لماذا يسعى اللوبي الإسرائيلي لإسقاط رئيس الشرطة البريطانية؟
لندن- يواجه رئيس الشرطة البريطانية مارك رولي، ضغوطا كبيرة من أجل دفعه للاستقالة، في حملة يقودها اللوبي الإسرائيلي واليمين المتطرف البريطاني، وذلك بسبب ما يعتبرونه تساهلا من الشرطة مع المظاهرات المؤيدة لفلسطين، وخصوصا في العاصمة لندن.
وزادت شراسة الحملة على الشرطة البريطانية بعد انتشار مقطع لنقاش جرى بين شرطي بريطاني وناشط يهودي ورئيس "تحالف مناهضة السامية" في بريطانيا، وهي مؤسسة مؤيدة لإسرائيل.
وكان الناشط اليهودي يقف قرب مسيرة مؤيدة لفلسطين، فطلب منه الشرطي الابتعاد لأن حضوره قد يشكل استفزازا للمتظاهرين، ليستغل اللوبي المؤيد لإسرائيل هذا المقطع في اتهام الشرطة بأنها متعاطفة مع المتظاهرين المؤيدين لفلسطين على حساب اليهود في بريطانيا.
وسارعت الشرطة البريطانية إلى إصدار بيان تعتذر فيه لهذا الناشط اليهودي، مؤكدة في الوقت ذاته أن حضوره رفقة عدد من الناشطين الآخرين قرب المظاهرة المؤيدة لفلسطين يعتبر عملا استفزازيا، وقد يضر بالأمن العام.
لكن هذا لم يمنع اليمين المتطرف واللوبي الإسرائيلي من المطالبة بإقالة رئيس الشرطة مارك رولي، وهو المعيّن حديثا في هذا المنصب، في حملة تخفي معركة شرسة قادها اللوبي الإسرائيلي ومعه وزيرة الداخلية السابقة سويلا برافرمان، من أجل حث الشرطة على منع المظاهرات المؤيدة لفلسطين.
معركة قديمة
تعتبر المعركة الدائرة بين الشرطة البريطانية من جهة وبين اللوبي الإسرائيلي ووزيرة الداخلية السابقة سويلا برافرمان التي تعتبر من أشد مناصري الاحتلال الإسرائيلي ليست جديدة، بل تفجرت منذ أن تحولت لندن إلى أيقونة عالمية في تحريك المسيرات الضخمة المؤيدة للفلسطينيين والمطالبة بوقف الحرب على غزة.
وسبق أن حاولت برافرمان استغلال منصبها كوزيرة للداخلية من أجل الضغط على الشرطة لمنع المظاهرات، وبلغت المواجهة أشدها عندما تزامنت مسيرة مؤيدة لفلسطين مع احتفال بريطانيا بيوم العرفان لجنود الحرب العالمية الثانية، حينها تدخل رئيس الوزراء ريشي سوناك بنفسه ووصف المظاهرات بأنها "مسيرات تحرّض على معاداة السامية".
أما وزيرة الداخلية فقد وصفتها بـ"مسيرات الكراهية والتطرف ومعاداة السامية" وبأنه يجب وقفها. ودخلت في شد وجذب مع رئيس الشرطة البريطانية، الذي أكد حينها أنه ليس هناك مبرر لمنع هذه المظاهرات، وفي النهاية انتصرت وجهة نظره، مما دفع رئيس الوزراء لإقالة برافرمان، التي يبدو أنها للآن ما تزال تحمل على رئيس الشرطة موقفه من المظاهرات.
غموض الشرطة
يحكي رئيس حملة التضامن مع فلسطين "بي إس سي" (PSC) بِن جمال (Ben Jamal) عن فترة بداية الحشد للمظاهرات الداعمة لفلسطين في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أي عقب بدء الحرب الإسرائيلية على غزة.
وتحدث بن جمال عن قلق النشطاء حينها من الطريقة التي ستدبر بها الشرطة هذه الاحتجاجات، ومن حجم الضغط السياسي الذي سيتعرضون له من قبل المؤسسة السياسية والحكومة على وجه الخصوص. و"التي لم تخفِ تأييدها الكامل للإبادة الجماعية التي كانت إسرائيل تعتزم القيام بها ضد أهالي قطاع غزة"، حسب وصفه.
وأكد بن جمال الذي يعتبر أحد المسؤولين عن تنظيم المسيرات، أنه اتضح مع الوقت أن الشرطة حاولت بشتى الطرق مقاومة "الضغوط الكبيرة" التي مورست عليها، وأكدت في أكثر من بيان منسوب إليها على حق التظاهر وعلى سلمية الاحتجاجات الداعمة لفلسطين، والتي كانت تضم مختلف ألوان الطيف السياسي والمدني والاجتماعي البريطاني.
ونبّه في حديثه مع الجزيرة نت، إلى أنه حين كان يشتد الضغط من طرف الداعمين للسياسات الإسرائيلية، كانت الشرطة تفرض قيودا على المسيرات وتلزم المنظمين ببعض القوانين، وهو ما يتناقض مع الطابع السلمي الذي اعترفت به الشرطة نفسها، ومع التسامح الذي تعاملت به مع المشاركين في المظاهرات. ويقول "حتى حين كان يتم اعتقال بعض النشطاء كان يتم ذلك بطريقة عنيفة غير ضرورية في مثل هذه الحالات".
ووصف بن جمال تعامل الشرطة بنوع من "الغموض أو التناقض" مع هذه المظاهرات التي يمارس اللوبي الإسرائيلي كل صنوف الضغط لوقفها ومنع استمرارها بالزخم الذي لم ينقطع منذ أشهر.
كما شدد على وجود حلفاء ومؤيدين للحق الفلسطيني وضد السياسات الإسرائيلية العنصرية في أوساط الجالية اليهودية، وقال "صحيح أن هؤلاء لا يعبرون عن موقف أغلبية الجالية اليهودية البريطانية، ولكنها أصوات ترتفع عاليا لتدين هذه السياسات".
ضغوط كبيرة
ويكشف نائب رئيس المنتدى الفلسطيني عدنان حميدان، سبب انزعاج وزراء الداخلية المتعاقبين مؤخرا من الشرطة البريطانية، لكون وزارة الداخلية لا تملك صلاحية لتقييد التظاهر أو منعه، فيما تتمتع الشرطة باستقلالية تامة، حتى إن قائد الشرطة يعين من قبل عمدة المدينة المنتخب وليس من قبل وزير الداخلية.
ويشدد في حديثه مع الجزيرة نت، على أهمية أن تسجل الشرطة البريطانية "عدم تجاوبها نسبيا" مع تلك الضغوط، ويوضح "أقول نسبيا لأنها فعّلت في الشهور الأخيرة بنودا في القانون، وهي المواد 12 و14 والتي لم تكن مفعلة من قبل، وتتعلق باعتقال من يخرج عن المسار المتفق عليه للمظاهرة، أو من يتجمهر بالمكان ويعتصم به بعد انتهاء المدة المتفق عليها".
وقال حميدان إن هذا الأمر مزعج بلا شك، وتبعته "تصرفات خاطئة" في التطبيق من قبل بعض عناصر الشرطة، مستدركا "إلا أن المشهد بالعموم لم يصل للسوء الذي وصلت له عواصم غربية مثل برلين وباريس".
أما عن التنسيق مع الشرطة قبل أي مسيرة، فيكشف حميدان أنه عندما تكون المظاهرة حاشدة -كما هو حال مظاهرات التضامن مع غزة التي ينظمها المنتدى الفلسطينيُّ، بالتعاون مع حملة التضامن مع فلسطين، وأصدقاءُ الأقصى وشركاؤهم- وتكون بها المشاركة بمئات الآلاف، فتكون هناك عدة اجتماعات تنسيقية للتحالف الذي يقود هذا الحراك في بريطانيا، ثم للترتيب مع الشرطة والأجهزة المعنية.
ويوضح أنه عادة ما يحضر الاجتماع ممثلون عن التجار الذين لهم مصالح تجارية في الشارع والبلديات ذات العلاقة وإدارات الحدائق والميادين العامة في حال طلب استخدام أي منها. ويجري "نقاش حضاري موسع" للوصول لتفاهمات.
ويضيف أنه في بعض الأحيان يطلب التحالف إيقاف الاجتماع حتى يتشاور أعضاؤه وينسقون فيما بينهم، بينما يبقى بقية الأفراد في الاجتماع ينتظرون عودة الأعضاء لعرض قرارهم.