"العتبة الانتخابية" في إندونيسيا تحرم أقدم الأحزاب وأحدثها من دخول البرلمان
جاكرتا- أُعلنت النتائج الرسمية للانتخابات التشريعية والرئاسية في إندونيسيا قبل أيام، لكن التدافع بين الأحزاب لم ينته بعد، فالمحكمة الدستورية تسلمت مئات الطعون على نتائج الانتخابات، ومن ذلك اعتراض حزب التنمية المتحد الذي وجد نفسه فاقدا لحضوره في البرلمان بعد 51 عاما من تأسيسه ووجوده تشريعيا وتنفيذيا، بسبب نظام العتبة الانتخابية.
وقالت المحكمة الدستورية إن المرافعات المتعلقة بطعون الانتخابات التي تسلمتها المحكمة حتى عصر اليوم الأحد بلغت 265 مرافعة، منها اثنتان متعلقة بالانتخابات الرئاسية والبقية مرتبطة بانتخابات مجلس البرلمان والشيوخ، مشيرة إلى أن عدد الطعون قد يتجاوز ما تم تقديمه بعد انتخابات 2019.
ومن أبرز تلك الطعون ما أفرزته من جدل قانوني وحقوقي حول عدالة نظام العتبة الانتخابية الذي يشترط حصول أي حزب على ما نسبته 4% من الأصوات حتى يدخل البرلمان المركزي، وهي نسبة رفعت تدريجيا من 2.5% عام 2009 إلى 3.5% في انتخابات عام 2014، حتى بلغت النسبة الحالية منذ عام 2019.
يرى الناقدون لهذا النظام أنه يحرم الفئات الأقل عددا والأحزاب الصاعدة والشبابية والصغيرة التي تمثل ملايين الأصوات من الوجود في البرلمان، وتحصر التمثيل البرلماني على الأحزاب الكبيرة والمتوسطة ذات الإمكانات المالية الأكبر، خلافا لدول آسيوية مجاورة يوجد في برلماناتها أحزاب ليس لها سوى مقعدين أو ثلاثة فقط.
ضحايا العتبة الانتخابية
أدى نظام العتبة الانتخابية إلى حرمان 10 أحزاب من الدخول إلى البرلمان رغم حصولهم على مئات الآلاف إلى ملايين الأصوات، في حين دخل البرلمان 8 أحزاب فقط.
وكان من ضحايا نظام العتبة الانتخابية أقدم الأحزاب ذات الصبغة الإسلامية تاريخيا وهو حزب التنمية المتحد الذي بلغ عمره البرلماني والحزبي 51 عاما، مما شكل صدمة لقيادات الحزب وقواعده التقليدية، حيث حصل على 3.87% من الأصوات أي 5 ملايين و878 ألفا و777صوتا، وهو ليس بالعدد القليل من الناخبين.
وقال أحمد بيضاوي المتحدث باسم الحزب إثر تسجيل مرافعة لدى المحكمة الدستورية أمس السبت إن حزبه فقد نحو 200 ألف صوت على الأقل في 30 دائرة انتخابية في 18 إقليما، كانت ستؤهله إلى الدخول إلى البرلمان.
كما لم تستطع 3 أحزاب ذات صبغة إسلامية أخرى الدخول إلى البرلمان بسبب العتبة الانتخابية، وأحدثها حزب الأمة المعارض، وحزب موجة الشعب الإندونيسي، وكذا الحال بالنسبة لحزب النجمة والهلال، وهو حزب قديم يحاول تجديد حضوره في أكثر من جولة انتخابية، لكنه يصطدم بالعتبة الانتخابية في كل مرة، رغم أنه من التحالف الداعم للرئيس المنتخب برابوو سوبيانتو.
وقال رئيس ومؤسس حزب موجة الشعب أنيس متى متحدثا للجزيرة نت إنه يجب إزالة نظام العتبة الانتخابية في الانتخابات التشريعية والرئاسية على حد سواء، لأن هذا النظام يضيق مساحة المشاركة الشعبية، ويهدم معنى التمثيل الشعبي الحقيقي للناخبين.
وأضاف متى أن "هناك شرائح ومكونات فكرية وثقافية واتجاهات اجتماعية وسياسية جديدة لدى الناخبين لا يمكن تمثيلها من خلال الأحزاب التقليدية الموجودة اليوم"، مؤكدا أن إزالة شرط العتبة الانتخابية "تهدف إلى استيعاب كل التغيرات الفكرية والاتجاهات الاجتماعية والسياسية الجديدة في إطار نظام سياسي عادل ومنفتح".
تقسيم التركة
كما لم يستطع حزب التضامن الإندونيسي وهو من الأحزاب العلمانية الشبابية الجديدة الوصول إلى البرلمان أيضا، رغم تفاؤل الحزب بإمكانية ذلك عندما سُلمت رئاسته لكايسانغ بانغاريب (29 عاما) ثاني أبناء الرئيس الحالي جوكو ويدودو، حيث حصل الحزب على أكثر من 4 ملايين صوت أو ما نسبته 2.80%، بفارق تجاوز المليون ونصف المليون صوت عن انتخابات 2019 التي لم يستطع أيضا الدخول فيها إلى البرلمان.
الحال نفسه تكرر مع عدة أحزاب قومية ووطنية وعلمانية أخرى وهي حزب الاتحاد الإندونيسي لرجل الأعمال هاري تانو (1.29%)، وحزب ضمير الشعب الإندونيسي (0.72%)، وحزب العمال (0.64%)، وحزب نهضة نوسانتارا (0.21%)، وحزب غارودا (0.27%).
وبسبب هذا النظام، فقد ألغيت أصوات أكثر من 17 مليون ناخب، أو ما يعادل 11.3% من الأصوات الصالحة للناخبين وهو ما صب في صالح الأحزاب الكبرى، حيث تعاد تقسيم تلك "التركة" حسابيا على الأحزاب الأخرى، رغم فوز نواب هذه الأحزاب الصغيرة في دوائرهم.
اللافت أن المحكمة الدستورية، وبعد أسبوعين من الانتخابات، قضت بقرار -فاجأ كثيرين في توقيته- يقضي بأن يعمل المشرعون على إعادة النظر في نظام العتبة الانتخابية المنصوص عليه في القانون الحالي المقر عام 2017، وذلك تمهيدا لانتخابات عام 2029، مع الإبقاء على شرط العتبة الانتخابية في الانتخابات الحالية.
إعادة النظر
وقالت المحكمة الدستورية إن نظام العتبة الانتخابية "يتنافى مع مبدأ سيادة الشعب وعدالة الانتخابات، ويخالف مبدأ اليقين القانوني الذي يضمنه الدستور"، وكان ذلك استجابة جزئية لمرافعة تقدم بها ناشطون من "التجمع من أجل الانتخابات والديمقراطية" رأوا في نظام العتبة حرمانا لملايين المواطنين من ترجمة أصواتهم إلى تمثيل تشريعي.
واللافت أن المحكمة الدستورية طالبت بإشراك الأحزاب التي لم تجد طريقها هذه المرة إلى البرلمان بسبب العتبة الانتخابية في مناقشات إعادة صياغة قانون الانتخابات.
وفي حديثها للجزيرة نت، قالت خير النساء نور أغوستياتي الرئيسة التنفيذية للتجمع من أجل الانتخابات والديمقراطية إنهم أكدوا في مرافعتهم -التي قبلت المحكمة الدستورية جزءا منها- بأن تعاد حسبة العتبة الانتخابية من جديد إن كان الهدف "تبسيط" أو "تهذيب" المنظومة الحزبية في البلاد، أو تقليل عدد الأحزاب.
وقالت إنه لا يعرف من أين جاءت فكرة فرض نسبة 4%، وما المسوغات المنطقية لها حسابيا، مقترحة وضع سبل أخرى تحكم نظام الأحزاب غير نظام العتبة الانتخابية.
واعتبرت أغوستياتي حكم المحكمة الدستورية الأخير لحظة مناسبة لمراجعة قانون الانتخابات، بعد أن ثبت أن نظام العتبة الانتخابية ألغى أعدادا كبيرة من أصوات الناخبين، مقترحة إعادة حسبة أعداد البرلمانيين لكل دائرة وغير ذلك من الوسائل التي لا تضيع أصوات الناخبين.
وأشارت إلى أن الأحزاب الكبيرة لا تجد نفسها مهددة بنظام العتبة الانتخابية، بينما يهدد ذلك الأحزاب المتوسطة والصغيرة، مؤكدة ضرورة وضع مسوغات ومسببات منطقية وواضحة إذا ما أعاد البرلمان مجددا في تعديله -الذي طالبت بإجرائه المحكمة الدستورية قبل انتخابات 2029- وضع نسبة معينة للعتبة الانتخابية.