ما مصير انتفاضة السويداء بعد قتيلها الأول؟
السويداء- لم يزد الاحتقان والترقب في السويداء جنوب العاصمة السورية دمشق عن ليلة واحدة أعقبت سقوط أول قتيل في انتفاضتها الحالية هو جواد الباروكي (52 عاما)، الأربعاء الماضي، بعد مظاهرة تطالب بتسوية أوضاع الملاحقين أمنيا وعسكريا.
وطالب المحتجون في المظاهرة التي نظمت أمام قاعة "السابع من نيسان" التي تتخذها "لجنة التسويات" مقرّا لها منذ عام 2022، بوقف عمل اللجنة مرددين شعارات تدعو إلى إسقاط الرئيس بشار الأسد ورحيل النظام.
وحملت الأيام الأخيرة من فبراير/شباط الماضي نبرة تصعيدية عالية من حراك السويداء، حيث دعا المشرفون عليه، الثلاثاء الماضي، إلى إضراب عام استجابت له فعاليات سياسية وشعبية واسعة، ترافق مع اقتحام مقرّ "الشعبة الشرقية لحزب البعث" وتفريغه من محتوياته الورقية، وتمزيق صور رئيس النظام السوري ووالده حافظ الأسد.
وتكرر الأمر ذاته صباح اليوم الجمعة التالي مع مقرّ "شعبة المدينة لحزب البعث" غير البعيد عن "مركز التسويات" لكن عناصر حماية المركز واجهوا المتظاهرين بالرصاص، مما أدى إلى وقوع قتيل واحد وجريح.
تشييع شعبي
وحظيت جنازة "القتيل" جواد الباروكي بتشييع شعبي وسياسي وديني واسع بحضور شيخي العقل حمود الحناوي الداعم لحراك السويداء، ويوسف جربوع المقرّب من نظام دمشق.
وكان شيخ عقل الموحدين الدروز حكمت الهجري قد وصف في وقت سابق أول قتلى انتفاضة السويداء بـ"شهيد الواجب"، دون أن يحضر مراسم التشييع والجنازة.
ورغم مظاهر الحذر والترقّب في الشارع الدرزي المنتفض ضد نظام بشار الأسد، فإن المحتجين وصلوا بأعداد كبيرة إلى ساحة الكرامة وسط السويداء، عقب انتهاء مراسم الدفن، ورددوا شعارات تدين رأس النظام السوري، وتصفه بالقاتل بعد انقضاء ليلة طويلة رافقها استهداف مسلحين مجهولين لبعض المقرات الأمنية والعسكرية بالقذائف دون وقوع إصابات.
من جهته، قال عضو الهيئة السياسية للعمل الوطني جمال درويش، للجزيرة نت، إنّ النظام السوري، وخلال الأشهر السبعة الماضية، حاول اختراق حراك السويداء مستخدما "القوة الناعمة" نظرا لعدم تمكّنه -ولأسباب معروفة- من قمع الحراك عسكريا.
وأضاف أن النظام اكتفى ببث الخلافات بين مكونات الحراك السياسية من جهة، ودفع أشخاص إلى طرح مشاريع انفصالية من جهة أخرى، دون أن تثمر تلك المحاولات شيئا بعدما تصدّت لها إدارة الحراك الناجحة.
بدوره، يقول مهند شهاب الدين، الناشط السياسي والمعتقل السابق ورئيس تجمّع "هدف"، إن النظام، ومن خلال بثّ الفتنة، حاول شق صف حراك السويداء مستعينا بأشخاص مندسين وعملاء تصرفوا بما يخدم مصلحة النظام، على حد تعبيره.
وأوضح شهاب الدين، للجزيرة نت، أن النظام سعى إلى "ترويج التخوين كسلعة أضرّت بحراك السويداء، وما اتصل بها من خلافات وتجاذبات جانبية حملت كثيرا من "الشخصنة"، ونجح بها إلى حدّ ما، دون أن ينتصر".
وسائل مفضوحة
أما الفنان التشكيلي فادي الحلبي، وهو عضو الحركة الشبابية السياسية، فيرى أن النظام السوري لم يفقد بطشه كما يتراءى للبعض، وإنما الظروف الدولية والإقليمية لا تساعده اليوم على التعامل مع انتفاضة السويداء بالصورة القمعية التي تعامل بها مع باقي المحافظات السورية التي ثارت عليه عام 2011.
ويقول للجزيرة نت إن النظام يهدف إلى تفتيت حراك السويداء من داخله بغرض استنزافه، وهذا ما صرّحت به مصادر غير رسمية تتبع النظام أكثر من مرّة.
أما رئيس تجمّع "بنا الوطن" خالد جمول، فيعتقد أن إعادة طرح مطالب الشارع السوري، وتنفيذها بشكل متسلسل يكون أقرب إلى الواقعية السياسية وهو الأكثر جدوى، وحينها قد لا يجد النظام ذرائع كافية لمجابهة حراك السويداء.
ويضيف للجزيرة نت "لن ينجح النظام باستدراج انتفاضة السويداء إلى ممارسة العنف المضاد بعد وقوع قتيل وإصابة متظاهر آخر أمام مركز التسويات الأمنية المشبوه، إذ إن وسائله تلك باتت مفضوحة أمام الدول صاحبة القرار في الملف السوري".
ويبدو أن استبعاد فرضية انتقال حراك السويداء إلى ممارسة حالة عنف ضد النظام السوري، بعد سقوط أول قتيل له، يلاقي مزيدا من الإجماع حوله، فبحسب فادي الحلبي عضو الحركة الشبابية السياسية، لا إمكانية لاستدراج حراك السويداء إلى ممارسة العنف، "لكن التشكيك بأساليب النظام المريبة أمر وارد".
ويوضح أن النظام السوري يمتلك دائما من الأدوات والأساليب ما يجبر الناس على الانجرار إلى العنف كرد فعل، خاصة بما يمتلكه من مجموعات غير رسمية تحمل مسميات مختلفة بعضها عسكري، وبعضها الآخر اجتماعي وديني.
تماسك وصمود
وهذا ما يراه أيضا درويش، ويقول للجزيرة نت إن النظام يسعى دائما إلى استفزاز المتظاهرين لجرّهم إلى ملعبه كما حدث في الأمس القريب عندما سقط القتيل الباروكي أمام مركز التسويات الأمنية، غير أن حراك السويداء بات اليوم يمتلك هوية حققت له كلّ هذا التماسك والصمود والاستمرارية.
ويضيف مهند شهاب الدين، الناشط السياسي والمعتقل السابق، تسمية بعض مواطن القوّة لحراك السويداء التي سببت ديمومته الطويلة، ويقول للجزيرة نت "استطاع الحراك إرساء ثقافة الرفض التي كانت غائبة عن الفضاء السياسي، وخلق ثقافة العمل الجماعي، وإن كانت خجولة، لكنها باتت موجودة".
ويتابع "دون أن ننسى ظهور التجمع المهني الذي ضم فعاليات سابقة له مثل فعالية المهندسين الزراعيين والمدنيين وفعالية الأطباء والمحامين، وهو إطار مدني جاء كحالة غير مسبوقة في تجميع تلك المكونات المدنية ووضعها في إطار عمل سياسي متجانس".
ويوم الأحد الثالث من مارس/آذار الحالي سيكون حراك السويداء قد أتمّ يومه الـ200، دون أن يفقد زخمه.