قبرص تفتح ملف عودة اللاجئين السوريين وأوروبا تناقش التداعيات
أعلنت السلطات القبرصية مؤخرا وقف النظر بطلبات لجوء السوريين حتى إشعار آخر كـ"إجراء احترازي طارئ"، وفق ما أكد الرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليدس.
ورغم صدور القرار فإن الرئيس القبرصي أقر عبر حسابه في منصة "إكس" بصعوبته، معتبرا أن إصداره ضرورة تمليها عليه "حماية مصالح قبرص" التي تقوم بتحركات حثيثة للحد من تدفق موجات طالبي اللجوء إلى أراضيها.
ووفقا لإحصاءات رسمية، فإن نسبة السوريين من إجمالي المهاجرين الذين وصلوا الجزيرة بلغت نحو 53%، وهناك أكثر من ألفي شخص وصلوا في الأشهر الأولى من العام الحالي ما زالت طلبات لجوئهم قيد الدراسة.
فرصة للحلم
"دعونا نحلم فقط بأننا ما زلنا على قيد الحياة"، بهذه العبارة علق اللاجئ السوري ملهم النجار على الإجراء القبرصي.
كان ملهم قد غادر لبنان باتجاه قبرص في الربع الأخير من العام 2023 بعد أن تعرض مع عائلته المكونة من 3 أفراد لضغوط اجتماعية ومعيشية مختلفة.
ولم تكن أسرته تتمتع بأي غطاء قانوني يتيح لها الحركة والتنقل بشكل آمن، علاوة على ما وُصفت بأنها "حملات كراهية وتمييز" نشطت في المنطقة التي كان يقطنها ملهم، وتوقف دعم الأمم المتحدة النقدي لأسرته على غرار غيرها نتيجة انخفاض مستوى التمويل الدولي لخطة الاستجابة الإقليمية من 60% في الفترة بين عامي 2018 و2015 إلى 30% عام 2023.
يقول ملهم "لم تمنحني السلطات المحلية أي وثيقة تثبت وضعي كلاجئ متذرعة بعدم قانونية الطريقة التي دخلت بها إلى البلاد، وخوفا من إعادتي إلى سوريا بشكل قسري كما حدث مع لاجئين آخرين خاطرت مع أسرتي وأبحرت مع أحد المهربين إلى قبرص على متن قارب صغير انطلق من سواحل مدينة طرابلس كان يضم العشرات غيري، واليوم لا أعرف بعد أن اتخذت قبرص هذا القرار كيف سينتهي بنا المطاف".
وجهة بديلة
تتوسط قبرص الطريق البحري الواصل بين ساحل بلاد الشام والشواطئ الجنوبية الشرقية لأوروبا، وتبادلت مع تركيا طرق عبور اللاجئين بعد أن ضبطت الأخيرة حدودها بموجب اتفاق عام 2016 الذي تم بين أنقرة والاتحاد الأوروبي.
في السنوات الأربع الأخيرة نجحت قوارب صغيرة كانت تنطلق في رحلات بحرية غير منتظمة من سواحل مدينتي طرطوس السورية وطرابلس اللبنانية باتجاه الجزيرة في تهريب مئات السوريين ممن كانوا يبحثون عن ملاذ آمن وحياة أفضل، في ظل تراخي المجتمع الدولي لإيجاد حل سياسي يطوي صفحة الحرب التي تشهدها بلادهم منذ عام 2011.
وسجلت سواحلها في مطلع أبريل/نيسان 2024 وصول أكثر من 15 قاربا تحمل على متنها مئات طالبي اللجوء غادروا لبنان على خلفية تصاعد الخطاب المناهض لوجودهم، وتعرضهم لمضايقات أمنية من قبل الجيش خلال حملاته المتواصلة لترحيل العشرات بشكل تعسفي إلى سوريا.
ووصف الرئيس القبرصي تصاعد موجات اللجوء بشكل يومي نحو سواحل بلاده بالوضع الخطير، وأشار إلى أن استمرارها سيدفع أوضاع الجزيرة إلى الانهيار.
ضغوط لبنانية تدفع الضعفاء للهرب
يعتبر لبنان أحد أكبر البلدان المضيفة للاجئين السوريين، وشهدت حدوده مع سوريا منذ بداية الحرب حركة نزوح نشطة تركزت معظمها في مناطق العريضة والعبودية ووادي خالد وصولا إلى جبل أكروم وتخوم الهرمل والبقاع.
وتشير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى أن عدد اللاجئين السوريين المسجلين على لوائحها بلغ نحو 830 ألف لاجئ.
لكن البلد الذي تسلّم نحو 9 مليارات دولار من المساعدات الخاصة التي قدمتها الأمم المتحدة لمعالجة تداعيات اللجوء السوري على أراضيه لم يستفد منها اقتصاده الخدمي بالطريقة التي رسمتها خطة الاستجابة، وأعلن أنه يعاني من ضغوط.
وبعد زيارة قام بها المقرر الخاص المعني بمسألة الفقر المدقع وحقوق الإنسان أوليفييه دي شوتر إلى بيروت في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 انتقد طريقة إدارة المساعدات وحمّل الدولة والمصرف المركزي مسؤولية الأزمة التي أدت إلى إفقار غير ضروري لأغلبية السكان.
ورأى دي شوتر أنه كان بإمكان الحكومة أن تعكس "اتجاه البؤس الذي هيمن على المجتمع من خلال قيادة تضع العدالة الاجتماعية والشفافية والمساءلة في صميم أعمالها".
وقف تدفق اللاجئين مقابل المساعدات
اشتكت قبرص مرارا من تهاون الحكومة اللبنانية في ملاحقة شبكات الاتجار بالبشر ومراقبة الشواطئ التي تنطلق منها معظم قوارب اللاجئين، وطالبتها بوقف هذا التدفق مقابل المساعدات الأوروبية التي تتلقاها بهذا الخصوص.
لكن هشاشة الوضع السياسي في لبنان لم تترك لجهود الدولة أن تسير وفق المتوقع منها لمعالجة المشكلة، مما أثار حفيظة الرئيس القبرصي الذي ترتبط بلاده مع لبنان باتفاقات وتفاهمات أمنية بهذا الخصوص ودفعه إلى القول "لا يمكن منح المساعدات للبنان بينما يتعين على قبرص إدارة الأزمة".
من المرجح أن ثمة اتفاقا جوهريا على الطريقة التي يمكن بموجبها التوصل إلى حل شامل لأزمة اللجوء في كلا البلدين، فقبرص تعمل بشكل حثيث لدى الاتحاد الأوروبي من أجل وضع إطار عملي مع لبنان يمنح الحكومة اللبنانية المزيد من المساعدات الضرورية للنهوض باقتصادها، ولتحفيز اللاجئين ماديا من أجل عودتهم إلى بلدهم.
بدورها، استبعدت الكاتبة السياسية القبرصية كريستالا هادجيديميتريو أن تساعد المنح المقدمة للدول الوسيطة على حل أزمة الهجرة، ومن المحتمل ألا تساعد أيضا مصر أو لبنان.
وأشارت كريستالا في مقال بصحيفة "إن قبرص" إلى أن المليارات المقدمة لهذه البلدان سوف تختفي دون أي تدقيق خاص، وسيطارد الناس دائما الأمل في حياة أفضل.
وتضيف "أما أولئك الذين وجدوا الذهب عن طريق بيع هذا الأمل (المهربون) سيستمر نشاطهم بأي وسيلة ضرورية، وسوف يستمر الساسة الذين يستفيدون أيضا من وجود أزمة الهجرة في إدامة المشكلة".
ويدعم الاتحاد الأوروبي برنامجا قائما بشأن إدارة متكاملة للحدود في لبنان، وقدمت المفوضية الأوروبية إلى جانب الوكالة الأوروبية لخفر السواحل والحدود ووكالة اللجوء التابعة للاتحاد دعما ماليا وتشغيليا بهذا الصدد، في حين تم تخصيص 255 مليون يورو لدعم شؤونه الداخلية حتى عام 2027.
كما بلغ دعم الاتحاد الأوروبي لمعالجة تأثير الأزمة السورية على أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية منذ عام 2011 نحو 2.6 مليار يورو غطت المساعدات الإنسانية والتعاون التنموي وضمان تقديم الخدمات الأساسية، كالتعليم والرعاية الصحية والحماية الاجتماعية للاجئين.
هل ستحل الاتفاقية الجديدة أزمة اللجوء؟
تبدي قبرص ارتياحها من اتفاقية الهجرة الجديدة التي وافق عليها البرلمان الأوروبي مؤخرا، والتي ستدخل حيز التنفيذ بحلول نهاية أبريل/نيسان 2026، وتتوقع إذا ما نفذت أنها ستكون ملبية لطموحها.
وبموجب القواعد الجديدة ستكون دول الاتحاد البالغ عددها 27 دولة ملزمة إما بقبول المهاجرين من الدول الطرفية أو تقديم تمويل إضافي لها، علاوة على تسريع عمليات اللجوء، وذلك من خلال معالجة طلبات اللاجئين، وإعادة المهاجرين غير النظاميين إلى أوطانهم، وإعادة من لديهم طلبات مرفوضة خلال 12 أسبوعا.
وأشادت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بما اعتبرته اتفاقا تاريخيا، في حين اعتبرته رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا أهم اتفاق تشريعي أثناء ولايتها.
ويصطدم هذا الترحيب بمواقف حادة لمنظمات غير حكومية تعنى بحقوق الإنسان وعمليات الإغاثة، حيث قالت في بيانات أصدرتها إن القرار يمثل فشلا تاريخيا، وسيتسبب في المزيد من الوفيات في البحر، فضلا عن أنه سيزيد معاناة المنفيين، في حين وصفته منظمة أوكسفام بـ"تفكيك خطير للمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان وقانون اللاجئين".
ووفق المحللة السياسية القبرصية زينيا توركي، فإن الاتفاقية الجديدة رأت النور في وقت حرج بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي يواجه إدارة تدفقات هجرة كبيرة، في حين يشهد زيادة في الأحزاب المناهضة للمهاجرين والأحزاب اليمينية المتطرفة.
وتقول توركي "تعتقد بروكسل أنه من خلالها سيتم ضمان حماية أفضل للحدود الخارجية وستتم حماية اللاجئين والمهاجرين المستضعفين، وأن التضامن الإلزامي بين الدول الأعضاء سيؤدي إلى توزيع أكثر عدالة لأعباء الهجرة"، وتتساءل "هل ستوفر الاتفاقية في النهاية حلا لهذه المشكلة الملحة؟ من المرجح ألا يحدث ذلك لأن الهجرة مشكلة متعددة الأوجه ولا تحظى إلا بإجماع ضئيل".
وتضيف "كان رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك واضحا، فسارع إلى التصريح بأنه لن يوافق على آلية إعادة التوطين، مشيرا إلى أن بلاده تفضل دفع الأموال بدلا من قبول المهاجرين".
ووفقا لتوركي، فإن "العديد من البلدان الأخرى ستفعل الشيء نفسه، فإذا احتاجت إلى العمالة كما هو حال ألمانيا على سبيل المثال فسوف تقبل من تحتاج إليه، وإلا سترفض وتفتح محفظتها للمساهمة ماليا، وسوف تختار شراء طريقها للخروج من المشاكل حتى لو اضطرت إلى دفع 20 ألف يورو لكل شخص ترفض قبوله، وستفعل ذلك لإبقاء حدودها مغلقة، إن عصر الترحيب بالأجانب -إن وجد- قد ولى بلا رجعة".
الحكومة السورية تترقب مآلات المشهد
تغيب الحكومة السورية عن محنة مواطنيها خارج حدود البلاد على نحو لافت، ويتسم موقفها من عودة أكثر من 7 ملايين سوري غادروا وطنهم باتجاه دول الجوار وأوروبا هربا من بطش الآلة العسكرية -التي حصدت أرواح مئات الآلاف من المدنيين- بالمراوغة.
وأصر الرئيس بشار الأسد في كلمة ألقاها بمناسبة ولاية رئاسية جديدة في يوليو/ تموز 2021 على عودة مشروطة للاجئين تستثني كل من ينتقد سياساته ما لم يعلن الولاء له صراحة.
وقال الأسد في تلك المناسبة "أكرر مرة أخرى دعوتي لكل من غُرر به، لكل من راهن على سقوط الوطن، لكل من راهن على انهيار الدولة أن يعود إلى حضن الوطن لأن الرهانات سقطت وبقي الوطن".
من جهته، أبدى وزير خارجيته فيصل المقداد مرونة بشأن مسألة عودة اللاجئين الآمنة التي ناقشتها لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا والمنبثقة عن قمة جدة في اجتماع القاهرة، ونقلت مصادر عربية عنه إسهابه في الحديث عن الإجراءات والتسهيلات التي اتخذتها حكومته، وتعاونها القائم مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين من أجل عودة جميع السوريين.
وأشارت المصادر إلى موافقة المقداد على المطالب التي أقرتها اللجنة، وحمل نسخة منها إلى دمشق، ومن بينها توفير الحوافز والتسهيلات التي ستقدم للعائدين بالتنسيق مع الدول المستضيفة لهم وهيئات الأمم المتحدة ذات الصلة، وإنشاء منصة لتسجيل أسماء الراغبين منهم بالعودة.
وبخلاف التوقعات لم تقم السلطات السورية بأي إجراء من شأنه أن يشكل نقطة انطلاق إيجابية نحو تفكيك عقدة الحرب التي يعيشها السوريون، خاصة في ما يتعلق بمسألة العودة التي لها خصوصية سياسية وأمنية تتجاوز حدود الطلب.
هل سوريا دولة آمنة؟
من وجهة نظر قبرص ترتبط إعادة اللاجئين المبكرة بموقف شركائها في الاتحاد الأوروبي، وأعلنت الحكومة غير مرة أنه ليس بإمكانها أن تخطو خطوة كهذه ما لم يعد الاتحاد تقييم سياسته تجاه الوضع الراهن داخل سوريا من جديد.
ولفت وزير الداخلية القبرصي كونستانتينوس يوانو في مؤتمر صحفي إلى أن بلاده والدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي ترى أنه من المفيد إعادة تقييم وضع سوريا الذي ترك من دون تغيير، وهناك حاجة إلى مراجعته لأن بعض المناطق أصبحت في الآونة الأخيرة في عداد الآمنة.
وأشار إلى "وجود منطقتين آمنتين تعترف بهما وكالة اللجوء في الاتحاد الأوروبي هما دمشق وطرطوس، ويجب الاعتراف بهما على مستوى الاتحاد، مما يسمح لنا بترحيل الأشخاص أو إعادتهم إلى سوريا".
وكشف يوانو في جلسة للجنة الداخلية بمجلس النواب عن تفاعل العديد من دول الاتحاد مع مقترح تصنيف أجزاء جديدة من سوريا على أنها آمنة بشكل إيجابي.
ونقلت صحيفة "ديلي قبرص" عن المتحدثة باسم وزارة الداخلية مارغريتا كبرياكو أن الدول المستجيبة هي اليونان وإسبانيا والسويد وجميع دول شرقي البحر الأبيض المتوسط، إضافة إلى الدانمارك التي سحبت الحماية عن اللاجئين السوريين من دمشق وريفها في وقت مبكر، في حين لم يخفِ لبنان رغبته رسميا في مغادرة اللاجئين السوريين أراضيه.
وهناك مؤشرات عديدة تعكس رفض ألمانيا وفرنسا ودول أخرى في الاتحاد إعادة هذا التقييم، ويتطابق موقف هذه الدول مع ما تضمنه تقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في فبراير/شباط الماضي من وجود أسباب منطقية للاعتقاد بأن الظروف العامة في سوريا لا تسمح بعودة آمنة وكريمة ومستدامة للاجئين السوريين إلى وطنهم.
وأشار المفوض السامي فولكر تورك إلى أن معظم الذين تمت مقابلتهم أفادوا بأنهم قرروا الفرار من جديد بعد أن تعرضوا لتجاوزات وانتهاكات جسيمة موثقة حين عودتهم.
وأضاف تورك أنه في ظل تصاعد عمليات ترحيل السوريين من بلدان عديدة يثير وضع هؤلاء تساؤلات جدية بشأن التزام الدول بالإجراءات القانونية الواجبة وعدم الإعادة القسرية.
وفي الرسالة الأخيرة التي وجهها رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا من مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك خاطب باولو بينيرو العالم قائلا "إن عدم احترام قواعد القانون الدولي الإنساني الأساسية في سوريا لا يؤدي إلى قتل وتشويه الضحايا من جميع الأطراف فحسب، بل إنه يقوض جوهر نظام الحماية الدولية ذاته ويجعله يتآكل، ونحن نشهد النتائج اليوم".
وسبق أن كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عن تعرض اللاجئين السوريين الذين فروا من الحرب لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان كالتعذيب والخطف عند عودتهم إلى ديارهم، مؤكدا أن النساء العائدات يتعرضن للتحرش الجنسي، وأعمال عنف.
وقالت المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إليزابيث ثروسل إن تقرير مكتب حقوق الانسان التابع للمنظمة الأممية "يرسم صورة مثيرة للقلق لمعاناة العائدين لا سيما النساء، وسط تزايد عدد عمليات ترحيل السوريين من دول أخرى".