خطة سموتريتش تتوج مشروع اليمين الديني للاستيلاء على الضفة
تشهد الضفة الغربية تصاعدا في المواجهات بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال، ويأتي ذلك في ظل تنامي المخاطر التي تفرضها مخططات تيار اليمين الديني المتطرف في السيطرة على المنطقة وتوسيع المستوطنات وصولا إلى تغيير البنية الديمغرافية فيها.
وتشكل الضفة الغربية قيمة إستراتيجية ودينية تجعل منها مركزا مهما من مراكز الصراع في فلسطين.
ومع تصاعد دور اليمين الديني المتطرف والمستوطنين في المؤسسات الإسرائيلية السياسية والعسكرية وبروزهم ككتلة حاسمة في حكومة بنيامين نتنياهو تصاعدت التهديدات التي تتعرض لها الضفة الغربية على مستوى السيطرة على الأرض والضغط على الفلسطينيين لمغادرة أراضيهم، واستهداف بنى المقاومة وحاضنتها، وتفكيك أي كيان سياسي للفلسطينيين.
📹 هجوم كبير من المستوطنين على بلدة جيت شرق قلقيلية pic.twitter.com/HUspT0s6R1
— ساحات – عاجل 🇵🇸 (@Sa7atPlBreaking) August 15, 2024
مبدأ "إدارة الصراع"
ومنذ قدوم رئيس الوزراء نتنياهو إلى السلطة عام 2009 حكم مبدأ "إدارة الصراع" التصورات الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وليس السعي إلى الحل، وأقيمت بناء على ذلك سياسات خاصة لكل منهما.
لكن منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وتداعياته ومع تسارع الاستيطان والتهجير الداخلي للفلسطينيين يمكن القول إن انهيار تصور "إدارة الصراع" أصبح في حكم الواقع.
يضاف إلى ذلك ضرورة التأكيد على أن "إدارة الصراع" تهدف في نهاية المطاف إلى تجريد الفلسطينيين من أي مستقبل سياسي في الضفة الغربية، والحيلولة دون قيام دولة فلسطينية مستقبلية ضمن ما يُعرف بـ"حل الدولتين" والإبقاء مؤقتا على الدور الأمني للسلطة.
ويبرز تصور تيار اليمين القومي الديني المتطرف كتصور "القوى الحاكمة" اليوم للتعامل مع الصراع، وفيما يخص الضفة الغربية تقوم مجمل تصورات تيار اليمين الديني القومي المتطرف على متطلبات عدة:
- تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق عدة تحكمها إدارات مدنية منفصلة.
- احتفاظ إسرائيل بالمسؤولية الأمنية الكاملة والحرية العسكرية المطلقة للجيش في الضفة الغربية.
- تفكيك السلطة الفلسطينية مع الإبقاء على وحدات فرض النظام والقانون فقط.
خطة سموتريتش
ومن بين تصورات تيار اليمين الديني القومي المتطرف تظهر ما باتت تعرف بـ"خطة سموتريتش" كخطة يمتلك أصحابها التصور والخطة العملية والسلطة اللازمة وأدوات التنفيذ، فالضفة الغربية تمر في مرحلة حساسة ومفصلية قد تشكل مستقبلها وهويتها لعقود.
يتجه اليمين المتطرف في إسرائيل إلى فرض أمر واقع جديد في الضفة الغربية من خلال إضفاء الشرعية على مزيد من المستوطنات، إذ أعلن بتسلئيل سموتريتش وزير المالية الإسرائيلي وزعيم حزب "الصهيونية الدينية" اليميني المتطرف أول أمس الأربعاء الشروع في إقامة مستوطنة جديدة على أراضي بيت لحم جنوبي الضفة الغربية.
واعتبر سموتريتش في منشور على منصة "إكس" أن ربط الكتلة الاستيطانية "غوش عتصيون" في جنوبي الضفة الغربية بالقدس "مهمة وطنية".
وأشار إلى أن هذه المستوطنة هي "واحدة من 5 مستوطنات وافقت الحكومة الإسرائيلية قبل شهرين على إقامتها بالضفة الغربية ردا على إجراءات السلطة الفلسطينية ضد إسرائيل، والاعتراف الأحادي من قبل دول غربية عدة بالدولة الفلسطينية".
ويعتمد سموتريتش على عنصرين أساسيين في تحقيق مخططه هما:
- تشريع البؤر الاستيطانية "غير القانونية" التي دشنها المستوطنون بدون الحصول على إذن من حكومة وجيش الاحتلال.
- التوسع في هدم المنازل والمرافق الإنشائية الفلسطينية بحجة أنها غير مرخصة.
واستطاع سموتريتش توظيف وجوده في الحكومة الحالية بالسيطرة على منصبين مهمين لتنفيذ خطته في الضفة الغربية، إذ إنه يشغل منصبي وزير المالية ووزير في وزارة الدفاع مسؤول عن الاستيطان بالضفة الغربية.
واستنادا إلى ذلك يعمل منذ دخوله الحكومة على إحكام السيطرة على البنية "الحكومية" والعسكرية المعنية بتوسيع وشرعنة الاستيطان بكافة أنواعه، بالإضافة إلى منح تراخيص البناء للفلسطينيين.
ولا تعكس هذه الأهداف الرؤية النهائية لخطة سموتريتش، إذ تهدف خطته المسماة "خطة الحسم" إلى السيطرة الكاملة على الضفة الغربية، ومنع قيام أي كيان سياسي للفلسطينيين فيها، وزيادة عدد المستوطنين ليصل إلى مليوني مستوطن، ودعم برامج التهجير الطوعي للفلسطينيين، واستخدام الحسم العسكري مع الرافضين للهجرة أو الامتثال لحكم إسرائيل.
وتعتمد العوامل التي تساعد سموتريتش على تنفيذ مخططاته بشكل أساسي على امتلاكه أوراق ضغط للتأثير على نتنياهو والجيش والسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى كونه لا يأبه للموقف الدولي ويترك لرئيس الوزراء مهمة التعامل مع الضغوط الخارجية.
وقبل كل ذلك، فإن مشروع الاستيطان في الضفة الغربية يشكل محط إجماع شبه مطلق في البيئة السياسية الحالية بكافة أطيافها، كما تنظر له المؤسسة الأمنية والعسكرية كحاجة أمنية، وتعززت هذه القناعات بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 والتصعيد في الشمال، فحاجة نتنياهو لبقاء التحالف مع التيار الديني القومي ملحة للغاية وسط إدارته الحرب على غزة والتصعيد في الشمال.
كما يمتلك سموتريتش ورقة ضغط للتأثير على توجهات الجيش والمتمثلة في كونه وزير المالية المسؤول عن إقرار الموازنات التي يطلبها.
وفيما يخص السلطة فإن قرار إعفاء البنوك الإسرائيلية من التعامل معها والإفراج عن أموال المقاصة بيد سموتريتش الذي عمد إلى تمديد الإعفاء كل 3-4 أشهر.
وفي كل مرة يتم طرح التمديد في المجلس الوزاري المصغر يقدم سموتريتش في مقابل الموافقة على التمديد مجموعة من القرارات المتعلقة بتنفيذ خطته في الضفة الغربية، وهو تماما ما فعله في القرارات التي حصل عليها من الكابينت مقابل الموافقة على تمديد الإعفاء لـ4 أشهر.
داخل الحكومة الإسرائيلية لا يوجد حاليا أي خلاف بشأن ضم المناطق "ج"، وبما أن الظروف السياسية والدولية التي سادت قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول كانت تمنع تنفيذ هذا الضم فعليا وقانونيا فإن إحدى المهمات التي وضعتها هذه الحكومة أمامها هي الإسراع وبشكل واسع النطاق في فرض حقائق استيطانية جديدة على الأرض.
لقد بدا هذا واضحا في تشريعات الحكومة والخطط المصادق عليها والميزانيات المرصودة وسرعة التنفيذ في بناء الوحدات السكنية وتطوير البنية التحتية والمرافق العامة للمستوطنين.
صحيح أن كل هذا كان قائما منذ بداية 2023 (فترة تولي سموتريتش مسؤولية الإدارة المدنية) لكن ما يحصل في الضفة الغربية منذ بداية الحرب يوحي بحصول تحولات جديدة.
وبحسب مسؤول عسكري إسرائيلي، فإن النفوذ المتصاعد للمستوطنين يمهد الطريق لواقع جديد قد يتمكن فيه المستوطنون المتطرفون والمسلحون من التصرف والتدخل في إدارة شؤون الضفة الغربية وممارسة التوسع الاستيطاني بـ"شكل مستقل" عن الإدارة المدنية أو القنوات الرسمية.
تعزيز مستقبل التيار اليميني الديني
بلا شك أن تداعيات خطة سموتريتش حاسمة على وجود ومصير الفلسطينيين في الضفة الغربية وعلى مجمل الصراع، لكن لذلك انعكاس مهم على البيئة السياسية للعدو وتسريع حسم اتجاه الدولة والمجتمع نحو اليمين المتطرف وليس فقط اليمين، إذ إن سياسات سموتريتش وخطط الاستيطان وضم الأراضي تهدف إلى زيادة عدد المستوطنين الذين يميلون في العادة للتوجهات اليمينية والدينية منها، الأمر الذي يعد ارتفاعا في نسبة التأييد لليمين الديني.
كما أن نجاح التيار في تنفيذ أجندته يعد نجاحا داخل البيئة السياسية للعدو، وسينظر إلى قادة ورموز التيار كونهم قادرين على فرض رؤيتهم، كما أن تعزيز نفوذ التيار في مؤسسات الحكومة وفي المجتمع سينعكس تلقائيا على المؤسسات الأمنية والجيش، وهو ما تظهر مؤشراته وتتصاعد بشكل مستمر، خاصة بعد طوفان الأقصى.
يشار إلى أن مخططات تيار اليمين الديني القومي المتطرف على موعد مع رافعة جديدة، وقد تكون الأكثر تأثيرا وحسما في مسار مخططاتهم، والتي تتمثل بتولي آفي بلوط قيادة المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال والمسؤولة عن الضفة الغربية.
ولطالما حكم تصورات الجيش اتجاه متحفظ حيال مخططات جماعات الاستيطان وتيار اليمين الديني القومي المتطرف، إذ يعتبر الأخير أن سياسات الجيش في الضفة الغربية والمسؤولة عن تنفيذها قيادة المنطقة الوسطى شكلت عائقا أمام مخططاتهم، وحالت في بعض الأحيان دون سرعة تنفيذ مشاريع استيطانية.
وتعد سيطرة اليمين بكافة أطيافه على الحكومة واستمرار حاجة نتنياهو للتحالف مع اليمين الديني القومي المتطرف وقرب انتهاء ولاية إدارة بايدن واحتمالية عودة إدارة ترامب وتراجع قدرة الجيش على التأثير في البيئة السياسية عوامل تسهم في مواصلة سموتريتش والحكومة اليمينية تنفيذ مخططاتها للضم خلال سنوات قليلة قادمة.
ويضاف إلى تلك العوامل تزايد تأثير الصهيونية الدينية في أوساط الجيش وتركيزها على قيادة المنطقة الوسطى، وتعمق القناعة بإستراتيجية الاستيطان في الضفة الغربية وعدم القدرة على التعايش مع وجود الفلسطينيين بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، علاوة على تواطؤ السلطة الفلسطينية في قمع المقاومة بالضفة الغربية، وتركز المقاومة في بؤر محدودة.
وهذا سينعكس على المساحة التي يسيطر عليها الفلسطينيون أو تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، إذ تستهدف مخططات سموتريتش ضم 70% من مساحة الضفة الغربية في المدى المتوسط، مما سينعكس على عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية وجغرافيا توادهم وحصرها فيما تعرف بمناطق "أ".
ولا يظهر أن بيئة التفاعلات الإسرائيلية الداخلية تتجه إلى لجم خطة سموتريتش واليمين الديني القومي وجماعات الاستيطان، بل على العكس تظهر المؤشرات تزايد القناعة في هذا المسار وتغطيته من قبل نتنياهو والسكوت عنه وتمريره من قبل الجيش والمؤسسة الأمنية.
ويمكن الادعاء بأن سياسات "حسم الصراع" لسموتريتش وأيديولوجية التهجير (الترانسفير) والمزيد من العنف العسكري هي مقاربات قد تصبح "العقيدة الجديدة" للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، وأن تتحول هذه السياسات اليمينية في ظل انتفاء أي أمل في التسوية السياسية إلى مركّب أصيل من مركّبات الحكم العسكري في المستقبل.