مخيمات واعتصامات.. الحراك الطلابي المؤيد لفلسطين يصل كندا
أوتاوا- على غير المعهود كان يوم 11 مايو/أيار بارداً وممطراً في كندا، غير أن هذا لم يفت في عضد المعتصمين والمتضامنين معهم في منطقة كينجز كوليج سيركل في حرم جامعة تورنتو.
وتم إنشاء هذا المخيم إثر مظاهرة مساء الثاني من مايو/أيار التي تمكنت من الوصول إلى قلب الحرم الجامعي بالمنطقة المذكورة، لينصب بعدها الطلاب خيامهم ويبدؤوا اعتصامهم الذي قارب الأسبوعين، مطالبين بوقف حرب إسرائيل على غزة.
اقرأ أيضا
list of 2 itemsغزة كشفت الواقع فأعاد مسلمو الغرب اكتشاف أنفسهم
ويأتي هذا التطور انسجاماً مع الحراك الطلابي الذي انطلقت شرارته من جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة، ليمتد لاحقاً إلى مؤسسات تعليمية أخرى قبل أن يتحول إلى ظاهرة عالمية لم تكن كندا استثناء منها.
وتمثل معسكرات الطلاب ذروة جديدة من الاحتجاج، بعد أشهر من المسيرات والعرائض والاعتصامات والإضرابات عن الطعام التي قام بها نشطاء مؤيدون للفلسطينيين عقب السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
رفض تمويل الاحتلال
في جولة الجزيرة نت داخل المعسكر المقام بالحرم الجامعي في قلب جامعة تورنتو، اصطحبتنا إحدى الطالبات المعتصمات التي رفضت التصريح باسمها، موضحة أن العديد من المشاركين يخاطرون بالتعرض لعواقب انتقامية مختلفة كالطرد من قبل المؤسسات التي يعملون فيها.
وقالت الطالبة للجزيرة نت إن عدد المشاركين في المعسكر يتفاوت بين 180 و300، مبينة أن بعض أعضاء هيئة التدريس يشاركونهم في هذا الاحتجاج.
ولم يكن بوسع الطلاب التزام الصمت وهم يشاهدون الانتهاكات التي يتعرض لها الفلسطينيون منذ أشهر، ورفعوا مطالبهم إلى الجامعة والتي تتمثل أبرزها في الشفافية بكشف الاستثمارات في الشركات الإسرائيلية وإيقافها، رافضين أن توجه الرسوم التي يدفعونها لدعم دولة الاحتلال، وقطع العلاقات مع المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، حسب توضيح الطالبة ذاتها.
وقد أسهمت الاحتجاجات الطلابية في إثارة النقاش حول الاستثمارات التي تقوم بها الصناديق الجامعية. وفي أبريل/نيسان الماضي، أصدرت مجموعتان طلابيتان في جامعة ماكغيل -بالاعتماد على المعلومات المتاحة للجمهور على موقع الجامعة- قاعدة معلومات تضم 50 شركة تقول المجموعتان إنها متورطة "في دعم نظام الفصل العنصري بإسرائيل وتمويل الإبادة الجماعية الفلسطينية".
ووفقاً لهذه الوثيقة، فإنه اعتباراً من أواخر ديسمبر/كانون الأول 2023 بلغ إجمالي استثمارات ماكغيل في تلك الشركات قرابة 73 مليون دولار من الاستثمارات المباشرة، و6 ملايين دولار من الاستثمارات غير المعلنة، وتضمنت القائمة طيفاً واسعاً من المؤسسات في مجالات مختلفة كتصنيع الأسلحة والبنوك والتقنية والنفط والأدوية والأغذية.
واستدعى ذلك رداً من الجامعة التي أكدت في أحد بياناتها أنها تقوم بتعيين مديري صناديق خارجيين للتعامل مع استثماراتها و"لا تستثمر بشكل مباشر في الأسهم الفردية أو الشركات" وأن مديري الصناديق يختارون "الاستثمارات في حسابات منفصلة وصناديق مجمعة، والتي يتغير تكوينها باستمرار" وفقاً لهيئة الإذاعة الكندية الرسمية.
موقف إدارة الجامعة
وحول لقاءات المعتصمين مع إدارة الجامعة، أكدت المتحدثة الإعلامية باسم المعسكر سارة راسخ أنها لم تسفر عن أي نتيجة، لأن الجامعة لا تأخذ مطالبهم على محمل الجد حتى الآن، وأن النقاشات معها لم تتجاوز بعد الجوانب التقنية المرتبطة ببعض الأمور اللوجستية، وأنها لا تقوم بواجبها في الدفاع عن المحتجين بمواجهة المظاهرات المعادية التي يقوم بها أنصار إسرائيل.
وتضيف طالبة الماجستير في قسم تعليم العدالة الاجتماعية أن الجامعة تراهن على أن يضطر التعب الطلاب إلى التراجع وإغلاق المعسكر، موضحة أن "هذا خطأ في التقدير منها" وأنهم مستمرون حتى تتم الاستجابة لمطالبهم مهما طالت المدة، وأن المعسكر مفتوح لمن يريد المشاركة معهم.
في المقابل، وصفت وكيلة جامعة تورنتو لشؤون الطلاب البروفيسورة ساندي ويلش المحادثات مع ممثلي الطلاب بأنها كانت "بناءة".
وأكدت ويلش -في رسائل متتابعة إلى مجتمع الجامعة- أن مؤسستها "تقبل حق الناس في حرية التجمع وحرية التعبير والاحتجاج السلمي" مبدية مخاوف مرتبطة بما وصفته بلغة "الكراهية أو الإقصاء أو التمييز أو التخويف في الهتافات واللافتات المرتبطة بالاحتجاج".
كما بينت في رسائلها المنشورة على موقع الجامعة ما يثير قلق الإدارة من اعتبارات متعلقة بالسلامة، وإغلاق نقاط الخروج والدخول وإعاقة المرور واجتذاب المعسكر آلاف المتظاهرين مع ما يحمله ذلك من مخاطر أمنية كحمل المشاعل، وبقاء غير المنتمين إلى الجامعة بالمخيم طوال الليل، وأن "بعض أعضاء مجتمعنا يشعرون بأنهم غير مرحب بهم وغير آمنين في الحرم الجامعي بسبب المخيم".
نقاش واستقطاب
مع إطلاق أول المعسكرات الطلابية في مونتريال الكندية، تحولت هذه القضية إلى مادة رئيسية للنقاش في الفضاء العام الكندي، وشهدت الكثير من الاستقطاب بين آراء مختلفة تمترست خلف عناوين عريضة كالعداء للسامية، أو الحق في حرية التعبير وأن يكون للمعترضين صوتهم داخل المجتمع الجامعي الكندي.
وفي هذا السياق، وصفت منظمة بناي بريث لحقوق الإنسان وهي "مدافع قوي عن دولة إسرائيل" مخيم ماكغيل والحركات المماثلة الأخرى بأنها "موجة متصاعدة من معاداة السامية" داعية في رسالة على موقعها الإلكتروني قادة مؤسسات ما بعد المرحلة الثانوية إلى "اتخاذ إجراءات حاسمة وفورية" ضدها.
من جانبه، وضح البروفيسور المساعد في الأنثروبولوجي في جامعة تورنتو أليهاندور باز أن ما يفعله الطلاب مهم لوقف الإبادة الجماعية في غزة وقمع دولة إسرائيل في الضفة الغربية وأراضي 48.
ويعمل باز الداعم للطلاب المحتجين عضواً في اللجنة التوجيهية لـ"شبكة أعضاء هيئة التدريس اليهود" التي تضم عدداً من الأكاديميين اليهود الذين يدرسون بالجامعات والكليات في أنحاء كندا، والمشتركين "في التزام قوي بالعدالة الاجتماعية لدعم الحياة الأخلاقية" وفقاً لموقع الجمعية.
وقال -للجزيرة نت- إن من الحيوي مساندة الطلاب للضغط على الجامعة لتضغط بدورها على إسرائيل، وإن العديد من اليهود يشاركون هذا الكفاح لأنهم يعتقدون أن "دولة إسرائيل لا تملك الحق لفعل ما تقوم به باسمنا".
وحول الاتهامات الموجهة للمعسكر بالعداء للسامية ولليهود، وضح باز أن من المهم التمييز بين الموقف السياسي لإسرائيل والشعب اليهودي، وأن انتقاد إسرائيل والدعوة إلى مقاطعتها لا يندرجان ضمن خطاب الكراهية، رغم عمل اللوبي الإسرائيلي لوضع هذا النقد ضمن حدود معينة.
وختم البروفيسور المساعد بجامعة تورنتو إفادته للجزيرة نت قائلاً "لا نريد أن تكون يهوديتنا أداة للدفاع عن إسرائيل".