حجم الإخفاق الإسرائيلي ما زال يتكشّف بعد نصف عام على طوفان الأقصى
القدس المحتلة– بعد مرور نصف عام على عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، التي تُعرف إسرائيليا بـ"السبت الأسود"، بسبب الفشل الاستخباراتي في منع الهجوم المفاجئ الذي شنته حركة حماس، أخذت تتضح الملامح الأولية للإخفاق، بيد أن الحجم الكامل للفشل الاستخباراتي لم يتكشّف بعد.
بدأت صورة ما حدث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول تتضح أكثر، ومع إطالة أمد الحرب على غزة سيتم الكشف عن المزيد من تفاصيل عشرات التحقيقات العملياتية التي يجريها الجيش الإسرائيلي، وجهاز الأمن العام "الشاباك"، ومكتب مراقب الدولة الإسرائيلي متانياهو إنجلمان، وهي التفاصيل التي تجمع فيما بينها أن سيناريوهات الهجوم المفاجئ التي تجلّت بـ"طوفان الأقصى" لم يستشرفها أي أحد في إسرائيل قبل الحرب.
ووفقا لتقديرات المحللين والباحثين، فإن إسرائيل لم تكن مستعدة لمثل هذا الهجوم، وركنت إلى الاعتماد المفرط على أنظمة الإنذار التكنولوجية، وعانت من سياسة استخباراتية خاطئة ونهج عسكري خاطئ تجاه حماس، إلى جانب العلاقات المتوترة بين المستوى السياسي وقادة الجيش وأجهزة الأمن والمخابرات.
عزت التحليلات والتقديرات الإسرائيلية عدم توقع أحد من قادة مختلف أذرع المؤسسة الإسرائيلية، السياسية والأمنية والعسكرية والاستخباراتية، سيناريوهات قيام كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، بهجوم مفاجئ ينطلق من قطاع غزة إلى جنوب إسرائيل، إلى محدودية الخيال واعتبارها سيناريوهات غير واقعية، فضلا عن العنجهية الإسرائيلية والاستخفاف، وربما درجة من الازدراء بالفصائل الفلسطينية.
استخفاف بحماس
وتعزيزا لهذه التحليلات والتقديرات الإسرائيلية، استذكر المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل في مقال له بعنوان "بعد ستة أشهر، تجتمع قطع أحجية السابع من أكتوبر معا"، الفشل التراكمي والاستخفاف من قِبل إسرائيل بحركة حماس، مستشهدا بمناورة أجرتها "فرقة غزة" بالجيش الإسرائيلي عام 2016، تحاكي هجوما جماعيا للفصائل الفلسطينية من القطاع على جنوب إسرائيل.
وأوضح المحلل العسكري أنه في هذا العام، تم إجراء تمرين غير عادي في "فرقة غزة"، حيث وضع الرائد ميكي إدلشتين، الذي قاد الفرقة، سيناريو تهاجم فيه القوات الفلسطينية الحدود، من عدد كبير من المراكز، بيد أن القيادة الجنوبية بالجيش الإسرائيلي وجدت صعوبة في التأقلم مع مثل هذا السيناريو.
وبحسب هرئيل، فإن بعض القادة بالجيش الإسرائيلي زعموا في حينه أن السيناريو انجرف إلى مناطق خيالية وغير محتملة، وهو ما يُعرف في اللغة العسكرية بـ"الغواصات في الوادي"، قائلا إنه "منذ ذلك الحين يبدو أن أحدا لم يتعامل بجدية مع سيناريو حرب شاملة في القطاع، تندلع في أعقاب هجوم مباغت لحماس".
تضارب في المعلومات
"لم تصل الغواصات"، يقول المحلل العسكري "لكن حدث فيضان في 7 أكتوبر، فالتسمية التي أطلقتها حماس على الهجوم، طوفان الأقصى، كانت مناسبة، حيث عبر أكثر من 2000 مسلح الحدود، تلاهم حشد من المدنيين، وذلك رغم التحذيرات لوحدة المراقبة بالجيش بشأن التغيرات المثيرة للقلق بسلوك حماس على طول الحدود، وهو ما قد يشير إلى هجوم وشيك".
واستعرض هرئيل الإخفاقات التي تكشفت عقب الهجوم المفاجئ، باستنفار أعداد قليلة من قوات الأمن والإنقاذ إلى مستوطنات "غلاف غزة"، التي وجدت نفسها وسط حشود من المهاجمين الفلسطينيين، حيث قتل بعضهم بعد نفاد ذخيرتهم.
في صباح ما أسمته إسرائيل "السبت الأسود"، انتشرت ثلاث كتائب مشاة على طول حدود قطاع غزة ومعها كتيبة مدرعة أصغر حجما، لكن يقول المحلل العسكري إن "النقاش الإسرائيلي حول انتشار القوات يشوبه تضارب بالمعلومات، وتحيزات سياسية، وصمت من قبل قادة الجيش".
لقد لجأ الجيش الإسرائيلي، بحسب هرئيل، "إلى خفض إضافي لقواته في أيام السبت والأعياد، وكان يميل إلى منح عدد كبير من القادة والجنود إجازات معا، وهذا شكّل إفراطا في المجازفة، تماما كما هو حال السماح للقادة بدعوة عائلاتهم إلى قواعد عسكرية قريبة من الحدود مع غزة لقضاء العطلة معهم".
وخلص للقول إن "هذا الواقع يعكس عدم جدية الجيش الإسرائيلي تجاه المخاطر من غزة، فإذا اعتقدت القيادة العليا للجيش أن الهجوم كان محتملا، كان لزاما عليها أن تفعل أحد أمرين: تعزيز الدفاع بشكل كبير، أو الضغط على السياسيين للسماح لها بتوجيه ضربة استباقية لغزة، لكن لم يتم هذا ولا ذاك".
إستراتيجية فاشلة
وفي تقدير موقف آخر بعنوان "إخفاق 7 أكتوبر نتيجة حتمية للإستراتيجية الإسرائيلية"، أعده الدكتور شلومو فيشر، الباحث في معهد "سياسات الشعب اليهودي"، أن الإخفاق تمحور بالأساس حول استخفاف إسرائيل بالفلسطينيين أصلا، وعدم النظر إلى تسوية الصراع مع الفلسطينيين كجزء من الاستقرار في إسرائيل، وأنهم ليسوا مفتاح الاستقرار والازدهار بالشرق الأوسط.
وبعبارة أخرى، يقول فيشر إن "حقيقة وجود قوات الأمن الإسرائيلية في 7 أكتوبر غير جاهزة، لم يكن خللا في النظام الإسرائيلي وحسب، بل سمة من سمات النهج الإستراتيجي برمته".
ويضيف الباحث الإسرائيلي "كان لا بد من تجاهل الإشارات الاستخباراتية التي تلقتها إسرائيل قبل الهجوم، لأن الاعتراف بأن الفلسطينيين يشكّلون تهديدا خطيرا يعني قلب السياسة الخارجية والأمنية برمتها التي رعاها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والمؤسسات الخارجية والأمنية طوال السنوات العشر الماضية، رأسا على عقب".
فمستويات القيادة العليا والمتوسطة بإسرائيل، يقول فيشر، "سمحوا لقوات الجيش الإسرائيلي بمواصلة النوم في صباح عيد بهجة التوراة (سمحات توراة)، وتجاهلوا تحذيرات المراقبات، ولم يحققوا في أعطال نظام الإنذار الإلكتروني، ولم يأمروا بالتنصت على الهواتف المحمولة لعناصر حماس".
وخلص للقول إن "العبرة الرئيسية التي يجب استخلاصها من الإخفاق هي أنه لا يمكنك أن تأكل الكعكة وتحصل عليها كاملة، الفلسطينيون مصممون على نضالهم بالحرية والاستقلال، وأنه سيكون من المستحيل تجاهلهم أو تخطي مطالبهم. من الممكن الرد عليها بالمواجهة والقتال كما يقترح اليمين أو بالمفاوضات كما يقترح اليسار، لكن من غير العملي عدم التطرق لمطالبهم".