هكذا يقضي المسلمون الجدد في البرازيل رمضان
ساو باولو- على مدخل جامع طارق بن زياد في الجهة الشرقية من مدينة ساو باولو يمكن سماع الناس الذين يتداعون باللغة البرتغالية -تحت المطر الصيفي الذي لا يتوقف- لصلاة المغرب.
كما يمكن سماع أسماء برازيلية تتردد بين الفينة والأخرى، رجالا ونساء وأطفالا، بعضهم بأزياء عربية وقبعات اعتاد رجال الدين المسلمين على ارتدائها، هؤلاء هم المسلمون الجدد يؤدون صلاة المغرب بعد أن يشربوا الماء ويتناولوا بضع تمرات وضعت على طاولة متواضعة في زاوية المسجد.
ينقسم المسجد إلى قاعتي صلاة، واحدة للرجال وأخرى خلفها للنساء، تفصل بينهما ستارة، وما إن تنتهي الصلاة حتى يصعد الجميع إلى القاعة العلوية لتناول وجبة الإفطار المكونة في معظمها من الأطعمة والحلوى العربية التي تعد بمطبخ جُهز خصيصا لهذا الغرض في المسجد، ويمتد وقت الإفطار حتى صلاة العشاء.
فرصة
ما إن ينتهي أغلب الصائمين من إفطارهم حتى يجمع الشيخ حسام البستاني مجموعة من هؤلاء المسلمين الجدد من أعمار مختلفة على مائدة واحدة لتناول القهوة، وهي فرصة للجزيرة نت للتحاور معهم وفهم طبيعة مشاعرهم والصعوبات التي تواجههم كالجوع والعطش ونظرة المجتمع لهم في رمضان.
بلغة عربية فصحى لكن بلكنة غريبة يقول مرسيلو سيبولا للجزيرة نت "لا صعوبات في رمضان، إنه شهر الرحمة، أشعر بأن رمضان فرصة لتطهير اللسان وتصفية القلب والذهن لنصل إلى معرفة إرادة الله".
ويضيف "أنا لا أبخل على الله بشيء، أمارس كل العبادات في رمضان وغيره، لا توجد صعوبات، بل بالعكس أنتظر رمضان في الصيف لأصوم أكثر".
ويقول لاودولينو ليما فينانسيا "الأجواء الرمضانية تدفع للتفكر والتأمل بالله، للأسف أنا لا أصوم، فلدي وضع صحي خاص يمنعني من ذلك، لكنني أدفع الكفارة، رمضان بالنسبة لي إحدى الطرق التي تقربني إلى الله".
أما غبرييلا فرنانديز كاردوسو فتوضح "أشعر بصعوبة بالغة في رمضان بسبب العطش الشديد، فهذا أول رمضان بالنسبة لي، عندما علم زملائي في العمل أنني صائمة وأن الصيام يعني الامتناع عن الطعام والشراب من الشروق إلى الغروب قاموا بمبادرة جميلة تجاهي، فقد صاموا معي جميعا".
وتضيف "لكنني رغم الصعوبات التي أواجهها أشعر بأن رحمة الله تتنزل في هذا الشهر، لا شيء يقارن بذلك، وهو يعطي القيمة الحقيقية للأشياء التي لها قيمة، وأدعو الله أن أصبح أول عالمة إسلامية شرعية برازيلية (شيخة)".
اندماج
بدوره، يقول أنطونيو روبيرتو باهوس وقد أطلق على نفسه اسم محمد راغب "ينتابني بهذا الشهر إحساس رائع وسعادة غامرة لا توصف، أؤدي واجباتي الدينية كاملة فيه، أما الصعوبات فهي مزحة، فالعبادة والسحور متعة، والإفطار سعادة، والوقت الباقي خارج إطار التعبد لله أعتبره زائدا بلا معنى".
لا يبدو اختلاف الثقافات واللغات وتعددها عائقا أو مشكلة أمام اندماج المسلمين وانسجامهم مع بعضهم، ويمكن أن تُسمع في قاعة الإفطار أكثر من لغة يتحدث بها الناس، كالبرتغالية، وهي لغة يستعملها أغلبية الحاضرين لسهولة التواصل بها، إلى جانب العربية والفرنسية والإنجليزية.
يقول باهوس "أعيش في مكان بعيد لا مسلمين فيه، ولهذا أشعر بالامتنان لوجودي بين أخوتي المسلمين في رمضان هنا، وأشعر بالانتماء والوحدة مع الجماعة، وأنني جزء من كل".
ويتابع "أحرص على أن أصلي التراويح بكثرة معهم، وأوزع زكاتي الفطر والمال، أما اللغة العربية فهي لا تشكل أي مشكلة بالنسبة لي على مستوى العبادات في رمضان أو غيره من الشهور".
وحدة المسلمين
ويعلق لاودولينو "أشعر أن لدى الجالية الإسلامية القدرة على استيعاب الجميع، خاصة المسلمين الجدد، إضافة إلى أن وحدة المسلمين تقوّي الأخوة الإيمانية، أما تعلم اللغة العربية فهو من الأمور المتقدمة جدا في حياتي إذا ما تم، ومع أنني أقرأ العربية بشكل جيد إلا أنني أجد صعوبة بالغة في فهمها".
أما غبرييلا فتؤكد "وجودنا مع بعض للصلاة والإفطار يشعرني بأننا نسير جميعا في طريق واحد ولغاية واحدة هي مرضاة الله، أُكثر في رمضان من الذكر والتراويح، وأتصدق على الفقراء حسب قدرتي، وأوزع على سبيل المثال بعض الوجبات الغذائية أو بعض الألبسة".
وتضيف "رغم عدم قدرتي على حفظ الكثير من الآيات القرآنية باللغة العربية فإنني أشعر بالسعادة الغامرة لسماع تلاوة القرآن بالعربية في رمضان".
من جهته، يقول مرسيلو "وجودنا في إفطار جماعي كهذا يشعرني بالوحدة وبقوة الإيمان، أنا أقوم بكل واجباتي الدينية، وأقدم موعظة قصيرة بين ترويحة وأخرى عن رمضان ومفاهيم الصوم والتقوى في الجامع الذي أصلي فيه قرب بيتي".
ويتابع "هنالك متع كثيرة في هذا الشهر، فأنا أقضي أوقاتا خاصة فيه مع أطفالي الذين أصبحوا يعدّون الأيام بانتظار عيد الفطر من أجل الحصول على العيدية، ورغم أنني أتكلم العربية بشكل مقبول فإنني ما زلت أعاني من عدم قدرتي على فهم القرآن بشكل جيد باللغة العربية".