراتيجية مشتركة لواشنطن وتل أبيب.

كما يرى أن غالانت -الذي لا يقل تطرفا عن معسكر اليمين الإسرائيلي بما يحمله من فكر وأيديولوجيا- يتوقع أن يبقى الحزب الديمقراطي في رئاسة البيت الأبيض، ويولي أهمية كبرى للمصالحة الأميركية بالشرق الأوسط، ويراقب اتساع الاحتجاجات والمعارضة الإسرائيلية الضاغطة لوقف الحرب من أجل إعادة المحتجزين، وينأى بنفسه عن المغامرة بحرب إقليمية دون جاهزية الجيش الإسرائيلي وأميركا لها.

ومقابل تصاعد الضغوطات والاحتجاجات في المجتمع الإسرائيلي، يقول كيوان إن غالانت أيقن أن نتنياهو لا يريد شركاء، ويتفرد باتخاذ القرارات المتعلقة بسير القتال على جبهة غزة، ويدفع نحو توسيع الجبهة الأخرى مع حزب الله التي يمكن أن تتسبب بحرب إقليمية يعتبرها غالانت ورطة كبيرة بالنسبة لإسرائيل، وقد تؤدي إلى نتائج عكسية.

وخلافا للطرح السائد بأن إقالة غالانت والاستعاضة عنه بساعر ستعززان ائتلاف حكومة نتنياهو وتمكنانها من الاستمرار بالحرب إلى ما لا نهاية أو حتى انتهاء ولايتها بالعام 2026 قدّر المحلل السياسي أن استقالة وزير الدفاع بزمن الحرب هي بداية انهيار حكومة اليمين ورئيسها نتنياهو الذي يغامر بحرب بلا نهاية وقد تتحول إلى إقليمية، وذلك من أجل مصالحه الشخصية واعتباراته السياسية.

نتنياهو وغالانت.. صدام مؤجل منذ 7 أكتوبر.
الخلافات الحادة بين نتنياهو (يسار) ووزير دفاعه بدأت قبل الحرب على غزة (الصحافة الإسرائيلية)

فشل نتنياهو

ومن وجهة النظر الإسرائيلية فقد وصف الكاتب الإسرائيلي بن درور يميني المحسوب على معسكر اليمين إقالة وزير الدفاع في زمن الحرب بأنها "عمل جنوني"، قائلا إن "رئيس الوزراء يعتزم إقالة غالانت، وهو آخر رجل في السلطة السياسية والحكومة، والذي لا يزال يتمتع ببعض الثقة في إسرائيل والعالم".

واستعرض يميني في مقال له بصحيفة "يديعوت أحرونوت" الواقع الذي تعيشه إسرائيل سياسيا واجتماعيا وعسكريا منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي في جبهتي غزة والشمال، قائلا "يجب الاعتراف بأنه لأول مرة يتم الدوس على أغلبية المجتمع الإسرائيلي -سواء من اليمين واليسار أو من العلمانيين والمتدينين- من قبل أقلية هيمنت على مقاليد السلطة بالحكومة".

وأوضح أن كل القرارات التي اتخذت في العامين الماضيين تقرب إسرائيل من الانهيار التام، قائلا إن "إسرائيل تعيش الحقبة الأكثر إذلالا في تاريخها".

وأشار إلى أن "نتنياهو فشل في الجنوب على جبهة غزة، حيث استمر تساقط الصواريخ ولم تهزم حماس، والمختطفون يموتون، وليس من الواضح كم منهم على قيد الحياة، كما فشل على الجبهة الشمالية مع حزب الله، ويتطلع لإقالة وزير الدفاع، ويهدد بشن حملة عسكرية واسعة على لبنان قد تؤدي إلى مواجهة شاملة وحرب إقليمية لا يمكن معرفة تداعياتها على الأمن القومي الإسرائيلي".

تصفية حسابات

وبعيدا عن سيناريو حرب إقليمية، كتب يوسي فيرتر محلل الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس" مقالا بعنوان "نتنياهو يسعى للانتقام من غالانت، وساعر مدعو لإنقاذ حكومة الإخفاق والمذبحة" استعرض من خلاله الأسباب الشخصية والسياسية التي تحرك نتنياهو لإقالة غالانت كونه يرى فيه تهديدا له بحزب الليكود ويعتبره "متعاونا" مع الإدارة الأميركية.

وبصرف النظر عن العلاقة الشخصية الغامضة بين رئيس الوزراء ووزير الدفاع خلال فترة الحرب، يقول محلل الشؤون الحزبية إن "سبب إقالة غالانت شخصي، فنتنياهو يريد الانتقام منه وتصفية حسابات معه عندما خرج في مارس/آذار 2023 علنا ضد خطة الحكومة لإحداث إصلاحات في الجهاز القضائي، وكذلك بسبب معارضته الشديدة لمشروع قانون إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية".

ووسط الخلافات بشأن القضايا الساخنة والصراعات الداخلية، يضيف فيرتر أن إسرائيل وصلت إلى مفترق طرق عشية ما يبدو أنه انزلاق إلى حرب في لبنان قد تتطور إلى حرب إقليمية "ويتم تأجيل مناقشات الكابينت ​​مرارا وتكرارا لأن رئيس الوزراء يناقش: هل يجب اتخاذ الخطوة الحاسمة بإقالة غالانت والاستعاضة عنه بساعر؟".

المصدر : الجزيرة

إعلان