استمرار التبادل التجاري مع إسرائيل يُغضب الشارع التركي
إسطنبول- شهدت الساحة التركية تصاعدا في حدة الانتقادات الموجّهة للحكومة، حيث نظمت عدة أحزاب سياسية ومنظمات إنسانية اعتصامات ووقفات احتجاجية مطالبين بتعليق فوري لتصدير البضائع إلى إسرائيل.
ويُعد ذلك رد فعل على الأوضاع المتأزمة في قطاع غزة، وهو ما انعكس بشكل مباشر على الشارع التركي، حيث اتخذ مواطنون خطوة جريئة باعتراض طريق وزير العمل وداد إشيق هان، الأسبوع الماضي، مطالبين بقطع العلاقات التجارية مع إسرائيل وداعين إلى إغلاق الموانئ أمام سفنها كإجراء ضاغط.
كما نظمت مجموعة من المواطنين مظاهرة أمام مقر "زورلو" القابضة، وهي إحدى أبرز الشركات الاستثمارية في تركيا العاملة في مجال الطاقة ذات الحضور القوي بإسرائيل، والمقدرة استثماراتها هناك بما يزيد على مليار دولار.
وطالب الأتراك حكومتهم باتخاذ إجراءات صارمة ضد هذه الشركة، ودعوا إلى إغلاقها أو الضغط عليها لقطع علاقاتها التجارية مع إسرائيل.
وزير العمل التركي يتعرض للتوبيخ من مواطنين غاضبين في مدينة بورصة: غزة جائعة وانتم ترسلون السفن ل"إسرائيل" أوقفوا التجارة القذرة. pic.twitter.com/b3aPFioUux
— Amani.. (@AmSenwar) March 1, 2024
توظيف سياسي
سياسيا، تشهد العلاقات التجارية بين تركيا وإسرائيل توظيفا مكثفا كأداة في الخلاف الداخلي، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية المزمع إجراؤها في 31 مارس/آذار القادم.
وتتخذ المعارضة من هذا الملف منطلقا لتوجيه النقد لحكومة الرئيس رجب طيب أردوغان، وتعتبره وسيلة لتقويض "استغلال الحكومة للقضية الفلسطينية كورقة رابحة في السياسة الداخلية".
من جانبها، لم تُظهر الحكومة تجاوبا كبيرا مع هذه الاتهامات، حيث اقتصر رد فعل الوزارات المعنية على تصريحات تشير إلى تراجع وتيرة التجارة مع إسرائيل، دون الخوض في جدل معمق حول القضية.
ونفت وزارة التجارة -مؤخرا- أخبارا تناولتها بعض وسائل الإعلام بخصوص زيادة الصادرات إلى إسرائيل بداية العام الجاري. وأوضحت أن العلاقات التجارية مع تل أبيب "لا تقتصر على المناطق اليهودية فحسب، بل تشمل أيضا 2.2 مليون فلسطيني يعيشون داخل إسرائيل، بالإضافة إلى سكان الضفة الغربية المحتلة، والقدس الشرقية، وقطاع غزة".
وأضافت أن "كافة السلع المرسَلة إلى المناطق الفلسطينية يجب أن تعبر من خلال النقاط الجمركية والموانئ الإسرائيلية وتسجَّل تحت اسم إسرائيل".
وكان وزير التجارة عمر بولات قال، في حوار مع الجزيرة نت، إنه منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول وحتى الرابع من ديسمبر/كانون الأول الماضيين، انخفضت التجارة بين أنقرة وتل أبيب بنسبة تزيد على 50%، وإن هذا الانخفاض مستمر.
توتر وانخفاض
ووفقا للمعطيات الصادرة عن هيئة الإحصاء التركية، شهدت الصادرات إلى إسرائيل انخفاضا من 489 مليون دولار في أكتوبر/تشرين الأول 2022 إلى 348 مليونا في أكتوبر/تشرين الأول 2023، كما تراجعت الواردات من إسرائيل خلال الفترة ذاتها من 241 مليونا إلى 99 مليونا.
وأظهرت بيانات رسمية صادرة عن وزارة النقل التركية أنه منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول المنقضي، توجهت 701 سفينة تركية نحو إسرائيل، بمتوسط 8 سفن في اليوم.
ومن هذا العدد، كانت 480 سفينة تتنقل بين أنقرة وإسرائيل مباشرة، بينما عبرت 221 سفينة عبر تركيا إلى إسرائيل، مما يمثل انخفاضا بنسبة 30% في الحجم الإجمالي للسفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية مقارنة بالعام الذي سبقه.
وترافق العدوان على غزة، والتوتر الذي أفرزه في العلاقات الثنائية، مع حملات مقاطعة شعبية متبادلة أدت إلى انخفاض التبادل التجاري بينهما -الفترة بين 7 أكتوبر/تشرين الأول و31 ديسمبر/كانون الأول 2023- إلى حوالي 1.3 مليار دولار، بتراجع بنسبة 45% مقارنة مع العام 2022.
ومع حلول نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كشفت تقارير إعلامية إسرائيلية أن تركيا قد استبعدت إسرائيل من قائمة الدول المستهدفة للتصدير، مما يشير إلى أن الدعم التركي للشركات التي تقيم تعاملات تجارية مع تل أبيب قد يتوقف.
قطع العلاقات
بحسب البيانات الإحصائية التي أصدرتها هيئة الإحصاء التركية، احتلت إسرائيل المركز الـ 13 في قائمة الدول الأكثر استيرادا للمنتجات التركية خلال العام 2023، مشكلة 2.1% من مجموع الصادرات التركية.
وفي تحديثها الأخير لفبراير/شباط الماضي، أعلنت جمعية المصدرين الأتراك عن نمو لافت في حجم الصادرات إلى إسرائيل، إذ أظهرت البيانات المعلنة زيادة قدرها 26% مقارنة بيناير/كانون الثاني الماضي، حيث ارتفع من 318 إلى 400 مليون دولار.
ومنذ مطلع العام الجاري، كانت الفواكه والحديد والمواد الكيميائية سلعا رئيسية في قائمة الصادرات التركية إلى إسرائيل التي شهدت أعلى معدلات التصدير.
وفي تصريحاته للجزيرة نت، قال محمود شاهين نائب رئيس حزب "هدى بار" إن الدول الإسلامية، بما فيها تركيا، يجب أن تتوحد على أساس سياسي مشترك وتقرر بشكل جماعي فرض عقوبات وتعليق جميع المستويات من العلاقات مع إسرائيل.
وأعرب شاهين عن أسفه لاستمرار الحكومة التركية في علاقاتها مع إسرائيل رغم سياسة التجويع التي ينتهجها الاحتلال بحق الفلسطينيين. وأكد موقف حزبه الذي يرى أنه يجب على تركيا وقف الاستيراد والتصدير مع إسرائيل فورا، معتبرا الأخيرة "شبكة إرهابية" ينبغي عدم التعامل معها دبلوماسيا في الساحة الدولية.
وشدد على أن موقف حزبه ضد الاحتلال الإسرائيلي واضح يتعلق بمبادئ الإسلام، وأنه ملتزم بمواصلة الضغط من جميع الجهات حتى يتم قطع جميع العلاقات التجارية مع إسرائيل.
كما لفت شاهين إلى أن الحكومة التركية لم تتخذ حتى الآن خطوات ملموسة لتعليق العلاقات التجارية والاتفاقيات مع إسرائيل، معربا عن خيبة أمله من عدم الاستجابة لدعوات حزبه بهذا الخصوص.
وأضاف نائب رئيس حزب "هدى بار" أن استمرار الشحنات التجارية من تركيا لإسرائيل غير مقبول، مؤكدا ضرورة إنهاء هذه التجارة في أقرب وقت ممكن.