هكذا ترك الاحتلال أثر جريمته في مخيم النصيرات بغزة
غزة- ما زال سامي شحتوت (66 عاما) يعيش تحت وقع الصدمة، بعد أن فقد زوجته و5 من أبنائه، و4 من أحفاده، في مجزرة مخيم النصيرات التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، السبت، وسط قطاع غزة.
وكان شحتوت قد غادر منزله متوجها إلى سوق المخيم لشراء بعض المستلزمات، قبل أن يبدأ جيش الاحتلال هجومه الدموي الذي أسفر عن استشهاد وإصابة أكثر من 960 فلسطينيا. وبعد أن عاد، فوجئ بفقدان غالبية أفراد عائلته، جراء صاروخ أطلقه جيش الاحتلال، دمّر منزله.
كما فُجع باستشهاد جميع أفراد أسرة شقيقه إياد الذين يسكنون في منزل مجاور له، حيث فقد إياد زوجته وأبناءه الأربعة، واثنين من أحفاده، وبقي وحيدا.
مجزرة مروعة
وبينما كان يتكئ على عكاز، محاولا استيعاب ما جرى، يقول شحتوت للجزيرة نت "كانت الحارة هادئة بأمان الله، كنتُ في السوق، بدأ القصف، وبعدين لقينا الجثث تترمى في الشوارع".
وبعد أن انتهى الهجوم الإسرائيلي، عاد شحتوت إلى منزله كي يطمئن على أسرته، ففوجئ بأحد أبنائه يقول له "يابا، الله يعوض عليك، مرتي وأمي وإخوتي، وأولادهم استشهدوا". كما أصيبت ابنته الكبرى ريم بجروح خطيرة، بعد أن فقدت اثنين من أولادها.
وكان جيش الاحتلال قد ارتكب مجزرته في المخيم بدعوى "إنقاذ 4 محتجزين" لدى حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وأعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن عدد الشهداء الذين قتلوا في المجزرة بلغ 274 شهيدا، بينهم 64 طفلا و57 امرأة و37 مسنا، في حين بلغ عدد الإصابات 698 جريحا، بينهم 153 طفلا و161 امرأة و54 مسنا.
وذكر المكتب -في بيان له- أن جيش الاحتلال شنّ أكثر من 250 غارة وقصف 89 منزلا خلال ساعات ارتكاب المجزرة المُروّعة.
رعب
على مقربة من منزل شحتوت، يعمل أنور الغرام وأبناؤه على استخراج بعض الأمتعة من ركام منزلهم المدمر بشكل كامل. ويقول للجزيرة نت إن منزله ملاصق للبيت الذي هاجمته قوات الاحتلال الخاصة، وتقول الروايات إنهم حرروا أسيرة إسرائيلية كانت موجودة فيه.
وبعد أن عاش وأسرته نحو ساعتين من الرعب داخل المنزل، نجحوا في المغادرة قبل أن تقصفه قوات الاحتلال وتدمره كليا ويصبح وأسرته المكونة من 8 أشخاص بلا مأوى. ويتابع "تناثرت جثث مُتفحمة، بلا رؤوس، على الشوارع، وأُلقي الجرحى على الطرقات".
وفي المنزل المقابل للغرام، كان محمد مزهر يحاول استخراج بقايا أثاث بيته المدمر بشكل كامل. ويقول للجزيرة نت "كنا قاعدين في أمان الله، فجأة دخلت قوات خاصة المنزل المقابل لنا، طائرات الكواد كابتر ومروحيات الأباتشي.. كله يضرب علينا نار، قنابل ورصاص، كل من في الشارع استُشهد، هنا وفي 3 أو 4 محاور أخرى في النصيرات".
واستمر إطلاق النار عليهم بعد ساعتين من العملية. وبعد انسحاب قوات الاحتلال، خرجوا فورا من المنزل بعد علمهم أن المخابرات الإسرائيلية أبلغت السكان أنهم سيدمرون المربع السكني، "وهو ما حدث فعلا". ولا يزال مزهر يعيش تحت وقع الصدمة، كما يقول، ولا يعلم ماذا سيفعل بعد تدمير بيته.
واستهدف جيش الاحتلال -بشكل أساسي- منزلين يبعدان عن بعضهما البعض قرابة 500 متر، قال إن المحتجزين كانوا فيهما، لكنه نفذ هجوما واسعا على مناطق أخرى في المخيم، في محاولة للتغطية على عدوانه.
يوم دموي
وبدت عديد من شوارع مخيم النصيرات وأزقته كساحة حرب، حيث دمر العدوان منازل كثيرة، كليا أو جزئيا، كما أحدث أضرارا فادحة في البنية التحتية، حيث انهارت أعمدة الكهرباء، وانسكبت مياه الصرف الصحي في الشوارع.
ولا يختلف المشهد كثيرا في المنطقة الثانية التي استهدفها الاحتلال، والتي تبعد حوالي 500 متر شرقا. ويقول عبد الرحمن الطهراوي، الذي يقطن في دار مقابلة للشقة التي هاجمهما الاحتلال، إن قوات خاصة مستعربة دهمت الشارع مستخدمة سيارة نقل كبيرة، وصعد أفرادها إليها بواسطة سلالم، ثم قتلوا جميع سكان المنزل.
وأضاف للجزيرة نت أن الروايات المتداولة تقول إن الشقة كانت تضم 3 محتجزين إسرائيليين، "نجحت قوات الاحتلال في تحريرهم". وبعد انسحاب القوات المتوغلة، بدأ جيش الاحتلال في تدمير المنطقة وقصفها بالطيران.
وأُصيب الطهراوي في رأسه بشظايا من ركام المنزل المقصوف. ويقول إن غالبية الأشخاص الذين كانوا يمرون في المنطقة، تم قتلهم، حيث شاهد قرابة 50 شهيدا على الأرض، عقب انتهاء العملية. ويشكو من تخريب قوات الاحتلال مشروعه الخاص المكون من ثلاجات لتبريد المياه للسكان.
ويروي والده خليل الطهراوي تفاصيل تلك الساعات المروعة، ويقول إنه وأفراد أسرته احتموا بالأرض خوفا من إصابتهم بالرصاص الذي تطلقه الطائرات في كل اتجاه.
ويضيف للجزيرة نت "منذ يوم السبت، وأنا شبه غائب عن الوعي، وغير قادر على استيعاب ماذا جرى، كنا جميعا سنموت، فبيننا وبين المنزل المستهدف أقل من 10 أمتار، رأيت مشاهد مروعة جدا، أشلاء ممزقة، جثة رأسها مبتورة، دمارا في كل مكان، كان يوما عصيبا ودمويا بامتياز".