2024.. عام مزدحم بالانتخابات في أفريقيا
في سياق إقليمي يتسم بمتغيرات وتحولات جيوسياسية زاد فيها الوعي بأهمية المشاركة السياسية، تعيش 17 دولة أفريقية في عام 2024 فصولا من مظاهر الديمقراطية تتمثل في تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية.
وتزامنا مع صدور تقارير الأمم المتحدة ودراسات البنك الدولي التي ترجع أسباب الفقر والتخلف في القارة السمراء إلى العنف وعدم الاستقرار السياسي، تتطلع الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني إلى عهد يسمح للجميع بالمشاركة في التصورات والحلول التي يمكن أن تساهم في إخراج الشعوب من واقع العنف والحروب ومستنقع الفقر الذي يضرب 1.3 مليار من سكان العالم أغلبهم في أفريقيا وجنوب آسيا.
وتصنّف أفريقيا ثاني قارة في العالم من حيث المساحة؛ إذ تصل إلى 30.2 مليون كيلومتر مربع، ويقطنها ما يربو على مليار نسمة، وهي واحدة من القارات المعروفة بالحروب الأهلية والانقلابات العسكرية وتنتشر فيها المجاعة والأمراض بشكل كبير.
ومن شرق أفريقيا إلى غربها يشهد عام 2024 جدولا مزدحما بالانتخابات التي تأتي على وقع الحروب والتمرد والعنف والانقلابات، بالإضافة لمتغيرات في مراكز النفوذ والتأثير في جنوب الصحراء الكبرى.
في التقرير التالي، تعرض الجزيرة نت قائمة بالدول الأفريقية التي شهدت انتخابات في الأشهر الأولى من عام 2024، وتلك التي تشهدها في أوقات لاحقة من نفس العام.
ويعرض التقرير أهم المشاكل التي تعاني منها هذه البلدان، وكيف ستؤثر العملية السياسية على مسار الأحداث ومستقبل المنطقة.
أولا- دول نظمت فيها انتخابات بالفعل:
- جزر القمر.. مأمورية جديدة لغزالي عثمان
في يناير/كانون الثاني 2024 أجريت انتخابات رئاسية في جزر القمر، وأُعلن عن فوز الرئيس غزالي عثمان في 17 من نفس الشهر بنسبة فاقت 64%، وسط انتقادات من المعارضة لعمليات التصويت والفرز، إذ طالب المرشحون المنافسون للرئيس بإلغاء نتائج الاقتراع.
ويشار إلى أن غزالي عثمان تولى رئاسة البلاد منذ عام 1999 وذلك إثر انقلاب عسكري أطاح بالرئيس المؤقت حينها تاج الدين بن سعيد ماسوندي.
وقد ترك غزالي الحكم عام 2006، ثم عاد إليه مرة أخرى بانتخابات عام 2016.
وجمهورية جزر القمر هي دولة أرخبيل استقلت عن فرنسا عام 1975 وكانت من الدول التي تتبع لما يسمى أراضي ما وراء البحار المرتبطة بباريس.
وقبل الرئيس الحالي، لم تعرف جزر القمر استقرارا سياسيا، إذ شهدت بين عامي 1975 و1999 صراعا على السلطة نتج عنه 20 انقلابا ومحاولة انقلاب.
ورغم أن سكانها في حدود 829 ألف نسمة حسب إحصائيات 2022 فإن الفقر يمثل أهم التحديات التي تؤرق، إذ يعيش 42% من السكان تحت خط الفقر، و22.3% من السكان مهددون بالفقر متعدد الأبعاد.
- السنغال.. شباب يتولون مقاليد الحكم
تم تنظيم الانتخابات الرئاسية في السنغال في 25 مارس/آذار 2024، وذلك بعد 3 سنوات من الاضطرابات السياسية والأمنية عرفتها دكار بسبب مساعي الرئيس السابق ماكي صال إلى تأجيل الانتخابات.
وقد حققت المعارضة السنغالية التي يقودها الشباب فوز الرئيس باصيرو نديوماي فاي في الجولة الأولى من النزال السياسي الذي ضم الكثير من الشخصيات المحسوبة على الدولة العميقة.
وتعتبر السنغال إحدى الدول الأفريقية المعروفة بعراقة الممارسة السياسية، إذ لم تعرف انقلابا عسكريا منذ أن استقلت عن فرنسا عام 1960.
وتواجه الحكومة في دكار تحديات كبيرة تتمثل في انتشار الفقر والبطالة، وهجرة الشباب نحو أوروبا.
ثانيا- دول على أبواب الانتخابات
- تشاد.. ديبي الصغير على خطى والده
من المقرر إجراء انتخابات رئاسية في تشاد في السادس من مايو/أيار 2024، وذلك بعد 3 سنوات من الحكم العسكري بقيادة العقيد محمد إدريس ديبي الذي حكم البلاد بعد مقتل والده إدريس ديبي عام 2021.
ويواجه ديبي الابن تحديات صعبة أبرزها اتهامه قمع المعارضين وتصفيتهم، الأمر الذي تسبب في الكثير من الاحتقان والتأزم.
وبالإضافة للفقر وتنامي الحركات المسلحة، تستقبل تشاد مئات الآلاف من النازحين واللاجئين بسبب الحرب في السودان، ويشكلون عبئا كبيرا على البلاد.
وقد حذر برنامج الأغذية العالمي، من وقوع كوارث تتعلق بانعدام الأمن الغذائي الذي تزداد مؤشراته بسبب تدفق اللاجئين من السودان.
وحسب الكثير من المراقبين، فإن إدريس ديبي سيحسم نتائج الانتخابات لصالحه في الشوط الأول، إذ يشكل امتدادا لعائلة ديبي التي حكمت البلاد أكثر من 3 عقود.
ووفق دراسة أعدها المركز الأفريقي للدراسات الإستراتيجية حول التحديات والفرص في انتخابات أفريقيا، فإن توجه تشاد نحو موسكو ووقوفها مع الحكومات العسكرية في منطقة الساحل التي تشكل امتدادا للنفوذ الروسي "قد يجذبها نحو الديناميكيات الجيوسياسية الإقليمية والدولية التي ستزيد من التوتر وعدم الاستقرار".
- جنوب أفريقيا.. معارك سياسية في عرين منديلا
في 29 مايو/أيار القادم سيتوجه الناخبون في جنوب أفريقيا نحو صناديق الاقتراع لاختيار أعضاء البرلمان البالغ عددهم 400 عضو.
وبعد انتخابهم سيصوت أعضاء البرلمان لاختيار رئيس جديد للبلاد لولاية مدتها 5 سنوات.
ويواجه الرئيس الحالي جاكوب زوما صعوبات قانونية في قبوله ضمن المرشحين للرئاسة بعد أن تم استبعاده من طرف لجنة الانتخابات، إذ يواجه حكما بالسجن 15 شهرا بتهمة الإساءة للقضاء، وينص الدستور على منع الترشح لمن صدر بحقه حكم بالسجن يزيد على 12 شهرا.
وتعاني جنوب أفريقيا من الفساد وانتشار البطالة بين صفوف الشباب، وكذا ارتفاع أصوات الانتقادات بشأن تفشي عدم المساواة.
- موريتانيا.. أجيال السلطة القديمة باقية وتتمدد
ستعرف موريتانيا انتخابات رئاسية في يونيو/حزيران 2024، وسيشارك فيها الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، وهو جنرال سبق أن تولى قيادة الجيش ويحظى بدعم المؤسسة العسكرية والمشيخات القبلية ومن المتوقع فوزه لولاية ثانية.
ووفقا للمعارضة الموريتانية، فإن البلاد عرفت في الأعوام الأخيرة تفشي الفساد والرشوة والتضييق على الحريات الفردية.
وفي الوقت الذي يتطلع فيه الشباب الموريتاني إلى المشاركة في الحكم السياسي، اختار الرئيس الحالي عددا من الوزراء وكبار المسؤولين الذين كانوا أعضاء في حكومات 1996 و2000 و2008، ومعظمهم على أعتاب سن التقاعد أو بلغها بالفعل.
وتمر موريتانيا بمرحلة صعبة من التحديات الإقليمية، أهمها الحرب في مالي المجاورة وأزمة اللاجئين القادمين من منطقة دول الساحل.
كما تشكل هجرة الشباب الموريتاني مصدر قلق للمنظمات والحكومة، ففي الأعوام الثلاثة الأخيرة تزايد عدد الشباب المهاجرين نحو الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وأفريقيا حيث وصلت أرقامهم إلى 70 ألف مهاجر في عام 2023، وفقا لمنظمات محلية.
وتصنف موريتانيا من دول شمال أفريقيا المعروفة بالانقلابات، ومنذ استقلالها عن باريس عام 1960، تعاقب عليها 10 رؤساء 7 منهم من المؤسسة العسكرية.
- رواندا.. كاغامي الأوفر حظا
ومن المقرر، تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية في رواندا في 15 يوليو/تموز عام 2024.
ووفقا لمتابعين للشأن المحلي، فإن نتائج الانتخابات محسومة سلفا، حيث فاز الرئيس الحالي بول كاغامي في انتخابات 2017 بنسبة 99%.
وقد حكم كاغامي البلاد أكثر من عقدين من الزمن، إذ تولى الرئاسة عام 2000 وذلك بعد الإبادة الجماعية التي راح ضحيتها 800 ألف نسمة.
ورغم أن كاغامي ينظر إليه كصانع معجزات إذ استطاع انتشال البلاد من مستنقع الحرب وانتشار الفقر والأمية وجعلها واحدة من الدول الأكثر نموا في المنطقة، فإن منتقديه يتهمونه باستخدام الترهيب والترغيب لكل من أراد منازلته في ساحة الانتخابات.
- الجزائر.. تبون يسعى لتجديد شرعيته
ستشهد الجزائر انتخابات رئاسية في سبتمبر/أيلول القادم بعد أن تم تعجيلها 3 أشهر عن موعدها الذي كان مقررا في ديسمبر/كانون الأول 2024.
ورغم أن الرئيس عبد المجيد تبون لم يعلن نيته الترشح حتى الآن إلا أن المؤشرات تقول إنه سيتجه لخوض مأمورية ثانية.
وتتميز علاقته بالانسجام مع المؤسسة العسكرية التي لها دور كبير في مجريات الأحداث السياسية، وقد قاد تبون حملة ضد الفساد واعتقل الكثير من القيادات التي كانت تعمل مع الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة.
وتشهد علاقات الجزائر توترا مع مالي والنيجر بسبب ملفات تتعلق بالمجتمع الأزوادي.
- موزمبيق.. استحقاقات رئاسية وتشريعية
ومن المقرر أن تعرف جمهورية موزمبيق انتخابات تشريعية ورئاسية في أكتوبر/تشرين الأول القادم.
وخلال الانتخابات البلدية التي أجريب لعام 2023، فاز الحزب الحاكم "فريليمو" بأغلبية المقاعد.
وقد لا يجد الرئيس الحالي فيليب نيوسي صعوبة في التجاوز من الشوط الأول، حيث تؤكد تقارير محلية أن انتخابات 2019 شابتها عمليات تزوير واسعة ولم يجد الحزب الحاكم صعوبة في إعلان فوزه.
وموزمبيق هي إحدى المستعمرات البرتغالية، وحصلت على الاستقلال عام 1975.
وقد شهدت حربا أهلية بين عامي 1975 و1992 راح ضحيتها أكثر من مليون قتيل.
- بوتوسوانا.. منطقة ألق ديمقراطي
من المنتظر أن تجري في بوتوسوانا الانتخابات في أكتوبر/تشرين الأول القادم، وهي انتخابات عامة.
ويتم اختيار الرئيس عن طريق البرلمان لمدة 5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، ويتوقع أن يرشح الحزب الديمقراطي الحاكم الرئيس الحالي موكوجويتسي ماسيسي لمأمورية ثانية.
وتصنف بوتوسوانا من دول أفريقيا جنوب الصحراء التي عرفت الحياة الديمقراطية قي فترة مبكرة من عمرها، إذ نظمت فيها انتخابات حرة ونزيهة بعد استقلالها عن بريطانيا عام 1966، وما زالت تحافظ على ألقها الديمقراطي الذي يتميز بالاستقرار والانتقال السلس للسلطة.
- تونس.. انتخابات في ظل انتكاس الثورة
وستُجرى الانتخابات الرئاسية في تونس في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل في جو يتسم بتراجع الحريات وتضييق الخناق على المعارضة وخاصة التيار الإسلامي.
وقد شهدت تونس في السنوات الأخيرة أزمات اقتصادية كبيرة تمثلت في زيادة الأسعار، وتراجع قيمة العملة المحلية.
وبعد الثورة أقرت تونس دستورا يحد من صلاحيات الرئيس وهيمنته على السلطة، ويعطي للبرلمان المسؤولية في إقرار تعيين رئيس الوزراء، لكن الرئيس الحالي قيس سعيد عيّن حكومتين بدون الرجوع للبرلمان، وأقر دستورا في عام 2022 يكرس السلطة المطلقة لرئيس الجمهورية.
- موريشيوس.. تبادل السلطة يجري بسلاسة
ستكون الانتخابات العامة في جمهورية موريشيوس في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وهي من الدول الأفريقية التي تسود فيها الديمقراطية ويتم فيها تبادل السلطة بشكل سلس.
ويتميز شعبها بكثير من الوعي السياسي، إذ صوت فيها 90% من مجموع الناخبين خلال انتخابات 2019، وهي دولة معروفة بالاستقرار وتجذب آلاف السائحين سنويا.
- ناميبيا.. تحديات أمام الحزب الحاكم
وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام الحالي سيتوجه الناخبون في ناميبيا لاختيار رئيس جديد للبلاد بعد نانجولو مبومبا الذي ستنتهي ولايته في نفس التاريخ.
ويسيطر حزب سوابو على الحكم منذ استقلال البلاد؛ حيث فاز في كل الانتخابات التي عرفتها البلاد، إلا أن شعبيته بدأت تتراجع، إذ انتقلت من 76% في انتخابات 2015 إلى 56% في انتخابات 2019.
- غانا.. تنافس لخلافة الرئيس الحالي
في ديسمبر/كانون الأول من العام الحالي سيتوجه الناخبون في غانا لانتخاب رئيس جديد للبلاد بعد انتهاء المأمورية الثانية والأخيرة للرئيس نانا أكوفو أدو.
وغانا من الدول الأفريقية التي تعرف استقرارا سياسيا وليس لجيشها أي تدخل في مسار السلطة السياسية.
وتعاني جمهورية غانا من الفقر رغم الموارد الهائلة، ويتميز المجتمع الغاني بالاندماج والتعايش المشترك رغم التنوع الثقافي والتعدد الإثني.
وهي واحدة من المستعمرات البريطانية، وحصلت على استقلالها عام 1957.
- جنوب السودان.. السلفاكير يريد البقاء
تشهد دولة جنوب السودان انتخابات رئاسية وتشريعية في ديسمبر/كانون الأول المقبل، وسيترشح فيها الرئيس الحالي سلفا كير الذي لم تعرف البلاد رئيسا غيره منذ انفصالها عن السودان عام 2011.
وتعاني الدولة الوليدة من تحديات صعبة تتمثل في الهشاشة الأمنية بسبب الصراعات الداخلية، وكذا الفساد، وانعدام التجربة.
- غينيا بيساو.. انتخابات وعسكر يتربص بالسلطة
أما غينيا بيساو، فستشهد انتخابات رئاسية في ديسمبر/كانون لأول ويتوقع أن يدفع ائتلاف الأغلبية الحاكمة بترشيح عمر سيسكو إمبالو الذي انتخب في ديسمبر/كانون الأول 2019.
وغينيا بيساو واحدة من دول غرب أفريقيا المعروفة بالانقلابات العسكرية، إذ نجحت فيها 4 انقلابات بعد استقلالها عن البرتغال 1973، وشهدت الكثير من محاولات التفاف العسكر على الحياة السياسية، كان آخرها المحاولة الانقلابية في 2022 ضد الرئيس الحالي.
- غينيا كوناكري.. وعد بتسليم السلطة للمدنيين
من المقرر أن ينفذ المجلس العسكري تعهداته المتعلقة بتنظيم انتخابات رئاسية وتسليم السلطة للمدنيين في ديسمبر/كانون الأول القادم.
وكانت مجموعة من العسكريين يترأسهم العقيد مامادي دومبويا قد استولوا على السلطة عام 2021 حيث أطاحوا بالرئيس المدني المنتخب ألفا كوندي.
ثالثا.. انتخابات مؤجلة في مالي وبوركينا فاسو
كان من المقرر تنظيم انتخابات رئاسية في بوركينافاسو ومالي خلال العام الجاري، إلا أن رئيسي المجلس العسكري أخلا بالتزاماتهما بحجة الأوضاع الأمنية المتوترة في منطقة الساحل والصحراء.
ويتقاطع رئيس المجلس العسكري في واغادوغو النقيب إبراهيم تراوري مع نظيره في باماكو العقيد عاصيمي غويتا في التأكيد على إعطاء الأولوية لاستعادة الأمن ومحاربة الجماعات المسلحة بدلا من العودة لمظاهر الحياة الديمقراطية.
ورغم أن المجلس العسكري الحاكم في غينيا كوناكري لم يعلن نيته التراجع عن اتفاقه مع مجموعة إيكواس حول إجراء الانتخابات قبل انتهاء العام، إلا أن الظروف التي تمر بها الكتلة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا قد لا تسمح لها بفرض موقفها، وهو الأمر الذي قد يدفع بالعقيد مامادي إلى تمديد فترته الانتقالية، إن لم يكن ينوي الاستقالة من الجيش والترشح للرئاسة والبقاء في السلطة بلباس مدني.